ب5 تطبيق الشريعة الحنبلية
المنامات من وسائل تطبيق الشريعة الحنبلية ب 5 ف 4

آحمد صبحي منصور في السبت ٠٧ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

                                                                                                                            

 النبى لا يشفع يوم الدين :( كتاب الشفاعة بين الاسلام والمسلمين )

الباب الخامس : الشفاعة وتطبيق الشريعة الحنبلية

الفصل الرابع : المنامات من وسائل تطبيق الشريعة الحنبلية  

مقدمة : نشر الاعتقاد فى أساطير الشفاعة مع صناعة حديث تغيير المنكر كانا أهم وسيلة فى تطبيق الشريعة الحنبلية فى العصر العباسى الثانى . وبالإضاة الى هاتين الوسيلتين استخدم الحنابلة بعد موت ابن حنبل وسيلتهم المحببة وهى المنامات وكانت مجالس القصص والسّماع هى مؤسسات نشر المنامات والمعاد التى يتخرج فيها العوام والرعاع ليكونوا أكثر جهلا وتعصبا . ونعطى أمثلة عن أغراض صناعة   المنامات من خلال تاريخ المنتظم لابن الجوزى :

أولا : المنامات لتزكية الحنابلة وتبشيرهم بالجنة وتحقير خصومهم  

1 ـ تزكية النفس والغير بدخول الجنة ( قال أبو بكر بن الخاضبة‏:‏ رأيت فـي المنـام كـأن القيامـة قـد قامـت ومنـاد ينـادي‏:‏ ايـن ابـن الخاضبة؟ فقيل لي‏:‏ ادخل الجنـة . فدخلـت فاستلقيـت ، فرفعـت رأسـي، فرأيـت بغلـة مسروجـة ملجومة في يد غلام فقلت‏:‏ لمن هذه؟ فقيل‏:‏ للشريف أبي الحسيـن بـن الغريـق‏.).

2 ـ الحصول على المشيخة بالمنام : جاء فى ترجمة أبى إسحـاق الشيـرازي ت 476‏:‏ أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال له‏:‏ ياشيخ . فكان يفتخر بهذا ويقول‏:‏ سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيخًا‏.)

3 ـ الرياء ومزاعم الصلاح يعقبها منام يزعم دخول الجنة :( عبيد الله بن محمد بن نافع بن مكرم أبو العباس البستي الزاهد ت 384 .( وكان كثير التعبد بقي سبعين سنة لا يستند إلى حائط ولا إلى غيره ولا يتكئ على وسادة وحج من نيسابور حافيًا راجلًا دخل الشام والرملة وأقام ببيت المقدس أشهرًا ثم خرج إلى مصر وبلاد المغرب ثم حج من المغرب وانصرف إلى بست فتصدق ببقية أملاكه. ) هذه كلها مزاعم زعمها هذا الحنبلى المغربى فى بعداد عن نفسه .وطوفىء على هذا الراء بمنام : ( فلما مات رأى رجل في المنام رجلًا من الموتى فقال له‏:‏ من بالباب فقال‏:‏ ليس على الباب أجل من عبيد الله الزاهد . ورأت امرأة من الزاهدات أمها في المنام قد تزينت ولبست أحسن الثياب فقالت لها: ما السبب في هذا ؟ فقالت‏:‏ لنا عيد . إن عبيد الله الزاهد قدم علينا‏.)

4 ـ إعلان بالغفران وسببه : ( محمد بن علي بن محمد بن عبيد الله بن عبد الصمد بن المهتدي بالله أبو الحسين ابن الغريق ت 465    رؤي في المنام فقال‏:‏ غُفر لي بطول تهجدي‏.)

