معجزة اختيار اللفظ في القرآن : مدخل لعلم قرآنى جديد : ( الجزء الثالث )

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٧ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

عاشرا :

( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة )

( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) آل عمران )

لماذا قال جل وعلا فى سورة البقرة  ( قُولُوا ) وقال فى سورة آل عمران ( قُلْ ) مع إن الموضوع واحد ؟. وما هو وجه إعجاز إختيار اللفظ هنا ؟ .

1 ـ نبدأ بالهداية القرآنية فى الرسالة السماوية الخاتمة ، وهى موجهة لأهل الكتاب ، وللمؤمنين والبشر من غيرهم . يقول جل وعلا عن القرآن بالنسبة لبنى إسرائيل والمؤمنين من كل البشر : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (76) وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (77) النمل ) .

وقد دعا رب العزة أهل الكتاب للإيمان بالقرآن الذى جاء مصدقا لما معهم من الكتب السماوية : ( وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ ) (41) البقرة ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ )(47) النساء ).

وكان أساس الضلال بين أهل الكتاب هو تحريف ملة ابراهيم ( لا إله إلا الله ) وما ترتب على ذلك من تقديس بعض الرسل ورفعهم فوق مستوى الرسل الآخرين ، وبالتالى تفرقوا الى يهود ونصارى ، وجعلوا هذا التفرق هدى ، فدعاهم رب العزة الى التمسك بملة ابراهيم حنيفا أى مخلصين فى انه لا اله إلا الله جل وعلا ، وهذا يعنى الايمان بكل الرسالات السماوية التى نزلت على كل الأنبياء ، وهذا الايمان بكل الكتب السماوية يعنى عدم التفريق بين الرسل ، لإنه يعنى عدم الايمان بشخص النبى البشرى ، ولكن الايمان بالرسالة التى نزلت عليه ، وبالتالى فالايمان بكل الرسل أى الرسالات ، وعدم التفريق بين رسول وآخر . وهذا الرد جاء على قولهم : ( وَقَالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (135)  البقرة ). ثم فى الآية التالية أمرهم رب العزة أن ( يقولوا ) : ( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة ) . بالايمان بكل الرسالات يكون عدم التفريق بين اشخاص الأنبياء والرسل ، وعدم تقديس واحد منهم ، وعدم التفرقة بينهم ، وبالتالى يكون الاسلام الحق ، والتقديس لله جل وعلا وحده . وهم إن فعلوا هذا فلن يقعوا فى الاختلاف والشقاق ، لأنهم سيكونون مسلمين للخالق جل وعلا وحده ، وإلا فسيكونون فى شقاق وإختلاف ، يقول جل وعلا يضع الميزان : ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمْ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة ).

إن الاسلام الحق هو الايمان بالله جل وعلا وحده وتقديسه وحده وتأليهه وحده وعبادته وحده والتوسل به وحده وطلب المدد منه وحده . وهذا هو الاسلام المقبول دينا عند الله جل وعلا . وتقديس البشر من الأنبياء وغيرهم يعنى التفرق والاختلاف . لذا قال جل وعلا فى شهادة الاسلام الواحدة ، أو التشهد الذى يكون فى الصلاة : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران ) . ويقول رب العزة عن هذا الاسلام ( لا اله إلا الله ) فى الآية التالية : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ )، وهذا ما جاء فى كل الرسالات السماوية ، ولكن بغى اهل الكتاب بتقديس البشر فإختلفوا بعد ما جاءهم العلم الالهى او الرسالات السماوية ، يقول رب العزة فى نفس الآية : ( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران ). ويقول جل وعلا لخاتم النبيين عن أهل الكتاب المعاندين المجادلين وغيرهم من العرب ( الأمّيّين الذين لم ينزل عليه كتاب :  ( فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران ).

وهذا هو الاسلام الذى لا تقديس فيه إلا لله الخالق جلّ وعلا . ولذلك أمر رب العزة أهل الكتاب أن يقولوا (( قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (136) البقرة ).

2 ـ ومات خاتم النبيين عليهم جميعا السلام . ووقع العرب ( الصحابة ) فى الكفر السلوكى بالفتوحات ، والتى ترتب عليها تكوين إمبراطورية تحكم شعوبا تنتمى الى أهل الكتاب ، وأولئك حين دخلوا فى الاسلام دخلوه بنفس عقائدهم ، أى تقديس البشر ، وخصوصا الأنبياء ، وأصحاب الأنبياء . أى بدأ العرب الصحابة بالكفر السلوكى بالفتوحات ، ثم جاء الكفر العقيدى القلبى بأهل الكتاب وأحفادهم الذين دخلوا فى الاسلام ، وبنفس العقائد المعتادة ، غاية ما هنالك أنهم عبدوا وقدسوا محمدا والصحابة بعد أن كانوا يعبدون ويقدسون المسيح وأصحابه، أى بعد أن كانوا ( مسيحيين ) أصبحوا ( محمديين).! . 

