السيسى ومشروعاته القومية

كمال غبريال في الأربعاء ٠١ - أكتوبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً


رغم الزفة الإعلامية التي صاحبت الإعلان عما سمي مشروع "قناة السويس الجديدة"، والتي مازالت تدق طبولها وتنفخ في مزاميرها، فإن أصواتاً عديدة وإن تكن واهنة، لكنها علمية ورصينة، قد وصلت بلا شك إلى مسامع السيد رئيس جمهورية مصر. ما ولد لدينا أملاً ولو ضئيلاً، في إمكانية انتباه سيادته، إلى خطل وخطر الطريقة التي أشار به عليه "أتباع السوء"، لانتشال مصر من ورطتها الاقتصادية، بما ترتب عليها من تداعيات سياسية واجتماعية وفكرية. لكن حتى هذا القبس الخافت من الأمل يكاد يتبدد، حين تطالعنا الصحف بمانشيتات مثل: "الدولة ضمت مشروعي ممر التعمير والمثلث الذهبى مع مشروعات الطاقة المتجددة، لدراسة إمكانية طرحها على المواطنين بنظام شهادات الاستثمار، أسوة بما تم فى مشروع قناة السويس الثانية".
هو إذن الإصرار على المضي في ذات الطريق. طريق الخوض في بيداء الرؤى المتعاظمة الوهمية، والضياع فيها. بما لابد وأن يصاحب هذا من تخريب كامل للاقتصاد المصري، الذي لا يكاد يقف بالأساس الآن على قدمين، وإنما يتداعى مستنداً على التسول من دول الخليج. لقد حدثنا السيد الرئيس عن حاجتنا إلى "قفزات" اقتصادية واسعة، لعبور الورطة الاقتصادية الراهنة، وهذا صحيح بلا شك. لكن يبدو أن "القفزة" في مفهومه، ومفهوم المحيطين به والسائرين في زفته الإعلامية الداهمة، تعني "القفز" إلى عالم الخيالات والأوهام، وتجاهل كل القوانين والمعايير الاقتصادية، التي تحكم سواء "القفز"، أو التقدم الاقتصادي المتهمل والتقليدي. هم هكذا "يقفزون" فوق معايير الاقتصاد العلمية، بما تشترطه في المشروعات من دراسات جدوى حقيقية وجادة. وبما تحتمه اقتصاديات هذا العصر، من انفتاح اقتصادي، ومناخ سوق حرة، تتنافس فيه الشركات المحلية والعالمية، بمنأى عن هيمنة مؤسسات الدولة، سواء كانت مؤسسات مدنية أم عسكرية.
ما نشهده الآن يجري وفق رؤى سيادة الرئيس، ورؤى فريق ليس من "الخبراء" و"العلماء"، ولكن من لا ينطبق عليهم سوى توصيف "الأتباع". هذه النوعية من البشر متوفرة بين الشعب المصري مع بالغ الأسف. وكثير منهم يسبق اسمهم (د.)، الدال على أنهم يندرجون ضمن طائفة أو توصيف علماء. هؤلاء لا يصح وصفهم إلا بأنهم "خدم سعادة الباشا" أو "خدم سيادة الرئيس"، الذين يتولون كتابة ديباجات لأحلام سيادة الرئيس البسيطة والساذجة بحكم عدم التخصص، ليعطوها صورة زائفة ومتعسفة، توحي كما لو كانت مشروعات اقتصادية مدروسة. ليس بالطبع عبر إخضاعها للدراسات العلمية الاقتصادية الواجبة، ولكن بلفلفتها في كلام إنشائي منمق، كذلك الذي يكتبه التلاميذ في مواضيع الإنشاء بالشهادة الابتدائية، أو الإعدادية على أحسن تقدير!!
يبدو الأمر هكذا كما لو أن الهدف الأساسي من هذه المشروعات ليس هو التنمية الاقتصادية، فلو كان هكذا لتركز الحرص والتدقيق على جدية وجدوى هذه المشروعات، وهو ما يتضح بسهولة عكسه، بمجرد نظرة علمية منطقية عابرة. يبدو كأن جل المطلوب وغاية المراد من رب العباد، هو خلب لب وعقول الشعب المصري، بعناوين براقة ومبهرة، لتؤكد لهم أن اختيارهم للسيسي وحماسهم لهم، يأتي الآن بثماره العظيمة غير المسبوقة في روعتها. دليلنا هنا على ما ندعي بسيط وفج ومفزع معاً. فتسمية ما أعلن عنه السيسي أخيراً "قناة السويس الجديدة"، والأمر في حقيقته، وبغض النظر عن زيف كل ما قيل عن جدواه الاقتصادية، لا يعدو أن يكون مجرد تحسين لمجرى قناة السويس، التي حفرها "ديليسبس" في عهد "الخديوي إسماعيل" في القرن التاسع عشر، ولا يندرج هذا المشروع الجديد، الذي تم إخراجه من أدراج هيئة قناة السويس ومشاريعها المؤجلة، لعدم وجود أهمية ملحة لها، إلا في إطار عمليات التحسين للمجرى، التي لم تكد تتوقف منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
يتطلب الأمر التوقف عن السعي وراء إبهار الشعب المصري البسيط، والتواق للخروج من هذا النفق المظلم، الذي أدخلتنا فيه ما يسميه البعض "ثورة". مطلوب الاستعانة برأي "خبراء" و"علماء" حقيقيين مخلصين، وطرد "الأتباع" و"خدامين سيادة الرئيس".
عزيزي سيادة الرئيس/ عبد الفتاح السيسي:
ما تحتاجه مصر ليس مشاريع قومية كبرى. تحتاج فقط تهيئة الساحة المصرية قانونياً، بالإضافة إلى تحسين وتطوير البنية التحتية الأساسية، لتكون مصر بيئة جاذبة للاستثمار، وسوقاً حرة، قابلة للتوافق مع الاقتصاد العالمي، تحكمها الشروط والمواصفات والمعايير العالمية للسوق الحرة. وأن تقتصر مهمة سيادتك أنت وأجهزتك الحكومية بعد ذلك، على مراقبة انضباط وقانونية وسلامة التطبيق. . أتوسل إليك وأستحلفك باسم كل المقدسات، أن ترحمنا من مشاريعك القومية الكبرى!!. . تحياتي واحترامي لسيادتك.
kghobrial@yahoo.com

 
  المصدر ايلاف 
 
اجمالي القراءات 7047