مـاذا لـو عـشـــت يـتـيـمــاً ..؟؟

رضا عبد الرحمن على في الثلاثاء ١٥ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

مـاذا لـو عـشـــت يـتـيـمــاً  ..؟؟

تعقيبا على مقال أستاذنا الكبير " دكتور: احمد صبحى منصور" ، واستكمالا لوجهات النظر والرؤى المختلفة لموضوع التعامل مع الأبناء ، بعد قراءة كل ما تم كتابته عن هذا الموضوع سأعبر عن وجهة نظر مختلفة نسبيا تعبر عن تجربة شخصية.

 الأخ العزيز صاحب المشكلة : السؤال الذي أوجهه لك بكل وضوح وشفافية هو : ماذا لو عشت يتيما.؟

أنت تشكو من عدم اهتمام والدك بك ، ومضمون شكواك يبين أنك تشعر بأنه لا يحبك ، هذا ما فهمته.

ما أقوله لك أخى الحبيب هو تجربة شخصية حقيقية واقعية يشهد عليها من يعرفني من الأقارب في هذا الموقع وأولهم أستاذنا الفاضل الدكتور منصور ، وأخى الأكبر  الدكتور عثمان.

لقد توفى والدى في عام 1984م يعنى منذ 30 سنة تقريبا ، كنت في السابعة من عمرى ، وفي الصف الثاني الابتدائي ، وحسب ما يُحكى لى من أفراد العائلة أن والدى كان يحبنى جدا ويرتبط بي جدا وكان يصطحبنى معه في كل مكان قبل وفاته.

اليوم أنا أعيش منذ ثلاثين عاما  بلا أب ، ولا أنكر أبدا أبدا أن والدتى العظيمة مع أقاربي ساعدونى واحتوونى جيدا وحاولوا بكل الطرق أن أكون إنسان ناجح صالح ينفع نفسه وأسرته ومجتمعه ، ومنذ طفولتى اشتغلت في مهنة شاقة جدا ولا زلت حتى هذه اللحظة أشتغل في نفس المهنة (مهنة مبيض محارة) والسبب أنها مهنة أشقائي الكبار ، تعلمت المهنة وأتقنتها ، وعلى التوازي وفي نفس الوقت جاهدت قدر استطاعتى في الدراسة والتعليم وحصلت على مؤهل عال هو بكالوريوس التربية الرياضية بتقدير عام جيد جدا عام 2001م ، والحمد لله تم تعييني مدرسا بالأزهر ، عانيت سنوات في بداية تعييني حين غيروا وظيفتى من مدرس تربية رياضية لوظيفة أخرى هى (أخصائي اجتماعي) والسبب قرابتي من الدكتور منصور ، قبلت الوظيفة وتسلمت العمل وبدأت أتعرف على هذا العمل الجديد والغريب عليّ حتى فهمته ثم أتقنته ، وأثناء عملى كأخصائى كان من صميم عملى التعامل مع الطلاب الأيتام والفقراء والمحتاجين داخل المعهد لكى أقدم عنهم اوراقا رسمية تثبت فقرهم وحاجتهم ، لإعفائهم من مصروفات الدراسة وكذلك الحصول على مساعدات زهيدة من الدولة ، في أفضل الظروف لا تزيد المساعدة للطالب الواحد عن 300 جنيه مصري ، مهما كان فقيرا معدما يتيما أو مسكينا أو حزينا.

في شهر مايو من عام 2006م كانت بداية مشروع إعادة نسخ مقالات وكتب الدكتور منصور لمساعدته في إعادة نشرها على موقعه وعلى مواقع أخرى ، كنت احد المساهمين في هذا العمل ، ومع الوقت تم تصنفينا على اننا تنظيم سرى خطير على الأمن العام لأننا نكتب كلاما على أجهزة الحاسوب في بيوتنا دون أن نفرضه على أحد أو نعتدى على أحد لكي نساعد انفسنا في الحياة الصعبة بمقابل مادى حدده لنا الدكتور منصور كنوع من المساعدة لتحسين ظروفنا المعيشية بدلا من الاستعانة بإحدى المكتبات للقيام بإعادة نسخ هذه الكتب والمقالات والأبحاث ، وبسبب هذا العمل تم اعتقالنا على مراحل ، بينما الدولة المحترمة تاركة الاخوان والسلفيين يخربون عقول الناس وينشرون الارهاب والتكفير والتعصب والجهل والتخلف على انه دين والنتيجة ما نراه اليوم من دماء في كل شوارع مصر.

