الوصاية الدينية في فقه ابن حجر العسقلاني

سامح عسكر في الجمعة ١٣ - يونيو - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

في تقرير لأحد الإرهابيين على الشبكة العنكبوتية قال أننا ننفذ ما قاله ابن حجر العسقلاني بضرورة حراسة الدين من الفاسدين، قلت هل لو كان المتكلم فاسداً فهل يجوز للآخرين قتاله أو تحذيره؟!...

وما الذي يضمن استقامة النفس من الضلال والزيغ؟..وهل سلوكياتنا دائماً صحيحة؟..فلماذا يُنصّبون هؤلاء أنفسهم على الناس بدعوى حراسة الدين؟..وهل ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ) المعدود من كبار علماء السنة بل يكاد يكون هو المرجعية الأولى للحكم على الرواه وهو الثقة في شرح البخاري..هل هو الآخر معصوم أو أنه سليم النفس لا يُخطئ، وهل تقريره بضرورة حراسة الدين ينسحب على من ؟..أي من الذي له حق الدفاع وماذا سنفعل إذا اختلف المسلمون في تعيين قُضاتهم الشرعيين؟

تعالوا نستعرض كلام ابن حجر:

يقول في سياق نُصرة الحق وقتال الباغين.." قال الطبري لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء" انتهى(فتح الباري 13/34)

شرح كلام ابن حجر: يقول أن الواجب عند وقوع الخلاف بين المسلمين أن لا يجنح أحد للسلام ،أو أن يطلب أحدهم السكوت أوخفض الأسلحة، وأن الدين يُوجِب على المسلمين أن لا يقعدوا عن القتال في الفتنة، بل يجب أن يتحيزوا لأحد الفريقين، والحُجة هي قتال السفهاء والأخذ على أيديهم.

ابن حجر يقصد بأحد الفريقين هو الطرف(المسلم أو السني)وهو القائم على حدود الله حسب قاعدة الخلافة، وكون الخليفة هو الحارس لحدود الله وهو القائم على تقويم الناس بحملهم على الطاعة وجنوب المعصية.

حقيقة أن ابن حجر لجأ إلى أسلوب ملتوي لفض النصوص الداعية إلى عدم الوصاية على خيارات الناس والتي تدعو للسلام في زمن الفتنة، حيث لجأ إلى تأويل أشد الأحاديث مخالفةً لرأيه وهو حديث البخاري ومسلم..( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فى النار)..وهذا الحديث يهدم نظرية ابن حجر من جذورها ، ولكن لم يعجب هذا ابن حجر وفرض وصايته على النص حيث قال:

"وقد أخرج البزار في حديث القاتل والمقتول في النار زيادة تبين المراد وهي إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار"..انتهى(المصدر السابق)

والمعنى أنه لا صحة لظاهر الحديث المتفق عليه بين البخاري ومسلم ، وأن الصحيح هو تأويل القاتل والمقتول بقتالهم على الدنيا، وكأن ابن حجر يوجه حديثه كي لايلزم ذلك أحداث الفتنة الكبرى والدليل أن في نفس الصفحة قال.." واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين"..(المصدر السابق)

لقد ظهرت تأويلات الرجل لخدمة مذهبه السياسي السني الداعي إلى حُرمة التعرض لما وقع بين الصحابة، وأكاد أجزم أن هذه الرؤية لم تنتشر ويُقعّد لها القواعد والنصوص وتُكتب فيها الكُتب والمقالات إلا بفضل ابن حجر، فالرجل كان دائم التأكيد على هذه الرؤية، وعلى الرغم ما بها من مفاسد في الدين وفي الحياة والسلوك إلا أن ابن حجر فضّل أن يعفي المسلمين من الحديث في شأن الصحابة واختلافهم عبر قوله بحُرمة القعود في الفتنة، وبالتالي فما وقع بين علي ومعاوية هو اجتهاد على الدين لكليهما والصائب له أجرين والمخطئ له أجرُ واحد..!

لا يدري ابن حجر أنه بذلك قد شرع الوصاية الدينية أن يفسر كل مسلم ما يحدث من خلاف على أنه خلاف ديني، والحُجة لديه واضحة أن قتال الفاسقين واجب كي يقيم المسلمون حدود الله، وفي تقديري أن هذه الآفة التي لامست فقه ابن حجر هي آفة فقهية من جراء حديث الفقهاء في السياسة والتوسع فيها وتفسير الأحداث بما يوافق أهوائهم وميولهم السياسية، وإلا فما معنى قوله تعالى.."ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها"..ماذا يقول ابن حجر لله إذا قتل مسلماُ أخاه متعمدا بدعوى فسوقه أو بدعته، وماذا سيقول إذا اعتمد أحد الإرهابيين فتواه بجواز قتل المخالفين في الرأي؟!

اجمالي القراءات 8605