كتاب ( قل ) فى القرآن الكريم - الباب الأول : المنهج القرآنى فى إستعمال ( قل )
الفصل الثالث : بين ( قل ) و( قول ) الدعاء ( الجزء الأول )

آحمد صبحي منصور في الخميس ٢٠ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا  : الدعاء و كلمة : (قل )

1 ـ قلنا إن كلمة ( قل ) تعنى ( يقول الله جل وعلا ) . السؤال هنا عن صلة ( قل ) بالدعاء ، أى حين يدعو المؤمن ربه جل وعلا ، أى حين ( يقول  المؤمن ) دعاءا يرجو به ربه نفعا  أو يرجو به دفع ضرر  حاق به . لا شك أن له أن ( يقول ) فى الدعاء  ما شاء متضرعا لله جل وعلا بما يعبّر به عن حاله . ولكن الدعاء بأساليبه ومختلف موضوعاته جزء من الخطاب القرآنى ، ومن الأفضل أن ندعو بما جاء فى القرآن ، وهذا يجعلنا نبحث علاقة ( قل ) بالدعاء  .

2 ـ  إن الدعاء هو لُبُّ العبادة فى الصلاة وفى الذّكر وفى قراءة القرآن وفى للتسبيح والتفكر فى آلاء الله جل وعلا . وهو أيضا جزء فى القصص القرآنى ، فالله جل وعلا أورد دعاء الأنبياء ، والمؤمنين ، بل إن فاتحة الكتاب هى دعاء يبدأ بحمد الله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم ، وبتأكيد أننا نعبده جل وعلا وحده ونستعين به وحده ، ثم بعد هذا التمهيد يأتى الدعاء بأن يهدينا الله جل وعلا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم وليس صراط المغضوب عليهم ولا الضالين .

2 ـ الملاحظ أن ( قل ) لا تأتى كثيرا فى الدعاء. جاءت فى قوله جل وعلا : ( وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (118) الأنبياء ) . إن الأغلب غياب كلمة ( قل ) أمرا بالدعاء  .       

3 ـ لا نجد ( قل ) أمرا فى الدعاء فى الفاتحة ، ونفتقدها فى قوله جل وعلا : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186 ) البقرة ) ، فالسياق أن يقال ( وإذا سألك عبادى عنى فقل إنى قريب ..). ولكن تم حذف ( قل ) منعا للواسطة ، ولتأكيد أنه جل وعلا قريب من عباده يسمع الداعى إذا دعاه . ونفتقدها فى قوله جل وعلا : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286 ) البقرة ) المنتظر أن يقال ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، لها ما كسبت وعليها ما إكتسبت ، قولوا ربنا لا تؤاخذنا غن نسينا أو أخطأنا ...). بل إن الأمر بالدعاء خلا من كلمة ( قل ) يقول جل وعلا  : ( وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (60) غافر ). (قال ) هنا بمعنى ( قل ) لأن الله جل وعلا جعل جهنم مصير الذين يستكبرون عن الدعاء .هذا دليل على أن الدعاء فريضة تعبدية مأمور بها الناس جميها ، سواء جاءت بكلمة (قل )أو بدونها.  

4 ـ إن الله جل وعلا جعل من صفات المتقين أنهم يدعون الله جل وعلا : ( الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17 ) آل عمران ) أى هم الذين يدعون ربهم يطلبون الغفران والوقاية من عذاب النار ، وهم القانتون المستغفرون بالأسحار . وجعل رب العزة من صفات أولى الألباب المؤمنين أنهم يتفكرون فى خلق السماوات والأرض ويخاطبون ربهم يرجون رحمته وغفرانه :الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)     آل عمران ). وجعل  من صفات عباد الرحمن أنهم  يقولون (  رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً (66 ) ، ( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً (74) الفرقان ) وفى المقابل يقول جل وعلا إنه لا يعبأ بنا لولا أننا ندعوه ، فيستجيب : (  قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً ( 77 الفرقان ).