في ظل كل هذه الظروف كنت أجاهد وأكافح في وظيفتى بالأزهر ، وفى عملى الثاني المهنى الشاق ولم أيأس ، وبعد الثورة تم تعديل وظيفتى لمدرس تربية رياضية بعد معاناة كبيرة دامت سنوات طويلة.

الآن وبعد كل الفضائح التي أثاروها في الاعلام عن زيادة الرواتب أحصل على راتب شهري أقل من ألف ونصف ، ولا زلت اعمل في أوقات الفراغ ــ وبعد انتهاء ساعات العمل الرسمية ــ في مهنتى الثانية الشاقة (المحارة) ، وأحيانا أسترق بعض الوقت لممارسة رياضتى المفضلة لعبة كرة القدم ، تخيل في نفس الوقت وتحت كل هذه الظروف والضغوط كنت أحافظ على عملى في وظيفتي الحكومية وأشتغل في مهنتى الشاقة وأمارس الرياضة وأكتب ما استطيع من مقالات دينية وسياسية واجتماعية.

أعتقد أن شخص مثلى لو سافر أمريكا اليوم وعشت هناك ستتبدل حياتي تماما لن أدعى أننى سوف أذاكر وأتفوق وأحصل على مؤهل في الذرة أوالمحاماة او الطب ، ولكن على الأقل سوف اعمل في مهنتى التي لا زالت رفيقة حياتي ، ويكفي أن العرق والبذل في امريكا بعد كل نقطة عرق سوف احصل على حقى كامل وغير منقوص مع تقدير واحترام  ، وسوف تتحسن حياتى وسأكون أسعد إنسان لأننى ساكون حرا طليقا بلا قيود ولا اضطهاد ولا ظلم ، نحن هنا في مصر نعيش أصعب الظروف يكفى أنك بعد الانتهاء من أى مقاولة في أي بيت لابد أن يخصم منك صاحب البيت جزء من حسابك وحقك وعرقك بدلا من أن يعطيك زيادة عن حقك تقديرا لاتقان عملك.

من المؤكد ان ألاف الشباب المصري يعمل ويدرس في نفس الوقت ، لكن لا يعانى أحدهم من الظلم والاضطهاد ، كذلك لا يجمع أحدهم بين العمل الحكومى والعمل الحرفى اليدوي الشاق  والكتابة والرياضة فهذا الأمر صعب جدا بل مستحيل.

كلمة أخيرة :

أعتقد من الصعب بل من المستحيل أن يجيد أي إنسان هذه الأربع (الرياضة ، أي مهنة يدوية شاقة من اعمال البناء ، والكتابة والبحث والتفكير ) والأصعب من كل هذا أن يكون هذا الإنسان مقيما في إحدى البلاد العربية التي تتمسح بالإسلام وهي أبعد ما يكون عنه.

لا أدعى البطولة على الاطلاق لكن أتصور أننى لو سافرت لأمريكا أو كندا او أي دولة محترمة كان من السهل أو من الممكن أن أتفوق في إحدى هذه الأشياء التي حاولت المحافظة عليها رغم صعوبة وقسوة الحياة في مصر ، وأنا يتيم بلا أب.

والحمد لله رب العالمين دائما أشكر الله وأقول أنا أفضل من غيري وظروفي أحسن من ظروف غيرى وأحمد الله أن لى أم عظيمة غمرتنى وأخوتى بالحب والعطف والحنان ، و أقارب أتشرف بهم وقفوا بجانبى وساندوني وعرفونى على ثلة من المثقفين والمصلحين وأعلام الفكر في القرن الحادى والعشرين ولى الشرف أننى نلت احترام وتقدير كل هؤلاء دون أن أتقابل معهم ولو مرة واحدة.

أخى الحبيب أنت بحاجة لمعرفة قدراتك الشخصية ، أنت بحاجة لمعرفة نفسك قوتك مواهبك وإمكاناتك الشخصية والداخلية اعتمد عليها وسخرها وطوعها لخدمتك ، واجعل العطف والحنان والحب من الأخرين حتى لو كان من أبيك بمثابة عوامل مساعدة وعوامل حفز وليست الأساس في مسيرتك ونجاحك في الحياة .. وفقك الله ..

اجمالي القراءات 15666