إعتاد الظالمون الإفتراء على دين الله عز وجل ، فلم تثنهم آياته البينات ولا العقل ولا المنطق، فستحقوا كلمة الكفر وهم يعلمون، إلا أنهم في ضلالهم قد جيّروا كفرهم وإفتراءهم لمن سيأتي من بعدهم ، إمعانا وتأكيدا على منهجهم ، فاستحقوا صفة الإضلال عن جدارة وتصميم ، وصفة الإفتراء بالتأكيد.
إذ ترد كلمة (الإفتراء) في القرأن الكريم كنوع من أنواع الظلم ، إلا إنها أشد أنواعه قاتبة ، كونها كذب محض لا أساس له من الصحة على الإطلاق.
أما قوله تعالى :( فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) مريم ، (شَيْئًا فَرِيًّا) ، أي شيئ نادرغير مسبوق.
وقوله تعالى :( وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ (20) الأنبياء ، (لا يَفْتُرُونَ) ، أي كل شيئ لله عز وجل ، وممّن عنده من الملائكة ومما لا نعلم ، لا يخفُ وهج تسبيحهم مع مرور الوقت ، ولا يملون.
-- وصف رب العالمين للمفترين :
إذ قال تعالى:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) الانعام.
لقد أوضح الله رب العالمين في هذه الآية الكريمة عدة نقاط ذات شأن كبير ، بما يخص موضوع الإفتراء ، إذ أشارت الى :
1-- أن الإفتراء ظلم أساسه الكذب الصارخ ،( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ).
2 – أن إدعاء الوحي من السماء كذلك هو إفتراء وكذب عبر أشكاله المختلفة كنزول ملك رسول من السماء ، أو كرؤية منامية ، أو إلهام كاذب سماوي وقد كثرت هذه الأنواع من الوحي الكاذب عند كافة المذاهب خاصة المذهب الصوفي والشيعي ،( أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ).
3 – إدعاء القدرة على القول بمثل ما جاء في القرآن الكريم ، أيضا هو إفتراء ظالم ، وقد ظهر عجز العرب قديما وحديثا على الإتيان بمثل قال القرآن ولو من بعيد ، وقد أمعن المدعي في كذبه حينما ،( قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ )، إذ جعل من قدرته الإنزال من السماء ، وهي خاصية لا تكون إلا لله عز وجل ، وليست لمخلوق يأكل الطعام ويمشي في الأسواق والقذارة تملؤ جوفه.
4 -- إعتياد الجاهلون والكافرون على الظلم والإفتراء لأهداف وغايات دنيوية ، ومردّ إستشراء ظلمهم هذا ، أنهم كافرون ، مفترون ، لم يقدّروا الله جل وعلا حق قدره ، خاصة بعد موت النبي محمد عليه الصلاة والسلام، عبر كتابة أحاديث مفتراه كاذبة ونسبتها الى الرسول ظلما بغير حق. وقد حذرهم رب العالمين مسبقا حين قال :( فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) آل عمران ، (مِن بَعْدِ ذَلِكَ) أي من بعد إنزال القرآن الكريم والتحذيرات التي جاءت به.
5-- والإفتراء الأكبر حينما نصدق ونتحدث بحديث معارض ومكذب لحديث الله عز وجل ، متجاهلين الآيات القرآنية ، وكأنها غير موجودة أو مكذبة لهذه الأحاديث المفتراه ، ليصدق عليهم وعلى من يتمسك بالقرآن كتابا دون أي كتاب غيره ، قول الله تعالى حينما تحدث عن فئة من اليهود ، قائلا :( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة.
فنحن أهل القرآن نتمسك بحديث الله عز وجل دون غيره من الآحاديث ، ونطمع أن يؤمن لنا أصحاب الأديان الأرضية السياسية الحزبية ، ويلتزمون بما جاء في كتاب الله عز وجل و يذرون الكتب البشرية المختلفة والمخالفة للقرآن الكريم.
6-- إن أصحاب الأديان الأرضية حينما يجادلون أهل القرآن لا ينكرون آيات القرآن الكريم ، فليس لهم ذلك ، ولكنهم يقولون كما قالت فئة من اليهود من قبلهم ،( وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (76) أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77)البقرة.
