الحنابلة وإضطهاد الشيعة ب 5 ف 11 / ج 2 : نماذج للفوضى الحنبلية البغدادية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

الباب الخامس : الشفاعة وتطبيق الشريعة الحنبلية

الفصل الحادى عشر  : الحنابلة وإضطهاد الشيعة ب 5 ف 11 / ج 2

نماذج للفوضى الحنبلية أوخر عهد البويهيين وبداية نفوذ السلاجقة ( 421 : 447 )

مقدمة : الحنبلية كانت الدين السائد المتحكم فى بغداد والعراق وقتها . وبالحنبلية وصل العوام المسلحون الى بؤرة التأقير وصناعة الأحداث ، جنبا الى جنب مع قادتهم من الفقهاء والقضاة وأولو الأمر . وتواضع وانحطّ نفوذ ولاة الأمر ليتيح مشاركة أكبر للعوام وقادتهم . ودفع الشيعة و ( الأشاعرة ) الثمن . لقد أوصل العوام الحنابلة بغداد الى فوضى عارمة ، وقت ضعف سلطة الخلافة ، وإنعدام الفوارق بين إجرام السلطة وإجرام عصابات العيارين الذين كانوا فى موقف النّد للسلطة . وعانى الشيعة من هذا الانفلات الأمنى . فقد ظهرت قيادات فى العيارين متطرفة الأجرام شاركت فى إضطهاد الشيعة ضمن تدخل العياريين فى الصراع الشيعى الحنبلى ، وتطور الصراع الشيعى الحنبلى الى درجة إقامة إستحكامات وأسوار تحمى الأحياء الشيعية والحنبلية ، وتردد رد الفعل الشيعى بين الخنوع والمقاومة . وفى كل الأحوال فقد كان العراق وبغداد فى حالة حرب أهلية محلية مستمرة بحيث أصبحت اسلوب حياة ، يستيقظ الشخص فلا يعرف إن كان سيظل حيا أم هو آخر يوم فى حياته . هو نفس ما يحدث الآن مع اختلاف الشخصيات والأسلحة والقوى الداخلية والخارجية .

ونعطى نماذج لملامح هذه الفوضى من تاريخ المنتظم لابن الجوزى ، راجين من القارىء الكريم إسقاط ما كان يحدث وقتها على ما يحدث فى بغداد والعراق فى عصرنا ، فالمجرم واحد هو الحنبلية ، والضحية واحد هو العراق وأهله . ولكن الفوضى التى انتهى اليها العراق ( الحنبلى السنى ) هى هى :

( عام 422 ) نموذج رقم (1) :

سيطر الحنابلة من العوام والعيارين وأولو الأمر فى ظل دين حنبلى قائم على الشفاعة للبشر وتغيير المنكر باليد ، فأصبحت بغداد وقتها غابة ، نتعرف على معالمها من أخبار  عام  422 :

