حِوَار مَع طِفل شَارِع

شادي طلعت في الخميس ٢١ - نوفمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

حدث الحوار في يوم ٢٠ نوفمبر ٢٠١٣، في الساعة التاسعة مساءاً، من أمام أحد فروع شركات المحمول، في المكان المقابل لشارع العريش، المتفرع من شارع الهرم بالجيزة، إذ مكثت بسيارة أخي الأصغر بعدما تركني لقضاء مصلحة له، لمدة ثلاثون دقيقة قد تزيد أوتقل، وأنا غالباً عندما أنتظر إحداً، أشغل وقتي بجهاز الـ "آي باد" وإما أتجول عبر مواقع التواصل الإجتماعي، أو أتابع آخر التطورات من أحداث محلية أو عالمية، إلا أنني وقتها قررت أن أستمع لأغنية للفنان "وائل جسار" وهي أغنية "ناصر" وكنت قد حملتها من خلال شبكة يوتيوب، والأغنية لمقدمة مسلسل "ناصر" إلا أن صانع الأغنية على "اليوتيوب" كان قد دمج معها صوراً للزعيم الراحل "جمال عبدالناصر" وفجأة وجدت طفلاً يقف بجوار نافذة السيارة في الجزء الأيمن الأمامي حيث كنت أجلس، فنظرت إلى الطفل متوجساً منه، خشية أن يكون لصاً، أو إنه يحاول أن يشغلني ليأتي رفيقه من النافذة الأخرى، ليسرق أي شيء !

فنظرت إلى الطفل بحذر وسألته برفق، هل أعجبتك الأغنية، فرد علي قائلاً، نعم أعجبتني ولكن أعجبني الرئيس أنور السادات أكثر من إعجابي بالأغنية ! فقلت للطفل ولكن هذا جمال عبد الناصر وليس السادات، فأكد الطفل لي أن هذا الشخص هو السادات ! ثم قام بالنداء على صديقه، وقال له (تعالي شوف الرئيس السادات) ! لحظتها قررت أن أنهي الأغنية وأن أبدأ حواراً مع الطفلين.

 

عندما أغلقت الأغنية، ذهب الطفل الثاني ليستكمل عمله، إذ أنه يقوم بتنظيف السيارات، ويحصل على أي مبلغ من أصحابها، وتلك كانت مهنة كلا الطفلين، وسألت الطفل الأول والذي بقي واقفاً مكانه، وكأنه هو الآخر يريد أن يدير حواراً معي، وبدأت في سؤاله :

 

ما إسمك/فقال إسمي إسلام.

 

سألته وما هو باقي إسمك/فأجاب.. إسلام أشرف أحمد عبد المطلب.

 

سألته كم عمرك/فقال لي أربعة عشر عاماً.

 

فقلت له :ولكن منظرك العام يدل على إنك أصغر من السن الذي تقوله/ فقال.. لا، فما قلته لك هو الحقيقة، فأنا لدي شهادة ميلادي، وقد ولدت عام ٢٠٠٠ م.

 

سألته من أين أنت يا إسلام/فأجاب.. من كفر الجبل بالهرم.

 

سألته هل والدك موجود/فقال.. نعم.

 

سألته وهل تعيش معه/فقال.. لا.

 

سألته وأين والدتك/فقال.. أمي مطلقة من أبي، ومتزوجة بمحافظة كفرالشيخ، ولم أراها منذ سنوات.

 

سألته مع من تعيش/فقال أنا وصديقي الذي ناديت عليه نعيش سوياً في موقف سيارات تابع لأحد معارض السيارت، ومهنتي أنا وصديقي هي تنظيف السيارات، ونتقاضى على ذلك أجراً من صاحب المعرض، وفي نهاية اليوم نأتي إلى هنا، لتنظيف السيارات المنتظرة في شارع الأهرام، ونحصل من أصحابها على أموال.

 

سألته : وما هذا الجرح الموجود على وجهك/ فأجاب.. كانت مشاجرة بيني وبين أحد زملائي في العمل، فوجد "موس حلاقة" ملقى على الأرض، فأمسكه وجرحني به على وجهي ! فتسبب بقطع في الوجه، ثم ذهب إلى مستشفى عام، فقام الطبيب بعمل خياطة للجرح، إلا أنني قد إستعجلت على إزالة الخيط، فأصبح الجرح كما تراه.

 

سألته : وما سبب المشاجرة بينك وبين زميلك/فقال.. إختلفنا على مبلغ خمسة جنيهات ! فتحول الأمر من مشادة كلامية إلى مشاجرة بالأيدي.

 

سألته : وهل إنت طالب في المدرسة/ فأجاب.. لا، فقد أخرجني والدي من المدرسة، كنت وقتها في الصف الرابع الإبتدائي، لكي أعمل وأساعده على أعباء الحياة !

