الإمبريالية والسلفية..تشابه عسكري

سامح عسكر في الثلاثاء ٠٨ - أكتوبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في المعارك الحربية تغزو الدول والشعوب بعضها بطُرق شتى وبسلوكيات مختلفة، منهم من يواجه الأعداء بشجاعة ومنهم من يواجههم بحذر يصل إلى حد الرهبة، الجانب النفسي واضح في كل الأحوال وأستطيع القول أن من يعتقد في نفسه الوصاية -وأنه المخوّل للتحدث باسم الحقيقة- فهو لديه نزعة إمبريالية تسلطية تدفعه للغزو وليس للحرب، فالغزو يعني اعتداءً يستوجب تحصيل المغانم وفرض الشروط، أما الحرب فقد تكون دفاعية أو لتحالفات سرية أو علنية بقصد الرفعة والعيش الكريم.

إن المعتدي في حقيقته إمبريالياً أراد فرض شروطه أو نشر أفكاره، وهو بذلك يعتقد في أفكاره الحقيقة التي لا غِنى عنها لتقدم وسلامة البشرية، فإذا واجه في حربه عدواً أبدى مقاومة.. فهذا يعني أن الحقيقة ليست معه حصرياً، وأن العدو يُشبهه في التمسك بمعتقداته، لأنه يريد في المحصلة عدواً يقتنع به –لسبق اليقين بأفكاره-ولا يتخيل أن هناك من الأفكار ما تجابه أفكاره بل وتفوقها قوة وصلابة، لذلك وفي تقديري أن المعتدي-أياً كان هو-لا يصمد أمام القليل من المقاومة، بل ويسارع بالفرار من أرض المعارك كلما زادت حِدة مقاومته، والسبب كما قلت هو اليقين المبالغ فيه لديه بقوة أفكاره وسلامة دوافعه.

لدينا من الواقع ما يؤيد ذلك، ففي الحروب الأمريكية المتعددة-خاصةً بعد الحرب العالمية الثانية- نرى أن الجانب الأمريكي لا يُقدم على الغزو أو الاعتداء إلا بعد التأكد من ضعف عدوه، فإذا لاقى القليل من المقاومة ارتبك وانهار إلى حد يمكن أن يُسارع بهزيمته، سيختلف الحال فقط إذا ما كانت الحروب دفاعية أو انتقامية، ولدينا في قنبلة اليابان الذرية خير دليل على أنه وكلما كانت الدوافع أقوى كلما كان الجيش أو المحارِب أكثر تماسكا، فإذا انتقلت المعركة من الدفاع إلى الهجوم خفّ حينها الدافع إلى مستويات ضعيفة تكون معها الحرب خيار غير سليم أو أنه اعتداءً يُساوي بين الفرد وأعداءه.

في تاريخ حروب السلفية تشابهاً مع الإمبريالية من حيثية السلوك العسكري واليقين والدوافع، أي أن السلفي في مُجمله هو إمبريالي أراد فرض شروطه أو نشر أفكاره بالاعتداء على حقوق ومكتسبات ومميزات الآخرين، ففي الحروب الوهابية السلفية يحكي .."لويس دوكورانسي"..في كتابه.."الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ"..أن الوهابيون كانوا أناس غير منظمين ولكنهم يُنظّمون أنفسهم إذا وجدوا أعدائهم ضعفاء، وكانوا يفرون من المعارك إذا لقوا في حروبهم مقاومة ولو قليلة، باستطلاع رأي دوكورانسي وإسقاطه على حروب الإرهابيين –من ذوي الخلفية الدينية الإسلامية-سنرى أنهم يُحاربون بنفس الأسلوب، أي أنهم يعتدون على الضعفاء، ولكنهم يُفضلون عدم مواجهة الأقوياء.

ففي اعتداءاتهم على مقرات الجيوش يعتمدون تكتيكاً عسكريا يهدفون فيه لقتل أكثر عدد ممكن دون خسائر، ويختارون الضحية معزولاً عن السلاح، أو أن يُباغتونه خلسة ويفرون سريعاً ، فهم ليس بمقدورهم مواجهة العناصر المسلحة وجهاً لوجه، والسبب أنهم ليسوا مُجهزين فكريا أو عصبياً لقتال فكرة أخرى قوية يعجزون عن استيعابها أو ردها ، علاوة على اختزان الدافع الرئيسي من وراء الحرب وهو الغنائم، فهم قد لا يجهرون به لأسباب أخلاقية، لأن الدين فيه من القواعد ما يمنع الاعتداء وسلب الحقوق، فضلاً عن رفض الإنسان لهذا السلوك عامة، فيقومون بتحوير الدافع من الغنائم إلى نشر الدين والأخلاق بعملية إزاحة نفسية مكشوفة.

أخيراً فالسلفية هي الوجه الآخر للاستعمار والتوسع الإمبريالي، فما كان في الماضي من حروب أوروبية على الغرب والشرق إلا وكان الدين والغنائم فيها هو القاسم المشترك، كذلك فالسلفية تحارب من أجل الدين والغنائم، ولكن ما يدفعهم لأن يكونوا أكثر قوة وصبراً- في تحمل تبعات الحرب -هي الغنائم، فحروب السلفية الوهابية بالأصل كانت تجمعها الغنائم، نظراً لافتقار الطبيعة البدوية النجدية للمقومات الأساسية للعيش الكريم، وبمجرد أن يعلن القادة عن خيرات البلاد إلا وتلهث ورائها الألسن والقلوب يتمنون فيه الحصول على ذلك المغنم.

اجمالي القراءات 7847