فلا يستطيعون التنكر لآيات الله عز وجل ، المثبة والمحفوضة بين دفتي القرآن الكريم ، لذا يعلنون إيمانهم بكل ما جاء بها ، إلا أنهم يأوّلون الآيات بما لا تحتمل ، مما يبطل عملها ومفعولها لتصبح بحكم الملغاة.
وقد أعلنوا إلغاءها دون مخافة من رب العالمين ولا خجل أوعلم ، عبر ما يسمى لديهم بالآيات المنسوخة حكما لا تلاوة ، كمسألة قتل المخالفين تحت مسمى الجهاد ، والرجم ، و عقوبة الزنى ، وتقليص فترة الحج ليوم واحد وغيرها كثير.
كما تمادوا في ظلمهم و وقاحتهم حينما قالوا أن هنالك آيات منسوخة بالتلاوة والنص ، مكذبين قول الله عز وجل ،( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر، ومثاله حديث عائشة أم المؤمنين ، إذ قالت: ( كان فيما أنزل عشر رضعات معلومات يحُرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات) رواه مسلم وغيره .
7-- يستمرُ ربُ العالمين في وصفهم قائلا :( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (78) البقرة ، نعم علماء الأديان الأرضية يقرؤون القرآن ويستشهدون بآياته الكريمة ، إلا أنهم لا يعلمون ولا يفقهون المراد منها ، فهم أميّون يظنون ظنا ، غير واثقين مما يقولون ،( وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) يونس.
ذلك مرده لعدم إلتزامهم بالنص القرآني، إذ أضافوا الأحاديث البشرية الكاذبة والمخالفة لآيات القرآن الكريم والرأي الشخصي والإستنساب والقياس ، مما أبعدهم عن حكم الله عز وجل.
8-- يكملُ رب العالمين محذرا من يفعل ذلك ،( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة ، يدّعون ما توصلوا إليه من الرأي هو دين الحق ، بينما دين الحق لا يكون إلا لله عز وجل والكامن في قرآنه المبين، أليس كتاب البخاري ومسلم جزء لا يتجزؤ من دينهم الأرضي ومن أنكر ذلك يعد كافرا بالدين.
9-- إن التقول على الله رب العالمين بما لم يقل هو إفتراء فاضح حين ،( تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) ، حين يعتبرُ أهل الأديان الأرضية الحزبية من سنة وشيعة وآخرين غيرهم كثيرين، أن أديانهم ممثله لدين الله عز وجل دون دليل إلا ما إستندوا عليه من أحاديث كاذبة مفتراة أو ما قاله وفعله الصحابة والتابعين والأئمة الصالحين والناس أجمعين ، ليضاف ويحذف في دين وشريعة الله عز وجل ما شاء لهم من الإضافة والحذف ، وليشكل كل فريق منهم دينا خاصا به.
حينذاك لا شك أنهم قد تقولوا على الله سبحانه وتعالى بما لم يقل واستكبروا عن آياته البينات وافتروا إفتراءا عظيما ،( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) يونس ، لنجد أنفسنا أمام أديان بشرية حزبية ، لا تشبة ولا تطابق دين الله عز وجل ولو من بعيد.
10-- فلو كان بهم القليل من الصدق أو الخير لراجعوا كلمة (الْحَقِّ) في كتاب الله عز وجل ، إذ لا ترد إلا لله وحده سبحانه وتعالى ولآياته البينات في كتابه الحكيم ، كذلك كلمة (آيَاتِهِ) ، فالآيات كامنة في القرآن وليس في ما افتروه في كتبهم ، من أقاويل متعارضة ، متناحرة ، مكذبة بعضها بعضا.
11-- هؤلاء القوم الكافرون ، يكذبون على أنفسهم قبل كذبهم على الناس الغافلين ،( انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ (24) الأنعام.
-- الحالات التي يفتري بها الكافرون كما جاءت في القرآن الكريم :
1-- الشرك بالله عز وجل هو إفتراء وكذب وإدعاء القدرة كذبا لمن أشرك مع الله عز وجل ،( إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (48) النساء.
2-- تزكية النفس وإدعاء بما ليس فيها من التقوى والصلاح والفلاح وكل ما تميل إليه النفس الإنسانية ، إفتراء وكذب ، بينما التزكية خالصة لله عز وجل دون العالمين جميعا ،( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) النساء.
