الحنابلة وإضطهاد الشيعة فى العصر العباسى الثانى ب 5 ف 10 ج 1

آحمد صبحي منصور في السبت ٢١ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

الباب الخامس : الشفاعة وتطبيق الشريعة الحنبلية

الفصل العاشر  : الحنابلة وإضطهاد الشيعة فى العصر العباسى الثانى ج 1

أولا : لمحة تاريخية سريعة

1 ـ لا نتحدث هنا عن الاضطهاد السياسى للشيعة ، وهو يدخل فى الصراع الحربى بين العباسيين والطالبيين من ذرية على بن أبى طالب وأتباعهم من شيعتهم . نتحدث هنا عن الاضطهاد الدينى للشيعة والذى سنّه الخليفة المتوكل ( الحنبلى ) والذى إضطهد المعتزلة والشيعة وأهل الكتاب منحازا ومتعصبا للسنيين . ونتذكر أنه قرن هذا بإجراءات ضد أهل الكتاب عام 235 ، وضد الشيعة بهدم ضريح الحسين عام 236 . الأخطر من هذا أنه حين أعلن ( السّنة ) دينا رسميا لدولته وبعث أهل الحديث لنشرها فى الافاق عام 234 ، فقد أتاح نشر التعصب الحنبلى بين العوام ، وقام ارباب الحديث بنشر أساطير الشفاعة وحديث تغيير المنكر باليد ، فأصبح للعوام ( المسلحين ) مشروعية دينية لاضطهاد المخالف لهم فى الدين وفى المذهب وفى الدرجة العلمية ، وشهدنا ما حدث على أيدى العوام وشيوخهم من إضطهاد للمعتزلة والأشاعرة وللطبرى فى أخريات حياته برغم قامته العلمية فى تاريخ الدين السّنى .

2 ـ الاضطهاد ( الدينى ) الذى تعرض له الشيعة فى حى الكرخ فى بغداد تأثر أيضا بالوضع السياسى ، فلم يظهر قبل الخليفة المتوكل ، وكانت السلطة العباسية تشارك فيه أو تحاول ضبطه أو إيقافه حرصا على ( هيبة الدولة )، كما تأثر بوجود متنفذين فى الدولة كانوا من الحنابلة ، كان على رأسهم خلفاء متعصبون كالقادر الذى تعصب ضد المعتزلة وأفناهم، وكان بنفس القدر متعصبا ضد الشيعة ، ووضعهم فى مستوى واحد ضمن ( المبتدعة والملاحدة والباطنية ). وبسبب الوضع السياسى المتقلب فإن الشيعة قد تشجعوا فى بعض الفترات التى تهاوى فيها نفوذ الحنابلة ونفوذ الخلافة العباسية ، بسبب داخلى أو خارجى ، وفى أحوال كثيرة حمل شيعة الكرخ السلاح ، وحدث تداخل بين عوام الحنابلة والعوام من قطاع الطرق المعروفين بالعيارين ، خصوصا وقت الاضطرابات وإختلال الأمن وضعف الدولة . 

