وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض
الحلم الذي ينبغي أن يحلمه كل مؤمن ، بعد أن يستيقظ من سباته العميق ويصحو

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ١٧ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله  الرحمن  الرحيم  

الحلم  الذي ينبغي أن يحلمه كل مؤمن ، بعد أن يستيقظ من سباته العميق. 

       وقع الإحتفال بذكرى غالية، وهي ذكرى اغتيال ذلك المناضل الأمريكي "مارتن لوثر  كينغ  Martin luther King"الذي  اغتيل يوم الرابع أفريل سنة ثمان وستين وتسعمائة وألف، بعد أن بدأ  صوته يرفع رأسه شامخا وبعد أن بدأ يؤثر  ويستفز الضمائر  الإنسانية

   لقد كان "مارتن لوثر كينغ" خطيبا مصقعا، ومن بين مقولاته  الخالدة  تلك  التي  بدأها بقوله :

*  عندي حلم بأنه في يوم ما، ستنهض هذه الأمة وتعيش المعني الحقيقي لعقيدتها الوطنية بأن كل الناس خلقوا سواسية...

      وبتأمل ملخص للأحداث الهائلة التيعرفها السود  المضطهدون  بأمريكا، وتأمل جهادهم  الطويل المرير في سبيل الحرية والعدالة والكرامة.

      بعد تأمل ذلك الهدف السامي الذي كان يحلم به المناضل لوثر كينغ، وهو يقظ يتمتع بكامل قواه العقلية، بعد تأمل ذلك الحلم الذي تحقق في الأخير وأصبح واقعا ملموسا، قفزت إلى المقدمة فكرة أو تساؤل كبير هو الآخر، طالما كان معتقلا داخل ضمير كل مؤمن مخلص، جادّ في فحوى ومضمون ذلك الحديث المنزل الذي هو أصلا  رحمة  للعالمين.

      متى يحين الوقت يا ترى؟  ليطلق كل مخلص حنيف سراح ذلك الحلم المعتقل، ذلك الحلم الذي يفوق حلم  المناضل لوثر كينغ من حيث المصير  الأبدي ؟

      ألا ينبغي لكل مسلم  مخلص حنيف جادّ مؤمن بالله الواحد القهار أن يستيقظ أخيرا من سباته العميق وينفض عنه ما تراكم  عليه طيلة قرون وقرون من طبقات خمول وذهول وبلادة ليسترجع قواه الذهنية والفطرية، وليعتمد على الله العلي  القدير فيعقد النية ويعبـّر عن حلمه هو الآخر؟ وهو أم الأحلام  لأنه حلم مُقـدّرٌ نعم المصير الأبدي حق قدره، فيقولها صادرة من أعماق الأعماق :

      أنا لديّ حلم . وأدعو الله العزيز القدير المهيمن، أن يعينني في سبيل أن يتحقق حلمي.

      ثم يشرع في تعداد تفاصيل ما يحلم به ذلك المخلص المؤمن بالله حقا :

01) لـديّ حلم، وهو أن تسود الحرية، حرية المعتقد،

والدين ، حرية الفكر والإبداع .

02) لديّ حلم، وهو أن نتصدّى جميعا ونحدّق بكل شجاعة وجرأة في تلك الأنقاض والأكوام الهائلة التي تشكلت من تراكم الخرافات والبلادات، أن نتصدّى لها ونجعلها دكَّا، كما فعل الله بجبل موسى (عليه السلام) عندما تجلى سبحانه وتعالى لذلك الجيل.

 03)  كم هو رائع حلمي النابع من الصميم ، وهو أن يسود ذلك المعنى الرائع الوارد في الآية رقم 137 بسورة النســــاء:  (إنّ الذين ءامنوا ثم كفروا ثم ءامنوا ثم كفروا ثم  ازدادوا كفرا  لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم  سبيلا ).

  نعم ، ألا ترسم هذه الآية الرائعة حجم ووزن ورحابة صدر الحرية التي أرادها الخالق لمخلوقاته. ؟ لجميع مخلوقاته ؟؟

 04) يا له من حلم ... ينبغي أن يتحقق ... لو أن المؤمنين حقا  جعلوا  نصب  أعينهم بلوغ ذلك الهدف الذي حباهم به الله العلي القدير القائل في الآية رقم 110  بسورة آل عمران : (ُكنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِوَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ... )

 05) لـديّ حلم آخر ، من بين تلك التي تتزاحم  في رأسي وهو، أن يأتي يوم  تتفتق  فيه أذهاننا نحن المؤمنين لنفهم ونعي ونهضم روح الآية رقم 08 في سورة الممتحنة حيث يوجهنا فيها سبحانه وتعالى قائلا : (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِالَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّندِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَيُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ )

       وبصراحة مطلقة!وبكل شجاعة... هل بلغنا نحنُ  المؤمنين أقل درجة؟ وهي تلك الدرجة التي خصصها الله  لتسود بيننا وبين أولئك الذين لم يقاتلونا في الدين ولم يخرجونا من ديارنا ؟  هل لدينا  الشجاعة والجرأة  والإخلاص والإنصاف لنجعلها تسود بيننا نحن المؤمنين المختلفين في شتى المذاهب والنحل والملل ؟

06) وحلمي الغالي الآخر :

        هل يا ترى  يأتي ذلك اليوم  لنكون حقا  فهمنا ووعينا أن  الجهاد في سبيل الله هو تلك الحالة التي نكون فيها  مضطرين  اضطرارا – لا غير -  للدفاع، في حالة تعرضنا إلى قتال أولئك  الذين يقاتلوننا، وأن نحرص على التوقف والإنتهاء إذا  هم  توقفوا وانتهوا، وأن لا يغيب عنا أن العدوان لا  يكون  إلا  على الظالمين

( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُواإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْوَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِوَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِفَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ. فَإِنِانْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَفِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِفَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَىالظَّالِمِينَ. الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُقِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىعَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَــــــــعَ الْمُتَّقِينَ)البقرة/190-).

