لا يمكن إصلاح الفكر الديني ..!!

رضا عبد الرحمن على في الأربعاء ٠٢ - أبريل - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يمكن إصلاح الفكر الديني ..

لست متشائما حين أقول لا يمكن إصلاح الفكر الديني بقدر رؤيتي الواقعية للمشهد والواقع الحالى في معظم بلاد العرب والمسلمين ، بعد فشل معظم الثورات العربية في إحداث تحول ديمقراطي حقيقييحترم حقوق الإنسان ويحقق الأمن و العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز بين جميع المواطنين بمختلف أشكالهم وألوانهم ودينهم ومعتقداهم وأفكارهم.

وكل يوم يزداد ضحايا الفكر الديني السلفي الوهابي المجرم الذي يقف على قاعدة صلبة وأساسية يؤمن بها حتى لو تناقضت مع كلام الله جل وعلا ، وهي قتل الأخر المختلف ، بعد نشر الفتن والضغائن في المجتمع بكره هذا الأخر المختلف في الفكر والرأي والدين والمعتقد ، فتحول المجتمع على أيد هؤلاء إلى مسلمين وكفار ، وطبيعي أن النتيجة الحتمية لهذا الانقسام هو الدخول في حرب قتالية يقع فيها معظم المسلمين ضحايا صرعى يقتل بعضهم بعضا بلا دية ولا هدف ولا فائدة تعود على المجتمع والأمثلة كثيرة في وطننا العربي.

وبعد فشل الاخوان في السلطة في مصر وسقوطهم وانكشاف أمرهم أمام بعض العقلاء والمنتبهين ، يحاول الآن السلفيون تقمص دور المصلح وداعية التنوير ومحاربة الارهاب والتكفير والعنف ، وهي أكبر نكتة ساخرة أسمع عنها منذ أن وعيت ، أن يقوم قاتل مجرم داعية من دعاة الارهاب والتكفير بتمثيل دور المصلح الذي يرفض التكفير والعنف والارهاب ، والنكتة التي تزيد عنها سخرية أن يصدقهم ويسير خلفهم بعض المغيبين من المواطنين أو السلاطين.

ولذلك أقولها بكل ثقة لا يمكن أبدا بهذه الطريقة إصلاح الفكر الديني ، لأن عملية إصلاح الفكر الديني لو صحّ استعمال هذا التعبير لا يمكن أبدا أن يحدث هذا الإصلاح على أيد هؤلاء القتلة الذين عاشوا عقودا طويلة يقتلون ويعلمون الأطفال والمراهقين الكره والبغض والطائفية و التحريض على الأخرين وتكفيرهم وحمل السلاح ضدهم ، فمن غير المعقول أبدا أن يتحول هؤلاء إلى ملائكة رحمة يريدون إنقاذ الدولة بحيث يقودون حملات للتنوير والاصلاح ورفض العنف والارهاب والتكفير ، فهذه مأساة بكل المقاييس ولا يجوز السكوت عليها مهما كان الثمن.

أين المشكلة و الأسباب.؟

من وجهة نظري أرى أن الفكر الديني يتأسس على عاملين :

الأول : (المادة العلمية) أو المرجعيات (أي كل ما تم تدوينه وكتابته في عصور السلف) ويعتبر مرجعيات ثابتة لا تقبل الشك عند هؤلاء ، فهم يقدسونها ويرفعونها فوق آيات الله في القرآن الكريم بل ويحكمون من خلالها على القرآن الكريم الذي يعلو ولا يعلى عليه.

الثاني: العامل البشري أو من يقومون بعملية نشر هذه الدعوة وهذا الفكر الديني الموروث بلا تصحيح أو تفكير أو تنوير أو محاولة بسيطة يرجعون فيها لكتاب الله القرآن الكريم لكي ينير طريقهم ويصحح أخطاءهم ، ولأنهم لا يريدون هدى ولا نورا فهم ينشرون الفكر كما بكل ما فيه من حُسْـن وقـُـبـْح ، بل يقيمون حوله متاريس تحميه من النقد والنقاش ، ولا يسمحون لأحد سواهم أن يتعدى على تخصصهم لأنهم اعتبروا أنفسهم حماة هذا الدين وهذا التراث لدرجة أنه أصبح بالنسبة لهم مصدر رزقهم ، رغم تقديسهم لهذا التراث والفكر الديني الموروث لا مانع أبدا أن يقوم احدهم بوصف حديث أو أكثر بأنه كذب او ضلالات أو ضعيف أو موضوع ، وحدث هذا بعد ثورة 25 يناير ، ومن أشهر هذه الأحاديث حديث خيرج أجناد الأرض ، حيث قام الحويني ووجدي غنيم بوصفه بالكذب والضلالات ، وهذا أكبر دليل وأكبر تأكيد أن الفكر الديني بهذا الشكل يتأثر بالظروف السياسية الدائرة في المجتمع ، وأكبر دليل على صحة كلامي هو تناقض الاخوان والسلفيين في وجهات نظرهم وخطابهم السياسي والديني عدة مرات ــ في الفترة بعد 25 يناير 2011م ــ لينساب ويخدم مصالحهم ومشروعهم ، وهذا ما يبرر تمسكهم بهذا التراث ودفاعهم عنه لأنه يخدم مصالحهم ويحقق طموحاتهم ويخدمها ، ولكن القرآن الكريم واضح صريح لا يقبل الظلم واستباحة الدماء لأتفه الأسباب.