ومشركو قريش دعوا الله جل وعلا أن يهلكهم لو كان القرآن حقا ، وجاءهم الرد من رب العزة بتأجيل العذاب طالما كان النبى بينهم وطالما كانوا يستغفرون : ( وإذ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنْ السَّمَاءِ أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (32) وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (33) الانفال )

5 ـ إن الدعاء هو خطاب مباشر يوجهه ابن آدم لربه جل وعلا ، يحادثه ويشكو اليه ، ويرجوه . وهكذا كان يفعل أفضل البشر ، وهم أنبياء الله ، والدعاء جزء أساس فى قصصهم ، وهو بدون كلمة ( قل ) ، وجىء به فى القرآن لنستفيد به ونطبقه إذا كنا فى نفس الحال .

ثانيا : دعاء الأنبياء بدون كلمة (قل )

1 ـ دعاء الأنبياء يتنوع من حيث الموضوع . منه نوع يخص النبى وحده خاص بظروف النبى ودعوته وليس لنا أن ندعو به ، ونوع يمكن لنا أن نطبقه وندعو به إذا تطابق مع أحوالنا . ثم هناك نوع مختلط ، جزء منه يجوز لنا  أن نطبقه إذا توافق مع ظروفنا .

2 ـ من أمثلة النوع الخاص بالنبى وحده دعاؤه على قومه بالهلاك ، كما فعل نوح عليه السلام : ( كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) القمر ) ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنْ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَنَصَرْنَاهُ مِنْ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (77) الانبياء ) ،( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) نوح )  .

ورجع موسى عليه السلام من لقاء ربه ووجد قومه يعبدون العجل ، فغضب ، ثم هدأ ، ودعا ربه أن يغفر له ولأخيه هارون عليه السلام : ( وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (150) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (151)) الاعراف ).

وحين عاقب الله جل وعلا قادة بنى اسرائيل دعا موسى ربه بالغفران :( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155) وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156 الأعراف).

وفى تحويل مؤقت للقبلة ظل عليه السلام يدعو ربه فاستجاب له : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144 البقرة ).

3 ـ ونعطى أمثلة من النوع الذى يمكن لنا أن نطبقه لأنه صالح لظروفنا :

قد يتعرض أحدنا للفقر والحاجة ، وله أن يستعمل دعاء موسى وهو فى مدين (  فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) وجاءت الاستجابة سريعا ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25 القصص ) .

وحين قتل موسى الرجل المصرى المعتدى عن طريق الخطأ بادر بالتوبة وطلب الغفران فغفر الله جل وعلا له : (  وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16)القصص ) وهذا يصلح لأى مؤمن يقع فى نفس الموقف .

وكلنا يتعرض لمحنة المرض ، ويمكن أن يستفيد عند المرض بدعا النبى أيوب ربه ،وقد فاستجاب له : (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84) الانبياء ) (  وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ (41) ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42) وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ (43) وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44  ص )

وكل منا يتعرض لأوقات الشّدة ، أفظعها عندما إلتقم الحوت النبى يونس عليه السلام ، فظل يسبّح ويدعو ربه وهو فى بطن الحوت فاستجاب له ربه جل وعلا : ( وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) الصافات ) (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنْ الصَّالِحِينَ (50) ) (القلم ) ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) الأنبياء ) . يقول جل وعلا (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ (88) ) أى تشجيع من  رب العزة لكل مؤمن يقع فى ضيق وشدّة أن يدعو ربه مستجيرا به ، والله جل وعلا يعده بأن يستجيب له وأن يُنجيه .

ومن الشدائد الاضطرار الى دخول السجن ظُلما ، وقد تعرض له يوسف عليه السلام ، وفى مواجهة التآمر النسائى دعا ربه : ( قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34 يوسف ).

