شريعة التترس فى الأزمة السورية الراهنة

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٥ - سبتمبر - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا : جذور التترس التاريخية والأصولية

1 ـ ليس مثل الاسلام دين فى الحرص على حق الحياة ، يكفى أن القصاص ( النفس بالنفس ) ليس عاما ( البقرة 178)، وأن من حق المؤمن الذى يتعرض للاكراه فى الدين أن ينطق بالكفر لينقذ حياته ( النحل 106)، وأنّ تشريع القتال محصور فى الدفاع ، ولا يتجاوزه ،( البقرة 190 : 194) وأن الحرص على حياة الجندى المعادى فى المعركة تمنع التعرض له لو نطق بكلمة السلام ( النساء 94)، وأنه إذا إستسلم وهو يقاتل فلا بد من تأمينه وإرجاعه الى مأمنه ( التوبة 6).  ولكن ليس مثل المسلمين قوم إستباحوا قتل أنفسهم وغيرهم (باسم الاسلام زورا وبهتانا ) وبتشريعات وضعية أرضية ، أهمها تشريع ( التترس ) ، أو ( تشريع الانتحار للنفس وللغير ) وهو الذى يتجلى الآن فى الأزمة السورية . ولفهم هذا التشريع الدموى فإن أغلب المقال سيبدأ بجذوره سيبد س سسدور  التاريخيه لنتفهم فداحته فى الأزمة السورية .

2 ـ كالعادة ، فإن الفتوحات التى قام بها الصحابة هى أساس البلاء ، وبدأ بها الكفر العملى بالاسلام ، كما أوضحنا مرارا وتكرارا . ويعنينا هنا فى موضوعنا عن ( التترس ) إن التترس بدأ عمليا برسالة خالد بن الوليد الى كسرى : ( جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ). والمعنى هنا أن الصحابة قاموا بتغيير تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام الى قتال هجومى يستهدف من لم يقاتلهم ، بحجة أنهم كفار يجب قتالهم وقتلهم ، ويتم تحريض الجنود بالغنائم الدنيوية وبالجنة فى الآخرة ، أو بالنصر والغنيمة وبالشهادة والجنة . وبالتالى فهم يحبون الموت كما يحب أعداؤهم الحياة .

3 ـ الفتوحات وما تمخّض عنها من تكوين امبراطورية عربية عاتية أسّست وضعا جديدا ، هو تقسيم العالم الى قسمين : معسكر العرب ( المسلمين ) أو دار السلام ، ومعسكر الكفر أو دار الحرب . وفى معسكر السلام يوجد أولئك الذين يحبون الموت كما يحب أبناء المعسكر الآخر الحياة .

4 ـ وفى نفس جيل الصحابة ، وبعد نجاح الفتوحات إختلف الصحابة الى ما يعرف الآن بالسّنة ، والشيعة ثم الخوارج ، وتحول الخلاف الى حروب أهلية طاحنة  بينهم ، كانت تتطرف أحيانا فى قسوتها ووحشيتها على الحروب بين المسلمين والروم . وظهرت هنا أيضا عقيدة ( جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ) ، ولكن بدرجات مختلفة ، كان أشدها تطرفا لدى الخوارج ، وقد إستباحوا قتل المسلمين جميعا من نساء وأطفال ورجال ، وكانوا يهاجمون الكوفة أو البصرة فجأة ، ويهتفون بالحاكمية : ( لا حكم إلا لله ) ثم يقتلون الناس جميعا ، ولا يهتمون بنجاتهم من القتل ، أى هو نفس الحاكمية والقتل العشوائى الذى يمارسه إرهابيو الوهابية اليوم . ومن منطقة ( نجد ) نبع أغلب الخوارج ، ومن ( نجد ) نبعت الوهابية .