3 ـ ولتوضيح أكثر نقول إن العصر العباسى الأول ( 132 : 232 ) تمتع فيه الخلفاء بالسطوة والنفوذ . ثم أصبح الخلفاء فى العصر العباسى الثانى تحت سيطرة مراكز القوى العسكرية الداخلية أو الخارجية ، وكلهم من الشرق الآسيوى ، من الأتراك أو الديالمة . وتبعا لهذه القوى المتحكمة فى بغداد والخلافة العباسية يمكن تقسيم العصر العباسى الثانى الى الفترات التالية : فترة تحكم القواد الأتراك ، من عصر الخليفة المتوكل ( 232 : 247 ) الى عصر ( القاهر ) . وقد إعتاد القواد الأتراك  قتل معظم الخلفاء طيلة الفترة التى تحكموا فيها، وتولى خلال هذه الفترة : ( المتوكل ، المنتصر ، المستعين ، المعتز ، المهتدى ، المعتمد ، المعتضد ، المكتفى ، المقتدر ، القاهر ) . الوحيد الذى نجا من نفوذ الأتراك كان المعتضد ( 279 : 289 ). يلحق بهذه الفترة عصر الأمراء الكبار ( ابن رائق و بجكم ونوزون: 322 : 333 ) ، وتولى فيها الخلفاء ( الراضى المكتفى المستكفى) . وإنهار حُكم القواد الأتراك المحليين بسيطرة السلاطين البويهيين على بغداد ، وكانوا شيعة ، واستمر تحكمهم فى بغداد والخلافة من ( 334 : 447 ) وتولى الخلافة فى هذه الفترة ( المطيع والطائع والقادر والقائم ) . وأشهر سلاطين بنى بويه كانوا معز الدولة وبختيار وعضد الدولة ..وبسبب الصراع بين السلاطين الضعاف فى الفترة الأخيرة انتشرت الفوضى وأصبح للقادر العباسى بعض النفوذ إستخدمه فى إضطهاد المعتزلة والشيعة . ثم إزداد ضعف وتنازع بنى بويه فتمكن الأتراك السلاجقة من الحلول مكانهم فى بغداد والشرق . وظلوا فى المنطقة واقتسموها ، وبضعفهم  حلّ محلهم قوادهم الذين إقتسموا شرق وغرب العراق وشماله ، وبرز منهم آل زنكى والأيوبيين . وفى بداية السلاجقة وفى طور قوتهم فى وزارة نظام الملك إختلّ نفوذ الحنابلة فى بغداد ، ثم عاد نفوذهم بعده ، الى أن أزاحهم التصوف السنى الذى أرسى دعائمه صلاح الدين الأيوبى الذى قضى على الدولة الفاطمية ، وقرن قضاءه عليها بحرب التشيع فكريا ودينيا ليس بالحنبلية ـ سيئة السُّمعة ـ بل بالتصوف السُّنى ( المعتدل ). هذه هى الأرضية التاريخية التى نفهم من خلالها الصراع بين الشيعة والحنابلة فى بغداد فى العصر العباسى الثانى .

 ثانيا : أضطهاد الشيعة فى بغداد فى عصر نفوذ القواد الأتراك المحليين

1 ـ يبدأ هذا بالخليفة المتوكل الذى قتل عيسى بن جعفر عام 241 . ‏ ضربه ألف سوط ، وامر بإلقائه فى الشمس حتى يموت ثم رميه فى دجلة وعدم تسليم جثته لأهله . السبب ‏:‏ أنه شهد عليه أكثر من سبعة عشر رجلًا أنه شتم أبا بكر وعمر وعائشة وحفصة .

2 ـ واكب هذا الاضطهاد الرسمى الدعاية الحنبلية المركزة ضد خصومهم باستخدام المنامات والأحاديث ، وبرز بين أصحاب الحديث أكثرهم مهارة فى الكذب والتخريف ، إذ كان يحوز على شغبية جارفة بين العوام تتسبّب فى حسد رفاقه ، والدليل على ذلك ما يحكيه ابن الجوزى فى ترجمة غلام الخليل ت  275 ، فقد كان يتهمه رفاقه بالكذب فى الأحاديث ، فيعترف بالكذب قائلا : ( وضعناها لنرقّق بها قلوب العامة ‏.‏) واتهمه أبو داود السجستاني علانية بالكذب ، وأُطلق عليه لقب ( دجال بغداد ).  إلا إنه شهرته بين العوام أظهرت نوعية العقلية السائدة ،ففى جنازته حملوا جثته في تابوت إلى البصرة ( وغُلقت أسواق مدينة السلام ، وخرج النساء والصبيان للصلاة عليه، ودفن بالبصرة وبنيت عليه قبة .) وقبلها صلُّوا عليه فى بغداد ( وحُمل في تابوت، فأحدر إلى البصرة ، وأكثر من صلى عليه إنما صلى على شاطئ دجلة .وانحدر الناس ركبانًا ومشاة وفي الزواريق إلى كلواذى ودونها وأسفل منها ودفن بالبصرة ‏.‏)

3 ـ وبدأ تأثير الحنابلة يظهر فى عُنف العوام مع الشيعة بما يهدد هيبة الدولة، وتولى المعتضد الخلافة ، وقد أحكم سيطرته على بغداد والقادة الأتراك ، وفى عام 279 منع القصّاصين من الجلوس فى الطرقات وفى المسجد الجامع ومنع بيع كتب الجدل والفلسفة ‏.‏ وكرّر هذا فى عام 384  يقول ابن الجوزى:(أمر المعتضد العوام بترك العصبية ومنع القصاص من القعود في الجامع وفي الطرقات، ومنعت الباعة من القعود في رحابها ،ومنع أهل الحلق في الفتيا وغيرهم من القعود في المسجد، ونودي يوم الجمعة بنهي الناس عن الاجتماع على قاصٍ أو غيره ، وأنه قد برئت الذمة ممن اجتمع من الناس على مناظرة أو جدل فمن فعل ذلك أحلّ بنفسه الضرب . ).

