إنت يهودى ..إنت ماسونى ..إنت صليبى .!!

آحمد صبحي منصور في الإثنين ٢٦ - أغسطس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

مقدمة

جاءنى سؤال عن شيخ تونسى يقول إن الوهابية حركة صهيونية صليبية ، وتساؤل أخر عن حقيقة ما قاله العقاد فى إتهام حسن البنا بأن جده من يهود المغرب وهاجر الى مصر . فهل هذا صحيح ؟.

أرد هنا عليه بأن الوهابية هى تجديد لحركة الحنابلة فى العصر العباسى ولحركة ابن تيمية فى العصر المملوكى  . هذا هو حديث العلم . أما نسبة رءوس الوهابية الى النسب اليهودى فهذا حديث الجهل والجهلاء. ونعطى بعض التفصيل :

أولا : لمحة تاريخية

1 ـ هذا نوع من الشائعات العلمية والتاريخية يفتقر للأدلة . ومنها إتهامات جاهزة للخصوم بأن أصولهم يهودية للحطّ من شأنهم وتحقيرهم ، خصوصا فى النزاعات السياسية والدينية . وهذا الافتراء عريق فى تاريخ الخصومات السياسية خصوصا حين تعتمد الثقافة السياسية والدينية على أهمية النسب . مثلا ، كان سند العباسيين أنهم الأحق بالحكم لأنهم الأقرب للنبى ( أبناء عمومته ) من ( الطالبيين ) الذين ينتسبون لابنته فاطمة . وأهمل العباسيون أن أبا طالب هو العم الشقيق للنبى ، وزعموا أنه مات كافرا ، فلا يُعدُّ فى موضوع النسب . و قامت الدولة الفاطمية فى تونس ، واكتسحت حتى أقامت ملكها فى مصر وضمت الشام وأجزاء من العراق ، وعجز العباسيون عن مواجهتها حربيا فأشاعوا أن الفاطميين أصلهم يهودى ولا ينتسبون لآل البيت ، وقد رفض العلامة عبد الرحمن هذا الاتهام ، وفنّده فى ( المقدمة ) . وفى نفس الوقت فقد شاع إنتحال النسب لآل البيت على الطريقة الشيعية لأغراض سياسية ، وكل من يزعم أنه ( المهدى المنتظر ) لا بد أن يرصّع زعمه بنسب الى آل البيت .  وقد كانت نقابة الأشراف فى العصرين المملوكى والعثمانى شديدة التأثير دينيا واجتماعيا ، ساعدها تسيّد التصوف ، إذ أصبحت عادة سيئة للصوفية وأوليائهم الزعم بالانتساب لآل البيت مهما كان جنسه وعرقه . ويلحق بهم مئات الألوف من الأسر العربية تزعم الانتساب لآل البيت فى مصر ( الصعيد بالذات ) والسودان والشام والعراق . بل هناك مئات الالوف من العائلات فى اندونيسيا وشرق آسيا يزعمون أنهم من أصول عربية ، ويؤسسون على هذا الزعم أنهم أشراف ..

2 ـ وبعض الحكام يستهويه هذا النسب ، ومن المضحك أن هذه الفكرة جاءت للملك فاروق عندما شعر باهتزاز عرشه فى مصر ، فأطلق لحيته ، وطلب أن يكون له نسب هاشمى ، ولم يكن للملك فاروق أصل مصرى أو عربى سوى إحدى جداته التى تصادف أنها مصرية ، فزعموا أنها من آل البيت ، وتبارى منافقو القصر فى التغنى بالملك فاروق صاحب النسب الشريف حفيد النبى . و لم يلبث الملك فاروق أن تضايق من لحيته فحلقها ، وقال : إن السيدة زينب جاءته فى المنام وقالت له إن ( دمّه تقيل ) بهذه اللحية وطلبت منه أن يحلقها فحلقها .!! والقذافى فى آخر شطحاته إستهوته الدولة الفاطمية ، بعد أن تجول وتنقل من القومية العربية الى القومية الاسلامية والقومية الأفريقية . وعندما إنتهى به المطاف للدولة الفاطمية زينوا له أن ينتسب لآل البيت . والحق يقال ؛ فقد تنزّه عن هذا الزعم السعوديون ، فهم يتمسكون بإنتمائهم الى قبيلة عنزة ، من قبائل ربيعة .