وقد فضح رب العالمين إفتراءهم وكذبهم ، موضحا أن هذا الإفتراء كاف ليلقي بصاحبه الى التهلكة كأثم مبين ،( انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (50) النساء.
3-- التقول على رسالة وشريعة رب العالمين بما لم ينزل ، هو إفتراء كاذب وقد كثر وتنوع في القرآن الكريم ، فمنها :
-- قولهم أن هنالك أنواع من الإبل والبهائم محرمة عليهم جميعا وأحيانا محرمة على نسائهم دون رجالهم ،( مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَائِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ (103) المائدة.
-- قولهم كذبا ، بأن من أفتاك يتحمل عنك الوزر والعقاب يوم القيامة ،( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13) العنكبوت.
-- وقولهم (لا يأتيك الوزر والعقاب باعتبار أنك لا تعلم) ، هذا ما يسعون إليه وما يريدون ، من تجهيل الأمة بدين الله عز وجل والإكتفاء بأقوالهم واتباع أحزابهم ومذاهبهم وقد تغاضوا عن مئات الآيات التي تحث على المعرفة والعلم والتفكر في الدين.
-- قولهم بشفاعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام دون دليل من الكتاب ، إلا ما إستدلوا به من أكاذيبهم المفتراة ، فالنبي يوم القيامة ليس له من الأمر شيئا ، بل يسأل كما يسألون ، فلا ينفعهم ولا يضرهم في شيئ ، وصدق الله رب العالمين حين قال عنهم :( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) يونس.
4-- قتلهم لأولادهم كوأدهم للبنات أو تقديمهم قربانا لآلهتهم ،( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاء عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ (140) الأنعام.
5-- التحليل والتحريم بما لم ينزل رب العالمين في كتابه المبين ،( قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) يونس ، كذلك قوله تعالى :( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (116) النحل.
إن الحلال والحرام لله رب العالمين ، والقاعدة : أن كل شيئ حلال إلا ما حرمه رب العالمين نصا في قرآنه الكريم ، إلا أن علماء الأديان الأرضية الحزبية أصرّوا على حشر أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الناس والدين ، منتحلين صفة العلم والمعرفة في كافة العلوم والمعارف وقد ضلوا وأضلوا من حولهم.
-- إفتراء الكافرون على عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام :
بدأ الإفتراء على دين الله عز وجل قبل نزول الآيات القرآنية ، وقبل البعثة ، واستمر أثناءها ، واستشرى وعظم شأن الإفتراء بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد عانى الرسول في حياته ، من إفترائهم الكثير والكثير من الألم والمصاعب ، فلم يَدَعوا مسلكا إلا وسلكوه تكذيبا للرسول في شخصه الكريم ولرسالة رب العالمين.
-- التشكيك بنبوة النبي ورسالة رب العالمين:
1-- تارة يفترون بأنه هو من تقول القرآن ولم يوح له من قبل الله عز وجل ،( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39) يونس.
2-- وتارة يقولون (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) ، فرد خالق السموات والأرض مع جلالة قدره وعلو شأنه عليهم عبر آيات القرآن الكريم ، مدافعا عن رسالته وعن نبيه ، بينما النبي محمد لم يرد عليهم في كتب التراث عبر الأحاديث ، مما يستدعي الإنتباه لمدى صدق الأحاديث وكذبها ، وقد ردّ رب العالمين قائلا :( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل.
3-- وتارة أخرى ،(...إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا (47) الإسراء ، كما ،(.. قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ (5) الأنبياء ، فقد طالب كفار مكة بآيات حسية مادية ، كما كانت للرسل من قبل ، وقد جهلوا أن المعجزة الوحيدة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام ، كآية حسية مادية هي القرآن الكريم وهي لا تشبه ما كان ينزل للرسل السابقين ، إن هي إلا كتاب مبين ، معجزة باقية الى يوم الدين، لمن أراد أن يستقيم ،( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاء بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) الشعراء.
جهلها أصحاب الأديان الأرضية فيما مضى ليستمر جهلهم مع أحفادهم الى الآن ، لذا أرادوا أن يسدوا الخلل والنقيصة في دين الله عز وجل ،(... إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الأنعام ، (يَخْرُصُونَ) أي يكذبون ويلغون.
