في سبيل أن يتراجع المكاء والتصدية ، وليحتل العمل المرتبة الأولى
إن أخوف ما يجب أن نخافه ، هو أن يكون في صلواتنا قليل أو كثير من المكاء والتصدية.

يحي فوزي نشاشبي في الثلاثاء ٠٩ - يوليو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم  الله  الرحمن  الرحيم 

إن أخوف  ما  يجب  أن  نخافه، هو أن يكون في  صلواتنا قليل  أو  كثير  من  المُــكاء  والتصدية. 

      من المعتاد أن شهر رمضان يتحول إلى ما يمكن تسميته بدورة مغلقة  تشتمل على شتى الممارسات الدينية التعبدية، ابتداء من تلك العبادة الأم التي نصحنا الله  بها عندما قال: (... وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ).184 – البقرة –

        ومن المعتاد، أيضا، أن نلاحظ أن الجميع يتأهبون لذلك، ويتبادلون التهاني والأماني، ويلتمسون من الله العون للقيام بذلك الإنجازالعظيم على أحسن وجه، واضعين ثقتهم التامة في الله سبحانه وتعالى الذي يقول ( ..... لو كنتم تعلمون) أي لو كنتم مطلعين على مدى وحجم ووزن خير رمضان.

      ومن المعتاد -كذلك– أن نلاحظ ونرى أن جلّ المساجد والمنابر تستعدّ  أيما استعداد لتوضيح أصواتها وتنقيتها لتنطلق بكل عنفوانها عبر فوهات آلاتها وأجهزتها، لتملأ الدنيا تلاوة لحديث الرحمن الرحيم الذي أنزله في ليلة القدر.

      كما أنه أصبح من المعتاد، ومنذ سنوات عديدة أن تذاع جلّ الصلوات والخطب، بما فيها خطبتي الجمعة عبر فوهات مكبرات ومضخمات الصوت لتغزو كل الأجواء في آن واحد، متسابقة، متقاطعة، متناطحة، متنافسة. وباختصار، من الملاحظ أن شهر رمضان بصفة أخص يتحول إلى فرصة أو ميدان تتبارى فيه الأصوات وإلى درجة أنها تتجاوز وتنتهك كل الحدود والمسافات، وتتحول إلى ما لا تحمد عقباه، وتبتعد كثيرا عن الحكمة التي أتاها الله عبده لقمان – عليه السلام – الذي لقنها ابنه وهو يعظه. (سورة لقمان – الآية رقم 19).

        وعندما نتدبر تعاليم الله في مختلف آياته، ألا يؤدي بنا الفهم إلى أن مقصد الله من العبادة الحقيقية والوحيدة والمعتبرة هي في تراجع الصوت والضوضاء والجلبة والصخب ؟ وهي إعطاء الدرجة الممتازة للعمل، ولا شئ غيرالعمل ؟

      والبشرى من الله !ألم تـُوجه إلى أولئك الذين ءامنوا وعملوا الصالحات؟  وإلى أصحاب الجنة ؟ وإلى أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ؟  وأن ذلك هو وعد من الله ؟ .

      ثم إن خير البرية!ألا يكونون هم أولئك الذين بتصفون بتلك الصفات الممتازة من الحكمة التي أتاها الله نبيه لقمان؟ من عدم الشرك بالله - وكيف أن عدم طاعة الوالدين بالذات، يتحول إلى طاعة لله الواحد القهار، في حالة ما إذا جاهد الوالدان في سبيل أن يشرك الولد بالله ؟ ومع ذلك ألا يكون ملفتا وجميلا جـــدا عندما دعا الله العلي العظيم  إلى ذلك الخلق العالي النبيل الممتاز وهو مصاحبة الولد للوالدين في الدنيا معروفا على الرغم من محاولتهما جاهدين على أن يدفعا ابنهما ليشرك بالله ؟                                                                   

      وباختصار، فإن الحكمة التي قالها لقمان واعظا، ألا يمكن إدراجها في تلك القيم الإنسانية الحضارية العليا ؟ من حقوق الإنسان، أي إنسان، في الحرية وفي عدم الغفلة والنسيان بأن الله خلق ءادم  وبنيه وكرمهم ؟

      ولنرجع إلى صميم موضوعنا وهو ماذا يحدث في عالمنا نحن المسلمين؟ وماذا يحدث لنا؟ وماذا نـُحدث نحن لإنفسنا ولغيرنا ؟

      وإن أخوف ما نخافه هو أن نكون مع كل ذلك، وبعد كل ذلك معرضين إلى أن نصبح ضحايا تلك المفاجأة الكبرى، التي يواجهها ذلك الظمآن عندما يكتشف أن الماء الذي انطلق إليه، ما هو إلا سراب .

      وإن أخوف ما نخافه هو أن نكون مع كل ذلك، وبعد كل ذلك من تلك الفئة المصوّتة المصفـرة المصفقة التي وصفها الله قائلا:(وما كان صلاتهم عند البيت إلا  مكاء  وتصدية فذوقوا العذاب بما كنت تكفرون ) سورة الأنفال – 35 –

        وإلا فبماذا يمكن وصف تصرفاتنا ؟ ألا تكون خطبنا الرنانة الضخمة بأصواتها الغازية كل الأجواء بما فيها تلك الأصوات في صلواتنا، ألا تكون ممزوجة من حيث ندري أو لا ندري بشتى أنواع الرياء، والتفاخر، والإستفزاز  وتزكية النفس والعجب والتكبر، وحتى من التقليل من شأن إخوان مؤمنين مثلنا  لا ذنب لهم إلا لأن إيمانهم  يترجمه تعبد نراه غريبا ومن  شكل ثان ؟ ألا يكون في كل ذلك إيحاء ما إلى تلك الرواية التي تقول إن الفرق السبعين أو أكثر من السبعين، كلها في النار ما عدا واحدة !

      وقبل كل شئ - وهذا هو الأهم وبيت القصيد-  ألا  تكون تصرفاتنا تجاهلا، بل عصيانا (بواحًا) لتعاليم الله  سبحانه وتعالى عندما أمرنا قائلا :

      (قل أدعوا الله  أو ادعوا  الرحمان أيا  ما  تدعوا  فله الأسماء  الحسنى ولا  تجهر بصلاتك  ولا  تخافت  بها وابتغ  بين  ذلك سبيلا ).الإسراء 110.

         ومن المفارقات المضحكة، بل حتى المبكية، أن نتصور ما كان وما يحدث وما سيحدث حتما، عندما ينطلق الإمام في صلاته بتلاوة القرءان من وراء تلك الأجهزة المضخمة للصوت المسافر في كل الدنيا، وإلى درجة أن ذلك الصوت يتحول إلى سوط ؟  نعم عندما ينطلق الإمام في صلاته  وهو يتلو  بكل ضخامة، مثلا ما  يلي :

      (قل أدعوا الله أو أدعوا الرحمان أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا  تخافت بها وابتغ  بين  ذلك سبيلا )  الإسراء 110.

        أو :

      ( ... واقصد في مشيك واغضض  من  صوتك ... )  لقمان  19                                                                                               

         أو :

      ( وما كان صلاتهم  عند  البيت  إلا مكاء  وتصدية  فذوقوا  العذاب  بما  كنتم  تكفرون )  الأنفال 35.

         ألا نخشى  أن لا نكون أولا وأخيرا إلا عبارة عن ظاهرة  صوتية ؟

     

     

اجمالي القراءات 11481