3 ـ ولكن الاتهام للخصوم بأنهم يهود وماسونيون وصليبيون يقع فيه الوهابيون وأعداؤهم أيضا .  الكارهون للسعوديين  يزعمون أن الأسرة السعودية من أصل يهودى ، وأنه قد هاجر جدهم ( الذى جعلوه تاجرا و أسموه مردخاى ) من البصرة الى نجد . والعادة ان يهاجر اهل نجد الى العراق وليس العكس .  وقد روّج لهذا الزعم المناضل ناصر السعيد فى كتابه ( الممنوع ) عن تاريخ آل سعود . وليس هناك دليل علمى على ذلك . وهناك كتاب مؤلفه مجهول هو عبارة عن قصة تصلح سيناريو لفيلم من افلام هوليود يتهم فيه المؤلف المجهول الشيخ محمد بن عبد الوهاب بأنه كان يهودى الأصل وعميلا للاستخبارات الانجليزية لهدم الكعبة ، وتسيطر عليه إحدى عميلات الاستخبارات البريطانية . وهذا إفتراء .

4 ـ وقالوا إن الأسرة الهاشمية التى تحكم الأردن الآن أصلها جدّ يهودى إسمه ( جدعون ) وليس الشريف عون، وأنهم لا ينتمون الى آل البيت. هذا خطأ فادح . فالأشراف هم الذين كانوا يحكمون مكة والحجاز من أواخر العصر العباسى وحتى العصرين المملوكى والعثمانى ، وكانوا فى نزاع مستمر بينهم ، ويحسم السلطان المملوكى ثم العثمانى إختيار أحدهم واليا على الحجاز. وكل من هؤلاء الأشراف المتنازعين معروف النسب أبا عن جد ، بحيث يستحيل أن يتسلل اليهم من ينتسب الى العباسيين أو الى (عمر ) أو أبوبكر أو عثمان ، فكيف ينتسب اليهم من هو يهودى ؟.. وأخيرا  جاء من نسلهم (الشريف حسين ) حاكم الحجاز . وقد كان طموحا يريد زعامة العرب ، فإنتهز فرصة الحرب العالمية الأولى فانقلب على العثمانيين وتحالف مع خصومهم الانجليز الذين أطمعوه فى جعله خليفة المسلمين ، وقد إحتاجوا له بسبب نسبه ( الشريف ) وحكمه الحجاز لكى يقطع على الأتراك العثمانيين تهييج مسلمى الهند ضد بريطانيا فى الحرب ، وفعلا أعلن الشريف حسين الثورة على الدولة العثمانية ، وأتهم العثمانيين بالكفر فعطّل الدعاية العثمانية ضد انجلترة فى الهند ، وعطل دعايتهم ضد فرنسا فى شمال افريقيا ، فلم تنشب ثورات ضد فرنسا وانجلترة فى تلك المستعمرات التابعة لهما وقت الحرب العالمية الأولى . وإنتصرت بريطانيا وفرنسا فى هذه الحرب فحنثتا بوعودهما ، وقسمتا الشام والعراق فى اتفاقية سايكس بيكو ، وتخلت بريطانيا عن وعودها للشريف حسين ، بل وتركته يسقط وينهزم أمام عبد العزيز آل سعود الذى استولى على الحجاز .ولجأ الشريف حسين الى قبرص كسيرا حزينا . فعوّضته بريطانيا بأن جعلته أولاده يحكمون العراق وسوريا والأردن . ولازال أحفاده يحكمون ( المملكة الأردنية الهاشمية ) فقد  أسست لابنه عبد الله إمارة شرق الاردن ، إقتطعتها من السعودية و( الكرك ) وفلسطسن لتكون دولة حاجزا يحمى دولة اسرائيل المزمع إنشاؤها ، ومن نسل عبد الله بن الشريف حسين كان حفيده  الملك حسين ، وتولى بعده إبنه عبد الله الثانى الحالى . ومن الطريف أن خصومه يزعمون  أيضا أن أمه الانجليزية يهودية .

