الحكم على الناس بالكفر تجاوز لحدود الله
مهلا يا شيوخ التكفير

عبد الغاني بوشوار في الأحد ١٩ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

مهلا يا شيوخ التكفير

الدكتور عبد الغاني بوشوار

 

كثر في الآونة الأخيرة تكفير كثير من الناس من قبل من يدعون حرصهم البالغ على حفظ الدين الإسلامي ويدعون الوصاية على الناس جميعا. ولقد ظهر في الساحة المغربية وفي كثير من البلدان الإسلامية وفي غير الإسلامية شيوخ وبعض من يدعي أنهم فقهاء ورجال الدين يكفرون الناس لا لشيء غير أنهم يختلفون معهم في الرآى وفي فهم المقاصد الشرعية والنصوص الدينية. 

والغريب في أمر هؤلاء أنهم يتسرعون في اطلاق تكفيراتهم حتى على الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين  ويتسرعون أيضا بالإنفراد بالفتاوي خارجين عن الإجماع وعن المؤسسات الدينية الرسمية التي أقامتها الأمة لإدارة الشأن الديني في مجتمعاتهم المختلفة. والأغرب من هذا أن الذين قام الشيوخ في المغرب بتكفيرهم لم يثبت من أي جهة انكارهم للدين الإسلامي ولا هم صرحوا أنهم كفار. و مما لا شك فيه أن شيوخنا هؤلاء يدعون أن الرسول (صلعم) يعتبر قدوتهم على أن هذا الاعتبار يضل تفوها وقولا ثقيلا فقط للتغطية على نوايا الله يعلم بمقاصدها.

ولو سلمنا جدلا أن نياتهم حسنة ولا يريدون إلا الاصلاح كما يدعون في كل وقت وحين، فإنهم تجاوزوا الرسول وبودهم أن يجاهدوا ويقتلوا جميع من يعتبرونه كافرا على هذه البسيطة بمن فيهم الكفار من الجن. تجاوزهم للرسول (صلعم) يكمن في ادعاءهم أنهم ينوبون عن الله في الحكم على عباده ويودون أخذ الحق بأيديهم في الدنيا في المساءل التي تخص الله وكأني بهم يومنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعضه. لا يشك أحد من المسلمين بأن الكفر يعد من كبائر الذنوب ومع ذلك فقد خاطب الله رسوله في القرآن في عدد من الآيات أن لا يحزن من كفر من كفر و لم يأمره بما يريد شيوخ التكفير القيام به تجاه من يتهمونهم بالكفر. إن الحكم في هذا الأمر الخطير لله وحده. لا يتسع المقام لسرد البراهين في كل ما ورد في القرآن بهذا الخصوص وبخصوص كل الارشادات الالهية التي يبقى الله وحده وكيلا بها.أشيرفقط الى بعضها لعل الله يهدي بها من يجعل نفسه وكيلا على البشر.ومن أغرب الأمور أن معظم المكفرين للناس يحملونه(القرآن) كاملا في صدورهم. منها:

"إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد [الحج : 17]

 وَلاَ يَحۡزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَن يَضُرُّوا۟ اللّهَ شَيۡئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجۡعَلَ لَهُمۡ حَظًّا فِى الآخِرَةِ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٌ (آل عمران: 176).

يَآأَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحۡزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الۡكُفۡرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا۟ آمَنَّا بِأَفۡوَاهِهِمۡ وَلَمۡ تُؤۡمِن قُلُوبُهُمۡ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُوا۟ سَمَّاعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوۡمٍ آخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَ يُحَرِّفُونَ الۡكَلِمَ مِن بَعۡدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنۡ أُوتِيتُمۡ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمۡ تُؤۡتَوۡهُ فَاحۡذَرُوا۟ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتۡنَتَهُ فَلَن تَمۡلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيۡئًا أُوۡلَٰٓئِكَ الَّذِينَ لَمۡ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمۡ لَهُمۡ فِى الدُّنۡيَا خِزۡىٌ وَلَهُمۡ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (الماءدة:41).

   
 

وَمَن كَفَرَ فَـَلا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ(لقمان:23).فَـَلا يَحۡزُنكَ قَوۡلُهُمۡ إِنَّا نَعۡلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعۡلِنُونَ(يس:76).فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب  [الرعد : 40]. "

هذه بعض الحكم الإلهية لنبيه ولعامة الناس. وهي أوامر ونواهي منه جل وعلا فمن أين يجد المرء ما يبرر تدخل الشيوخ فيما لا يعنيهم. أين التفويض الإلهي الذي يتزعمونه ويريدون احتكاره ليستصغروا عظمة الإسلام الذي يتسع حتى للكفار الذين أعلنوا كفرهم ناهيك عن الذين يتهمهم الشيوخ وهي مجرد تهم قد لا تكون إلافي تخيلاتهم وفي أضغاث أحلامهم . ألم يومن شيوخنا بحقيقة ما ورد في الآيات أعلاه؟

يقال رحم الله امرءا عرف قدر نفسه. الشيوخ الذين يلجون ميدان الفتاوي والتحليل والتحريم ينقصهم التواضع أمام هبة الدولة وإمكانياتها الهائلة  ومؤسساتها وطاقاتها البشرية من العلماء والحكماء والفقهاء الذين تلجأ اليهم لاستصدار الفتاوي وسن القوانين في جميع المجالات دينية كانت أم دنيوية ومنها منع من يتقول في الدين بدون علم ويكفر الناس بمجرد طرح بعض الأسئلة والمطالبة بحقوق مشروعة يضمنها الدين والقوانين المرعية. ثم فوق هذا كله لدى المغرب إمارة المومنين في شخص الملك ولقد ورد في الدستور بأن:

الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية.

فإن كان أحد مخول للبث في قضايا الكفرفإن ملك البلاد هو الجهة الوحيدة التي تملك التفويض في هذا الأمر والقفز من قبل الشيوخ على صلاحياته يعد تطاولا وإهانة لمقامه.فمهلا أيها الشيوخ وأعيدوا حساباتكم قبل فوات الأوان. وهذه دعوة لتدبر القرأن وقراءة دستور المغرب قراءة جيدة ليطلعوا على القوانين التي اختار المغاربة لإضاءة طريقهم في التقدم والازدهار. وللعلم فإن المسلمين في مشارق الارض ومغاربها لا ينكرون بأن القرآن شفاء ورحمة. لكن ليس ذلك بمفهوم من لا رحمة في قلبه ويريد أن يحكم على الناس بالباطل ليتبعوا أهواءهم وهم يزكون أنفسهم ويشوهون الإسلام بخرجاتهم المثيرة للجدل.

فمهلا أيها الشيوخ, وارحمونا من تأويلاتكم للدين الحنيف.ولا تظلموا الناس إن الله لا يحب الظالمين كما تعلمون. ومن تكونوا ومن نصبكم لتحاسبوا البشر؟

الدكتور عبد الغاني بوشوار                                                                                                     
باحث وأستاذ العلوم الاجتماعية-اكادير

 

 

 

 

اجمالي القراءات 10088