4 ـ ولكن نلاحظ شغبا مسلحا للعوام ضد السُّلطة العباسية، ففى عام 307 هاجموا السجون وأطلقوا سراح من فيها بمدينة المنصور، وتتبع أصحاب الشرطة من أفلت فلم يفتهم منهم أحد ‏.‏ وارتفعت الأسعار بسبب جشع الوزير حامد فقام العوام بمظاهرة عام 308 إتجهت لبيت الوزير واشتبكوا مع حُرّاس القصر فقتل الحراس جماعة منهم ، فمنع العوام يوم الجمعة الإمام من الصلاة ، وهدموا المنابر ، وأخربوا مجالس الشرطة وأحرقوا الجسور، وأمر السلطان بمحاربة العوام ، فأخذوا وضربوا ، كما أزال السلطان مظالم الوزير ، فسكن الحال . وخوفا من عودة العوام للتمرد ومواجهة المظالم والفساد رؤى توجيه سخطهم وإحباطهم نحو الشيعة ، وهنا نلاحظ وقوع حرائق مجهولة تتكرر داخل حى الكرخ الشيعى وغيره فى بغداد ، والفاعل مجهول ، وبدأ هذا عام  309 ، و تكرر كثيرا بعدها . وفى هذا الحادث الذى وقع في شهر ربيع الأول 309 ( مات خلق كثير . )  

ثالثا : فى عصر بنى بويه :

1 ـ تشجع شيعة الكرخ فى بغداد بحكم بنى بويه الشيعة ، فهاجمهم عوام الحنابلة عام 338 في آخر ربيع الأول ،ونهبوا الكرخ‏ ، وتكررر هذا عام 346  في آخر المحرم‏ ، دون مراعاة للشهر الحرام . وفى عام 348  ( وفى جمادى الأولى اتصلت الفتن بين الشيعة والسنة ، وقتل بينهم خلق كثير .ووقع حريق كثير في باب الطاق‏.). واضح هنا أن الشيعة بدأوا يقومون بالدفاع عن أنفسهم ، وأن حريقا شبّ فى بيوتهم . وفى العام التالى  349  وفى يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان ( وقعت فتنة بين السنة والشيعة في القنطرة الجديدة ، وتعطلت الجمعة من الغد في جميع المساجد الجامعة في الجانبين ، سوى مسجد براثا ، فإن الصلاة تمت فيه .) . وتشجع الشيعة أكثر عام ‏351 ، ففى شهر ربيع الآخر، كتبوا منشورات  فى الجوامع بلعن معاوية بن أبي سفيان ولعن من غصب فاطمة فدكا ( اى أبا بكر ) ومن أخرج العباس من الشورى ، أى (عمر )ومن نفى أبا ذر الغفاري ( عثمان )  ومن منع من دفن الحسن عند جده . ) . وكان هذا بمباركة السلطان البويهى ( معز الدولة. ) وقام الحنابلة بمحو المكتوب فأمر معز الدولة أن يكتب‏:‏ ( لعن الله الظالمين لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأولين والآخرين والتصريح باسم معاوية في اللعن. )‏.‏

