يحرُمُ شرعا أن ينصّ الدستور على أن مصر دينها الاسلام . لماذا ؟

آحمد صبحي منصور في الخميس ١٢ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : لماذا ؟

1ـ  لأن هذا النّص إستبعادى. يستبعد ملايين المصريين من دولتهم ويجعلهم أقل درجة من (المسلمين ). نحن نتحدث هنا عن  إستبعاد ملايين المصريين من المسيحيين والبهائيين والعلمانيين اللادينيين . قد يكونون أقلية ، ولكن إستبعاد شخص واحد فيه ظلم ، والظلم حرام شرعا ، فكيف بظلم الملايين .

تتضاعف المشكلة بالحديث عن الشريعة وهى مرتبطة بالنّص على دين الاسلام للدولة ، ويأتى تطبيق هذا ( الاسلام ) بالشريعة والمراد بها الشريعة السنية . وهذا يجعل الاستبعاد يشمل أيضا غير السنيين ، أى الشيعة المسلمين .

ثم تتفاقم الخطورة بالمادة 219 سيئة السُّمعة ، والتى تفسر الشريعة تفسيرا وهابيا . فتكون المحصلة خطيرة جدا ، وهى أن عبارة ( الاسلام دين الدولة ) وملحقاتها من الشريعة والمادة 219 تجعل الاستبعاد يشمل الأغلبية الساحقة من المصريين .

فالأغلبية الساحقة من المصريين صوفية سنيون ، يؤمنون بالأولياء الصوفية والأئمة الشيعة والسنة ، ويقدسون الأضرحة التابعة لهم بلا تفرقة؛ يذهبون للحج الى القبور المقدسة فى موالد الحسين والسيد البدوى والسيدة زينيب والسيدة نفيسة والامام الشافعى و المرسى أبى العباس وابى الحسن الشاذلى وأبى الحجاج الأقصرى والشبراوى وأبى العزايم ..الخ . هذه الأغلبية الساحقة سيتم إستبعادها لأنهم مشركون طبقا للتفسير السنى للشريعة . وهذا يعنى أن الدستور سيكون على مقاس أقلية ضئيلة جدا ـ لا تعترف بمصر ، والوطن ( مصر ) ليس لديه إعتبار عندها ، فالوهابية السياسية ( الاخوانية ) تجعل دينها الوهابى هو الجنسية وهو الوطن . وعندهم ( طُظ ) فى مصر .

ثم إنّ هذه الوهابية أقلية داخل الدين السّنى نفسه . فالدين السّنى الأرضى يتكون من أربعة مذاهب ، أحدها المذهب الحنبلى الأشد تزمتا ، الذى ينقسم بدوره الى تيارات ، أشدها تطرفا هو التيار الذى يمثله ابن تيمية ، ثم نبعت الوهابية من تيار ابن تيمية ،وتأسست عليها الدولة السعودية الأولى والثانية ، ثم الدولة السعودية الثالثة الحالية والتى نشرت الوهابية فى مصر بإنشاء الجمعيات السلفية والاخوان المسلمين . وهناك تيارات أكثر تطرفا داخل الوهابية ، أحدثها التيار القطبي التابعة لفكر سيد قطب ، وينتمى اليه زعماء الاخوان الحاليون . أى نحن أمام أقلية من أقلية من أقلية من أقلية من أقلية ..الخ . يؤكّد هذا أن تعداد الاخوان والسلفيين الذين تنطبق عليهم وحدهم مواد ( الاسلام دين الدولة ، الشريعة ، والمادة 219 ) لا يصل الى ربع مليون فى مواجهة 80 مليون مصرى ينتمى بوجدانه الى مصر . فمن الظلم أن يعبر الدستور على أقلية ضئيلة جدا لا تعترف بالانتماء للوطن المصرى ، وتستبعد المصريين جميعا . هذا ظلم فادح . والظلم حرام فى دين الاسلام .والله جل وعلا لا يريد ظلما للعباد ، والله جل وعلا لا يحب الظالمين .

2 ـ لأن هذا النّص يؤسس للدولة الدينية . والدولة الدينية خصم للاسلام . بل إن الدعوة الاسلامية موجهة بالأساس ضد الدولة الدينية وكهنوتها . فهذا النّص يعطى ولاية للدولة على الشأن الدينى مثل أى دولة دينية كهنوتية تتحكم فى الدين . وهذا يتناقض مع الحرية المطلقة فى الدين التى أكدها رب العزة فى أكثر من ألف آية قرآنية .

