ليس كل عفوٍ مقدرة!
أفراح القتلة وأعراس اللصوص!

محمد عبد المجيد في السبت ٢٨ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أفراح القتلة وأعراس اللصوص!

التقيته مرة واحدة في الطائرة التابعة لمصر للطيران خلال رحلتها المتجهة من كوبنهاجن إلى القاهرة خريف 1986. تحدثنا حديثا طويلا عن فترة حُكم السادات، وأفصحت له عن مشاعري تجاه رجل مشغول بنفسه، مزهو بها حتى أنه أتى بمــثـَّـال من تركيا يجلس أمامه ساعتين في اليوم، فالرجل يبحث عن الخلود في الدنيا. كان يقضي يومه في الاستماع لحكايات مُسَلـَّـية، ويرفض أنْ يكون نُسخةً من عبد الناصر، يتابع، ويقرأ، ويدفن نفسه في هموم الوطن العربي الكبير.

قال لي الدكتور سعد الدين إبراهيم بأنه مؤمن أن السادات، رحمه الله، كان ذا قُدراتٍ عقلية محدودة، لذا حوصر في كامب ديفيد وأعطى من لا يستحق حقوقاً لا يملكها السادات نفسه.
بعد فترة، وبالتحديد في عام 1992، صدمتني مفاجأة حيث أصدر الدكتور سعد الدين إبراهيم كتاب ( إعادة الإعتبار للرئيس أنور السادات ) والكتاب من ألفه إلى يائه يتناقض تماما مع كل ما سمعته منه بأم أذنيَّ.

صحيح أنه ليس الأول ولن يكون الأخير الذي ينقلب علىَ عقبيه، وينتهج فكراً مضاداً لما آمن به واعتنقه، ودافع عنه باستماتة، فالساحة الثقافية والفكرية والسياسية في عالمنا العربي تعجّ بهم، فالاخوانجي يتناصر، والناصري يتأمرك، والعلماني يَضْحَىَ رابعياً، والمباركي يترأس لجنة دستور مناهضة للمخلوع، والحسّاني يجمع تبرعات للفقراء ثم يُدْخلها جوّفــَـه، والقرضاوي ينتقل من" الحلال والحرام فـي الإسلام" عام 1977 إلى الحلال والحرام كما تراه الدوحة.كل الألوان تراها من زوايا مختلفة فتتغير مرة كما تراها عيناك، ومرة وفـقا لزاوية الرؤية.

الصحفيون الذين طردهم زملاءُ المهنة من النقابة لأنهم نفخوا في الوريث، وركعوا لأبيه، يعودون مرة أخرى ويجلسون على أعمدة كبريات الصحف المصرية، وطيبتـُـنا تــُـذيب مركز الذاكرة في أدمغتنا، بل إن هناك من كان مخلوعا ومشيريا ومُرسيـّـاً في الوقت عينه كمن يضع السُكـَّـرَ فوق اللحم ويحشو به سمكة كبيرة يصنع منها كنافة!
يقف الدكتور سعد الدين ابراهيم أمام حسن مُعوض في " نقطة نظام"ويضع أصابعه في عين كل قيمة ومبدأ ونُبل وشهامة ويحتقر القــَـصاص والحق والعدل وآلام شعبٍ لثلاثة عقود ليُحاكي محاكمة هزلية عن ثمانية عشر يوما اختارها القضاء من ثلاثين عاما جحيمية.

يطلب مُفكرنا الكبير الافراج الماندلي عن رؤوس الفـُـجْـر والطغيان والسرقة والنهب والعنصرية والطائفية وتخريب أم الدنيا ، ثم يقارن بين مصر وجنوب أفريقيا، وتناسىَ بصمات مُرسي في الارهاب السيناوي، وأزمة مصر الاقتصادية في مليارات نهبها مبارك وزوجته وابناهما.
هكذا بمنتهى البساطة، وبعد ثورة بمراحلها الثلاث، ومئات الشهداء، ومثلهم من المفقوئة عيونهم، وآلاف الهاربين أو المــُـهـَـرَّبين من السجون، نقول لمبارك وعلاء وجمال وسوزان والمستشار أحمد رفعت والمشير وأحمد عز ومرسي وبديع والشاطر وعاصم عبد الماجد ووجدي غنيم وأبي إسلام وبرهامي وحبيب العادلي وأحمد نظيف وصفوت الشريف وأحمد فتحي سرور والبلتاجي والعريان ومنتهكي حُرمات بناتنا، ومغتصبي شبابنا : شكرا لكم، اذهبوا، فأنتم الطــُـلقاء!

الأمريكيون والغربيون لا يزالون يطاردون نازيين اقتربت أعمارُهم من المئة عام، فإذا أفلتَ أحدهم في الغرب اصطادته اسرائيل في الشرق، وكل منهم يستخرج حُججه كما يشاء.
نيلسون مانديلا فكــَّـكَ نظاما عنصريا بغيضا تعامل مع شعب جنوب أفريقيا كما كان تجار العبيد يقنصون، ويختطفون سكان ليبريا لشحنهم في أقفاص ضيقة وقذرة تمخر بهم عباب البحر في مراكب يعُفُّ عنها ذبابُ القراصنة.
المفكر سعد الدين إبراهيم لا يملك حق العفو عن مجرمين آثمين أحالوا في عهود مبارك والمشير ومرسي حياة المصريين إلى قطعة من نار جهنم.
كاد المفكر أن يكون رسولا، ولكن في عالمنا العربي لا يسأل أحدٌ مفكرا عن رسالته، ولا يحاسبُ الشعبُ مُثقفيه عن مواقفهم المتأرجحة كالبندول بين الحق و.. الباطل.
حديث الدكتور سعد الدين إبراهيم اليوم، 27 سبتمبر، كان سقطة مفزعة لكل قيم العدالة والقصاص والثورات ومناهضة الطغيان، فالحياة الحرة والنظيفة لا تستقيم بفكر مطيــّـباتي يــُـقــَـبـِّـل رأسَ الجاني والمجني عليه، ويمسح وجه القتيل بمنديل القاتل، ويلعب دور النبي في باحة السجن.

من جديد أبدأ رحلة البحث عمن لم تتغير مواقفهُم من النقيض إلى النقيض كلما أطــَـلَّ علينا سيــّـدٌ جديد للقصر.
لقد أرهقني كثيرا عزائي في مفكرين وكــُـتــَّـاب ومثقفين وسياسيين وزعماء وفنانين وإعلاميين ورجال دين ، فاتركوا لي بعضَهم بــِـكــْـراً لعلي أظن، وبعضُ الظن ليس إثما، أنَّ الدنيا بخير.

محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 27 سبتمبر 2013

اجمالي القراءات 9056