وهنا يأتى الإعجاز القرآنى الذى حذّر مقدما من ذلك . فقال جل وعلا : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ (79) آل عمران ). أى لا يصح ولا يُعقل أن يدعو أى نبى الناس الى تقديسه وعبادته . وأيضا لا يمكن أن يدعو رب العزة الناس الى تقديس الملائكة والنبيين ، فهذا كفر : ( وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) آل عمران ). فكل النبيين قد أخذ الله جل وعلا عليهم العهد والميثاق ـ وهم فى عالم البرزخ قبل مجيئهم للحياة الدنيا ـ بالتمسك بأنه لا اله إلا الله ، وقد أقرّوا على ذلك وشهدوا ، يقول جل وعلا : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (82) آل عمران ). أى هى شهادة لا اله إلا الله ، أو التشهد المذكور فى قوله جل وعلا : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ  )(19) آل عمران ).

ويقول جل وعلا عمّن يبتغى غير الاسلام دينا : ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) آل عمران ) . ثم فى الآية التالية يقول رب العزة يأمر خاتم النبيين عليهم السلام بأن يقول  : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)آل عمران ) وبالتالى فإن من يبتغى غير الاسلام دينا فلن يقبله الله جل وعلا منه يوم القيامة : ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران ). هذا هو السياق الذى جاء فيه الأمر لخاتم المرسلين بأن يقول : ( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)آل عمران ).

3 ـ وحتى يشمل الأمر عموم المؤمنين قال جل وعلا : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة ). فالايمان هو بالله جل وعلا وملائكته ورسله ، والتحذير هو من التفريق بين الله ورسله ، أى عدم رفع واحد منهم فوق الآخرين تمسكا بالايمان بالرسالات السماوية كلها . وأن يبادر المؤمن بالطاعة فيقول ( سمعنا وأطعنا ) ويطلب الغفران من رب العزة ، والذى اليه المصير يوم القيامة .

وهذا بالضبط ما يرفضه المحمديون . لا يستطيع أحدهم أن يقول ( لا اله إلا الله ) فقط . لا بد أن يبادر بالتكملة حسبما إعتاد ليرفع محمدا عليه السلام الى جوار ر ب العزة ، وفوق بقية الرسل ، يفرّق بينهم ويميّزه عليهم . فإذا نصحته إنطلق سبّ ويلعن ويكفّر . أى لا يفعل مثل المؤمنين الذين يقولون ( سمعنا وأطعنا ) بل يقول لسان حاله : سمعنا وعصينا .

4 ـ ويستتبع التفريق بين الله جل وعلا ورسله وتقديس رسول ورفعه فوق مستوى الرسل أن يضاف لدائرة التقديس بشر آخرون من الصحابة والأئمة والأولياء ، وأن يقع الاختلاف والشقاق عقيديا ، بالتفرّق فى الدين ، عصيانا لقوله جل وعلا : (  وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159) الأنعام ) (وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)  ) الروم ) .

ولأن هذا التفريق بين الرسل ، أو بين الله ورسله هم أساس الكفر فإن الله جل وعلا يقسم الناس الى قسمين طبقا لهذا الموضوع : كفرة حقيقيون ومؤمنون ، يقول جل وعلا عن الكفرة : ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقّاً وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً (151) النساء ) وفى الآية التالية يقول عن المؤمنين الحقيقيين :(  وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (152) ( النساء ). ولهذا ـ أيضا ـ أمر رب العزة خاتم النبيين أن يعلن أنه ليس متميزا على من سبقه ، وأنه ليس بدعا من الرسل ، وأنه لا يعلم الغيب ، وأنه مجرد متّبع للوحى وأنه مجرد نذير مبين  : ( قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (9) ( الأحقاف ).

5 ـ وبهذا يتبيّن عظمة الإعجاز القرآنى الذى حذر مقدما المسلمين من أن يكونوا ( محمديين )، فأصبحوا ( محمديين ) وعلويين وسنيين وصوفيين ، والقرآن معهم شاهد عليهم . لذا تحول شقاقهم العقيدى الى حروب أهلية مذهبية مستمرة من بداية عصور الخلفاء ( الراشدين ) الى عصر الإخوان والسلفيين الوهابيين .!

وهذه المذابح والحروب الأهلية بين المسلمين اليوم لم تعد تفزعهم ..ولكن الذى يفزعهم أن تعظهم بأن يقولوا شهادة الاسلام التوحيدية الواحدة ( لا إله إلا الله فقط ) وتنهاهم عن جعلها مثناة أى إضافة محمد لها مع الله جل وعلا . يزعجهم أن تعتبر القبر المنسوب للنبى وثنا ورجسا من عمل الشيطان . يزعجهم أن تصلى بالتشهد (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران  ) دون التحيات المفتراة . يزعجهم أن تؤكد لهم أن جسد النبى قد تحول الى تراب منذ 14 قرنا ، وأنه مات كما مات أصحابه وكما مات أعداؤه بلا فرق . يزعجهم أن تدعو للحق القرآنى الذى كان محمد عليه السلام يدعو اليه . لكن لا يزعجهم حمامات الدم التى يغرقون فيها من موقعة الجمل وصفين وكربلاء والنهروان ودير الجماجم ..وحتى الآن .!!

اجمالي القراءات 13871