قاموا بتأليف الحكايات والمعجزات المادية الخارقة لقوانين الطبيعة التي سنها رب العالمين في خلقه ، ومن ثمّ نسبوها ظلما وافتراءا للنبي عليه الصلاة والسلام وللصحابة في بعض الأحيان ، لذا ردّ عليهم رب العالمين قائلا :(... قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة.
4-- قالوا افتراءا ، ما أمكنهم من القول الكاذب إلا أنهم لم يقولوا ، ولم يعترفوا ، ولم يقرّوا ما أقره الله رب العالمين في كتابه المبين ، فهم المخالفون دوما ، كفرا وافتراءا، فما أشبة قول الأديان الأرضية الحزبية اليوم بما قاله كفار الأمس في رفضهم لآيات القرآن الكريم ،( نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) البقرة ، ألم نؤت نحن المسلمون كتاب الله عز وجل أم على قلوبنا أقفال لا سبيل لفتحها؟
5-- إن الإفتراء مردهُ الى عدم الرغبة في الإلتزام بما جاء به القرآن الكريم من شريعة ومنهاج لله رب العالمين ، على الرغم من أنه يرفع من شأن وسمو الإنسان ويرسي دعائم العلم والمنطق والحق، وينتشر العدل والحرية والمساواة بعيدا عن الظلم والقهر والجبروت ، فهذه الأهداف والغايات لا تتفق وتصب في مصلحة الظالمين والفاسدين في المجتمع ، إذ تساوي ما بين العامة والخاصة من الناس ، وفيها الضرر الفادح لقادة المجتمع والحكام الفاسدين ، لذا كان الرفض للآيات القرآنية ولا يزال ، فلم يستطيعوا تحريف أو إلغاء الآيات القرآنية ، لذا قاموا بصناعة الآحاديث بما يصب في مصلحتهم وأهدافهم ،( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ (79) البقرة.
6-- ولكنهم أصروا ويصرّون على غيهم وافترائهم ، آملين أن لا يكون من لقاء وحساب قادم لله عز وجل وإلا كيف يبدّلون الآيات القرآنية الصادقة لديهم كما يدّعون بالأحاديث المشكوك في أمرها فيما بينهم،( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) يونس.
7-- لهذا طالبوا النبي محمد عليه الصلاة والسلام أن يأتي بقرآن غيره أو يبدله ،( وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً (74) إِذَاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا (75) الإسراء ، إذ التبديل والتغير هيّن وسهل عندهم وهو الإفتراء عينه الذي إرتضوه لأنفسهم عبرالأحاديث المفتراة ، بعد وفاة النبي محمد عليه الصلاة و السلام.
8-- حينما رفض الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ، التقول والإفتراء على دين الله عز وجل ويئسوا منه ذلك ، حوّلوا وجهتهم الإتهامية للنبي نفسه دون دين الله عز وجل ، إذ قالوا للنبي (إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ)، وهذه الخاصية والصفة من عادة الظالمين في بني آدم ، فحينما يعجز الإنسان الظالم عن الفعل والتأثير أوالإلتزام بسمو الخلق والعدل والدين ، يبادر الى إلقاء التهمة والنقيصة على الغير.
9-- كذلك حينما وضع رب العالمين أية قرآنية مكان أية أخرى مع بقاء الآية الأولى ، بهدف ترتيب آيات القرآن الكريم وفقا لمشيئة رب العالمين ، بادر الظالمون باتهام النبي بالإفتراء والتبديل والتغير ،( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (101) النحل.
10-- كان النبي محمدا عليه الصلاة والسلام يتألم من جهل وظلم وإفتراء أعدائه من شياطين الإنس والجن ، وكان الوحي ينزل من السماء بما يواسي ويهدؤ من ألمه وحسرته ، إذ يخبره أنه كباقي الرسل والنبيين ، خاضعين لسنة الله عز وجل في خلقه ،( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) الأنعام .
11-- وقد قدم رب العالمين شياطين الإنس على شياطين الجن دلالة على عظيم أثر وعمل شياطين الإنس حيث تفوقوا على شياطين الجن ،( لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ).