5 ـ هو وأبوه فى الجنة : ابن السوسنجردي ت 402 .  ( وكان ثقة دينًا حسن الاعتقاد شديدًا في السنة واجتاز يومًا في الكرخ فسمع سب بعض الصحابة فجعل على نفسه أن لا يمشي في الكرخ.! ) كوفىء على كراهيته للشيعة بهذا المنام : ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن الحسين العكبري قال‏:‏ سمعت عبد القادر بن محمد بن يوسف يقول‏:‏ رأيت أبا الحسن الحمامي المقرئ في المنام فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ أنا في الجنة قلت‏:‏ وأبي قال‏:‏ وأبوك معنا فقلت‏:‏ وجدّنا ؟ يعني أبا الحسين السوسنجردي فقال‏:‏ في الحظيرة قلت‏:‏ حظيرة القدس قال‏:‏ نعم. أو كما قال‏.) نلاحظ هنا أن ابن الجوزى تعامل مع المنام بالتقديس مثل تعاملهم مع ( الحديث النبوى) بزعمهم ، فيقول: ( أو كما قال . )

6 ـ فى الفردوس الأعلى ( أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني علي بن الحسين ابن جداء العكبري قال‏:‏ سمعت عرس الخباز يقول‏:‏ لما دفن عثمان الباقلاوي رأيت في المنام بعض من هو مدفون في جوار قبره فقلت‏:‏ كيف فرحكم بجوارعثمان فقال‏:‏ وإن عثمان لما جيء به سمعنا قائلًا يقول‏:‏ الفردوس الأعلى. أو كما قال‏.)

‏7 ـ حوار صحفى مع منكر ونكير فى القبر فى تقديس أبى بكر وعمر ورفعهما فوق منزلة اله الحنابلة الذى صنعوه من خيالاتهم الشيطانية  : ( نبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز عن أبي طالب العشاري أخبرنا هبة الله المقرئ أخبرنا هبة الله بن سلامة المفسر قال‏:‏ كان لنا شيخ نقرأ عليه في باب محول فمات بعض أصحابه. فرآه الشيخ في النوم فقال‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي قال‏:‏ فما حالك مع منكر ونكير قال‏:‏ يا أستاذ لما أجلساني وقالا من ربك من نبيك؟ ألهمني الله عز وجل أن قلت لهما بحق أبي بكر وعمر دعاني . فقال‏‏ أحدهما للآخر : قد أقسم علينا بعظيم دعه فتركاني وانصرفا‏.). هنا منام حقير يجعل إله الحنابلة ـ ولا نقول رب العزة تعالى عن ذلك علوا كبيرا ـ  يتدخل ليلقّن ( أو يغشّش ) رجلا مجهولا فى اسطورة منكر ونكير فيقسم عليهما بحق أبى بكر وعمر ، فيتركاه !.

8 ـ التأكيد على أن الجنة لأهل السُّنة : (حدثني علي بن الحسين بن جداء العكبري قال‏:‏ رأيت أبا القاسم الطبري في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي قلت‏:‏ بماذا فكأنه قال كلمة خفية بالسنة‏.)

( ‏الحسيـن بـن أبـي زيـد أبو علي الدباغ،ت 454 وأصله من الصّغد‏.قال : ‏ رأيـت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت‏:‏ يا رسول الله ادع الله أن يحييني على الإسلام فقال‏:‏ إيه والسنة وجمع إبهامه وسبابته وحلق حلقه وقال ثلاث مرات‏:‏ والسنة والسنة والسنة‏"‏‏.)

9 ـ رسالة منامية للشيخ ابن شاذان الهدف منها الحث غلى قراءة الحديث : ( أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثني محمد بن يحيى الكرماني قال‏:‏ كنـا يومـًا بحضـرة أبـي علـي بـن شـاذان فدخـل علينـا شـاب لا يعرفه منا أحد فسلم وقال‏:‏ أيكم أبو علي بن شاذان فأشرنا إليه فقال له‏:‏ أيها الشيخ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي‏:‏ سل عن أبي علي بن شاذان فإذا لقيته فأقرئه السلام. ثم انصـرف الشـاب فبكـى أبـو علـي وقـال‏:‏ مـا أعـرف لي عملًا أستحق به هذا اللهم إلا أن يكون صبري على قراءة الحديث علي وتكرير الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما جاء ذكره . قال‏:‏ ولم يلبث أبو علي بعد ذلك إلا شهرين أو ثلاثة حتى مات‏.)