5 ـ المستفاد أن إستباحة قتل الخصوم ( فى معسكر العدو ) كان يعنى تحريض الجنود العرب على الاستقتال طلبا للموت أو الشهادة بزعمهم ، ثم فى الحروب الأهلية بين المسلمين إستباح المسلمون دماء بعضهم البعض  . والتطبيق العملى لهذا فى عصرنا أحياه الوهابيون ، وخصوصا الاخوان النجدييين الذين أسسوا لعبد العزيزآل سعود الدولة السعودية الراهنة ، إذا كانوا يقاتلون بإستماتة طلبا للنصر أو الشهادة ، ولا يتورعون عن قتل النساء والأطفال والشيوخ من كل القرى التى يهاجمون أهلها ، وهو نفس ما كان يفعله القرامطة ، وهم أيضا من نفس منطقة ( نجد ) .

6 ـ بدأ الصحابة بالتطبيق قبل التقعيد التشريعى . أى هاجموا وأقاموا امبراطورية ، ثم جاء الفقهاء بوضع القواعد والتشريعات ، فتأسست أديان أرضية كان أهمها السّنة والتشيع ، وإعتنى التقعيد بتشريع ( قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ) فظهر فى الفقه مصطلح ( التترس ) او ( التمترس ) ، وهو يعنى إستحلال دماء المسلمين أنفسهم ، والتضحية بهم لو كان فى ذلك الانتصار على العدو .

7 ـ وكما لم يكن الصحابة والخوارج فى حاجة الى التقعيد الفقهى فإن المستبد الشرقى فى عصرنا لم يكن أيضا محتاجا الى التقعيد الفقهى ،فتمترس مضحيا بقومه وجنده فى سبيل أن يظل محتكرا للسلطة والثروة ، أو ان يصل الى السلطة والثورة . فأصبح للتترس مفهوم جديد .

ثانيا : ملامح للتترس فى تاريخنا المعاصر :

التمترس هو من (الترس) أو الدرع الذي يلبسه المقاتل ليحمى نفسه . وإكتسب مفهوما جديدا إضافيا ، هو أن المقاتلين العرب ( الأبطال ) يحتمون بالمدنيين ، ويضحّون بهم ليحموا أنفسهم من القتل والهزيمة ..فيالها من شهامة .!! والشواهد كثيرة على هذا التطبيق العملى للتمترس أو التترس فى عصرنا . ونعطى ملامح منها :

1 ـ الخومينى قال نفس العبارة لأمريكا ( نحن قوم نحب الموت ـ كما تحبون الحياة ) . والخومينى فى الحرب العراقية الايرانية كوّن فريقا من الشباب المراهق ، أقنعهم بالتضحية بأنفسهم لدخول الجنة . كانت وظيفتهم أن يتقدموا الجيش الايرانى لتصطدم بهم الألغام ، ليطهروا له الطريق للتقدم . كان ممكنا وبسهولة حقن دماء أولئك الشباب ، والتخلص من الألغام بالطرق المعروفة ، ولكن ليس للنفس البشرية حُرمة أو قيمة عند ( رجال الدين الأرضى ).

2 ـ صدأم حسين الذى إقترب من تأليه نفسه ، ولا يزال هناك من يقدّسه ، لم يتوان فى إقامة مذابح للشيعة والأكراد . وليغطى على هزيمته فى ايران ، وليحمى نفسه من المساءلة أسرع بشغل الجيش بغزو الكويت ، وبعد هزيمته فى الكويت أقام مذابح للشيعة . وفى الحرب العراقية الايرانية جرى تدمير المدن على الجانبين . ونفس الوحشية ارتكبها صدام فى غزو الكويت . كلها تجليات للتترس ، أى يحمى المستبد نفسه ، بأتخاذ قومه والآخرين درعا يحتمى به ، ورهائن عند اللزوم .

