المقال التاسع
الصورة غير الحقيقة!

محمد عبد المجيد في الأربعاء ١٢ - فبراير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

شيء عجيب يلاحظه كل من تابع الغربة وحياة المهاجرين وآلامهم وأحلامهم وهمومهم وكتاباتهم !
الاستقرار بعيدا عن الوطن يجعلك قادرا على إزالة كل الحواجز التي تحجب عن المرء ماضيه وذكرياته وحوادذ حياته، فالمغترب يستطيع أن يشم رائحة طعام الجيران بعد عشرين عاما من الغربة، ويسمع وقع خطوات والده وهو يصعد السلالم، ويحتفظ بصوت أمه وهي تنادي عليه لأن ( الأكل حيبرد وأنا مش حاكل من غيرك)، ويصبح شجار أخواته صوتا محببا إلى الفؤاد في غربته.
في الغربة تتفتح كل الأبواب لاستدعاء حوادث صغيرة ومتناثرة في أزمنة مختلفة، ثم تتكون منها حكاية متكاملة لها صوت وصورة ورائحة ونغم ومشهد طبيعي وآخر عائلي.
ولكن للأسف الشديد فقاتلُ متعة الاغتراب هو أيضا الوطن في صورته الجديدة عندما تعود في زيارة ظنا منك أن كل الأمور بقيت على ما كانت عليه، فتكتشف اشياء لم تكن قادرة على الوصول إليك في الوطن الجديد.
تكتشف أن بعض أصدقائك ليسوا بالطيبة التي رسمتها، وأن الرجل الطيب الذي يبيع الفاكهة على ناصية الشارع غشّاش، وأن الذي يقول لك في المطار حمدا لله على السلامة تبهت ابتسامته إذا لم تنفحه إكرامية.
الوطن جميل في صورته التي رسمتها له في المهجر، وتستطيع أن تأخذ سيارتك في ريف كيبيك وشوارع برمنجهام ومتنزهات أوبسالا وتستمع في السيارة إلى “ مضناك جفاه ومرقده” أو “ ياللي كان يشجيك أنيني” أو “ يا بدع الورد يا جمال الورد”، لكن زيارة قصيرة قادرة أن تعيدك إلى نقطة الصفر إذا وجدت الصورة الحالية لوطنك مختلفة عن تلك التي حكيتها لأولادك في الوطن الجديد.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 20 يناير 2014
اجمالي القراءات 11760