عذاب أو عقاب الزناة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٣٠ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة : جاءنى هذا الخطاب يسأل ، وأرد عليه بهذا المقال .

يقول السائل : ( صباح الخير يا دكتور. انا عندي سؤال عاجل جدا . انا لا اؤمن بالرجم و كان من اهم الدلائل على ان هذا الحد المزعوم ليس الا كذبا و افتراء ايه و يدرأ عنها العذاب ... و الدليل هو ان العذاب هو ما دون الموت مثل قوله تعالى ... ( لاعذبنه عذابا شديدا او لاذبحنه ) و قوله ايضا ( و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها ) و بصراحة هذا الدليل كان بالنسبة لي كافي جدا لنفي هذا الحد المزعج . بصراحة الدليل ده في احد المناقشات مع من يؤمنون بالرجم اتهز جدا ... لانه ولد محاور جيد و انا اتبسطت من قدرته على النقاش. فهو دخل علي من مدخل ان العذاب ايضا يعني الموت و ساق لي ايتين الاية الاولى كانت ( يسومونكم سوء العذاب يذبحون ابناءكم و يستحيون نساءكم ) ... و دي رديت عليه فيها بكل بساطة و هو ان هذا دليل عكسي و مردود عليه و يؤكد كلامي ... هو لما قرأ الاية اعتبر الذبح هو العذاب فرديت عليه و قلتله هات الاية من اولها و افهمها صح ... المخاطب هو من نجا من بني اسرائيل ( اذ انجيناكم ) و كان عذابه انه مستضعف يقتل ابناءه امامه و تغتصب نساؤه و هو مقهور لا يستطيع فعل شيء. و كان ردي عليه مقنع له تماما ، لكنه فاجأني بآية اخرى و هي اكثر ايه متشابهة في سورة القمر ، والتي تأتي تعقيبا على اهلاك الكفار من قوم نوح و عاد وغيرهم  هي قوله تعالى ( فكيف كان عذابي و نذر ) و يقول ان كلمة ( عذابي ) هنا تعني القتل و الاهلاك .  و انا رديت عليه  و قلت له ان هذه الاية تتحدث عن ما بعد الاهلاك و هو عذاب يوم القيامة و النار التي انذروا بها و جاء بصيغة الماضي لتأكيد وقوعه في المستقبل. بس بصراحة هذا الرد من وراء قلبي .. و بمنتهى الامانة انا طول عمري فاهمها على انه تعقيب على اهلاك الكفار و لما بسمعها و انا بصلي دايما فاهمها انه تعقيب على هلاكهم الذي حدث ليكون عظة للناس . و بالتالي الدليل اتهز عندي جدا ... لانه اصبح ان كلمة العذاب قد تدل على الموت . الحقني ارجوك . محتاج رد منطقي عقلاني او حتى لغوي يريح قلبي مرة تانية . شكرا.)

 أولا :

 1 ـ حجتك قوية فى أن الخطاب لمن نجا من القتل : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ ) (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ ) .

وأضيف الآتى : جاء فى سورتى البقرة والأعراف : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (49) البقرة )(وَإِذْ أَنجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141) الاعراف ). وفيهما جاء تفسير سوء العذاب بذبح الأبناء وإستحياء النساء . أى بدون ( واو ) العطف . بما يؤكد أن تفسير سوء العذاب لهم كان فى ذبح الأبناء وإستحياء النساء . ولكن لا نستبعد وجود عذاب آخر مضاف الى ما سبق وخاص بهم ، وهذا قد جاءت الإشارة اليه فى قول موسى لهم بعد نجاتهم من فرعون : ( وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (6) ابراهيم ). هنا نفهم تعرضهم لسوء العذاب بالإضافة الى ما كان يحدث لابنائهم ونسائهم . ويقول جل وعلا عمّن نجا من ينى إسرائيل بعد تعرضهم للإضطهاد الفرعونى : ( وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ الْعَذَابِ الْمُهِينِ (30) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ الْمُسْرِفِينَ (31)  الدخان )

 ثانيا :