شياطين الإنس والجن ،( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) ، الإيحاء متبادل ما بين فريقي شياطين الإنس والجن وهذا هو المعنى الأول ، ولكن من عظمة وإعجاز صياغة القرآن الكريم إذ أنه موحى من رب عظيم ، هنالك معنى آخر وهو أن شياطين الإنس فيما بينهم ،( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا).
ونحن اليوم أشد ما نعاني مما أوحى به أئمة الأديان الأرضية المذهبية من (زُخْرُفَ الْقَوْلِ) ، المفترى به على دين الله عز وجل، (غُرُورًا) وقد غرّوا و أوردوا المسلمين مورد الظلال والفتنة ، بما استحدثوا من أديان أرضية ما أنزل الله بها من سلطان وقد ولدت ونمت بعد موت النبي عليه الصلاة والسلام بعشرات السنين.
12 -- ونزل أمر السماء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام بأن يدعهم وشأنهم ،(فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ) ، وهو الرسول والنبي والمفترى عليه شخصيا ، وفي آيه أخرى ( وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (48) الأحزاب.
13 – أمر النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، أن يدعو الى سبيل ربه عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يتصف بالقدوة الحسنة حتى إستحق بعظيم الخلق من رب العالمين ،( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) القلم ، وليس بالقتل والإجبارعلى الإيمان والإلتزام بشريعة الرحمن.
فالنبي هو القدوة والأسوة الحسنة التي تتفاعل مع محيطها بالحكمة والمحبة ،( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل ، بأخلاقه العالية الرفيعة وسلوكه الإنساني آمن الناس وارتضوا الإسلام دينا ولو كان فظا لإنفظ الناس من حوله ،( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران.
14-- بينما الأديان الحزبية الأرضية لا تجيد إلا القتل والتكفير والتعصب والظلم والإفتراء على دين الله عز وجل لهذا أنزل ،( قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ (69) يونس ، لا يفلحون لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وقد فرض رب العزة على المؤمنين القرآن ولم يفرض الأحاديث النبوية ،( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ... (85) القصص.
-- الغفلة وبدعة الأحاديث والإفتراء في الدين :
إن أخطر قراريتخذه الإنسان في حياته ، هو الى أي دين ينتمي ، أهو الى دين الله عز وجل ، أم الى دين باطل به الكفر والظلال ، ذلك إن مفعول وتبعات هذا القرار يرافق الإنسان طيلة حياته الدنيوية ليمتد أثره الى حياه الآخرة الخالدة ، سواء إن كان الخلد في الجنة أو في النار.
حينما يأتي ذلك الإنتماء من إنسان ليس على علم أو اطلاع ، إنما هكذا وجد نفسه منتميا الى دين آبائه بحكم الولادة والنسب ، فاتبع ذلك الدين وما شرع من الأحكام، دون أن يبذل أي جهد ليعلم أهو على دين الله عز وجل ، أم هو ليس على شيئ من الدين ، ولم يكن له هدف أوغاية دنيوية يسعى لها ، حينذاك يسمى غافلا ، فقد أخطأ سبيل الحق دون قصد أو رغبة ، وأمره متروك الى الله أرحم الراحمين ، هذا ما تقوله الأديان الأرضية الحزبية ، والمسلم لديها لا يؤاخذ إلا بما علم من أمردينه ، بهذه المقولة إنما يشجع أصحاب الأديان الأرضية المسلمين الى الخمول وعدم التفقه في آيات القرآن الكريم ، ولا يستخدمون العقل أو الحكمة والمنطق وقد خوطبوا وأمروا بها في الكثير من آيات الله عز وجل.
فالغافل لا يعفى من أشد العذاب والخلود في النار تحت مقولة أنه لا يعلم ، إذ المطلوب أن يعلم أمر دينه ويعلم جيدا رسالة رب العالمين إليه قبل مماته ، فيلتزمها ويتقي ما أمكنه ذلك خلال حياته.
آلا يخشى أو يخجل الإنسان أن يقابل رب العالمين في الآخرة وقد مكث عمرا طويلا في حياته الدنيا دون أن يبدي الإهتمام لقراءة رسالة رب العالمين إليه قبل مماته ، وعلى مهل وترو ،( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) ال عمران.