2 ـ وبدا الشيعة عام 352 إعلان طقوسهم وفرضها فى بغداد بالحداد على الحسين يوم العاشر من المحرم ، حيث ( أغلقت الأسواق ببغداد ، وعطل البيع ، ولم يذبح القصابون، ولا طبخ الهراسون ،ولا ترك الناس أن يستقوا الماء ، ونصبت القباب في الأسواق ، وعلقت عليها المسموح .وخرجت النساء منتشرات الشعور يلطمن في الأسواق وأقيمت النائحة على الحسين عليه ). نلاحظ هنا أن الأمر شمل بغداد كلها وليس حى الكرخ الشيعى فقط . واستمر هذا فى الأعوام التالية حيث كان ابن الجوزى يضطر حزينا الى تسجيله فى حوادث شهر محرم . وننقل عنه ما كان يحدث بترتيب الأعوام : (عام 353 ، من  الحوادث فيها أنه عمل في عاشوراء مثل ما عمل في السنة الماضية من تعطيل الأسواق وإقامة النواح ، فلما أضحى النهار يومئذ وقعت فتنة عظيمة في قطيعة أم جعفر وطريق مقابر قريش بين السنة والشيعة ، ونهب الناس بعضهم بعضًا ووقعت بينهم جراحات‏.‏)( عام 354 : فمن الحوادث فيها ، أنه عمل في يوم عاشوراء ماجرت به عادة القوم من إقامة النوح وتعليق المسوح . ) وانتقم الحنابلة بأن هاجموا المسجد الشيعى فى براثا وقتلوا فيه إثنين : ( وفي ليلة الثلاثاء لعشر بقين من ربيع الآخر‏:‏ كبس مسجد براثا وقتل في قوامه نفسان‏.‏ ). ( عام 355 : عمل في عاشوراء ما جرت عادة القوم به من النوح وغيره. ) ، ( عام  356 :عمل في يوم عاشوراء ما يعمله القوم من النوح وغيره. ) (عام 357 :عمل ببغداد يوم عاشوراء ما جرت به عادة القوم من تعطيل الأسواق وتعليق المسوح والنوح وفي غدير (خم ) ما جرت به عادتهم أيضًا‏.‏) ( عام 358 : أنه جرى في يوم عاشوراء ما جرت به عادة الشيعة من تعطيل الأسواق وإقامة النوح وغير ذلك ، وكذلك فعلوا في يوم غدير (خم‏) ) (عام  359: أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ما هي عادتهم من تعطيل الأسواق وإقامة النوح واللطم‏.‏)(عام 360 : أنه في يوم عاشوراء فعلت الشيعة ماجرت به عادتهم من النوح واللطم وتعطيل الأسواق.)(361 :عمل ببغداد ما قد صار الرسم به جاريًا في كل يوم عاشوراء، من غلق الأسواق وتعطيل البيع والشراء وتعليق المسوح .)

3 ـ بدأ نفوذ بنى بويه فى الضعف مع عام 380 حيث انتهى عمل الطقوس الشيعية فى بغداد وإستشرى نفوذ العيارين ، وحدثت بينهم حروب عصابات ، ونشبت حروب مماثلة بين الشيعة فى حى الكرخ والحنابلة فى حى باب البصرة ببغداد ، وصار لكل فريق أمير ، يقول ابن الجوزى فى حوادث عام 380 : (  وفي هذه السنة زاد أمر العيارين في جانبي بغداد مدينة السلام ، ووقعت بينهم حروب ، وعظمت الفتنة ، واتصل القتال بين الكرخ و باب البصرة ، وصار في كل حرب أمير وفي كل محلة متقدم . وقتل الناس ، وأخذت الأموال ، وتواترت العملات ، واتصلت الكبسات ، وأحرق بعضهم محال بعض. ). وامتد هذا للعام التالى  381 الذى تولى فيه الخلافة الحنبلى القادر بالله، يقول ابن الجوزى : ( وفي يوم الثاني عشر من ذي الحجة ، وهو يوم الغدير، جرت فتنة بين أهل الكرخ وباب البصرة ، واستظهر أهل باب البصرة وخرقوا أعلام السلطان ، فقتل يومئذ جماعة اتهموا بفعل ذلك ، وصلبوا على القنطرة. فقامت الهيبة وارتدعوا‏.). يعنى قام الحنابلة بتحدى السلطة البويهية وخرقوا الأعلام البويهية،أى تعدى الأمر من القتال الدينى الى العصيان السياسى الحربى فتدخل البويهيون بالقتل والصلب ، فأعادوا هيبتهم . واصبح لآبى الحسن الكوكبى المعلم نفوذ فى خلافة القادر العباسى ، واستخدمه عام  382 فى ( منع أهل الكرخ وباب الطاق من النوح في عاشوراء وتعليق المسوح .) ، وتشجع الحنابلة بنفوذه فتجدد القتال فى يوم الجمعة 18  شوال ، فأخمده الحاجب أبو الفتح ، الذى ( قتل وصلب ، فسكن البلد ، وقامت الهيبة‏.). وعاد القتال فى شهر صفر فى العام التالى 384  بين الكرخ الشيعى وباب البصرة الحنبلى ، مع عودة سطوة العيارين الذين فرضوا إتاوة ، وكانوا يحرقون البيوت ويرهبون الناس ، فأرسل البويهيون جيشا طاردهم .