3 ـ حزب الله يعرف أن تكلفة مناوشاته مع اسرائيل سيدفعها اللبنانيون ، وبعضهم لا ناقة لهم ولا جمل فى هذه الحرب مع اسرائيل ، ويريدون مجرد العيش بسلام ، ولكن حزب الله يشعل الحرب مع اسرائيل ، ويقع ضحيتها آلاف اللبنانيين من سائر الطوائف الذين يتخذهم ( نصر الله ) درعا وترسا يتترس بهم .

4 ـ شهرة ( حماس ) فاقت الجميع ، فهى تضرب وتختفى فى عُمق التكاثف السكانى فى غزة ، ولا تتورع عن استخدام المنازل السكانية والمستشفيات والمساجد وسيارت الأسعاف وسيلة للضرب والاختفاء . وتضع اسرائيل بين خيارين أحلاهما مُرّ : أما أن تضرب ، ومهما صوّبت التدقيق فالاحتمال قائم بوقوع ضحايا مدنيين ، وإما أن تسكت ولا ترد على الهجوم .

5 ـ تعلم الاخوان فى مصر هذا التترس ، ففى إعتصام رابعة والنهضة ، أخذوا السكان رهائن ، وحشدوا الاعتصام بالنساء والأطفال ليحتموا بهم ، ووضعوا السلطة المصرية بين الانصياع لهم أو المجازفة بفض الاعتصام وما يعنيه من قتل النساء والأطفال وتدمير المسجد .  

ثالثا : التترس والأزمة السورية الراهنة :

1 ـ بدأ الربيع العربى فى تونس ثم مصر وانتقل الى ليبيا ، ثم الى سوريا . خسر بن على ومبارك سريعا لأن الخصوم كانوا حركات سياسية مسالمة تتلقى الضربات وتتحمل متمسكة بالسلمية فكسبت التعاطف . انتصرت الحركات المسالمة لأنها إستعملت (قوة الضعف ) فى مواجهة ( ضعف القوة ). وقد سبق أن دعونا الى إستعمال قوة الضعف فى مواجهة قوة المستبد الغاشمة فى الحوار المتمدن فى مقال بعنوان : (  الى المعارضة المصرية : استغلوا قوة الضعف لتواجهوا ضعف القوة ) بتاريخ 10 اكتوبر 2005 )، ثم نشرناه لاحقا فى موقعنا ( أهل القرآن ) بعد تأسيسه .

2 ـ التيار الارهابى الوهابى السلفى إختطف الثورة التونسية والمصرية ، فألهم الرئيس بشار بالحل المناسب لمواجهة ثورة الربيع السورية ، فقد فتح حدود سوريا مع العراق وغيرها ليأتى أفواج الارهابيين من أبناء لادن ، فإنسحب الثائرون المسالمون ، وتحولت الثورة السورية الى معارك أهلية طاحنة بين الشيعة أتباع الأسد والسّنة من الاخوان والسلفيين السوريين والمجاهدين من القاعدة وأخواتها ، وبتأييد السعودية ، محور الشّر . أصبحت لبشار حُجة قوية فى مواجهة الارهاب السّنى الوهابى ، وهو ارهاب سيىء السُّمعة ، ولم تكن له من قبل حجة فى مواجهة الاصلاحيين المسالمين .

