إستمرار تأثير أحاديث الشفاعة فى البخارى فى ميدان الانحلال

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٤ - يناير - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

إستمرار تأثير أحاديث الشفاعة فى البخارى فى ميدان الانحلال

 النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

مقدمة

يمتاز ( صحيح البخارى ) بأنه الأكثر تقديسا بين كتب السّنة ومذاهب الدين السُّنى ، بل وبين الصوفية والتصوف السُّنى . وشهد العصر المملوكى قيام بعض أئمة الدين السُّنى بشرح البخارى كابن حجر والعينى والقسطلانى . وفى كتابنا عن المجتمع المصرى فى عصر السلطان قايتباى تحدثنا عن ميعاد البخارى فى العصر المملوكى دليلا على استمرار تقديس البخارى وجعله أكثر قداسة من القرآن بحيث تتخصص له ـ رسميا ـ أسابيع  لتلاوته برغم سيطرة التصوف غلى العصر المملوكى . وللصوفية أسبابهم الخاصة فى تقديس كتاب البخارى ، لأنه يحتوى على أحاديث تخدم العقائد الصوفية ، منها حديث ( من عادى لى وليا آذنته بالحرب ..) ، بالاضافة الى الشعبية الفائقة للبخارى فى موضوع الانحلال الخلقى ، فى أحاديث الشفاعة ، وأحاديث تُشرّع الزنا : ( أيما رجل وإمرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ..الخ ..)، أو المؤاخاة بالتعبير الصوفى كما سيأتى بيانه . وإستمرار تقديس البخارى حتى اليوم أكبر دليل على تأثير أساطير الشفاعة التى كان البخارى الأكثر ترويجا لها . وفى برنامجنا ( فضح السلفية ) عرضنا لأحاديث البخارى بالتفصيل . ونعطى هنا لمحة عن إستمرار تأثر البخارى فى مجال الانحلال الخلقى بعد إنتهاء الغصر العباسى .

أولا : جذور الانحلال الخلقى المُزدكية لدى ابن برزدويه المجوسى الأصل ، المشهور بالبخارى

1 ـ أسقطت الفتوحات العربية امبراطورية الفرس العاتية ، وجعلت الفارسيين موالى أو مواطنين من الدرجة الثانية ، وكان ( الموالى ) الفرس هم وقود الثورات ضد الأمويين ، وقد تطوّر بهم دين التشيع ، وإتّخذوه ستارا للتحرر من سيطرة العرب ( المسلمين ) وقاموا بإستعادة دينهم الفارسى من خلال ( التبرى والتولى ) فى العقيدة الشيعية ، وبعد أن كان الدين الأصلى الفارسى يتركز فى عبادة إله الخير والنور ولعن أله الشر والظلام ، أصبح من خلال التشيع موالاة ( على وآل البيت ) والتبرى من أبى بكر وعمر وعثمان ، الذين دمروا الامبراطورية الفارسية واحتلوا الوطن الفارسى . كما أن الانحلال الخلقى الذى إصطبغ بصبغة دينية فى المجتمع الفارسى من خلال الدين الفارسى ( المزدكية ) ما لبث أن عاد فى صورة أحاديث سجلها ـ فيما بعدُ ـ إبن برزدويه الفارسى الخراسانى المولود فى بُخارى، والمعروف بالبخارى . ولقد عرضنا فى كتاب ( القرآن وكفى ) وفى بحث ( منهج البخارى فى تصوير شخصية النبى ) لتلك الأحاديث ذات الجذور المزدكية الفارسية فى ضوء تعارضها مع الاسلام ، وتشويه شخصين النبى عليه السلام ، ومنها ذلك الحديث الذي يفتري أن النبي محمدا عليه السلام كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وبغسل واحد ، وأن أصحابه كانوا يتحدثون بينهم أن النبي قد أعطي قوة ثلاثين رجلا في الجماع .