4 ـ الطريف أن يمتد الصراع الدينى المسلح بين السنة الحنبلة والشيعة الى التنافس حول بناء القبور المقدسة . ففى عام 386 زعم أهل البصرة في شهر المحرم ( أنهم كشفوا عن قبر عتيق، فوجدوا فيه ميتًا طريًا بثيابه وسيفه، وأنه الزبير بن العولم ، فأخرجوه، وكفنوه ، ودفنوه بالمربد بين الدربين ، وبنى عليه الأثير أبو المسك عنبر بناء ، وجعل الموضع مسجدًا ، ونقلت إليه القناديل والآلات والحصر ..وأقيم فبه قُوّام وحفظة، ووقف عليه وقوفًا . )أى بنى الحنابلة قبرا مقدسا نسبوه للزبير بن العوام يضاهئون به مشاهد الشيعة ، وحرصوا أن يكون هذا الاكتشاف فى شهر المحرم للتغطية على الطقوس الشيعية . ومقابل الاحتفال الشيعى بيوم الغدير زعم الحنابلة فى عام 389  أن اليوم الثامن من يوم الغدير كان اليوم الذي كان فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الغار وأبو بكر معه، فعملت فيه مثل ما عملت الشيعة في يوم الغدير،) ( وقد كانت جرت عادة الشيعة في الكرخ وباب الطاق بنصب القباب وتعليق الثياب وإظهار الزينة في يوم الغدير وإشعال النيران في ليلته ونحر جمل في صبيحته. ) فقام الحنابلة بالتشويش عليهم بيوم مقابل جعلوه يوم الغار . بل وجعلوا يوما آخر مقابل عاشوراء يوم 18 محرم ، للإحتفال بمقتل مصعب بن الزبير ، وجعلوا طقوسا فيه لزيارة قبر مصعب .

5 ـ واكب هذا زيادة فى ضعف البويهيين فانهار الأمن فى بغداد وتكاثرت عصابات العيارين عام  392 وإزدادت هجماتهم في رمضان ، وانضم اليهم رؤساء من العباسيين والعلويين فأرسل السلطان البويهى بهاء الدولة قائد جشه  (عميد الجيوش ) أبا علي بن استاذ هرمز إلى العراق ليدبر أمورها ، ( فدخلها يوم الثلاثاء سابع عشر ذي الحجة ، فزينت له بغداد خوفًا منه ) فتصرف بسياسة الحجاج بن يوسف ، فأغرق فى دجلة زعماء العصابات من العباسين والعلويين والأتراك ، ومنع الطقوس الشيعية والحنبلية معا ، يقول ابن الجوزى:( فكان يقرن بين العباسي والعلوي ويغرقهما نهارًا ، وغرّق جماعة من حواشي الأتراك، ومنع السنة والشيعة من إظهار مذهب ،ونفى بعد ذلك ابن المعلم فقيه الشيعة عن البلد ، فقامت هيبته في النفوس‏.‏‏).وفى العام التالى 393 ( منع عميد الجيوش أهل الكرخ وباب الطاق في عاشوراء من النوح في المشاهد وتعليق المسوح في الأسواق فامتنعوا ، ومنع أهل باب البصرة وباب الشعير من مثل ذلك فيما نسبوه إلى مقتل مصعب بن الزبير بن العوام‏.‏). أى أنهى التنافس فى الشعائر الشيعية والحنبلية . وعاد الهدوء لبغداد . ورجع القائد البويهى . وفى عام  398  ، إنهار الأمن وهجم الحنابلة على مسجد براثا الشيعى ونهبوه ، وقبض الشرطة على بعضهم وعوقبوا بالصلب والكحل ( أى فقأ العيون بالنار ) ، وحدثت فتنة بين شيوخ الشيعة والحنابلة فى يوم الأحد عاشر رجب ، وتطورت الى قتل ثم الى قتال ، وانضم الخليفة القادر الى الحنابلة . وتعرض حى الكرخ للحرق وتوسل التجار عفو الخليفة . وبلغ الخبر إلى عميد الجيوش قائد الجيش البويهى فسار ودخل بغداد . فطرد من بغداد ( ابن المعلم ) فقيه الشيعة  وقبض على مثيرى الفتنة وعاقبهم  ، ومنع القصاص من الجلوس . وبعد إستتاب الأمور أعاد ابن المعلم لبغداد وسمح للقصّاص إلى عادتهم من الكلام بعد أن شرط عليهم ترك التعرض للفتن‏.

