وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢٦ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أولا :

1 ـ أرغمنى أولادى على القيام بأجازة بدأت من يوم الآربعاء الماضى ، وستنتهى غدا ليلا . وصمموا على منعى من استعمال الكومبيوتر ، وأغافلهم أحيانا فأتصفح خلسة موقعى "اهل القرآن والحوار المتمدن "، وما استطعت من قراءة الايميلات والرسائل . لأول مرة أستمتع بالكسل البدنى ، فإشتغل العقل بالذكريات وتأمل الماضى والحاضر .

2 ـ شهر مايو هذا له وقع خاص فى حياتى . فى 5 مايو 1985 كان وقفى عن العمل فى جامعة الأزهر ومنعى من الترقية لاستاذ مساعد ومنعى من السفر ومن مستحقاتى المالية لأننى قمت بتأليف 5 كتب دفعة واحدة وقررتها على الطلبة فى عشرة كليات كنت أقوم بالتدريس فيها ، وكان أخطر تلك الكتب فى نظرهم ( الأنبياء فى القرآن الكريم ) الى أكدت فيه أن النبى ليس معصوما إلا فى تبليغ الوحى ، ولا يشفع يوم القيامة ، ولا يصح أن يقال عن خاتم النبيين أنه أشرف الأنبياء أو أفضل الأنبياء لأن ذلك يرجع تقديره لله جل وعلا وحده . ترتب على هذا استمرار التحقيق معى عامين كاملين ، قضيتهما فى الدعوة فى المساجد ، وفيهما تكوّن الرعيل الأول من أهل القرآن . ثم انتهى  الأمر بالعزل من جامعة الأزهر ، ، وبعدها بستة اشهر كان السجن مع أول فوج من القرآنيين عام 1987 .

3 ـ قبلها وفى 21 مايو1978  كان زواجى برفيقة العّمر والنضال والصبر . كنت مدرسا مساعدا ، وقبلها كان عقد القران فى 9 يولية 1977 ، وكنت قد أتممت كتابة رسالة الدكتوراه ، وقدّرت أننى سأعانى عاما فى إقناع الأساتذة بما جاء فى الرسالة ، وأننى سأناقشها قبل الزفاف . ولكن استمر الاضطهاد ثلاثة أعوام كاملة لارغامى على تغيير آرائى ، وفشلوا ، ووصلنا الى حلّ وسط هو الحذف ، فحذفت ثلثى الرسالة أى حوالى ألف صفحة عن أثر التصوف الدينى والآخلاقى . وتمت المناقشة والحصول على الدكتوراة بمرتبة الشرف فى اكتوبر 1980 . وقتها كنت قد تزوجت وأنجبت ابنى الأكبر ( محمد ) فى يناير 1979 ، ثم ابنى الشريف فى ديسمبر من نفس العام . وشهد عام 1978  زفافى والسيدة زوجتى فى 21 مايو . ولهذا كان 21 مايو هو المناسبة ال 35 للزفاف وتتويج رحلة زواج سعيدة عيد ، حملت معاناة وصبرا . وإستعنت على كل هذه المعاناة بالصبر والصلاة كما أمر رب العزة جل وعلا ، وكان يؤنسنى فى أحلك الظروف  قوله جل وعلا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) ).

4 ـ كنت أتمثل هاتين الآيتين الكريمتين فى ظلمات سجن طرة فى نهاية عام 1987 ، حين إعتقلونى وصادروا مخطوطة كتابى ( شريعة الله وشريعة البشر ) .ليلتها وقتها كان كل ما أملكه 120 جنيها ، تركت منها40 مع زوجتى ومعها أولادى الخمسة وقتها ، واحتفظت لنفسى ب 80 جنيها ، فلم أكن أعرف الى أين سيأخذوننى . وفى السجن كنت أحترق ألما وغيظا من نفسى أنن أخذت ثلثى المبلغ معى وتركت زوجتى وأطفال بالثلث فقط . ولا أعرف كيف سيعيشون بالمبلغ الضئيل الذى معهم .وظللنا فى السجن شهر لا يسمع عنا أحد ، وزوجتى وأولادى وزوجات وأهل المسجونين معى من أهل القرآن يبحثون عنا ، الى أن تم معظم التحقيق معنا فى نيابة أمن الدولة العليا ، فسمحوا بتعريف الأهل بمكاننا . وفى السجن سمحوا لنا بعد اسابيع بقراءة الجرائد الرسمية ، وأفاجأ بشيوخ الأزهر يتهموننى وانا عاجز عن الرد فى السجن بأننى أتلقى الملايين من أمريكا واعداء الاسلام .! كان سلاحى هو الصبر والصلاة وقوله جل وعلا  : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)).

