الثٓقٓافة بُعْدُ ومٓعنٓى يغِٓيبُ عٓنا

شادي طلعت في الإثنين ٢٧ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

إن شخصية الإنسان العاقل الرشيد، تتكون طبقاً لثقافة معينة نشأ عليها، وآمن بكل ما فيها، وبعد مرحلة الإيمان تلك، تأتي مرحلة التوريث، إلى الأبناء وأجيال أخرى قادمة !

إن كلمة الثقافة في اللغة العربية، تعني التمكن، فيقال، ثًقف الرُمح، أي قومهُ وسواه، ويستعار بالكلمة للبشر وتعني حينها الإلمام بالأدب والعلم والفنون وحسن الخلق.

 

بينما مصطلح الثقافة في الغرب "culture" يعني "عادات وتقاليد المجتمعات الإنسانية" وبالتالي الثقافات تختلف من مجتمع إلى آخر، فهناك مجتمعات تهتم بالموسيقى وأخرى تهتم بالأدب ومجتمعات أخرى تهتم بالروحانيات ! تختلف فيما بينها في أشياء كثيرة، مثل مراسم الزواج، وقد يعد أمراً ما، مباحاً في مجتمع ونفس الأمر مُجَرمُ في مجتمع آخر.

 

والواقع أن التفسير الغربي لمعنى الثقافة، هو الأشمل والأصح، وإذا ما أخذنا بهذا التفسير، سيكون كل إنسان على وجه الأرض مُثَقف ! وستكون الثقافات لدينا متعددة، فالفن ثقافة، والسياسة ثقافة، والعلم ثقافة، والإرهاب أيضاً ثقافة !

إلا أن مصادر الثقافة في وقت الحالي أصبحت متعددة مثل :التربية المنزلية، والتعليم، والقراءة، والبيئة المحيطة، والسينما، والتليفزيون، والصحافة، والإعلام الحديث "الإنترنت"

وفي هذا الصدد، علينا أن نفرق بين أمرين، الأمر الأول وهو، حق الإطلاع على كافة الثقافات، والأمر الثاني هو ما يرغب المجتمع في زرعه في نفوس أبنائه دون الضغط عليهم. بمعنى :

 

 من حق كل إنسان أن يسافر وأن يتعرف على كل ثقافات الدنيا إن إستطاع، ولكن تأتي الأزمة هنا وهي كيفية توجيه الإنسان دون الضغط عليه ليتبع سلوكاً ونمطاً بشرياً معيناً، يتلائم مع كونه إنسان ينتمي إلى مجتمع معين ؟

 

فعلى سبيل المثال أنتجت الهند عام 1975م،  فيلم سينمائياً إسمه "الشعلة" وكان ضمن شخصيات الفيلم ضابط شرطة، تم قطع ذراعيه من خلال أحد الخارجين عن القانون ! وفي نهاية الفيلم قام الضابط بالإنتقام من هذا الشخص، بأن لبس حذاءاً نعله من المسامير وإنتقم لنفسه أشد الإنتقام، من هذا الشخص الخارج عن القانون !

إلا أن الرقابة في الهند، عندما شاهدت الفيلم، قامت بإجبار منتج الفيلم بأن يغير من نهايته لتصبح النهاية، قيام ضابط الشرطة بتسليم الشخص الخارج عن القانون إلى الشرطة، ليكون القانون هو الحكم في النهاية، من هنا أتى دور الدولة لتعريف الشعب بطريق غير مباشر، بأن القانون يجب أن يكون هو الحكم بين الناس، وليست لغة القوة.

أيضاً ما نشاهده من عنف في السينما الأمريكية، وإتحاد WWEللمصارعة الحرة وغيرهما، قد يوحي للبعض بأن المجتمع الأمريكي هو مجتمع مغامرات وعنف، لا يحترم القانون ! بينما الحقيقة أن ما يحدث في المجتمع الأمريكي ما هو إلا مجرد محاكاة للخيال فقط ! فأمريكا هي أكثر المجتمعات إلتزاماْ بالقانون، والفرد الأمريكي تنشأ ثقافته، بأن كل ما يشاهده من عنف حوله، ما هو إلا مجرد محاكاة للخيال، يستخدم لمجرد الترفيه أو الإبداع ! والمتابع الجيد للإعلام الأمريكي يجد أن كافة النجوم اللذين يجسدون شخصيات عنيفة، هم أنفسهم من يقومون ببرامج إرشادية توضح أن ما يقومون به ما هو إلا أداء تمثيلي، جميعه من محض الخيال ! وسبب هذه الإرشادات هو التوعية الدورية للأطفال والمراهقين، حتى تكون نشأتهم سوية.

من هنا نجد أن خللاً قد تعرض له مجتمعنا، من خلال غياب دور الرقابة للدولة، في ظل إنفلات للمؤسسات الثقافية الخاصة والإعلامية أيضاً، هدفهما الأول هو تحقيق الأرباح، دون النظر إلى النتائج المستقبلية، والتي قد تمثل خطراً على أجيال أخرى قادمة.

 

من ضمن الأزمات التي يعاني منها المجتمع المصري والعربي أيضاً، التمييز بين الأفراد، من خلال تصنيفهم بأن يكون المثقفون في جانب، وغير المثقفون في جانب آخر !

 

علينا أن نعلم أنه لا يوجد إنسان على علم أو دراية بكل شيء، فأعلم الناس، هم جهلاء بأمور عدة في الحياة، وليس معنى معرفة بعض الشيء عن كل شيء أن الإنسان سيرتقي إلى مرتبة العالم أو المثقف بالمعنى العربي، فهو في النهاية لا يعلم إلا بعض الشيء !

إن العلم الكامل لله وحده، وعليه يجب على الجميع، الإيمان بالآتي :

  • أنه لا يوجد إنسان ملم بكل شيء.
  • الإيمان أيضاً بأن أفقر الناس علماً أو مالاً، قد يكون لديه علم آخر، فقد يعلم كل شيء، عن شيء !

 

 وبالتالي لا يوجد إنسان جاهل على وجه الأرض، فلكل فرد ثقافة خاصة، إكتسبها من بيئته المحيطة به، تحمل عادات وتقاليد ولها قوانينها العرفية، التي يجب علينا إحترامها وتقديرها، والمحافظة عليها، والعمل على عدم تغيرها.

 

إن إنتبهنا إلى قصة نبي الله موسى عليه السلام، والعبد الصالح، الذي كان ذو علم فاق علم نبي الله، سنجد أن بحر العلم واسع، لم يعرف الإنسان منه إلا القليل، ولن يعرف منه إلا القليل مهما حاول أو إجتهد !

 

لذلك، أرى أن علينا أن نغير من تفسير ومعنى الثقافة في اللغة العربية، وأن يطوع التعريف للمعنى الحقيقي المفسر لها، وهو أن الثقافة، تعني الحضارات الإنسانية المختلفة، وشتى أنواع العلوم.

حتى لا نميز بين الناس، فيقال عن هذا مثقف وذاك جاهل ! فلكل إنسان ثقافته كما ذكرنا آنفاً، وبالتالي لا يجب التفرقة بين الأفراد، فثقافة أهل النوبة اللذين لا زالوا  يسكنون الجبال كانت سبباً وركيزة أساسية، ساهمت في نصر أكتوبر ١٩٧٣م.

 

وعلى الله قصد السبيل

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 9745