ثانيا :  تطبيق المنامات : تأسيسا على الايمان بأكاذيب المنامات تم تطبيقها فى نواح شتى . منها :

1 ـ  إعلان الاسلام بالمنامات : أعلن الكاتب المؤرخ هلال بن إبراهيم بن هلال أبو الحسين الكاتب الصابي إسلامه عن طريق منام ( درامى أشبه بأفلام الفنتازيا )، وقد زعمه كى يقيم لنفسه حفل تكريم وفق دين عصره الذى يؤمن بأكاذيب المنامات.يقول عنه بن الجوزى:(كان أبوه المحسن صابئًا (أى من الصابئة ) فأما هو فأسلم متأخرًا ، وكان قد سمع من العلماء في حال كفره لأنه كان يطلب الأدب.)وينقل عنه سبب اسلامه، وهى دراما مثيرة.! : ( قال هلال بن المحسن‏:‏ رأيت في المنام سنة تسع وتسعين وثلثمائة رسول الله صلى الله وعليه وسلـم قد وافى إلى موضع منامي، والزمان شتاء والبرد شديد والماء جامد ، فأقامني ، فارتعدت حين رأيته فقال‏:‏‏‏" لا ترع فأني رسول الله .! " وحملني إلى بالوعة في الدار عليها دورق خزف ، وقال‏:‏ تؤضأ وضوء الصلاة‏. فأدخلت يدي في الدورق فإذا الماء جامد فكسرته، وتناولت من المـاء مـا أمررتـه علـى وجهـي وذراعـي وقدمي.  ووقف في صفّه ، وصلى وجذبني إلى جانبه . وقرأ الحمد وإذا جاء نصر الله والفتح ، وركع وسجد وأنا أفعل مثل فعلـه . وقـام ثانيـًا وقـرأ الحمـد وسورة لم أعرفها ، ثم سلّم ، وأقبل علي وقال‏:‏ "انت رجل عاقل محصل ، والله يريد بك خيرًا. فلم تـدع الإسلام الـذي قامـت عليـه الدلائل والبراهين وتقيم على ما أنت عليه؟ هات يدك وصافحني " فأعطيته يدي فقال‏:‏ "قل: أسلمت وجهي لله وأشهد أن الله الواحد الصمد الذي لم يكن له صاحبة ولا ولد وأنك يا محمد رسوله إلى عبادة بالبينات والهدى‏." فقلت ذاك ، ونهض ونهضـت . فرأيـت نفسـي قائمـًا فـي الصفـة . فصحت صياح الانزعاج والارتياع ، فانتبه أهلي وجاءوا . وسمـع أبـي فقـال‏:‏‏"‏ مالكـم ؟" فصحـت بـه ، فجـاءوا ، وأوقدنـا المصبـاح ، وقصصـت عليهـم قصتـي ، فوجمـوا إلا أبـي فإنـه تبسـم ، وقـال‏:‏" ارجـع إلى فراشك فالحديث يكون عند الصباح . "وتأملنا الدورق فإذا الجمد الذي فيه متشعث بالكسر. وتقدم والدي إلى الجماعة بكتمان ما جرى،وقال‏:‏ "يا بني هذا منام صحيح وبشرى محمودة، إلا أن إظهار هذا الأمر فجأة والانتقال من شريعة إلى شريعة يحتاج إلى مقدمة وأهبة . ولكن اعتقد ما وُصّيت به ، فأنني معتقد مثله ، وتصرف في صلاتك ودعائك على أحكامه." ثم شاع الحديث . ومضت مدة ، فرأيت رسول الله صلـى اللـه وعليـه وسلـم ثانيًا على دجلة في مشرعة باب البستان ،وقد تقدمت إليه ، وقبّلت يده، فقال‏:‏ " ما فعلت شيئًا مما وافقتني عليه وقررته معي .! "فقال‏:‏" لا وأظن أنه قد بقيت في نفسك شبهـة. تعـال‏.". وحملنـي إلـى بـاب المسجـد الذي في المشرعة ، وعليه رجل خراساني نائم على قفاه ، وجوفه كالغرارة المحشوة من الاستسقاء ، ويداه وقدماه منتفختان ، فأمرّ يده على بطنه، وقرأ عليه، فقام الرجل صحيحًا معافى . صلى الله عليك يا رسول الله فما أحسن تصديق أمرك وأعجز فعلك . وانتبهت . فلمـا كـان فـي سنـة ثلاث وأربعمائـة،رأيـت فـي بعـض الليالي كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبًا على باب خيمة كنت فيها ، فانحنى على سرجه حتى أراني وجهه ، فقمت إليه ، وقبّلت ركابه، ونزل، فطرحت له مخدة ، وجلس، وقال‏:‏ "يا هذا؛ كم آمرك بما أريد فيه الخير لك، وأنت تتوقف عنه‏."!. قلت‏:‏ " يا مولاي أما أنا متصرف عليه" قال‏:‏ "بلى ،ولكن لا يغني الباطن الجميل مع الظاهر القبيح ،وأن تراعي أمرًا فمراعاتك الله أولى. قم الآن وافعل ما يجب ولا تخالـف." قلت‏:‏ " لك السمع والطاعة‏.". فانتبهت ودخلت إلى الحمام ،ومضيت إلى المشهد ، وصليت فيه وزال عنـي الشـك ، فبعـث إلـيّ فخـر الملـك فقـال‏:‏ "مـا الذي بلغني؟ " فقلت‏:‏ " هذا أمر كنت أعتقده وأكتمه حتى رأيت البارحة في النوم كذا وكذا‏." .فقال‏:‏" قد كان أصحابنا يحدثون أنك كنت تصلي بصلاتنا وتدعو بدعائنا ." وحمل إلي دست ثياب ومائتي دينار ، فرددتها ، وقلت‏:‏ " ما أحب أن أخلط بفعلي شيئًا من الدنيا ." فاستحسن ما كان مني . وعزمت أن أكتب مصحفًا فرأى بعض الشهـود رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه سلـم فـي المنـام وهـو يقـول له‏:‏" تقول لهذا المسلم القادم: نويت أن تكتب مصحفًا فاكتبه، فبه يتم إسلامك‏." .. وحدثتنـي امـرأة تزوجتهـا بعـد إسلامـي قالـت‏:‏‏" لمـا اتصلـت بـك قيـل لـي انـك علـى دينـك الأول، فعزمت على فراقك، فرأيت في المنام رجلًا قيل انه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومعه جماعة قيل هم الصحابة، ورجل معه سيفان ،قيل انه علي بن أبي طالب ،وكأنك قد دخلت، فنزع "علي" أحد السيفين فقلدك إياه وقال‏:‏ ها هنا ها هنا ،وصافحك رسول الله صلى الله وعليـه وسلـم، فرفـع أميـر المؤمنيـن رأسه إلي وأنا أنظر من الغرفة فقال‏:‏ "ما ترين إلى هذا؟ هو أكرم عند الله وعند رسوله منك ومن كثير من الناس ،وما جئناك إلا لنعرفك موضعه ونعلمك أننا زوجناك به تزويجًا، فقرّي عينًا وطيبي نفسًا، فما ترين إلا خيرًا. ". فانتبهت وقد زال عني كل شك وشبهة‏.‏. ). هذا الكاتب المؤرخ أقام لنفسه بالمنامات حفل تكريم إستخدم فيه الرسول فى الدعاية لنفسه . ولو كان يعيش فى دولة الاخوان لأصبح وزيرا للإعلام .!

