مغرب ما قبل القرون الوسطى اليوم

عبد الغاني بوشوار في السبت ١١ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مغرب ما قبل القرون الوسطى اليوم

 

أنا فخور بهويتي المغربية وبانتمائي للبشرية المتسامحة والمتعاونة على تبادل المنافع والقضاء على الجهل. ومنذ أن بدأت أكتب وأنا أخاطب الضمائر الحية ومحاولة إيقاظ اهتمام المسئولين بمعاناتنا كمواطنين وكمواطنات مظلومين جراء أفعال وقرارات الذين ينتهكون حقوقنا الشرعية التي يضمنها القانون. لم أفقد الأمل وأنا على يقين أن الساهرين على مصيرنا لن يألوا جهدا في اجتثاث المفسدين من بين ظهرانينا والسير قدما نحو تحقيق طموحاتنا في العيش الكريم في ظل العدالة والمساواة والتضامن.

فخري واعتزازي ببلدي الغالي والغني لا يكدر صفوه إلا ما أراه في قرانا ومدننا من الفوارق المذهلة التي نصطدم بها في ما وصف بالمغرب غير النافع الذي يجسد الفقر المدقع والتهميش والجهل ونمط العيش الذي لا يليق بالإنسان المغربي، بالرغم من إيماني بأن كل المغرب نافع لو اهتم المسئولون بجميع مناطقه بدون استثناء كل من موقع مسئولياته.

أيقبل المغاربة والمسئولون منهم أن توجد في مغربنا الغالي والغني مناطق يعيش بعض أهلها في عصور ما قبل القرون الوسطى؟ لقد اصطدمت في زيارتي للجماعة القروية لسيدي عبد الله البوشواري والجماعة القروية لأيت ملك اشتوكة ايت باها في الجنوب أن أجد مناطق في بلدنا وخصوصا أسواقها كأنها لم تسمع بالحضارة أبدا. وإذا طمست الأعمدة الكهربائية، فإن الانسان لا يسعه إلا أن يتخيل أنه فعلا يعيش مع إنسان الكهوف: لا مستشفى ولا طرقات ولا ماء ولا كهرباء ولا مواصلات ولا اتصالات، والحمير ما تزال وسيلة التنقل لكثير من الساكنة. هذه المناظر والمظاهر لا تشرف بلدنا وإذا أضفنا إليها المشردين والمظلومين الذين ينتظرون أن ينصفوا يوما، فإن المشهد مهول ويستوجب الإنكار والحولقة.

لقد تشرفت بالتعرف على عجوز قد يتجاوز عمرها التسعين سنة في أيت ملك وكنت صادفتها في أحد المحاكم منذ فترة. الكل يعرفها في سوق أيت ملك واسمها 'إبا عقيدة'.في بضع دقائق لخصت لي قصتها وسمحت لي بتصويرها. إنها تشتكي من الظلم جراء تجاوزات الورثة الذين استولوا على أراضيها وقد ادعت أنهم سمموا أولادها وغاب عنها زوجها الذي لقي حتفه قبل زلزال اكادير وهي منذ ذلك الحين أرملة وتعيش بمفردها في بيت تضطر لإخلائه في موسم الأمطار حيث تفترش ألأرض في مكان تستطيع اتقاء شر البلل.إنها تحمل معها كل ممتلكاتها،وإذا وجدت أكلا يوما فقد لا تجده يوما آخر أما الشاه فتتشوق إليه وتندم في اليوم الذي لا يتكرم فيه أحد عليها به أو لا تستطيع دفع ثمن البراد في المقهى. وكل همها هذه الأيام أن تؤمن مكان اللجوء إليه عند قدوم الأمطار.

 تصدقت بما تيسر ولما اشتكت من عدم تناول الشاه، أخذت لها 'القالب' وعلبة شاه فاستأذنت لتركها لكنها أمهلتني وقالت: "حتى أنا أريد أن أعطيك من ملحي"، فأخذت تفتش في بعض الأكياس  ففتحت بشق الانفس واحدا وأخرجت خاتما من الفضة الخالصة ومدته إلي قائلة هذا لزوجتك قل لها أن تفركه فإن بداخله خاتما آخر وشكرتها فطلبت مني الانتظار لتعطيني خاتمي أنا أيضا. فتشت المسكينة وهي تهمهم' أنا متأكدة أنه موجود'، فمدت ألي صرة قائلة فك العقدة أو قصها فلك هذا. أخذته ووضعته في إصبعي وفرحت به وتعجبت من كرمها وسخائها وأدبها وتذكرت مقولة الأعرابية التي اتهموها بالبخل فقالت:"بيتي يبخل لا أنا"، وشكرتها على أمل اللقاء بها مرة أخرى وانصرفت.

على بعد أمتار قليلة في سوق أيت ملك بين ألقاذرات الموجودة في كل مكان، صادفت رجلا في مقبل العمر متكئا على كل ما يملك، فاعطيته ما تيسر وبدأت أكلمه وهو لا ينطق ولا يجيب على أنه يرفع إصبعه إلى السماء مشيرا على ما يبدو  إلى الله ليلطف به وينظر إلى حاله، فمر رجل وأمره أن يتكلم وسألته وهل هو يستطيع؟ فأحاب بالإيجاب وتبادلنا بعض الحديث فما كان إلا أنه مشرد ومنبوذ من إخوانه الذين استولوا على إرثه ولا أحد اهتم بوضعه ولا انصافه ولا معيشته فانغمس في التيه والتنقل من مكان إلى مكان لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا.

هاتان الحالتان ليست منفردتين بين الساكنة في كثير من مناطق مغربنا الغالي والغني وتستوجب أن نخجل من وجودها بيننا ونشمر عن سواعدنا حتى لا يوجد بيننا من لا يستطيع توفير قوة يومه ولباسه ومكان يأوي إليه وسوق لا يشبه ما كانت عليه أسواق ما قبل القرون الوسطى. أيستحيل على الجماعات القروية تأمين عشرة دراهم يوميا لمثل هكذا حالات التي يرثى لوضعها المزي والذي يشكل وصمة عار على كل المغاربة؟

إن 'إبا عقيدة" والمخلوق الثاني الذي يظل بدون اسم و'إبا امسة' قد لا يحتاجون إلا للمخلصين وتدخل المسئولين للنظر في حالهم وإنصافهم لاسترجاع حقوقهم من الإرث الذي استولى عليه الظالمون، وقذ ذكر لي بعض من التقيت معهم بأن 'إبا عقيدة" لها مآخذ على مصلحة 'بوغبا'. أمل أن تنتبه سيدتنا الوزيرة الحقاوي بوضع كل الحالات مثل هاتان وأن توعز وزارة الداخلية إلى من يهمه الامر في الجماعات القروية أن يقوموا بواجباتهم تجاه الساكنة والمناطق التي يتحملون المسئوليات فيهاو ليدركوا بأن بعض الأسواق القروية في مغربنا الغالي والغني تعيش في ظروف ما قبل القرون الوسطى. هذه ليست على ما يرام ولا شملتها رعايتنا.

ملاحظة: أعتز بهدية 'إبا عقيدة' وصممت أن ألبس الخاتم الفضي كعربون التعاطف مع المناضلة في معركة الحياة.

اجمالي القراءات 4400