2 ـ والبخاري الفارسي الأصل ( ابن برزدويه) عاش شبابه وصدر حياته فى بخارى معقل المزدكية ، والتى لا تزال الى الآن منبع القومية الفارسية والكراهية للعرب . وقد افترى البخاري فى (صحيحه ) فى كتاب النكاح حديثاً يقول: ( أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال ، فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا ) والملامح المزدكية واضحة في ذلك الحديث المفترى لأنه دعوة عامة للجنس الجماعي ، فأي رجل وامرأة توافقا فلهما الحق أن يتعاشرا ثلاث ليال ويمكن أن ينفصلا أو أن يستمرا ، دون زواج ودون طلاق ودون عدة أو نفقة أو وجع قلب .  وبهذا الإنحلال الخلقى كشعيرة دينية ظهرت المزدكية قبل نزول القرآن الكريم على يد مزدك الفارسي النيسابوري المقتول سنة 523 . وكان من تعاليم المزدكية شيوعية المال والنساء لأنهما سبب كل حرب وبلاء . وكان من طقوس دينه إقامة حفلات الجنس الجماعي في ليالي الأعياد التي يجتمع فيها الناس ، ثم تطفئ الأنوار ( ويختلط الرجال بالنساء) طيلة الليل ، وهو التعبير التراثي عن حفلات الجنس الجماعي .وأدت هذه الطقوس بالذات إلى كثرة أتباعه ، وذلك ما أكده البيروني في كتابه( الآثار الباقية ) والبغدادي في كتابه ( الفرق بين الفرق ) .

3 ـ كان تغلغل المزدكية الفارسية أكبر خطر تعرضت له الدولة الأموية بعد فتح فارس وتحولها إلى مسرح لمقاومة الحكم الأموي . وساعد الفُرس فى إسقاط الدولة الأموية ، وإقامة الدولة العباسية ، وطمعوا فى السيطرة عليها وإستعادة المُلك الفارسى من خلالها ، ولكن كان خلفاء العصر العباسى الأول لهم بالمرصاد ، فقتل أبو جعفر المنصور القائد الفارسى أبا مسلم الخراسانى ، ودخلت الدولة العباسية فى حروب طاحنة مع الثوار الفرس ، إنتهت بهزيمتهم ، فلم يعد امام أحبار المُزدكية إلا صناعة دين سُنى يعيد العقائد الفارسية بالاضافة الى الدين الشيعى . وهذا أساس صناعة أحاديث النيين والحنابلة على وجه الخصوص . وعليه فإن هذا الصراع السياسى والعسكرى والقومى ( الشعوبى ) ساعد على تغلغل تعاليم المزدكية سراً إلى العراق وجنوبها ، ومنها حفلات الجنس الجماعي التى مارستها طوائف ومذاهب شتى، فلم تمت المزدكية بانهيار قوتها العسكرية ، فآثروا حسبما قال البغدادي في (الفرق بين الفرق) اعتناق الإسلام ظاهرا ولكنهم استمروا على عاداتهم القديمة ، كالاجتماع في ليالي الأعياد، حيث يطفئون المصابيح ويختلط رجالهم ونساؤهم في حفلاتجنس ماجنة. وقد غفل مؤرخو (الفرق الإسلامية )  أن المزدكية نشروا تعاليمهم خلال طوائف التشيع والتصوف، كما أصابوا معتقدات المسلمين في مقتل حين تخصص شيوخهم في صناعة الدين السّنى برواية الأحاديث وصناعتها وتشويه الإسلام والنبي عليه السلام من خلالها .  ونلاحظ أن الأغلبية الساحقة من أئمة الحديث هم من الفُرس ، وهم الصُّنّاع الحقيقيون للدين السنى ، والحنبلى بالذات ، وهم مخترعو أحاديث الشفاعة .