5 ـ من ناحية أخرى قال الاخوان عن كمال أتاتورك العلمانى المتطرف أنه من يهود الآستانة ، وقالوا عن القذافى أن أصله يهودى ، وقالوا عن عبد الناصر أن أمه يهودية ، وقالوا عن السادات أن أمه من يهود الفلاشا ، وأخيرا قالوا عن الفريق السيسى القائد العام للقوات المسلحة المصرية إنّ أمه يهودية مغربية!.    

ثانيا : بعض ملاحظات :

1 ـ كون فلانا يهوديا ليس عيبا فيه ، فليس الانسان مسئولا عن أصله ونسبه . هو مسئول عن عمله وسلوكه .

2 ـ  قلنا إن المصطلح القرآنى ( اليهود ) مفصود به الضالين فقط  من بنى اسرائيل ( البقرة 113 ،  120 ) ( المائدة 18 ، 51 ، 64 ، 82 ) ( التوبة 30 ـ ) . وقلنا إن أهل الكتاب وبنى إسرائيل ( طبقا للقرآن ) هم ثلاث درجات ، منهم السابقون ومنهم المقتصدون ومنهم الضالون ، (آل عمران 112 / 116 ، 199 ، النساء : 160 : 162 ) ( المائدة 66 ،44 : 45) ( الاعراف: 159 ،  168 ) ( السجدة  23 : 24 )( الجاثية 16 : 17 ) ، وأنّ هذا التقسيم ينطبق علينا ( فاطر 32 )، وسينطبق يوم القيامة على عموم البشر . ( الواقعة  7 ـ  ).

3 ـ أجلى الخليفة عمر أهل الكتاب من بنى اسرائيل من الجزيرة العربية ظلما وعدوانا ، لم يشمل القرار القبائل العربية التى إعتنقت المسيحية كقبائل كلب وغيرها لأنه كانت تعيش على تخوم العراق والشام. تم تطبيق القرار على من سكن الجزيرة العربية ، وكان أغلبهم من بنى إسرائيل خصوصا من اهل اليمن . ونتج عن هذا ثلاث نتائج : ( 1 )  دخول بعض الاسرائيليين الى الاسلام للبقاء فى أوطانهم والكيد للمسلمين ، مثل كعب الأحبار وعبد الله بن سبأ ، وقد أسهم هذا الصنف فى الفتنة الكبرى التى وقع فيها الصحابة، وهم من مؤسسى الدين السّنى ( كعب الأحبار ) ومن مؤسسى الدين الشيعى ( عبد الله بن سبأ ) ويحمل التفسير والحديث والسيرة بصماتهم فيما يعرف بالاسرائيليات .  (2 ) إنسياح بنى إسرائيل فى دولة الخلافة ومشاركتهم الفعّالة فى تاريخ المسلمين وحضارتهم منذ الدولة العباسية ، ( 3 ) شيطنة بنى إسرائيل ، فصاروا كلهم يحمل لقب ( اليهود ) الذى يعنى الضلال فى مصطلح القرآن ، بينما تم تجاهل الآيات التى تمدح الصالحين من بنى اسرائيل ومن أهل الكتاب .

4 ـ برغم هذا كان ( بنواسرائيل ) أو ( اليهود ) جزءا فعّالا فى تاريخ المسلمين وحضارتهم ، وكانوا أقرب للمسلمين فى العقيدة التوحيدية . وتفاعلهم مع المسلمين كان بالايجاب والسلب ، اى فى العلوم وأيضا فى الفتن والتقلبات السياسية التى كانوا طرفا فيها من الفتنة الكبرى وما تلاها . وتعرضوا مثل المسيحيين والشيعة للاضطهاد منذ عصر الخليفة المتوكل .