إن وظيفة الدولة فى الاسلام ليس هداية الفرد وإدخاله الجنة ، لأن الهداية مسئولية فردية شخصية ، فمن شاء من الأفراد أن يؤمن فليؤمن ، ومن شاء من الأفراد أن يكفر فليكفر ، ومن إهتدى من الأفراد فهو يهتدى لنفسه ، ومن شاء أن يضل فهو يضل على نفسه ، وكل فرد مسئول عن نفسه فى إختياره الدينى ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وكل فرد سيأتى يوم القيامة أمام رب العزة ليحاسبه عن ( دينه ) ، أى لا بد من الحرية المطلقة ( فى الدين ) لتتم المساءلة أمام الواحد القهّار ( يوم الدين ).

إنّ الذى يعطى لنفسه حق التدخل فى إكراه الناس فى الشأن الدينى إنما يرفع نفسه فوق مقام رب العزة ، لأن الله جل وعلا خالق السماوات والأرض شاء أن يكون الناس أحرارا فى الايمان به أو الكفر به جل وعلا ، ولهذا نرى بلايين البشر يختارون  بهذه الحرية التى منحها لهم الله جل وعلا أن يكفروا بالله جل وعلا . وموعدهم يوم الدين أمام الله جل وعلا . وبالتالى يكون عدوا لله جل وعلا ذلك الذى يريد أن يجعل نفسه متحكما فى الشأن الدينى الذى لم يشأ رب العزة التحكم فيه . وهذا ما يقع فيه أرباب الدول الدينية . وهذا ما سيفعله بمصر ذلك النّص على أن للدولة المصرية دينا يتمحّك بالاسلام ، وهو يناقض الاسلام !.

إن وظيفة الدولة فى الاسلام دنيوية وليست دينية ، أى تتركّز فى علاقات الأفراد وحقوقهم ، وخدمة الفرد وحمايته وضمان حقوقه فى الحرية والعدل السياسى والعدل الاجتماعى والكرامة الانسانية ، ومنها حريته المطلقة فى الدين على مستوى العقيدة والشعائر والدعوة . ومن هنا فإن النّص على أن الدولة دينها الاسلام أو المسيحية أو اليهودية أو البوذية يعنى تحول تلك الدولة الى دولة دينية ، وبغضّ النظر عن الشعارات فإن الدولة الدينية لا بدّ أن تنتمى الى دين أرضى ، يفترى على الله جل وعلا كذبا ، وكل الدول الدينية تعتنق مذهبا دينيا متفرعا من مذهب أكبر ، فالدولة الفاطمية تنتمى الى مذهب شيعى إسماعيلى إمامى، والدولة الايرانية الحالية تنتمى الى مذهب  شيعى أمامى إثنا عشرى ، ونظام بشار الأسد ينتمى الى مذهب شيعى علوى نصيرى . و الدولة السعودية تنتمى الى مذهب الوهابية التيمية الحنبلية السّنية ، ودولة الاخوان تنتمى الى مذهب القطبية الوهابية التيمية الحنبلية السنية .  ومهما رفعت الدولة الدينية من شعارات التسامح فلا بد أن تضطهد من لا يعتنق مذهبها ودينها ، ولهذا يعانى الشيعة فى السعودية ويعانى السنيون فى ايران . وحتى البوذية المشهورة بالتسامح فإنه بمجرد أن أصبح لهم نفوذ سياسى فى بورما قاموا بذبح المسلمين . ومع أن مصر كانت مشهورة بالتسامح معظم تاريخها ، فإن وصول الوهابيين للنفوذ أوقع الاضطهاد بالأقباط والشيعة والبهائيين وأهل القرآن .

الدولة الدينية ( المذهبية ) لا بد أن تفرض مذهبها الدينى على الاخرين ، وتعاقب من يناقش مذهبها لتصونه من النقد . وهى تعتمد الاكراه فى الدين ، ويزدهر فيها عقوبة المخالف والمذابح الدينية والمذهبية ومحاكم التفتيش الدينية . ساد هذا فى العصور الوسطى ، وانتهى فى الغرب ، وأعادته السعودية الوهابية للمسلمين فى العصر الحديث والراهن  . ونرى نتيجة هذا فى المذابح فى سوريا والعراق ، والمجرم الأكبر فيها هو الوهابية السلفية الاخوانية .

فهل نجعل فى الدستور المصرى قنبلة زمنية تنفجر فى وجه مصر ؟

أخيرا :

1 ـ هذا النصّ على أن ( الاسلام دين الدولة المصرية ) يحوّل مصر الى دولة دينية ظالمة تتناقض مع الاسلام .

2 ـ أعرف أن كلامى هذا سيذهب ـ كالعادة ـ أدراج الرياح . لذا أكتفى بالقول : اللهم بلّغت..اللهم فاشهد .!.

اجمالي القراءات 13933