ولأهل القرآن تجربة مريرة مع الفرعون مبارك المشهور بفساده وإستبداده ، حين كان أمن الدولة يرهبنا ، ويعتقل أهالينا ، وننام فى خوف ونصحو فى قلق ، وإذا دقّ الباب توقعنا الشّر ومجىء قوات الأمن لتقبض علينا . فى هذه الظروف كان الدعاء المُريح لنا هو دعاء يونس فى محنته ( لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ ). والدعاء بألّا يجعلنا ربنا جل وعلا ( فتنة للظالمين الكافرين ) أى ضحية للظالمين الكافرين الذين يفتنون المؤمنين فى دينهم بالاكراه فى الدين والاضطهاد الدينى ، وهو ما كان يفعله مبارك الذى كان جنوده يعتقلون أهل القرآن بتهمة أنهم يُصلُّون فى بيوتهم . وهذه فتنة فى الدين لم يقع فيها فرعون موسى نفسه ، الذى تغاضى عن صلاة بنى إسرائيل فى بيوتهم . يقول جل وعلا عن تطرف فرعون فى ارهاب قوم موسى حتى جعلهم يتحاشون موسى خوفا من أذى فرعون :  ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83)يرنس )، ودعاهم موسى للتوكل على الله جل وعلا للصمود أمام هذا الاضطهاد : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) يونس ) فاستجابوا ، ودعوا ربهم جل علا أن يُنجيهم من فرعون وألّا يجعلهم فتنة للقوم الكافرين : ( فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ) وأمر الله جل وعلا موسى وهارون أن يقيما الصلاة فى بيوتهم وأن يدعوا جميعا على فرعون حتى ينتقم الله جل وعلا منه :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) وفى الصلاة كان موسى يدعو على فرعون : ( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس )واستجاب الله جل وعلا  الدعاء : ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (89 يونس ) وبعدها كان غرق فرعون وقومه . وكنا ندعو الله جل وعلا على هذا الفرعون مبارك ، ونحمد الله جل وعلا أن إستجاب لنا .

وقبل ذلك كان ابراهيم عليه السلام ومن آمن معه يدعون الله جل وعلا ألّا يجعلهم فتنة للقوم الكافرين ، وإستجاب لهم الرحمن ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5 ) الممتحنة ).

والحروب من أشد المحن . وفيها تكون فائدة الدعاء للمؤمنين أصحاب الحق : ( وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (250) فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ  )(251) البقرة ) (  وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148 آل عمران ). وفى معركة بدر إستغاث المؤمنون بربهم جل وعلا فاستجاب لهم :( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) (9 ) الأنفال ).

ويستجيب رب العزة أيضا لمن يطلب من الله جل وعلا النّعم . رأى زكريا عليه السلام الطفلة مريم فى عبادتها فاشتاق أن يهبه الله جل وعلا ولدا ، وكان فى شيخوخته وزوجه عاقر : ( هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى  ) (39 ) آل عمران) . ( وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ) (90) الانبياء ). ولمن يريد الذرية يستطيع أن يرجوها من ربه جل وعلا.

بل أكثر من هذا ، قد يُنعم الله عليك بالمُلك وتطلب المزيد . وهكذا فعل يوسف عليه السلام الذى أوتى الدنيا فطلب الجنة ، ودعا ربه جل وعلا فقال : ( رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101 يوسف ).

أكثر منه نبى الله سليمان عليه السلام الذى أوتى المُلك والنبوة فطلب المزيد : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ (40) ص ) . المستفاد هنا أن تطلب ما تريد من ربك بعيدا عن الإثم والعدوان . وستجد الاجابة ، إما بما تطلب ، أو برحمة ورضوان ، والله جل وعلا يختار الأصلح لك . وهو الأعلم بالأصلح لك .

3 ـ ومن دعاء الأنبياء ما يصلح جزء منه لنا ، والباقى لا يصلح لأنه كان خاصا بالنبى نفسه لا علاقة له بنا . فمن دعاء ابراهيم عليه السلام ما لايعد صالحا لنا ، مثل دعائه لأبيه بالغفران : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40 رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41 ابراهيم  )  ، وقد عوتب فى هذا فكفّ عنه . ولنا أن ندعو بدعائه الآتى إلا الفقرة التى تخصُّ أباه : ( الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنْ الضَّالِّينَ (86) وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء . )

ونفس الحال مع نوح عليه السلام : ليس لنا أن ندعو بدعائه على قومه ،( وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً (27) نوح )  ولكن ندعو بالدعاء الذى قاله :( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدْ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً (28) نوح ).

وآخر إستجابة الاهية لطلب آية حسية كانت فى المائدة التى طلبها الحواريون من عيسى عليه السلام ، وإستجاب رب العزة مع تهديد لهم إن كفروا بعدها : ( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (112) قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ (113) قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114) قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (115 ) المائدة) الذى ينفعنا من هذا هو أن ندعوبدعاء عيسى عليه السلام بأن يرزقنا الله جل وعلا وهو خير الرازقين : (وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ (114)

اللهم ارزقنا وأنت خير الرازقين .!

اجمالي القراءات 11603