فإذا كان الله رب العالمين رحيما ، وقد وسعت رحمته كل شيئ ، فلا يكن أحدنا وقحا لا يقربه الحياء أوالعقل والتفكر، فإن لم يقدر الله في حياته الدنيا ، ولو بقدر يحتسب له في حياته الآخرة ، فاليرتقب أي منقلب سينقلب ، واليرَ بعين اليقين سوء الجحيم .
فالغافل لا عزر له ، وقد خدعته الأديان الأرضية بما كانت تمنّي وتفتري على دين الله عز وجل ، وقد خص الله رب العالمين جهنم بالكثير من الجن والإنس ،( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف.
فإذا كان القانون الوضعي البشري لا يعتد بجهل القانون ولا يعفي من المسؤولية عند المخالفة ، وإن جاءت المخالفة بأمر بسيط كالمخالفة المرورية ، فكيف إذا كان الأمر والمسألة عظيمة ربوبية إلهية ، من الله القاهر فوق عبادة ، فعقوبة المخالفة والكفر لا شك الخلد في النار، و إن جاءت عن طريق الغفلة والجهل بالدين.
1-- إن الإيمان بما يناقض النص القرآني ، نتيجة لغفلة الغافل ، أو الدفع بمقولة الجهل بمراد آيات الله عز وجل لا تعفي المسلم من المسؤولية ، إذ المطلوب من كل مسلم أن يعلم دينه ويعي أمر ربه ، خاصة أن الله سبحانه وتعالى لم يوكل أحد في أمر دينه من بعد الرسل.
فكل إنسان منوط به أن يكون على بينة وعلم ، لا أن يتبع دين الآباء دون أن يحكم العقل والفكر ، فلا يستويان مثلا ،(.. قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (9) الزمر ، فلا يستوي الغافل مع العالم العارف.
2-- إلا أن الغفلة أخف ذنبا من الإفتراء والكذب على رب العزة بتلك الأحاديث المفتراه ، خاصة حينما جُعل ذلك الإفتراء بديلا أو جزءا مكملا لدين الله عز وجل ، إذ الأديان الأرضية السياسية قد بدّلت وألبست دين الحق بأديان باطلة كاذبة ، مختلفة متناحرة ،( وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (42) وَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (44) البقرة.
3-- إن الغفلة لم يكن لها أن تستشري وتنتشر، لولا جهل وظلم من يطلقون على أنفسهم بعلماء الأمة ، أولئك الذين إتخذوا من الدين مطية للوصول الى غايات دنيوية آنية دون غايات الآخرة الخالدة ، وقد أصبح لهم صنعة وحرفة ، تدر عليهم الأموال الطائلة ، حرفتهم هذه ، تنمو وتزدهر بنموي الجهل والتعصب والتشدد ، وتخبو ويقل شأنها وشأنهم كلما زاد العلم والمعرفة لدى عامة الناس والمسلمين.
4-- ونحن أهل القرآن لا نتوقع ولكننا نطمع أن يؤمنوا بما نقول وندعي بعد أن قال الله عز وجل عنهم ، مسبقا ،( أفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) البقرة.
5-- إذا كان علماء الأديان الأرضية قد مردوا على النفاق وكتم شهادة القرآن ، وقد أوردوا الأمة الجهل والغفلة ، ظلما وافتراءا فنحن أهل القرآن لا نفعل ، (..وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) البقرة.
6-- سأل رب العالمين ،( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ...(60) يونس ، السياق القرآني يقتضي أن يجيب رب العالمين على ما أورد من سؤال ، ولكنه لم يفعل مما يشير الى سوء المنقلب وليتخيل الظالمون ما شاء لهم من العذاب ، فهو سؤال ملؤه التهديد والوعيد بسوء العاقبة والعذاب الأليم.
ولكن الله رب العالمين يضع مباشرة قاعدة قرآنية بعد التساؤل ، ،( وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ (60) يونس ، مرد الفضل أنه عز وجل قد أنزل القرآن وبعث الرسل ووهب العقل والمنطق وخلق الإنسان في أحسن تقويم رأفة بالعباد ، إلا أن أكثرهم لا يشكرون.
وآخر دعوانا ، الحمد لله رب العالمين ،( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) آل عمران.