تليفزيون الناس الغلابة

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٢٨ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أولا :

نشرت لى جريدة الاحرار فى الصفحة الثانية بتاريخ 19 ابريل1993 ، فى سلسلة ( قال الراوى ) هذا المقال ، بعنوان : ( تليفزيون الناس الغلابة ) قلت فيه  :

( لو كان خاتم النبيين عليه السلام ـ حيا لكان جهاز التليفزيون هو أخطر أدواته فى الدعوة ، ونقول لمن يتهم التليفزيون بالإفساد والفساد أن الوسائل والأدوات محايدة لاتخضع لقاعدة الحلال والحرام ، وإنما يلحق الحرام والحلال بكيفية استخدامها، فالسكين أداة منفعة وهى أداة

قتل وظلم، وكذلك التليفزيون قد يكون أداة للتنوير أو وسيلة خطيرة فى التدمير ، المهم كيف نستخدمه، ومن أولئك الذين يستخدمونه ؟، ولقد قيل كلام كثير عن البرامج الدينية فى التليفزيون وأثرها العكسى فى نشر التطرف والتعصب عن سوء  نية أو سلامة قصد، وربما كان ذلك حجة قاطعة لأولئك الذين يرفضون تخصيص قناة تلفزيونية خاصة بالبرامج الدينية ، وعذرهم فى ذلك الارتباط الواضح بين التوسع فى البرامج الدينية فى وسائل الإعلام والتوسع فى نشر دعاوى التطرف والتعصب بين الجماهير والشباب المتدين ، وكلهم يعتمد فى معلوماته الدينية على ما يصل إليه من قنوات الاعلام ، ومن الطبيعى أن الأحوال ستكون أخطر اذا ما أ تيحت الفرصة للوجوه نفسها أن تسيطر على قناة تليفزيونية كاملة .

ونعيد التأكيد على ماقلناه نفسه من أن جهاز التليفزيون ليس مسئولا ، وإنما المسئول هم أولئك الذين يستخدمونه لا للتوعية الحقيقية ولكن لإرجاع  المفاهيم التى تخالف صحيح الإسلام . إن الإسلام ـ دين الله العظيم ـ ليس مرحلة تاريخية تنتمى للقرون الوسطى، ولكنه دين إلهى يعلو فوق الزمان والمكان ، ويسيرمع البشر  فى كل زمان ومكان ، وإذا كان التراث قد ظلم الاسلام ـ وذلك مانعتقده عن دراسة وتحقيق ـ فإن الإسلام يتجلى فى عصر العلم من خلال آيات القرآن.  ولامحل هنا لخوف الخائفين من الربط بين آيات القرآن العلمية ومخترعات عصرنا ، فإن مجال الاعجاز العلمى للقرآن الكريم أصبح يضم كوادر جديدة ويفتح أبوابه لاستقبال المزيد . ولاشك أن احتمال الخطأ البشرى فى فهم الآية والربط بينها وبين الحقائق العلمية أمر وارد، ولكن وجود مدرسة تليفزيونية للاعجاز العلمى للقرآن الكريم من شأنه أن يصحح الأخطاء ويعيد فهم الآيات القرآنية الخاصة بالاعجاز العلمى على " أسس جديدة "، فضلا عن توجيه الشباب المتدين إلى مجال جديد يباعد بينه وبين التطرف بالقدر نفسه الذى يربطه بايقاع العصر ؛ وهو عصرالعلم والمكتشفات التكنولوجية، ويربطه فى الوقت نفسه بالإسلام الصحيح الذى يدعو للعلم .

   وكم أتمنى أن تنشأ قناة تليفزيونية خاصة بالاكتشافات العلمية والاختراعات .  وهناك فى العالم المتقدم قنوات خاصة بذلك لعل أهمها قناة "Discovery  " وهى تنتج أفلاما تليفزيونية تبحث فى عالم الحيوان  والطيور والحشرات والبحار والفضاء ، ويمتد نشاطها إلى الحفريات القديمة والآثار والحضارات القديمة والأجناس والسلالات  والفولكلور ، وتلك القنوات التليفزيونية ترسل بعثاتها تنقب فى الصحراء والوديان والبحار والجليد ، فى صبر ودأب يستمر أحيانا عدة سنوات ، ثم تعرض الاكتشافات فى صورة علمية مبسطة مشوقة ، وتحظى باقبال المشاهدين وتنمى فيهم حب الاستطلاع والمعرفة.