 

سألته : وماذا يعمل والدك/فأجاب.. (يعمل على عربة فول) ليست ملكاً له، فقد فقدنا (عربة فول) التي كنا نمتلكها.

 

سألته : وكيف فقدتم عربة الفول التي كنتم تمتلكونها/فأجاب.. تركناها في ساحة رابعة العدوية، يوم أن تم فض إعتصام الإخوان.

 

سألته : وهل لديك معلومات عن الجيش والإخوان/فقال.. نعم فنحن نتابع التليفزيون في وقت الفراغ، إلا أنني لست ملماً بكل شيء.

 

سألته : وهل أنت سعيد بحياتك الآن/فأجاب.. كنت سعيداً في شهر رمضان الماضي، فقد كانت موائد الطعام جيدة، بخلاف العصائر والشيكولاته، التي كانت توزع علينا ! كما أنني حزين بسبب الجرح الموجود في وجهي، فهو يحتاج إلى عملية تجميل، ولا أملك نفقتها.

 

سألته : وهل أنت مع الإخوان/فقال.. لا لستُ معهم، فقد قتلوا الكثيرين.

 

ثم جاء صديقه بعد أن إنتهى من تنظيف أحد السيارات وحصوله على مال من صاحبها، فسألته عن إسمه فأجاب، ثم طلبت منه أن ألتقط له صوره، إلا أنه رفض ! بينما الطفل إسلام وافق على أن ألتقط له صورة ! وسألت الطفلين : وهل حصلتما على مال وفير اليوم، فكانت الإجابة متبادلة من كلا الطفلين، وعلمت منهما، أنهما قد جمعا في هذا اليوم مبلغ ثلاثون جنيهاً، فسألتهما وماذا تفعلان بهذا المال : فأجابني كليهما، بأن هذا المبلغ حصيلة عملهما معاً لمدة يوم ! ثم أخبراني على إستحياء بأنهما سيشتريان سجائر بقيمة جنيهين، ويأكلان مما يتبقى، بشرط أن يوفرا خمسة عشر جنيهاً، فالطفل الأول سيعطي لأبيه سبعة جنيهات حتى يتمكن من إدخار مبلغ أربعة آلاف جنيه، وهو قيمة "عربة الفول" ! 

 

وكان سؤلي الأخير للطفلين/ هل سرقتما من قبل ؟

وكانت إجابة الطفل إسلام، أنه سرق من أحد تجار الفاكهة، لأنه كان جائعاً ولم يجد ما يسد جوعه ! وقال لي أيضاً، لم أكن أنتوي سرقة الرجل، إلا أنه رفض إعطائي أي شيء يسد جوعي ! لذا ما كان من الطفل إسلام إلا أن قرر أن يسرق منه برتقاله في كل مرة دون أن يخبره، ولكن ليس من أجل السرقة، بل من أجل أن سد جوعه !

 

ملاحظاتي على هذا الحوار :

 

أولاً/ كلا الطفلين كانا يتمعان ببرائة تنم عن أصول طيبة وليست خبيثة، فقد شعرت  وأنا أتحدث معهما بأنهما قد إستكملا تعليمهما ! 

 

ثانياً/ لولا الفقر ما كان حال كلا الطفلين، بهذا الشقاء.

 

ثالثاً/ قسوة المجتمع مع هؤلاء الأطفال، ستجعل قلوبهم غليظة.

 

رابعاً/ إدارة الدولة فاشلة، لمجرد أنها لا تستطيع إستيعاب ثروة لا تقدر بمال، فهؤلاء الأطفال كنز لكن المجتمع يُصر على دفنه في الرمال.

 

في النهاية أبعث برسالة إلى الدولة وإلى المجتمع :

 

مفادها أن الأطفال ثروة لا تقدر بمال، وأعود معكم بالذاكرة إلى الزعيم النازي هتلر، والذي إختطف أكثر من مائتي ألف طفل من النمسا، ليكونوا ثروة بشرية، لتعتمد عليه المانيا فيما بعد، وكانوا القوة الضاربة في الحرب العالمية الثانية، وأنا لا أقصد هنا تعليم الأطفال التطرف أو التعصب ! ولكن ما أقصده أن الأطفال وهم في سن البرائة، يستطيع الكبار تشكيل شخصياتهم، فمن الممكن أن يكونوا جنوداً بواسل، أو علماء أو عمال أو فلاحين، فمن الممكن أن يكونوا أداة لإنطلاق الدولة نحو الحضارة والتقدم.

 

وعلى الله قصد السبيل

 

شادي طلعت

اجمالي القراءات 17567