 07) أحلم، أن  يأتي يوم  يكون فيه  المؤمنون مقتنعين حقا أن مصادرة حرية التنفس ليست أكثر ظلما أو بلادة  من مصادرة حرية الإختلاف  الفكري أو العاطفي.

  08) أحلم أيضا،  أن  يأتي يوم يعي ويهضم فيه  المؤمنون هذا  الرأي الذي  يراه  مفكر، وهو :

      أن استيراد الحضارة أو استهلاكها ليس حضارة،بل  الحضارة طاقة إنسانية تتفاعل مع الظروف والإحتياجات لتصبح خلقا من أخلاق مبدعيها.  أن نقتنع  نحن المؤمنين،  أن الحضارة  ولادة  وليست تبنيا ، أنها ولادة عقلية ونفسية وأخلاقية.

 09) ولي حلم غال هو الآخر، وهو أن نتحول نحن المؤمنين مما نحن فيه، من  ذلك الزبد الهائل الذي ما زال ذاهبا جفاء، إلى ذلك الثقل وذلك الوزن الذي يمكث في الأرض النافع للناس.

 10) وهناك حلم آخر : وهو بمناسبة الموسم الدراسي الجديد.  أحلم أن نهضم نحن المؤمنين مضمون هذا الرأي الذي يراه مفكر آخر، وهو :

* أن التعليم إذا لم يكن تحويلا أصبح موتا، موتا للعقل والسلوك والحماس، والإبداع، أو أصبح شيئا لا نفع له.

 * أن  التعليم  يجب أن يكون تحويلا للذات  المتعلمة، يحول  تفكيرها وأحاسيسها وقدرتها، وأخلاقها ورؤيتها لـلأشياء والناس والمذاهب، والكون، وأحكامها، يحولها إلى وجود إنساني جديد بمقاييسه ونشاطه وكل مستوياته، إلى إلى تغيير.

  * ونحن نتعلم ونناقش ونرفض ونتغير، لا لنعرف ونرضى ونطمئن، أعني إن هذا من الإفتراض  النموذجي في  التعليم.

  * إن التعليم بلا خـَـلق ضربٌ من التلقيح الميّـت، ومن الملء للفراغ الذي كان من الممكن أن يمتلئ بمعنى من معاني الحياة،  فامتلأ  بمعنى  من معاني  الموت.

 11) فوراء كل حلم، حلم  آخر مزاحم له :  وحلمي هو : أن تنشط ألبابُ المؤمنين حقا، وأن يرحبوا بما يراه بعض  المفكرين الذين يرون :

 * أن بضعة علماء مغيرين للحياة، وواهبين لها شيئا جديدا لآفضلُ من جميع المعاهد والجامعات  التي  تعـدّ  لتعطي أفواجاً هائلة متلاحقاة لتجعلهم من القارئين والمفسرين والمعتقدين الذين يتكلمون ويجادلون ويرفعون أصواتهم كثيرا، دون أن يعرفوا أن الكلام لا يساوي دائما الفهم والذكاء، وأن الكلام الكثير لا يساوي دائما  الفهم أو الذكاء الكثير، وأن الكلام بلغة العلماء لا يبساوي العلم دائما.

* وأخيرا، فإنه من  المؤكد أن الذي يجب وجوبا أن نتفق عليه تمام الإتفاق -  نحن المؤمنين - (ولو  لأول ولآخر مرة ) هو أن هذا الحلم لا يكون إلا في حالة اليقظة التامة والوعي التام ، وأن نتيقن أنه ليس حلم البائس أو حلم اليائس أو حلم ذلك المذعن، الذي يحمل في قرارة نفسه بذور أو جينات الفشل والكلل والإحباط، أو حلم أولئك الذين إثاقـلوا إلى الأرض، وأذعنوا، ورضوا بمصيرهم الذي يشبه ذلك الذي وصفه سبحانه وتعالى في سورة التوبة رقم (38)، أو ذلك الذي لا يقدر على شئ، ذلك الكـلّ على مولاه، ذلك الذي لا يأتي بخير، ذلك الفاشل الذي لا يستوي مع مولاه  الذي يأمر بالعدل وهو على صراط  مستقيم .( النحل رقم 76).

* وعليه فإن هذا الحلم المنشود، هو ليس كأي حلم،  وسيكتسبُ قدره وأهميته وجديته وثقله ووزنه ونفعه للناس عندما يكون مسبوقا ومتبوعا أيضا، بكثير من العزم وكثير من التوكل وكثير من السعي والبذل والجهد والصبر والمصابرة، لتحقيق الهدف الذي يرمي إليه، مصداقا لما جاء  في  الآية رقم 159 بسورة آل  عمران:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ). 

        

     

 

اجمالي القراءات 13683