2 ـ تطبيق المنامات فى مزاعم التداوى والشفاء بالمنامات : فى عام 453 ( وفي سابع رمضان‏:‏ رأى إنسان زمن طويل المرض ..رسول الله صلى الله وعليه وسلـم فـي المنـام قائمـًا مـع أسطوانـة وقـد جـاءه ثلاثـة أنفـس فقالـوا له‏:‏" قم فإن رسول الله صلى الله وعليه وسلم قائم.". فقال لهم:" أنا زمن ولا يمكنني الحركة." فقالوا‏:‏ "هات يدك‏".وأقاموه ، فأصبح معافى يمشي في حوائجه ويتصرف في أموره‏.) شاعت هذه الأكذوبة المنامية عن رجل مجهول ، وصدقها الناس ، وسجلها المؤرخ ابن الجوزى على أنها حادثة تاريخية حقيقية . وبسبب الاعتقاد فى المنامات والايمان بها كان ميسورا لبعضهم أن يجعل نفسه بطلا يتبرك الناس به ومحور الأحاديث برؤية منامية ، بل ويتم تسجيل إسمه فى التاريخ مثل هذا الرجل الذى ذكره ابن الجوزى فى حوادث عام 458 وفي شعبان‏:‏( ذكر رجل من أهل سوق يحيى يقال له‏:‏ أخو جمادى ـ وكانت يده اليسرى قد خبثت وأشرف على قطعها ـ  أنه رأى النبي صلى الله ليه وسلم في منامه كأنه يصلـي فـي مسجد بدرب داود،فدنا منه وأراه يده، فمسح عليها فأصبح معافى.وانثال الناس لمشاهدتـه . وكـان يغمـس يـده فـي المـاء فيقتسمونـه.) ويقول ابن الجوزى عنه : ( وستأتـي قصتـه مستوفـاة في السنة التي مات فيها إن شاء الله تعالى‏.) . أى بمجرد أن أعلن الأخ ( أخو جمادى ) من سوق يحيى ببغداد هذه الرؤيا المنامية تقاطر اليه الناس يتبركون بيده التى زعم أن النبى لمسها وشفاها ، وأصبح شخصية تاريخية .