5 ـ والى عهد قريب كان اليهود ( الاسرائيليون ) من أعمدة الثقافة والفن والاقتصاد المصرى ، الى أن قامت دولة اسرائيل ، فتغيرت النظرة الى كل اليهود ، وقام عبد الناصر بطرد اليهود المصريين ، وتبعه آخرون من الرؤساء العرب، وأسس عبد الناصر القومية العربية على منوال الحركة الصهيونية القومية . وفشل . وادى الصراع العربى الاسرائيلى الى تعميق الكراهية لكل اليهود . وتجاهل الجميع مئات الايات القرآنية عن بنى اسرائيل وإنبياء بنى اسرائيل ، والصالحين والمقتصدين والضالين منهم .

6 ـ يجب أن تسود النظرة الموضوعية القرآنية فيما يخصّ  بنى إسرائيل وغير المسلمين ، فليسوا كلهم ملائكة ، وليسوا كلهم شياطين ، ونحن كذلك ، فينا هذا وذاك شأن كل البشر. والأهم هو المبدأ القرآن ( الّا تزر وازرة وزر أخرى ) ، فلا يعنى أن يخطى فرد أو قبيلة أو جماعة أن نحكم بخطأ كل من ينتمى اليهم بالنسب أو الملة . وبالتالى لا يجوز أن نتهم خصما لنا بأنه يهودى أو من اصل يهودى للتشنيع عليه مستخدمين هذه الثقافة المتخلفة فى كراهية كل من يعتنق اليهودية .

7 ـ ولنتذكر أن : معنى الاسلام في معناه القلبي الاعتقادي هو التسليم والانقياد لله تعالي وحده . وليس لأحد من البشر ان يحاسب انسانا بشأن عقيدته ،والا كان مدعيا للالوهية.والقرآن يؤكد علي تأجيل الحكم علي الناس في اختلافاتهم العقيدية الي يوم القيامة والي الله تعالي وحده (2/ 113)(3/ 55) (10/ 93،) (16 / 124) (5/ 48 ) (39/ 3،7،46).هذا هو معني الاسلام الباطني القلبي الاعتقادي ، هو فى التعامل مع الله تعالي استسلام وخضوع له بلغة القلوب ،وهي لغة عالمية يتفق فيها البشر جميعا، وعلي اساسها سيكون حسابهم جميعا امام الله تعالي يوم القيامة. اما الاسلام في التعامل الظاهري فهو السلم والسلام بين البشر مهما اختلفت عقائدهم :( البقرة 208 ) .ونتذكر هنا تحية الاسلام وهي السلام وان السلام من اسماء الله تعالي، كل ذلك مما يعبر عن تأكيد الاسلام علي وجهه السلمي .  ولنتذكر أن الشرك والكفر يعنيان معا الظلم والاعتداء. وقد وصف الله تعالى الشرك بالله بأنه ظلم عظيم (13 / 31) فأعظم الظلم أن تظلم الخالق جل وعلا وتتخذ الاها معه ، وهو خالقك ورازقك، وهذا طبعا فى العقيدة والتعامل مع الله. أما فى التعامل مع البشر فإذا تطرف أحدهم فى ظلم الناس بالقتل والقهر واستخدام إسم الله جل وعلا ودينه فى الظلم والاستبداد ومصادرة الحقوق الأساسية للانسان فى المعتقد والفكر أصبح هذا الظالم مشركا كافرا بسلوكه وتصرفه وتعامله الظالم مع الناس ، ولا شأن لنا بما فى قلبه أو بعقيدته التى يتمسح بها أو يعلنها. نحن هنا نحكم فقط على جرائمه الظاهرة من قتل للابرياء واعتداء على الآمنين وقهر للمظلومين . أما عقيدته وعقائدنا فمرجع الحكم فيها فالى الله تعالى يوم القيامة. وعليه فكل إنسان مسالم فهو مسلم ، سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو سنيا أو شيعيا أو صوفيا أو بوذيا أو ملحدا. عقيدته هو مسئول عنها أمام الله جل وعلا ، أما الارهابى الذى يقتل الناس باسم الله على انه جهاد فى سبيل الله فهو كافر بسلوكه . والخلاصة : قل لكل مسالم أنت مسلم ، وقل لكل ارهابى أنت كافر طالما ظل متمسكا بعقيدته فى استحلال قتل الأبرياء . 

اجمالي القراءات 17771