 قواعد البحث القرآنى أننا بدون رأى مسبق نقوم بتجميع كل الآيات الخاصة بالموضوع فى سياقها الخاص فى نفس السورة ، وفى سياقها العام فى القرآن كله ، ثم نحدد معنى اللفظ المراد من خلال هذا السياق . ولقد كنتُ أول من أعلن نفى حد الرجم ، ونشرت هذا فى التسعينيات فى مصر فى جريدة القاهرة وقت أن كان رئيس تحريرها الاستاذ  صلاح عيسى ، ثم أعدت نشره فى موقعنا وفى الحوار المتمدن . وممّا قلت فيه (..والمهم ان عقوبة الزنا مطلقا هي الجلد لا الرجم ( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ، ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ، ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ، وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) اذن فالجلد هو العذاب.
وفي حالة الجارية التي تزنى بعد زواجها قال تعالي : ( فاذا احصن فان اتين بفاحشة فعليهن نصف ما علي المحصنات من عذاب ) أي خمسون جلدة ، أي انه وصف عقوبة الجلد للجارية بانه عذاب .. والقائلون بأن التي تتحصن بالزواج ثم تزني تعاقب بالرجم كيف يفعلون مع قوله تعالي ( فعليهن نصف ما علي المحصنات من العذاب ) هل يمكن تنصيف الرجم ؟ وهل هناك نصف موت ؟
وفي حالة نساء النبي يقول التشريع القرآني ( يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين ) . فوصف عقوبة لجلد بأنه ( عذاب ) قدره مائتا جلدة ، والقائلون بان عقوبة المتزوجة هي الرجم ، كيف يحكمون بمضاعفة الرجم لنفس الشخص ؟ وهل يموت الشخص مرتين ؟ هل يقتلونه بالرجم مرتين ؟ 
والرجل اذا عجز عن اثبات حالة التلبس بالزنا علي زوجته ولم يستطيع احضار الشهود فيمكن ان يشهد بنفسه امام القاضي انها زانية اربع مرات ، ويؤكد شهادته الخامسة بأن يستجلب لعنة الله عليه ان كان كاذبا ، وتلك حالة اللعان ، ويمكن للزوجة المتهمة ان تدفع عن نفسها عذاب الجلد بأن تشهد اربع شهادات بالله بأن زوجها كاذب في اتهامها ، ثم تؤكد في شهادتها الخامسة بان تستجلب غضب الله عليها ان كان زوجها صادقا في اتهامه لها ، يقول الله تعالي ( والذين يرمون ازواجهم ولم يكن لهم شهداء الا انفسهم فشهادة احدهم اربع شهادات بالله انه لمن الصادقين ، والخامسة ان لعنت الله عليه ان كان من الكاذبين ، ويدرأ عنها العذاب ان تشهد اربع شهادات بالله انه لمن الكاذبين ، والخامسة ان غضب الله عليها ان كان من الصادقين ) النور 6 : 9.
ويهمنا هنا ان الله تعالي وصف عقوبة الزنا بأنها عذاب ، فقال ( ويدرء عنها العذاب ) وهو نفس الوصف الذي سبق لعقوبة الجلد .. اذن عقوبة الزنية المتزوجة هي الجلد وليس الرجم.
ثم ان تشريعات القرآن في الايات السابقة تعامل المرأة الزانية علي انها تظل حية بعد اتهامها بالزنا واقامة عقوبة الجلد عليها ، وكذلك الزاني ، فالقرآن الكريم يحرم تزويج الزاني او تزويج الزانية من الشرفاء ، فلا يصح لمؤمن شريف ان يتزوج زانية مدمنة للزنا، ولا يصح لمؤمنة شريفة ان تتزوج رجلا مدمنا علي الزنا ( الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة والزانية لا ينكحها الا زان او مشرك وحرم ذلك علي المؤمنين ) النور : 3 ، ولو كان مصير الزاني او الزانية هو الرجم موتا لما كان هناك تفصيل في تشريعات حياته طالما هو محكوم عليه بالموت ، ونفس الحال في اضافة عقوبات للمطلقة الزانية باخراجها من البيت ومنعها عن الزواج حتي تدفع بعض المهر ، واذا كان هناك عقوبة الرجم علي تلك الزانية المحصنة لما كان هناك داع لتشريع يمنعها من الزواج ثانية ، أو يسمح بطردها من البيت في فترة العدة.
واكثر من ذلك..فالله تعالي يتوعد الزناة بمضاعفة العذاب والخلود فيه يوم القيامة اذا ماتوا علي اصرارهم علي الزنا ، الا من تاب وآمن وعمل صالحا ، فاولئك يبدل الله تعالي سيئاتهم حسنات ( يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ، الا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ) الفرقان : 69 ، 70 . فاذا كان مصير الزاني هو الرجم فلن تكون له فرصة للتوبة والايمان والعمل الصالح الذي تتبدل به سيئات الزنا الي حسنات . بحيث تخفي عنه صفة الزاني ليحل محلها وصف الصالح عند الله تعالي … ذلك ان الزاني صفة وكذلك الزانية ، وهذه الصفة تلحق بمن اشتهر بالزنا ولم يستطيع الاقلاع عنه ، فأن اقلع عنه وتاب سقطت عنه تلك الصفة ولحقت به صفة اخري هي التائب أو الصالح ، وذلك عند الله تعالي.  ).

ثالثا : العذاب فى إهلاك الأمم السابقة كان يسبق الموت

1 ـ الاهلاك الذى يحدث للأمم السابقة كان يسبقه عذاب . يقول جل وعلا عنهم : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ (42) فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (43) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45) الأنعام ). هنا عذاب بالبأساء والضراء ، ثم إختبار بالنعيم ، ثم الإهلاك الذى كان يقطع دابرهم .

2 ــ ووقوع الاهلاك كانت تسبقه إرهاصات ، وكانت ذاكرة الأمم تسجل ما حدث للسابقين ، وقوم يونس سارعوا حين نزل بهم العذاب الى الايمان فنجوا من الاهلاك ، يقول جل وعلا : (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)   يونس ).