3 ـ وهنا إزدهرت تطبيقات ( التترس ) لدى المتحاربين ، وأصبح الشعب السورى ضحية لهما . ليس فقط لأن الفريقين المتصارعين يقومان بها ضد بعضهما ، ولكن الأهم إنها حرب وجود ، وليس مجرد معركة فى سبيل الحكم . الحرب فى سوريا بين الشيعة النصيرية العلوية الحاكمة ، وهى أقلية تمثل نحو خُمس السكان ، ضد الأغلبية السّنية ومن يتبعهم من الأكراد السوريين الناقمين على حكم بشار وطائفته . هزيمة بشار لا تعنى فقط  قتله هو وأسرته ، ولكن تعنى إستئصال الملايين من الشيعة السوريين ، وتقسيم سوريا نفسها . الحل الوحيد أمام بشار هو الضرب بكل قوة وبكل قسوة ، وعند الشعور بالهزيمة وإقتراب النهاية فسيلجأ الى سلاح الدمار الشامل .  والتقارير الدولية تؤكد أن لديه مخزونا هائلا من الغازات السامة تكفى لقتل سكان الشرق الأوسط . ويمكن أن يرسل بقذائفه هذه الى قطر والسعودية واسرائيل ليحيل الشرق الأوسط ومنابع البترول الى جحيم . فكيف بالسوريين السنيين ، وهم رهائن لديه بإمتلاكه هذا السلاح الكيمائى ؟ . وأعتقد أنه جرّبه متبعا سياسة ( الحافة ) ، أى أن يضع أوباما والغرب فى حالة هياج ، ويطلقون التصريحات ، ثم بعدها يراجعون أنفسهم لأن التدخل الدولى هنا لن يترتب عليه فقط إبادة بشّار وقومه بل أيضا إحتمال قوى بإبادة السوريين والاسرائيليين

4 ـ أى إنّ وجود ( إسرائيل ) والخوف عليها هو الذى يمنع الغرب وأمريكا من ضرب بشّار بقوة وبسرعة . كان الخوف على اسرائيل هاجسا قويا منع غزو العراق والتخلص من صدام ، ولما تأكّد الغرب من جاهزية اسرائيل جاء القرار بضرب العراق والتخلص من صدام . ولكن الهاجس هنا أقوى ، فالحدود مشتركة بين سوريا واسرائيل ، وضرب بشار لاسرائيل سيخلق له أنصارا ويجعله بطلا ، وربما يكون عذرا للتغاضى عن وحشيته طبقا للحُمق العربى المعتاد وثقافة العبيد السائدة لدى العرب الذين يتولهون فى عبادة المستبد وتلمُّس الأعذار له . فعلوا هذا مع صدام ، ومع القذافى .. وسيفعلونه مع بشّار .

5 ـ وعلى كل حال فإن شريعة التترس لها تجلياتها فى الموقف الدولى الغربى . وصل التترس السّنى الى الاضرار بالمعسكر الغربى فى حوادث ارهابية مشهورة فى الحادى عشر من سبتمبر ، ولندن ومدريد . وقرر الغرب أن يحصر الارهاب داخل موطنه الأصلى بتشجيع الاخوان وسائر تنظيماتهم السلفية الوهابية للوصول الى الحكم لتتحول المنطقة الى حروب مذهبية بينية ( شيعة وسّنة ) . ولأن إطالة أمد الحرب يقيم إقتصادا للحرب تستفيد منه مصانع الأسلحة الغربية ، فيأخذ الغرب البترول بأرخص الأسعار ويعطى المقابل أسلحة يقتل بها العرب أنفسهم ، لتوفير العناء عن الاسرائيليين والأمريكيين ..أى من مصلحة السياسة الأمريكية أن تزيد النار إشتعالا فى سوريا ، ولكن الخوف هو أن تمتد شرارة الاشتعال الى اسرائيل ، عبر الجولان ولبنان وحتى إيران . ولذلك فإن ضرب سوريا سيبدأ عندما يتأكد الغرب وأمريكا من أنه لا ضرر سيلحق باسرائيل ، وربما تبدأ الضربة بتدمير منصات إطلاق الصواريخ الموجهة لاسرائيل لتأمينها أولا .

6 ـ من المضحكات المُبكيات أنه لولا وجود اسرائيل لتم ضرب سوريا من زمن طويل .. ( وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ .)(216) ( البقرة )

أخيرا : أعدى أعداء العرب هو المستبد العربى الذى يعيش على تراث دينى فاجر كافر باغ طاغ . فمتى ينظر المستبد العربى فى المرآة ويبصق فى صورته ؟ 

اجمالي القراءات 11310