إذ بلغت  سطوة العيارين أنهم فى  هذا العام نقبوا قصر المملكة ووصلوا الى جناح الحريم . وطاردتهم الشرطة. وقبله بعام إضطر أهل الجانب الغربى فى بغداد للرحيل وابتاعوا خرابات وعمروها‏.‏ وفـي ليلـة الأحـد لثمـان بقيـن مـن ربيـع الآخر‏:‏ كبس قوم من الدُّعّار المسجد الجامع ببراثا ( جامع الشيعة ) وأخذوا ما فيه من حصر وسجادات وقلعوا شباكه الحديد ، وزاد الاختلاط في هذه الأيام ، وعاد القتال بين العوام ، وكثرت العملات ( أى حوادث السطو )، واجتاز سكران بالكرخ فضرب بالسيف رأس صبي فقلته ، ولم يجر في هذه الأشياء إنكار من السلطان لسقوط هيبته‏.). أى سقطت هيبة الدولة .!       وفـي جمـادى الآخـرة‏:‏  وقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه واقتتل أهل نهر طابق وأهل القلائين وأهل الكرخ وأهـل بـاب البصـرة وفـي الجانـب الشرقـي أهـل سـوق السلاح ، وأهل سوق الثلاثاء وأهل باب الطاق والأساكفة وأهل سوق يحيى والرهادرة وأهل الفرضـة وأهـل درب سليمـان ، حتـى قطـع الجسـر ليفـرق بيـن الفريقيـن ، ودخل العيارون البلد ،وكبسوا أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج ، وكثر الاستقفاء نهارًا والكبس ليلًا‏.‏)‏ أى هى حرب أهلية بغدادية  تعاون فيها الجميع على الإثم والعدوان .!. وفى أول خلافة القائم فـي يـوم الإثنين الثامن عشر من ذي الحجة‏:‏ كان الغدير وقام العيارون بالإشعال في ليلته ، ونحر جمل في صبيحته ، بعد أن جبوا الأسواق والمحال لذلك ، واشتد تبسط هذه الطائفـة وخلعـوا جلباب المراقبة وتبسطوا وضربوا وقتلوا ). أى إحتل العيارون الكرخ الشيعى ، وقاموا هم بالطقوس الشيعية على نفقة الشيعة وقتلوا وضربوا الناس .  وقام الحنابلة أيضا بطقوسهم ( وفعل أهل السنة في محالهم ما كانوا يفعلونه من تعليق الثياب والسلاح وإظهار الزينة ونصب الأعلام وإشعال النيران ليلًا في الأسواق في يوم الإثنين المقبل ، زعمًا منهم أنه في هذا اليوم اجتمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في الغار‏.‏). (  ثم إن العيارين أسعروا الناس ليلًا كبسًا لمنازلهم وأخذا لأموالهم ، ثم ظهروا وعدلوا بالكبسات عن الكرخ إلى باقي المحال ..‏.) أى شملوا بقية بغداد بعطفهم سلبا ونهبا . بينما زال سلطان الدولة :( وخرجت هذه السنة ومملكة جلال الدولة ما بين الحضرة وواسط والبطيحة وليس له من ذلك إلا الخطبـة ، فأمـا الأمـوال والأعمـال فمنقسمـة بيـن الأعـراب والأكـراد . والأطـراف منهـا فـي أيـدي المقطعين من الأتراك . والوزارة خالية من ناظر فيها‏.‏‏ )

( ابن النسوى ) نموذجا ثانيا  :

كما نتعرف على بعض ملامح لهذه الفوضى من تتبع ما كتبه ابن الجوزى فى المنتظم عن (ابن النسوى ) اشهر ( وزير داخلية وقتها ) أو بتعبير العصر ( صاحب المعونة ) . وكان يتولى المنصب ثم يعزلونه أو يهرب منه . وكان مجرما أصيلا ، وكان هو بشخصه هدفا للعيارين ، وكان بيته يتعرض لهجومهم ، وكان يفر منهم خوفا على حياته ، مع أنه بعض أعوانه كانوا من العيارين.ّ. وقد تولى منصبه لأول مرة فى  يوم الإثنين أول رجب عام 421 .

وفى العام التالى 422 ‏عمّ القتال وانتشر : ( ثـم زاد الاختلاط ببسط العوم كثيرًا وأثاروا الفتنة ، ووقع القتال في أصقاع البلد من جانبيه ، واقتتل أهل نهر طابق وأهل القلائين وأهل الكرخ وأهـل بـاب البصـرة وفـي الجانـب الشرقـي أهـل سـوق السلاح وأهل سوق الثلاثاء وأهل باب الطاق والأساكفة وأهل سوق يحيى والرهادرة وأهل الفرضـة وأهـل درب سليمـان حتـى قطـع الجسـر ليفـرق بيـن الفريقيـن . ودخل العيارون البلد . وكبسوا أبا محمد النسوي في داره بدرب الزبرج ، وكثر الاستقفاء نهارًا والكبس ليلًا‏.‏)، وقتل العيارون صاحب المعونة السابق وأحرقوا جثته . وهاجموا ابن النسوى فى بيته . وقام العيارون بمظاهرة تعلن الطاعة وتطلب عزل ابن النسوى وتهدد بإحراق البلد .فعزلوه ثم أُعيد للعمل ، فقتل أحد العيارين ونهب الدار التي استتر فيها، وهاجمه العيارون، فهرب النسوي وعادت الفتن‏.‏.)