3 ـ وأختلف الأمر مع فرعون وقومه ، نزل بهم العذاب فلم يتعظوا فكان إهلاكهم بالغرق ، يقول جل وعلا : ( وَمَا نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (48) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ (49) فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمْ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (50) الزخرف )، الى أن يقول جل وعلا : (فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ).

4 ـ قوم نوح كان عذابهم بالطوفان ثم كان موتهم به أيضا . يقول جل وعلا : ( فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) القمر ). لنتخيل مراحل الطوفان ومطاردة الماء لهم من تحت أقدامهم ومن فوق رءوسهم ، من الأرض ومن السماء ، وهم يحاولون النجاة منه فى رعب وخوف . تخيل موقف ابن نوح وهو يحاصره الموج الذى كان كالجبال : ( وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنْ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنْ الْمُغْرَقِينَ (43) هود ). عن هذا العذاب يقول جل وعلا (فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) القمر )

5 ــ قوم عاد تعرضوا لعذاب من الريح إستمر سبعة ليال وثمانية أيام ، كان من شدة العذاب فيها ومن شدة الظلام وقتها أن كانت مثل يوم طويل ممتد مستمر من العذاب يتم فيه موتهم واحدا واحدا أو مجموعات مجموعات يرى بعضهم بعضا يعانى ويموت ، يقول جل وعلا : (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة ). وقت اسبوع العذاب هذا كان يوما كئيبا من النحس ،تقوم الرياح بحمل الواحد منهم وتطير به الى السماء ثم تلقيه على الأرض جثة هامدة ،  يقول فيه جل وعلا : (  كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (18) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (19) تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (20) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21)) القمر ).كانت جثثهم رمما يرونها فى هذا الاسبوع بسبب هذا الريح العقيم : ( وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42)الذاريات ) . لذا كان عذابا مصحوبا بالخزى، يقول جل وعلا: ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) فصلت ) . يقول جل وعلا عن عذابهم ( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (21) القمر).

6 ــ قوم ثمود تمت إبادتهم مرة واحدة بالصاعقة أو الصيحة . ولكن سبق إهلاكهم الندم الشديد ، فبعد أن منحهم الله جل وعلا ناقة مخلوقة من الصخر عقروها فأصبحوا نادمين ، ثم جاءهم العذاب : (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ (157) فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ )(158) الشعراء ).وقت هذا الندم جاءهم الانذار بأن أمامهم ثلاثة أيام يحل بعدها الهلاك ، وخلال هذه الأيام تم إنقاذ المؤمنين وترك أولئك الكفرة فى رعب وخزى ينتظرون مصيرهم : (  فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (67) هود ). جاءهم الاهلاك ليلا ، فأصبح الصباح وقد تحولوا جثثا فى ديارهم . بعد الانذار ظلوا ينظرون حواليهم يترقبون من أين يأتى الهلاك لهم ، ففوجئوا بالصاعقة تدوى بصيحة أو بإنفجار كهربائى يصعقهم ويتحولون به الى هشيم ، ويبلغ الذعر بهم عجزهم عن الحركة والفرار من مكانهم ، يموتون حيث كانوا : ( وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (43) فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ (44) فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ (45) الذاريات ). هذا هو العذاب الذى سبق هلاكهم الذى يقول عنه جل وعلا : ( فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (30) القمر) ويقول جل وعلا عن الهلاك ( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (31) القمر).

7 ــ قوم لوط : جاء الانذار بالهلاك بطمس أعين الذين راودوا ضيوف لوط عن أنفسهم ( الملائكة ) يقول جل وعلا : (وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) القمر ) . ثم كان الصبح هو موعد العذاب الذى يأتى مصحوبا بالإهلاك ، يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) القمر ). فى الليلة السابقة جاءت الأوامر الى لوط بأن يسرى بالمؤمنين ليلا تاركا تلك القرية الملعونة دون أن يلتفتوا اليها : ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) هود ) . وأن يسيروا بطريقة معينة فى إنحناء كهيئة الركوع حتى لا يؤذيهم تدمير تلك القرية : (  فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنْ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66)  الحجر ). وجاء الاهلاك بما يشبه التدمير النووى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) هود )( فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ (74) الحجر ). هذا إهلاك مصحوب بمعاناة عذاب هائل يُفضى الى الموت . تخيل زلزالا يضرب مدينة يقلب عاليها سافلها ، وهو زلزال مرتبط بانفجارات تدمر المبانى ومن فيها ، يهربون من هنا فيجدون الموت هناك ، وقنابل السماء تطاردهم ، ولا مهرب لهم منها ، ومع ذلك يحاولون بغريزة اليقاء الهروب منها .!! يقول جل وعلا عن هذا العذاب الذى جاءهم صباحا فأهلكهم : ( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) القمر ).

وهكذا فالسياق الموضعى والسياق العام يؤكد أن العذاب كان يسبق الاهلاك الذى حدث للأمم السابقة ، كما أن السياق فى عقوبة الزنا يؤكد أن العذاب كان يعنى الجلد وليس الرجم .

والله جل وعلا هو الأعلم .!

اجمالي القراءات 16126