3 ـ تطبيق المنامات ببناء مسجد عام 379  . يقول ابن الجوزى : ( ..وفيها بنى جامع القطيعة‏.) والسبب ( قال‏:‏ حدثني هلال بن المحسن الكاتب‏:‏ أن الناس تحدثوا في سنة تسع وسبعين وثلثمائة بأن امرأة من أهل الجانب الشرقي رأت في منامها النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يخبرها بأنها تموت من غد عصرًا وأنه يصلي في مسجد بقطيعة أم جعفر من الجانب الغربي في القافلائين ووضع كفه في حائط القبلة، وأنها ذكرت هذه الرؤية عند انتباهها من نومها. فقصد الموضع ، ووجد أثر الكف وماتت المرأة في ذلك الوقت‏. وعمّر المسجد . ووسّعه أبو أحمد الموسوي بعد ذلك. وبناه وعمّره، واستأذن ( الخليفة ) الطائع لله، في أن يجعل مسجدًا تصلى فيه الجمعات ،...فأذن له في ذلك وصار جامعًا يصلي فيه الجمعات‏.). نلاحظ هنا أن الراوى الذى ينقل عنه ابن الجوزى هو هلال الصابى ابن المحسن الذى كتب دراما هائلة منامية فى قصة إسلامه ، وأن بطلة القصة إمرأة مجهولة جعلوها تموت حتى لا يتم التأكد من الموضوع ، هذا مع إنه لم يحاول أحد التشكيك فى أى منام مهما بلغ التطرف والمزايدة فى كذبه . ‏

4 ـ تطبيق المنامات رسميا بمنع الظلم . ولا تخلو مزاعم المنامات من آثار جانبية حميدة ، على فرض صحة هذه الآثار الجانبية الحميدة. فقد إستعان بها أهل بغداد للحدّ من عسف العسكر التابعين للسلطان طغرلبك السلجوقى حين سيطر على بغداد . يثول ابن الجوزى : ( ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وأربعمائة : وفـي هذه السنة‏:‏ عمّ ضرر العسكر بنزولهم في دور الناس وارتكابهم المحظورات فأمر الخليفة رئيس الرؤساء باستدعاء الكندري ( وزيـر طغرلبـك ) وأن يخاطبه في ذلك ويحذره العقوبة فإن اعتمد السلطان ما أوجبه الله تعالى وإلا فليساعدنا في النزوع عن هذه المنكرات. فكتب رئيس الرؤساء إلى الكنـدري، فحضر، فشرح له ما جرى، فمضى إلى السلطان فشرح له الحال.فقال :"إنني غير قادر علـى تهذيـب العساكـر لكثرتهم . " ثم استدعاه ( أى إن الخليفة إستدعى رئيس الرؤساء ) في بعض الليل فقال‏:‏" إني نمت في بعض الليل وقد تداخلتني الخشية لله تعالـى ممـا ذكرت لـي ، فنمـت فرأيـت شخصـًا وقـع في نفسي أنه رسول اللـه صلـى الله وعليه وسلم، وكأنه واقف عند باب الكعبة ، فسلمت عليه ، فلم يلتفت نحوي ، وقال‏:‏ " يحكمك اللـه فـي بلاده وعبـاده فلا تراقبه فيهم ولا تستحي من جلاله." ، فامض إلى الديوان وانظر ما يرسمه أمير المؤمنين لأطيع‏.‏". فأنهى رئيس الرؤساء الحال ، فخرج التوقيع متضمنًا للبشارة برؤية سيدنا رسـول الله صلى الله وعليه وسلم . فلما وصل إلى السلطان بكى . وأمر بإزالة الترك وإطلاق من وكل به‏.‏).الخليفة العباسى العاجز يلجأ الى صناعة هذا المنام ليجعل السلطان طغرلبك المتحكم فى بغداد يستجيب وينهى جنوده عن العسف بالناس . والسلطان يبكى ويستجب .!. وهذا يؤكّد شيوع الايمان بالمنامات.