وإذا أثر التليفزيون المصرى الانحياز إلى جانب الغلابة الذين يتطلعون للحاق بالقرن الحادى والعشرين فعليه أن يسارع بتخصيص قناة على مثال " Discovery"  تستورد الأفلام الوثائقية والعلمية وتقوم بترجمتها بدون حذف أو مونتاج أو تضييع لصوت المعلق أو المؤثرات الصوتية ، ثم يستضيف أحد علمائنا المتخصصين يعلق على الفيلم فى النهاية . ولابأس من استضافة  بعض علماء الدين المستنيرين إذا كان هناك ربط بين موضوع الفيلم والاعجاز

العلمى فى القرآن الكريم . بذلك تقدم خدمة جليلة للإسلام ولمستقبل هذا البلدـ ونقدم نموذجا لعالم الإسلام الحقيقى الذى يعيش المستقبل ولايقتصر على اجترار التراث الماضى ونثر بذور الفتنة والفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

أخيرا

 1 ـ لا شكّ أننى حين كتبت هذا المقال كنت حسن النيّة متصورا أن هناك من يريد الخير لبلده وللاسلام والمسلمين . كنت ساذجا ومخطئا ، فقد حدث العكس ؛ سيطر الشيوخ على الاعلام والتليفزيون بالذات حيث يتلقى معظم الشعب ثقافته الدينية من المساجد والبرامج الدينية والمسلسلات التراثية التاريخية . ونشأ جيل يؤمن بما تعلمه من الاعلام ، وجاءته الفرصة ليطبق ما آمن به ، ونشهد الآن آثار هذا التطبيق للشريعة السّنية فى الشوارع والمدن وعلى الأجساد .

2 ـ نشرت هذا المقال منذ أكثر من عشرين عاما ، أحذّر من شيوخ الفتنة ، وكنت أكرر وقتها تعبير ( إن الشيطان يختبىء خلف كثير من العمائم واللحى ) وكانت العمائم واللحى فى إنتشار كالوباء . ولم يهتم أحد كالعادة. وعشت لأرى نجاح ساحقا لشيوخ الفتن والافتراء على النبى بالأحاديث المسمّاة زورا وبهتانا بالسّنة ، الذين لم يقتصروا على سيطرتهم على التليفزيزن الحكومى ، بل أنشأوا لهم قنوات فضائية يبثون فيها سمومهم باسم الاسلام ، ونجحوا فى أن جعلوا أتباعهم أتباع الشيطان يحرقون بلادهم فى مصر وسوريا وتونس ..الخ .. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، فقد زيّن لهم الشيخ الأكبر ابليس سوء أعمالهم ، وجعل الكبائر من الآثام جهادا وطاعة ، وهم يقترفون القتل والتخريب ويهتفون ( الله اكبر ).

2 ـ ينطبق عليهم قول الله جل وعلا : ( اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمْ الْخَاسِرُونَ (19) المجادلة ) هم حزب الشيطان ، ومن سخرية شيخهم إبليس بهم أنه فى إستحواذه عليهم يجعل ذكر إسم الله على ألسنتهم هو بالعصيان لله جل وعلا ، وليسوا مّن المؤمنين حقّ الايمان الذين إذا ذكر إسم الله وجلت قلوبهم :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4) ) ( الأنفال ).

3 ـــ ـولا يزال الشيوخ الأبالسة أتباع الشيطان فى مجدهم يقودون بلادهم الى الخراب ، ولا يزالون ينشرون الأحاديث الشيطانية على أنها سُنّة نبوية ، لا يزالون كما هم أعداء الأنبياء . يبلغ أحدهم أرذل العمر كالقرضاوى ومن هم على شاكلته ، وهم كشيخهم إبليس لا يقدمون إستقالتهم .!

اجمالي القراءات 9901