( عام ‏423 إشتد أمر العيارين ثم ولي ابن النسوي فردعهم ردعًا تامًا‏ )

( عام 424 تعارك الحنابلة مع الشيعة وامتد القتال لأحياء أخرى ( ووقـع بيـن عوامـه مـن أهل باب الطاق وسوق يحيى قتال اتصل ، وهلك فيه جماعة ، فاجتمع الوزير وحاجب الحجاب على تدبير الأمور ، وقلد أبا محمد ابن النسوي البلد ، وضم إليه جماعة ، فطلب العيارين وشردهم . ثم قتل رفيق لابن النسوي ، فخاف واستتر ، وخـرج عـن البلـد‏. ‏فعـاد الأمـر كمـا كـان  )

( عام 425  وفي يوم السبت ثالث عشر شوال‏:‏ روسل المرتضى بإحضار العيارين إلى داره وأن يقول لهم‏:‏ من أراد منكم التوبة قبلت توبته وأقر في معيشته ، ومن أراد خدمـة السلطـان استخـدم مـع صاحب البلد ، ومن أراد الانصراف عن البلد كان آمنًا على نفسه ثلاثة أيام‏.‏ فعـرض ذلـك عليهم فقالوا‏:‏ نخرج . فخرجوا . وتجدد الاستفقاء والفساد وقلد أبو محمد ابن النسوي المعونة لسكون أهل الكرخ إليه ، ثم خاف فاستعفى ، وأظهر التوبة . )  .‏

( وفى عام  427 :‏ أحرق العيارون دار ابن النسوي . وفتحوا خانًا وأخذوا ما فيه ، وخرجوا إلى الطريق يحملون المسروقات على رؤوسهم‏.)

( وفى عام ‏ 438  إتهموا ابن النسوى بقتل الغرباء الوافدين وسلب أموالهم وإلقاء جثثهم فى الآبار ، فعزله رئيس الرؤساء أبو القاسم بن المسلمة . ).

وفى عام  443 وفي يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة‏:‏ كبس العيارون أبا محمد بن النسوي و جرحوه جراحات‏.‏

وفى عام  444 أعادوه الى منصبه ثم تركه. ثم أعيد اليه عام 445 ‏، (فضرب وقتل..)  وفى عام 449 إستقال ابن النسوي من الشرطة فأعفي‏.‏ومات ابن النسوى عام 452 .

ويقول ابن الجوزى فى ترجمته إنه كان من أصحـاب الحديـث. أى من الحنابلة . وقال عنه : ( وشاع عنه أنه كان يقتل أقوامًا ويأخذ أموالهم..وشهد قوم عند أبـي الطيـب الطبـري ( القاضى ) علـى ابـن النسـوي أنـه قتـل جماعة، وأن أبا الطيب حكم بقتله ، فصانع بمال . ) .

 الصراع الحنبلى الشيعى نموذجا ثالثا :

(عام  421 أحيا الشيعة طقوسهم في ليلة عاشوراء إنتهازا لفرصة غياب الجند فهاجمهم الحنابلة ، وقتل من الفريقين وخربت عدة دكاكين . وتجدد القتال بين القلائين والدقاقين،واستمرت الفتنة ، ودخل من كان غائبًا من العيارين،  وكثر ولم يعمل الغدير ولا الغار في هذه السنة لأجل الفتنة. )

عام  422 ( وفي يوم الجمعة لثمان بقين من ربيع الأول‏:‏ تجددت الفتنة بين السنة والروافض واشتدت . ) (وفي أول ذي الحجة‏:‏ جرت فتنة وقتال شديد على القنطرتين العتيقة والجديدة ، واعترض أهل باب البصرة قومًا من القميين ( من أهل قم ) لزيارة المشهدين بالكوفة والحائر وقتلوا منهم ثلاثة نفر وجرحوا آخرين وامتنعت زيارة المشهد بمقابر قريش يومئذ. ).   .

وفى عام ‏423 تجدد القتال بين العوام وإحتل العيارون الكرخ ثم تحرر الكرخ منهم عام 423  )

(عام 424 . انتشر العيارون الحنابلة فى حى الكرخ ( وقتلـوا وتـرددوا فـي الكـرخ حامليـن السلاح‏.‏ وتبعهم أصاغر المماليك ومضت الأيام على كبس المنازل ليلًا والاستقفاء نهارًا فعظمت المحنة . )  

(432  تجـددت الفتـن ووقـع القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة على القنطرتين واستمر ذلك وقتل في أثنائه جماعة ، وكان السبب انخراق الهيبة وقلة الأعوان‏.‏  )

( 437 وفي شوال‏:‏ حدثت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة قتل جماعة فيها من الفريقين .)( وعاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة ، حتى ان صاحب المعونة فارق موضعه ومضى إلى باب الأزج‏.‏)

( وفى عام 440  عاد القتال بين أهل الكرخ وباب البصرة‏.‏)

