من ذكرياتي مع الفريق السيسي(3-1)

سامح عسكر في الجمعة ٠٦ - ديسمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كنت مجنداً في الفرقة الثانية مشاة ميكانيكي..اللواء 120 الكتيبة 509، وكانت وحدتي الجديدة لها أصداء في الوعي العسكري وتاريخ الحرب مع إسرائيل، فالكتيبة 509 هي نفس الكتيبة التي أسرت القائد الصهيوني.."عساف ياجوري"..وهي نفس الكتيبة التي اخترقت -ضمن اللواء 120 مشاة-حصون خط بارليف وأقوى حصونه على الإطلاق المعروف بحصن.."تبة الشجرة"...على الضفة الشرقية للقناة في مواجهة مدينة الإسماعيلية مباشرةً.

كانت الكتيبة حينها ضمن تشكيلات الجيش الثاني الميداني، ولكن في أوائل الثمانينات وفي عهد الراحل أبو غزالة حدثت عدة تطورات في الجيش المصري انتقلت الكتيبة معها إلى تشكيل عسكري جديد وهو المنطقة المركزية العسكرية وموقعها في الهايكستب..

كان قائد الكتيبة وقت التحاقي بها هو العقيد أركان حرب.."عبدالفتاح السيسي"..دخلت الكتيبة في عام 1999 والتحقت بها عقب انتهاء فترة مركز التدريب في دهشور، وعقب التحاقي تم اختباري في أمور الخط والرسم وقد نجحت في الاختبار، وبعدها تم اختياري ضمن أعضاء مكتب عمليات الكتيبة كخطاط ورسام.

كانت مهامي محصورة كعسكري هي في مساعدة القائد في رسم الخرائط والخطط العسكرية وكتابة العناوين وما إلى ذلك، أي أن مهمتي كانت في الغالب مع القائد حيث يعمل ويرسم، حينها لم أكن مهتماً بمصيري في الكتيبة، فقط ما كنت أحرص عليه هو أنجح في مهمتي كي تمر فترة تجنيدي بسلام، وهذا شعور أي عسكري مصري مجند يخدم جيشه في هذه المرحلة، فمشاعر الوطنية كانت فاترة، والجميع كان ينظر لفترة التجنيد كأنها عبء من أعباء الحياة لابد من حمله.

لم تشهد علاقتي بالفريق مساحة زمنية كبيرة كي تتعدد فيها المواقف بكثرة، فقط رأيته لمدة شهرين كان السيسي في أواخر عهده مع الكتيبة، وعلى استعداد لاستقبال القائد الجديد وهو المقدم أركان حرب.."شريف الصم"..الذي قضيت معه نصف مدتي العسكرية ولكنه سار على درب السيسي وبنفس أسلوبه القيادي، إضافة إلى أن الصم قد تمتع بالسمعة العالية والشُهرة التي نالتها الكتيبة على يد العقيد السيسي.

أول يوم دخلت فيه مكتب العمليات استقبلني الجنود القُدامى، ولمن لا يعرف أسلوب الجيش فالمجند القديم كان يرأس الجديد ويُعطيه الأوامر بحُكم الأقدمية، بدأت أتعلم طبيعة عمل المكتب إضافة إلى التعرف على الجنود والزملاء الجُدد، ورأيتهم يتحدثون عن السيسي وكأنهم يحترمونه ليس عن خوف، فقلت أن الرجل ربما يكون طيباً لا يؤذي الجنود، حيث كان في فترة تدريبي قد شهدت عدة نماذج من الضُباط ممن يملكون العُقَد النفسية والاضطرابات العصبية ،وكانوا يُفرغون تلك الشحنات في تعذيب الجنود وإيقاعهم تحت طائلة الجزاء الشديد.

بعد يومين-تقريباً- دخل السيسي فجأة للمكتب وكان معه مجنداً يعمل تحت إمرته وهو معروف وظيفياً بالعسكري المتابعة أو المراسل، ولكن على مستوى الجنود معروف.."بالسيكا"..وبدأ العمل في الخريطة وكانت عن تأمين منطقة حيوية، وهذه الخطة معروفة عسكريا ب.."الخطة إرادة"..وتعني حفظ الدولة وفض الشغب والتجمعات الفوضوية والإرهابية، ومستوى التسليح في هذه الخطة يكون بنسبة 99% تقريباً سلاح خفيف إلى قنابل الغاز ومفجر الإطارات الكاوتشوك والأسلاك الشائكة وأشياء أخرى لازمة لقطع الطرق.

تعرّف علي وقدمت له نفسي ولكن لاحظت أن الرجل قصير فكان تقديمي لنفسي وكأنني أنظر للأسفل ، ثم انهمك في عمله وكان بارعاً في رسم الخرائط ولديه من المهارة في تحريك الجنود والأسلحة وتنظيم الجماعات والفصائل بأسلوب سهل، ولاحظت أن الرجل متدين فكان يردد عبارات دينية ودعوية مثل..."جزاك الله خيراً..ربنا يبارك فيك..ما شاء الله"..إضافة إلى أن العسكري المتابعة كان يقول لنا أن السيسي رجل يصلي ولا يترك ركعة واحدة حتى الفجر.

استبشرت خيراً حيث كنت حينها إخوانياً على الطريقة السلفية، وقلت أن الرجل عادل وسيُعطيني حقي وسيحرص على أن لا يظلمني، لم أكن أعرف أن تلك طبيعة الرجل فقمت على الفور بتفسير ما يحدث على أن الرجل إخواني، وبالفعل اعتقدت هذا الاعتقاد حتى سمعت عكاشة وهو يحذر من أن السيسي هو رجل الإخوان في الجيش فزاد اعتقادي بأن السيسي قادم لمساعدة الإخوان على التمكين.

وبعد تعيينه وزيراً للدفاع حدثت لي درجة من اليأس سُرعان ما تجاوزتها بدراسة طبيعة الجيش المصري الجماعية، وقلت أنه حتى لو كان إخوانياً فالجيش المصري يكره الجماعات وإدخال الدين في السياسة، وتوقعت بأن انقلاباً سيحدث في الجيش ضد السيسي فيما لو لجأ إلى أخونة الجيش.

حتى أنني كتبت في صفحتي عدة مرات بأن من ينتظر من السيسي الوقوف مع الشعب ضد مرسي فلا ينتظر لأن الرجل إخواني، قلت ذلك على اعتقادٍ راسخ أنني تعاملت معه شخصياً وأعرفه عن قُرب، ولكن ساء ظني وظن الملايين، فالرجل بدا وكأنه لم يعرف تنظيم الإخوان أبداً، وأن تدينه وحُسن أخلاقه هو طبيعة شخصية له بعيدة عن أسلوب الجماعات والسعي وراء السُلطة واستخدام الدين في السياسة.

اجمالي القراءات 10031