 4 ـ وقد إزدهر أثر المزدكية في بعض فرق الشيعة فيما يخص حفلات الجنس الجماعي . ولقد استطاع أتباع المزدكية إدراك ثأرهم الحربي من الدولة العباسية من خلال ثورة الزنج التي أثارها تلك الشخصية الغامضة : (علي بن محمد) الذي انتسب للشيعة الزيدية ، واستمرت ثورته جنوب العراق فيما بين ( 255 ـ 270 هـ) وكان يقول بحكم السيف وقتل أطفال المسلمين وإباحة نسائهم ، وحين كان يستولي على مدينة يبادر بسبي نساء الأشراف ويطلق عليهم جنوده الزنوج لاغتصابهن في حفلات ماجنة ، وبعدها يتم بيعهن بأبخس الأثمان ، وكانت إحداهن تباع بالدرهم والدرهمين ، وذلك ما ذكره الملطي في كتابه ( التنبيه والرد: 33 ) والمسعودي في (مروج الذهب 4 /146) .

وقد أخمد العباسيون ثورة الزنج ، ولكن دعوة المزدكية كانت قد تغلغلت في منطقة جنوب العراق وفيما بين نجد إلى الخليج .  لذلك وجد فيها مجرمو أهل المنطقة مسوغاً دينياً لاستحلال الأموال والنساء، وكانوا قبل ذلك يحترفون قطع الطريق على الحجاج ونهبهم وقتلهم وسبي نسائهم ، فجاءتهم الدعوة المزدكية تبيح لهم نفس الإجرام بمذهب ديني ينتسب للشيعة الإسماعيلية الفاطمية. وذلك ما طبقه القرامطة ، الذين ظهروا في السنوات الأخيرة من حياة المؤرخ الطبري فحكى عنهم في تاريخه عجائب في سفك الدماء، ذكر بعضها فى أحداث سنة 290 هـ حين تناوبوا اغتصاب فتاة من الأشراف ، وظلت في حوزتهم إلى أن ولدت طفلاً لم تعرف أباه فيهم . ويقول الملطي (الذي عاش قريباً من هذه الفترة) أن القرامطة قد قالوا باشتراكية الأموال والنساء والأولاد والأبدان ، وأن ذلك هو حقيقة الإيمان عندهم (.. حتى لو طلب رجل منهم من امرأة نفسها أو طلب ذلك من رجل أو من غلام فامتنع عليه فهو كافر عندهم حلال الدم ، أما إذا أمكن من نفسه فهو مؤمن فاضل ، والمفعول به من الرجال والنساء أفضل عندهم من الفاعل ، حتى يقوم الرجل منهم من فوق المرأة التي ليست زوجته فيقول لها : طوبى لك يا مؤمنة.!! ) .. (المالطي : التنبيه والرد21: 22 .) وظل القرامطة يفسدون فى المنطقة الى أن قضى عليهم أعراب المنتفق بعد قرون.