( وفى ليلة عاشوراء عام 441 أمرت السلطات أهل الكرخ أن لا ينوحوا ولا يعلقوا المسوح على ما جرت به عادتهم خوفًا من الفتنة فوعدوا وأخلفوا . وجرى بين أهل السنة والشيعة ما يزيد عن الحد من الجرح والقتل حتى عبر الأتراك وضربوا الخيم‏.). وفى هذا العام 441 فى شهر شعبان بدأ الشيعة إقامة الاسوار حول حى الكرخ لحماية أنفسهم ففعل ذلك الحنابلة فى أحيائهم . وفـي يـوم عيـد الفطـر‏:‏ ثـارت الفتنـة بيـن أهـل الكـرخ وأهـل القلائيـن فاشتـدت ووقـع بينهما جرح وقتل . ) . وتدخل ابـن النسـوي لإزالة الفتنة فقتل جماعة من المذكورين . ثم زادت الفتن بين السنة والشيعة ونقضت المحال ورميت فيها النار‏. ).

وفى عام 443  وفـي أول صفـر‏:‏( تجـددت الفتنـة بيـن السنـة والشيعـة ) بعد إتقاق صلح بينهما . والسبب أن الشيعة كتبوا بالذهب على السور وعلى الأبراج (   محمـد وعلـي خير البشر) فأنكر أهل السنة ذلك ، وأثاروا الشر وادعوا أن المكتوب : ( محمد وعلي خير البشر فمن رضي فقد شكر ومن أبى فقد كفر) فأنكر أهل الكرخ هـذه الزيـادة . وثـارت الفتنـة وآلـت إلـى أخـذ ثيـاب النـاس فـي الطرقـات .)و( محا أهل الكرخ ما كتبوه من خير البشر وجعلوا عوضه : (عليهما السلام ) ، ولم يرض الحنابلة وطالبوا بقلع الحجارة المكتوب عليها هذا الكلام ، ثم تطرف الحنابلة فطالبوا بمنع ( حـي علـى خيـر العمـل‏. ) . وتطورت الأمور الى قتال مسلح قاده أحد العيارين الحنابلة واسمه الطقطقى . وقد ارتكب جرائم فى حق أهل الكرخ ، يقول ابن الجوزى : ( وقطع الطقطقي رجلين وصلبهما على هذا الباب ، بعد أن قتل ثلاثة من قبل ، وقطـع رؤوسهـم ورمـى بهـا إلـى أهـل الكـرخ . ) واستمر الهجوم فهاجم الشيعة فقهاء الحنابلة ، واستولى الحنابلة على مسجد براثا الشيعى .

( 444 وفـي ذي القعـدة‏:‏ عـادت الفتنـة بيـن أهـل الكـرخ والقلائيـن واحترقت دكاكين وكتبوا على مساجدهم محمد وعلي خير البشـر، وأذنـوا حـي علـى خيـر العمـل . ( وفـي يـوم الخميـس لخمـس بقيـن مـن ذي القعـدة‏:‏ هاجم الحنابلة من حى القلائيـن شيعة  الكرخ ...فهلك من النساء نيف وثلاثون امرأة وستة رجال وصبيان وطرحت النار في الكرخ ليل نهار ، وعادوا في بناء الأبواب والقتال‏. ) ( وفـي يـوم الثلاثـاء سـادس عشـر ذي الحجـة جـرى بيـن أهـل الكـرخ وبـاب البصـرة قتـال، فجمـع الطقطقـي قومًا من أصحابه وكبس بهم طاق الحراني وهو من محال الكرخ ، وقتل رجلين وقطع رأسيهما وحملهما إلى القلائين فصبهما على حائط المسجد المستجد‏.‏  )

(  445 ‏:‏ عـود الفتـن بيـن السنـة والشيعـة وخـرق السياسـة.. وطرحت النار في الكرخ بالليل والنهار‏.). وبالمناسبة ففى نفس العام 445  ( أعلـن بينسابـور لعـن أبـي الحسـن الأشعـري . ).

 وفى عام  447 عادت الحروب واشتدت وامتدت ( .واتصلت الفتن بين أهل باب الطاق وسوق يحيـى اتصـالًا مسرفـًا وركـب صاحـب الشرطـة والأتراك لإطفـاء الفتنة فلم ينفع ذلك ، وانتقل القتال إلى باب البصرة وأهل الكرخ على القنطرتين‏. ووقعـت بيـن الحنابلـة والأشاعـرة فتنـة عظيمـة ، حتـى تأخـر الأشاعرة عن الجمعات ( أى صلاة الجمعة ) خوفًا من الحنابلة .).

هذا ما يقوله المؤرخ الحنبلى ابن الجوزى بنفسه ..

اجمالي القراءات 9316