أولاد السيد كرامازوف

كمال غبريال في الأربعاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولاد السيد كرامازوف

 
هو احتمال غير مستبعد كلياً، أن يأخذ "الربيع العربي" مداه في مصر، كما أخذ مداه في سوريا وليبيا. الأمر هكذا يحتاج إلى إعادة نظر. "خارطة الطريق" المعلنة يوم 3 يوليو 2013 وحدها، لن تصل بنا إلى أي مكان. مطلوب مراجعة شاملة للأمر برمته. المفترض هو أن الخيار بين الحياة والحداثة والتقدم، وبين بقاء مصر رهينة الإرهاب الديني حتى تتهاوى، فتجتمع على جثتها الضباع، كما حدث في سوريا وليبيا. كان وجود السلفيين والأزهر والكنيسة، في بيان وقرارات 3 يوليو 2013، إشارة واضحة إلى أن القادم لن يكون سعياً جاداً لإنقاذ مصر من براثن تجار الدين. ها هو يتضح يوماً فيوماً، أن الأمر لم يتعد حدود الانقلاب، لتبادل مواقع السلطة، وأن أقصى المنى لدى الممسكين بزمام الأمور الآن، هو قبول الإخوان المسلمين للعودة للصف الثاني. وهم يرفضون ويخربون ويسيلون الدماء أنهاراً. بهذه الميوعة وهذا الفشل، سيستمر الحال على ما هو عليه، وستنهار البلاد أمنياً واقتصادياً. فعدونا وعدو الحياة، مصر على العودة إلى ركوب البلاد، حتى لو حولها إلى أنقاض.
نعرف جيداً أن إخوان الإرهاب، الذين توغلوا بالبلاد على مدي ثمانين عاماً، يعد التعامل معهم ورطة كبيرة. لكننا نعرف أيضاً، أن الدولة لو كانت عازمة باستقامة على مواجهتم واقتلاع جذورهم، لاختلف الأمر عما هو عليه الآن. فتردد الدولة وسعيها للتوافق معهم، يشجعهم على الاستبسال والتمادي. الإرهابيون كالكلاب، يشمون رائحة الخوف والتردد فيمن يواجههم، فيزدادون سعاراً. لماذا لم نحسبها جيداً منذ البداية، وإن كنا لا ننتوي أو غير قادرين على المواجهة، كان بالأولى أن نتركهم يأخونون ويخربون البلاد كما يشاءون، ويشاء من أتى بهم!!
نسوق مثالاً من بين العشرات والمئات، لعدم جدية الدولة في قطع دابر الإرهاب والإرهابيين، د. جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، الذي هاجم تدخل قوات الداخلية في مظاهرات الجامعة اللاسلمية، إلى أن أصيب ابنه، والذي دافع عن التحرش والمتحرشين في جامعته، ماذا اتخذ من إجراءات حاسمة ضد المستقطبين من قبل الإرهابيين من طلبته، ولماذا لا يقال من منصبه، أو يوضع في معتقل إلى أن يتم البت في أمره، بعد كل ما يحدث في جامعة القاهرة من مهازل؟. . نجد أيضاً أن الدولة لم تتخذ قراراً حتى الآن، بدخول قوات الأمن إلى الجامعة، لفرض الأمن والانضباط، وكأن "حرم الجامعة" هذا أراض لدولة أجنبية، وليس أراض ومؤسسات مصرية، تتعرض للاستهداف والإرهاب. الدولة والشعب المصري، يضربون هكذا أسوأ النماذج، في سلوك الأمة التي تواجه خطراً يهدد مصيرها.
لا نضع كل اللوم على وزارة الداخلية، فهي كجراح يطارد السرطان، الذي تفشى في سائر أنحاء الجسد. وزارة الداخلية تقف وحدها في مواجهة الكلاب المسعورة. وباقي أجهزة الدولة تنتظرها في بلاهة وتبلد. قد يرجع التردد والفشل، الحادث الآن في وقف مسلسل إرهاب جماعة الإخوان المسلمين، لعدم الكفاءة المصرية المعتادة في كل شئوننا. وقد يرجع للانتماء لذات الفصيل، مع اختلافات جزئية حول من يجلس على الكرسي. حدث ما يشبه هذا جزئياً في أفغانستان قبل الغزو الأمريكي، من تقاتل الفصائل الإسلامية بألوان طيفها المتعددة، صراعاً على الفريسة التي خلصت لها، بعد سقوط نظام بابراك كارمل. أيضاً قد يكون وراء الأمر الحرص والالتزام بأقصى حد من ضبط النفس. وقد تكون محاولة الوصول للسلطة بأقل تكلفة، مع بقاء الوضع على ما هو عليه. ليس غريباً والوضع هكذا، أن نتصور ما يحدث في مصر، وكأنه هو صراع بين أولاد السيد كرامازوف (عبد الناصر حسن البنا). هي تركة حقبة 23 يوليو 1952، التي امتدت لسته عقود، وبدأت بتحالف المغامرين العسكر وجماعة حسن البنا، وظل الصراع والتفاعل بينها بين مد وجزر طوال تلك الفترة، وأنتجوا لنا هذا الخليط المسخ من المجاهدين والمناضلين والمتثاقفين.
من الواضح الآن أيضاً، أن التيار اليساري المعارض في هذه المرحلة، لم يعتبر تحالفه السابق مع الإخوان في انتخابات الإعادة الرئاسية (عصر الليمون)، الذي أبدى الندم عليه بعد ذلك، خطأ استراتيجياً ارتكبه، في حق قناعاته الفكرية. وإنما يعد بالنسبة له خطأ تكتيكياً، حيث لم يؤد لوفاء الإخوان بوعد مشاركتهم لهم في السلطة. فهم مازالوا يدعون لما يجملونه بتعبير "مصالحة"، ومازالوا يعتبرون العدو الوحيد المستهدف، هو الدولة المصرية بكافة مكوناتها ومؤسساتها. ذات التحالف اليسار/ إسلامي الذي دمر البلاد مازال قائماً. كان الخلاف بينهم جزئياً ومحدوداً باقتسام السلطة إبان 30 يونيو 2013، والآن هم مرة أخرى في مواجهة الدولة والكتلة الأعظم من الشعب المصري. هو ذات التحالف أثناء انتخابات الإعادة الرئاسية، والذي أدي لتغيير النتيجة، ليأتي محمد مرسي بدلاً من الفائز الحقيقي الفريق/ أحمد شفيق.
ما يبدو الآن، هو أن السيسي وحمدين، مرشحي الرئاسة الوحيدين في الأغلب، يشتركان في أن انقلابهما على الإخوان، لم يكن لغير الوصول للسلطة فقط لا غير. وأن أهم ما يسعى إليه كلاهما، هو نيل رضاء هذا الفصيل الوطني (الجماعة الإرهابية) طوعاً أو غصباً. وكأن جماعة الإخوان المسلمين هي التنظيم الوسطي الأم، والمنظمات الإرهابية جناحها العسكري اليميني، والعروبجية والناصريين واليسارجية جناحها السياسي اليساري. هي دائرة بحجم الوطن، يحتلها "الأخوة كرامازوف"، يحاول كل منهم منفرداً أو بالشراكة، السيطرة على شعب غارق في التخلف والفساد والدروشة. وسوف تثبت معالجة الدولة لإرهاب الإخوان في الأيام والأسابيع القليلة القادمة، إن كانت تصوراتنا هذه صحيحة، أم هي أضغاث فرضتها علينا كوابيس الإرهاب، الذي لم نجد حتى الآن مواجهة مستقيمة وحازمة له.
  ايلاف  
اجمالي القراءات 12144