ويبقى أن أهم إستخدام الحنابلة للنبى عليه السلام كان فى تزكية أنفسهم وتحقير خصومهم كما يظهر من المقارنة بين ترجمة  أبى الوليد القرشى والكاتب الشاعر صدقة الذى كان متهما بأنه قرأ كتاب ( الشفاء ) فى الفلسفة لابن سينا . قال ابن الجوزى فى تزكية أبى الوليد القرشى ت 349 ( الفقيه إمام أهل الحديث بخراسان في عصره وأزهدهم وأكثرهم اجتهادًا في العبادة . درس الفقه على مذهب أبي العباس ابن سريج وسمع من الحسن بن سفيان وغيره وصنف التصايف الحسنة‏.أخبرنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو عثمان الصابوني وأبو بكر البيهقي قالا‏:‏ أنبأنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ قال‏:‏ سمعت أبا ابوليد حسان بن محمد بن أحمد القرشي يقول في مرضه الذي مات فيه‏:‏ قالت لي والدتي كنت حاملًا بك وكان للعباس بن حمزة مجلس فاستأذنت أباك أن أحضر مجلسه في أيام العشر فأذن لي فلما كان في آخر المجلس قال العباس بن حمزة‏:‏ قوموا فقاموا وقمت فأخذ العباس يدعو فقلت‏:‏ اللهم هب لي ابنًا عالمًا ثم رجعت إلى المنزل فبت يلك الليلة فرأيت فيما يرى النائم كأن رجلًا أتاني فقال‏:‏ أبشري فإن الله قد استجاب دعوتك ووهب لك ولدًا ذكرًا وجعله عالمًا ويعيش كما عاش أبوك. ). بينما يقول فى ترجمة صدقة : ( وكتـب إلـي أبـو بكـر الدلال  وكـان مـن أهـل السنـة الجيـاد قـال : رأيـت فـي مـا يـرى النائم كأني في سوق وكـأن صدقـة بـن الحسيـن الحـداد عريـان وحولـه جماعة، فتبعته ، فصعد درجة فصعدت خلفه، فقلت : يا شيخ صدقة ما فعل الله بك ؟ فقال لي : "ما غفرلي.!"  فقلت له : كذا ؟ قال: نعم . وأعاد القول مرة آخرى ، وغيّر عبارته ، قال : قلت له :"إغفر لي "قال :" ما أغفر لك "ونزل من الدرجة فقلت : "أين تسكن؟ " فقـال : "فـي بيـت فـي خـان ". فانتبهـت. فلقيـت رجـلًا ، كـان صديـق صدقـة . فحدثتـه بمـا رأيـت فقـال لـي : "إني رأيت في المنام امرأة أعرف إنها ميتة فقلت لها :رأيت صدقة ؟ قالت:"نعم .رأيته وسألته ما فعل الله بك ،قال :" قد وكّل بي كل ملك في السماء ،وقد ضايقوني حتى قد خنقوني . ) . تخيلوا حال العوام حين يقال لهم هذا الكلام الذى يعتبرونه من أسس الايمان ؟.

( عن المنامات فى المنتظم لابن الجوزى : ( ج 14/ 125 ، 138 ، 339 ، 371  ) ( ج 15 / 85 ، 87 ، 138 ، 188 ، 250 ) (ج 16 ص 3 : 4  ، 13 ، 70 ، 78 ، 99 ، 153 ، 230 )

اجمالي القراءات 9686