مصر والأوحال الفلسطينية

كمال غبريال في السبت ١٩ - يوليو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً


عقود من الخراب والدمار والدماء المسفوكة أنهاراً، لم تقنع العرب بجدوى وأهمية وحتمية السلام. لم تقنعهم بضرورة سرعة حل مشاكلهم مع إسرائيل ومع العالم، ليعيش الملايين من البشر، حياة هادئة وطبيعية كسائر المخلوقات. كل هذا الخراب، ومازلنا نسمع أن "المقاومة المسلحة" وليس التفاوض السلمي، هو الخيار الاستراتيجي. هل يستطيع أحدهم أن يفك شفرات تلك الحالة، ويخبرنا عن سر هذا التشبث بالعنف والعداء الذي لا نهاية له، والذي يمنعنا أن نحذو حذو كل الشعوب التي تقاتلت عبر التاريخ، ثم أعقب اقتتالها هدنة ثم سلام ثم تعاون وتكامل. هل فعلت إسرائيل بنا أكثر مما فعلت اليابان بأمريكا في موقعة "بيرل هاربر"، وما فعلت أمريكا باليابان بقنبلتي "هيرو شيما" و"ناجازاكي"، وهما الآن حلفاء أوثق ما يكون التحالف؟!!
ما يحدث في غزة طبيعي ومنطقي. فالمصريون تمنعهم الأخوة العروبية والدينية، من الانتقام من حماس وأذيالها وتوابعها، لقتلهم جنوداً مصريين على الحدود ساعة الإفطار في رمضان عام 2012. أما إسرائيل فليس لديها ما يعوقها عن تأديب من خطف وقتل ثلاثة مراهقين إسرائيليين. لكن ما يحدث من المنظمات الإرهابية في غزة يفوق كل تصور. إنهم يواجهون ويتحدون إسرائيل، بالاختباء خلف أجساد المدنيين الأبرياء من الغزاويين، ويستفزون إسرائيل لإطلاق النار عليهم. هل حدث مثل هذا في أي مكان بالعالم؟. . عرفنا تكتيك خطف الرهائن من العدو، لإجباره على الخضوع لشروطك، لكن الآن نرى عصابات حماس والجهاد، يتخذون من شعبهم رهائناً ودروعاً بشرية، ليفرضوا إرادتهم على العدو!!
إذا كانت المعونة الغذائية التي أرسلتها مصر لغزة، جيدة وصالحة بالفعل للاستهلاك الآدمي، فادعاءات حماس فسادها، ليس فقط أمر نذالة حمساوية، بل الأخطر أمر صغار مصريين، مصرين على التعاطف مع إرهابيين انتهكوا سيادة بلادهم، وقتلوا أبناءهم، ويقفون بيننا وبين أهل غزة الأبرياء أخوتنا في الإنسانية!!
علينا أن نعترف أننا كمصريين منقسمون في رؤيتنا لأنفسنا ولبلدنا وللعالم من حولنا. بعضنا يرى مصر دولة دينية إسلامية، تعادي اليهود والنصارى والمشركين، وتدخل في صراع معهم إلى يوم الدين. وبعضنا يراها دولة عروبية، تقوم على أيديولوجية العداء لكل العالم من حولها، وتنسحق فيها الأقليات، التي هي بمثابة بثرات غريبة مزروعة في جسد العروبة الطاهر، وترى أن الحل هو في وحدة عربية، تلقي باليهود في البحر، وتعادي الإمبريالية والماسونية والملوخية العالمية، أيضاً إلى يوم يبعثون. والقلة القليلة منا، تريدها دولة حديثة منفتحة على العالم، تسعى من أجل رفاهية أبنائها، وتشارك في رفد الحضارة العالمية المعاصرة، بما يستطيعه أبناؤها من إبداع خلاق!!
في ظل ثقافة التزييف والأكاذيب وادعاء الاستهداف والمظلومية، نؤمم الشركة العالمية لقناة السويس، بقرار اغتصاب منفرد، ونتحدث عن "عدوان" ثلاثي. نقطع مضايق تيران، ونرسل بجيشنا على الحدود الإسرائيلية، ونتحدث عن "عدوان" 1967. يضرب حزب الله وحماس المدن الإسرائيلية بالصواريخ، وترفض حماس وقف إطلاق النار، ونتحدث عن "عدوان" إسرائيلي إجرامي، تارة على لبنان، وأخرى على غزة!!. . المهم أن العرب هم المصرِّين على العداء الأبدي مع إسرائيل، رغم أنهم الأضعف، وهم الذين يخسرون من هذا العداء بصورة مستمرة. هل هو إدمان الهزيمة، وتعذيب الذات (المازوشية)؟!!. . العجيب العرب لا يتحملون السلام مع إسرائيل، لكنهم يتحملون البقاء في حالة هزيمة مستمرة أمامها. قد يتعاطف العالم مع المآسي الإنسانية التي يرزح العرب فيها، لكنه أبداً لن يحترمهم، طالما سلوكياتهم ورؤاهم تجاه الآخر، خالية من الإنسانية. . هكذا ينظر العالم للعرب، على أنهم ليسوا أهلاً للحرب أو للسلام. هم فقط أهل هزيمة، ولا يفرض عليهم الهدوء أو الالتزام بالسلام، سوى منطق القوة.
رغم أن الرؤية العامة تشي بأن أهل غزة هم بالفعل رهائن بين مخالب حماس وأخواتها، إلا أن الأمانة تقتضي، أنه بعكس ما سمعت من كثيرين من أهل غزة، بلغني أيضاً من صديقة غزاوية، غادرت بيتها هي وأولادها في عربات الإسعاف، بناء على تحذيرات الجيش الإسرائيلي، أنها ترى أن شعب غزة يتضامن مع حكومة حماس، في موقفها من العدو الإسرائيلي، وهو ما يبدو أيضاً من طوفان من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي. . لو صحت هذه الرؤية الأخيرة، ولو بنسبة جديرة بالاعتبار، فإن الأمور تكون هكذا تجري طبيعية، فمن حق أي شعب أن يختار طريقه، وعليه بالطبع أن يتحمل وحده نتائج خياراته، خاصة وأن المعارضين لحماس وأيديولوجيتها وسلوكياتها، يبدون مستسلمين صامتين صمت الأموات!!
 
اجمالي القراءات 6245