6 ـ كانت الدولة الفاطمية قد إنتقلت لمصر عام 358 ، وحوصر السنيون الحنابلة والعباسيون بين عدو شيعى فى الداخل يتحكم فيهم ( البويهيون ) وعدو فى الخارج يتربص بهم ( الفاطميون ). ولهذا نفهم إعلان شيعة بغداد عن طقوسهم بمباركة البويهيين برغم وجود الخليفة العباسى الحنبلى المتعصب ( القادر ) . وسرعان ما سرى النفوذ الفاطمى الى الشام مهددا العراق العباسى ، وسُلطة البويهيين . وواصل النفوذ الفاطمى تقدمه ، فأعلن ابن المقلد حاكم الموصل عام 401 تبعيته للفاطميين وانه سيقوم بالدعوة لهم، ووافقه أهل الموصل . من هنا نفهم ما حدث فى العام التالى عام 402 ، إذ تم السماح لأهل ( الكرخ وباب الطاق في عمل عاشوراء ، فعلقوا المسوح وأقاموا النياحة. ). وفي ربيع الآخر أمر القادر بالله بعمارة مسجد الكف الشيعى وترميمه ‏.‏ وفي هذا الشهر كتب في ديوان الخلافة محاضر في الطعن فى نسب الفاطميين ، ووقع عليها الأشراف والقضاء والفقهاء . وإقترن هذا بموجة من توزيع الصدقات وزيارة القبور المقدسة وإستمالة العوام والوعاظ وإطلاق سراح بعض السجناء . وأرسل الحاكم بأمر الله الفاطمى بريالة الى السلطان البويهى يدعوه الى طاعته ، فرفض .

7 ـ  وإنقشع مؤقتا الخطر الفاطمى فتعرض أهل الكرخ للإعتداء والتوبيخ  وشرطوا عليهم عام 406( أن لا يعلقوا في عاشوراء مسوحًا ولا يقيموا نوحًا‏.‏) . وفى العام التالى 407 إحترق  في شهر ربيع الأول مشهد الحسين والأروقة . واتصلت الفتنة بين الشيعة والسنة بواسط ،ونهبت محال الشيعة والزيدية بواسط ، واحترقت. وهرب وجوه الشيعة والعلويين من بغداد ‏. وفى العام التالى 408 تفاقم إضطهاد الشيعة وحدث تقاتل بينهم وبين الحنابلة . وهو نفس العام الذى فيه ( استتاب القادر المبتدعة‏.‏) على حد قول ابن الجوزى . وفى عامى 416 ‏، 417 تحكم العيارون فى بغداد ، وكانوا يصادرون أهلها جهارا ، وهرب الشرطة من بغداد ، وأتى لبغداد جنود البويهيين فقاتلوا العيارين ، وفى هذه الفوضى تم نهب حى الكرخ ، وصودر أهله ، وفرض عليهم مائة ألف دينار .

8 ـ واستمرت الفوضى فى الفترة الأخيرة من خكم البويهيين وخلافة القادر بالله العباسى الذى ظل خليفة من 381 : 422 ، واستمرت الفوضى بعده فى خلافة ابنه القائم الذى اصدر ( الاعتقاد القادرى ) ، وفى هذه الفوضى عانى الشيعة فى حى الكرخ أصناف الاضطهاد ، خصوصا فى أعوام (421 :423 )، بنفس التفاصيل تقريبا . ( كما يحدث الآن فى العراق .ّ..! ) ثم تحسّن الحال مؤقتا عام 450 . وموعدنا مع التفاصيل فى الجزء الثانى .

اجمالي القراءات 11274