 5 ـ وظهر التصوف في القرن الثالث الهجري وبدأ في الانتشار يحمل بعض شيوخه تعاليم المزدكية في الجنس الجماعي . وقد ذكر ابن الجوزي في كتابه (تلبيس إبليس :358 ) ظهور الشيخ الصوفي ابن خفيف البغدادي في شيراز بفارس ، وقد كان يحضر درسه الألوف من الرجال والنساء ، وكان ذلك في القرن الرابع الهجري ، وحدث أن مات أحد أصحابه من الصوفية فدخل بأصحابه على المرأة المتوفى عنها زوجها ، وحولها نساء من الصوفية من أتباعه ، وبعد أن قام بتعزيتها قال لها : (هاهنا غير ؟ ( أي هل يوجد غرباء؟ ) فقالت : لاغير ، قال لها : فما معنى إلزام النفوس آفات الغموم وتعذيبها بعذاب الهموم ؟ ولأي معنى نترك الامتزاج ؟ لتلتقي الأنوار وتصفو الأرواح ويقع الاخلافات وتنزل البركات ) أي لماذا الهموم والغموم ، واقترح عليها الامتزاج أي ممارسة الجنس (لتلتقي الأنوار) حيث يعتقد كالمزدكية وجود نور إلهي في داخل كل إنسان ، يلمع ويضئ عند الجنس ، وحينئذ (يقع الاخلافات) أي تنجب النساء خلفة وذرية . ونتابع القصة ، إذ وافقت النساء ، ( فاختلط جماعة الرجال بجماعة النساء طول ليلتهم) ويذكر ابن الجوزى أن حفلات الجنس الجماعية هذه قد انتشرت في فارس، وبلغ خبرها السلطان عضد الدولة البويهي المتحكم في الخلافة العباسية والمتوفى سنة 372 هـ ، فقبض على جماعة منهم وضربهم فشرد جموعهم .
6 ـ ولكن بضعف البويهيين ثم بضعف السلاجقة بعدهم ازداد التصوف انتشارا ، وانتشرت معه حفلات الجنس الجماعي ، وذلك ما يتردد بين سطور كتاب "تلبس إبليس" لابن الجوزي حيث يتحدث عن شيوخ عصره في العراق في القرن السادس الهجري إذ تسلطوا على خداع النساء فاجتذبوهن بفنون الماكياج والزى وحفلات الغناء يقول ( فما دخلوا بيتاً فيه نسوة فخرجوا إلا على فساد قلوب النسوة على أزواجهن ) ..( والناس يقولون إذا أحب الله خراب بيت تاجر عاشر الصوفية) ..( .. إذ تتغير المرأة على زوجها ، فإن طابت نفس الزوج سمي بالديوث وإن حبسها طلبت الطلاق والتحقت بالصوفية تنتقل من شخص لآخر في رعاية الشيخ حيث يقال " تابت فلانة وألبسها الشيخ الخرقة ، وصارت من بناته ) ( راجع تلبس إبليس360 ، 363 ، 356 ) أي أنهم اخترعوا مصطلحات جديدة للجنس الجماعي منها التوبة ، أي إعتناق التصوف ودخول الطريق الصوفي،وأن تكون المرأة بنتاً للشيخ الصوفي يستحلها هو وأتباعه تحت مصطلحات جديدة ، يقول ابن الجوزى : (فإن قبّلها قالوا رحمة ، وإن اختلى بها قالوا ابنته في الطريق ) أما إذا اختلى بها المريدون وفسقوا بها فهي (مؤاخاة )، لأنهم جميعاً إخوانها في الطريق .

 7 ـ وتحت شعار المؤاخاة دارت حفلات الجنس الجماعي في العراق ثم في مصر في العصر المملوكي . وابن الجوزي ( ت 597 ) الفقيه المؤرخ فى العصر العباسى هو أول من تكلم عن المؤاخاة ومدلولها الجنسي ، إذ يقول: ( وبلغنا أنهم يؤاخون النساء ويخلون بهم ) أى الخلوة بهن ويقول ( ومن الصوفية قوم أباحوا الفروج ( أى استباحوا الزنا ) بادعاء الأخوة ، فيقول أحدهم للمرأة : تؤاخيني على ترك الاعتراض فيما بيننا ) أي اخترعوا عقداً للزنا تحت اسم المؤاخاة بين الرجال والنساء أساسه أن يستمتع الرجل بالمرأة دون أي التزام نحوها ودون أن يعترض عليها إذا رآها مع غيره ودون أن تعترض عليه إذا رأته مع غيرها، أي عقد يبيح ممارسة الجنس الجماعي ، وذلك في إطار نفس الطريقة الصوفية وكون الجميع أبناء للشيخ وأخوة فيما بينهم ، بعد أن " تابت المرأة" والتحقت بالطريق الصوفي . ثم دخل الانحلال الخلقى طورا جديدا فى العصر المملوكى من حيث التشريع والتطبيق ، وسنعرض له فى موسوعة التصوف المملوكى . ولكن يظل الأصل هو الأساس ، وهو ( صحيح البخارى ) الذى تسيّد العصر المملوكى مشجعا على الانحلال الخلقى بأساطير الشفاعة ، وأساس ( المؤاخاة الصوفية ) بحديث ( أيما رجل وإمرأة توافقا ..) ..الخ . وأحدث تشريعات الحنابلة الوهابيين فى مجال الانحلال الخلقى هو ( جهاد المُناكحة ) .

أخيرا : الشيطان لم ـ ولن ـ يقدم إستقالته .وبتعبير آخر: البخارى لم يقدم إستقالته ..!!

اجمالي القراءات 12640