ولذلك بكل إصرار أكرر أنه لا إصلاح لهذا الفكر الديني ، لأن معظمه خطأ يدعو للتعصب للتمذهب للطائفية  لكره الأخر للتصفية الجسدية للمعارضين للتمييز بين الرجل والمرأة لظلم المرأة للتعامل مع المرأة على أنها وسيلة لتحقيق نزوات وشهوات الرجل وووووو... إلخ) ، والأهم لأنه فكر قديم اجتهد أصحابه في كتابته في عصور وظروف سياسية واجتماعية واقتصادية تختلف تماما عن العصر الذي نعيش فيه ، ومن المستحيل أن نقوم بعمليات تجديد أو إصلاح أو إجراء عمليات جراحية لهذا الفكر لكي نجعله مناسبا لعصرنا ، لأنه أولا وأخيرا كلام بشر لا يناسب إلا الزمن الذي قِيلَ فيه ، وطالما هذا الكلام كلام بشر فلابد أن يتأثر هذا الكلام بشخصيات من قالوه وبالوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الظروف التي عاشوا فيه.

والحل هنا في أمرين :

 الأول :ـ هو الاعتراف بكل شجاعة أن هذا الموروث الديني والفكر الديني الذي تركه السابقون لا يمثل الإسلام في شيء ، وإنما هو مجرد تاريخ وقصص عن السابقين نقرأه من باب معرفة التاريخ  ومن باب المعرفة العلمية فقط ، ولكن الفكر الديني الحقيقي الذي يجب أن نهتم به ونبحث عنه هو الاجتهاد لتجلية حقائق الإسلام عن طريق تدبر و فهم آيات وسور القرآن الكريم واستخراج صيغة جديدة مناسبة لعصرنا الراهن بكل ما فيه من متغيرات ومتطلبات لا يمكن أن تلبيها أفكار واجتهادات أشخاص عاشوا منذ أكثر من ألف عام.

الثاني :ـ اعتراف جميع مشايخ ودعاة السلفية والوهابية وجميع من يدافعون عن هذا التراث الديني البشري بأنهم كانوا على الخطأ ، وأنهم كانوا يعيشون في غفلة عن كتاب الله جل وعلا ، وأنهم تابوا وعادوا لرشدهم وأن مرجعيتهم الوحيدة الآن هي القرآن الكريم يحكمون به على كل تراثهم الفكري ويستنبطون منه مباديء جديدة يقيمون بها دولة حقيقية تحترم الإنسان وتقرر مباديء العدل والمساواة والحرية والديمقراطية والعدالة وعدم التمييز ، والقرآن الكريم جدير بهذا لأنه ما فرط في شيء ، ولأنه كلام رب العالمين فهو سار المفعول إلى يوم الدين ، وهو الكلام الوحيد الذي يناسب ويتناسب مع كل العصور مهما اختلفت ومهما تطورت أو تغيرت ، وهو الكلام الوحيد الذي يمكن أن يجتهد كل جيل في فهمه  ويستخرج منه أسلوب ومنهج حياة لأنه الكتاب الوحيد الذي أنزل من عند رب العالمين وتمت كتابته وصياغته بألفاظ وكلمتا معجزة غاية في الدقة والحكمة والعدل من الخالق جل وعلا بلا تمييز ودين تزكية لطائفة ضد أخرى إلا بالتقوى  والعمل الصالح  وفعل كل ما ينفع الناس ، ودون أن تتأثر هذه الكتابة الربانية بأوضاع سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية كما حدث في كل تراثنا الفكري والديني البشري ، وهنا جوهر الاختلاف بين كلام الناس وكلام رب الناس.

فليس من المنطق أن يقوم بمحاربة الإرهاب والتكفير من عاش عمره متخصصا ومتفرغا لنشر الارهاب وتعليمه للناس ، وكذلك لا يمكن أن يتم مقاومة الارهاب والتكفير بنفس المنهج الفكري والمرجعية الدينية التي تدعو للتكفير والارهاب والعنف والتمييز ، الخطوات الأولى في مسيرة الإصلاح هي الاعتراف بالمرض ، اعتراف المريض وهم الدعاة بأنهم قتلة مجرمون ارهابيون وأنهم كانوا على خطأ عظيم ، ويطلبون من المجتمع العفو التسامح معهم ، وكذلك الاعتراف بأن المنهج والمرجعية الفكرية والدينية لهم هي السبب الحقيقي فيما وقعوا فيه وفيما اقترفوه من آثام وجرائم.

لو حدث هذا سنعترف بأنهم فعلا يريدون الإصلاح والتنوير والتجديد ، ولو لم يحدث فأبشركم من الآن أننا في انتظار عشرات العقود من الرجعية والتعصب والتطرف والإرهاب باسم الدين ، ولكن هذه المرة كلمة السر هي الادعاء والتظاهر من جديد بالاعتدال والاصلاح والتنوير والمراجعات الشكلية الظاهرية ، وسيقع المسلمون في فخ جديد يمزق أواصل الرحمة والمحبة والتسامح بينهم وتسيل دماءهم في الشوارع ويعانون من الفقر والقهر والظلم بينما هؤلاء الدعاة الإرهابيون يعانون من التخمة ورغد العيش..

   

 

اجمالي القراءات 16607