5 ـ بعدها خرجت من السجن لأفاجا بحملة صحفية ضدى تستهدف إغتيالى يتزعمها فى الآهرام فهمى هويدى وفى الأخبار و ( اللواء الاسلامى ) أحمد زين. ثم  وبعض شيوخ الأزهر مثل الشيخ الشعراوى وعبد الغفار عزيز وعبد الجليل شلبى و عبد المعطى بيومى فى الوفد و صحف مختلفة . خوفا على حياتى هربت الى أمريكا بتشجيع من رشاد خليفة الذى إستضافنى وأكرمنى ثم فوجئت بأنه يريد إستغلالى فى إعلان أنه رسول الله فى مؤتمر كان يعدّ له ، رفضت ، وهربت من مسجده ،وعشت فى مكان لا أعرف موقعه بالضبط ، وأنا خالى الوفاض مقطوع الصلة بالعالم والأهل ، وعملاء رشاد خليفة يتعقبوننى . كنت حال ابشع من سجن طرة . وفى ظلمات المعاناة وقتها وصلتنى معونة من شخص كريم لم أكن قابلته من قبل ، كان من أتباع رشاد خليفة وانشقّ عنه وسمع عنى وعن هربى من مسجده فلا زال حتى عرف مكانى ومدّ لى يد المساعدة فى وقت كنت فيه فى أمسّ الحاجة للمساعدة . وتحقّق معى قوله جل وعلا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) .

6 ـ وتعرض أولادى فى مصر لضغوط هائلة فقررت العودة لمصر عالما بما ينتظرنى فيها ، وإعتقلونى فى مطار القاهرة فى اكتوبر1988  ، ووضعونى فى زنزانة مظلمة ضيقة مكتظة بالارهابيين بحيث لم ظللت واقفا على قدم واحدة عدة ساعات ، ومن حُسن الحظ أن الظلام منعهم من التعرف على ّ ، ولقد رجوت الحارس أن أبيت خارج الزنزانة وقلت له ان أولئك المساجين لو تعرفوا علىّ سيقتلوننى ، فسمح لى بالنوم على البلاط بجانب مكتبه . وسمعته وهوم يتكلم مع زميله عنى :" استاذ الأزهر الذى جىء به من المطار وهو الآن ينام على البلاط خوفا من المتطرفين" . لم أنم ، كنت أردد قوله جل وعلا :   (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) .!. أفرجوا عنى بعد ليلتين رهيبتين .

7 ـ وخلال التسعينيات انهمكت فى الكتابة والتأليف وأصبحا المستشار الدين للمنظمات العلمانية والحقوقية فى مصر ، وعانيت فقرا مدقعا فى أوائل التسعينيات ، إنعكس على مظهرى وملابس أولادى ، وكنت أحيانا أتمنى العودة للسجن ليكون هذا مبررا لى فى عجزى عن الحصول على ما يسد حاجة البيت والأولاد . وتغير الحال حين عملت مع د سعد الدين ابراهيم فى مركز ابن خلدون بمرتب لم يكن متميزا بالنسبة للعاملين فى المركز ولكنه كان تقلة هائلة بالنسبة ، لى ، والأهم من المرتب أن المركز أتاح لأولادى الكبار أن يرافقونى ويساعدونى فى العمل ، مما أهّلهم للعمل السياسى والحقوقى ، وانعكس هذا على الأربعة الكبار محمد وشريف وأمير وحسام فأصبحوا رواد فى النضال السياسى ، وهم الآن من زعماء الجالية المصرية فى نيويورك ومنطقة واشنطن ، وخصا شريف الذى سيسجل التاريخ له دوره فى الاعداد للثورة المصرية الشبابية التى أسقطت مبارك.  

8 ـ وتعاظم نشاط مركز ابن خلدون خلال عملى فيه ومعى اولادى ، من خلال الرواق الأسبوعى الذى اديره ويحضره القرآنيون وبعض الشيعة ومختلف التيارات السياسية ، وجاءت الضربة القاضية بمشروعين أشرفت عليهما فى المركز ، أحدهما عن تعليم المصريين حقوقفهم السياسية والانتخابية ، وهو مشروع كان يتجول فى الأحياء الشعبية والقرى يعقد ندوات جماهيرية ، كنت فيها المتحدث الرئيس ، ويتبعنا بكل غيظ ضباط أمن الدولة ، ثم مشروع ( اصلاح التعليم المصرى ) والذى وضعت فيه مقترحات مادة التربية الدينية ، وكتبت له سيناريو فيلم تاريخى وسيناريو فيلم تسجيلى عن مشاركة المسلمين فى عيد العذراء فى كنيسة مسطرد ، دليلا على وجود تسامح ـ وقتها ـ لدى الطبقات الشعبية . وكانت النتيجة االقبض على بعض القرآنيين ممّن إعتاد حضور الرواق ، وشكوت لسعد الدين ابراهيم راجيا أن يقوم باتصالاا للإفراج عنهم فاهتم ، وبعدها تم القبض على د . سعد نفسه وأغلقوا المركز ، ونشرت الأخبار نبأ القبض علىّ ، وهو مالم يحدث لأنهم كانوا وقتها يقومون بتعذيب القرآنيين المعتقلين ليقروا بأننى السبب فيما نسبوه لهم من آراء تجعل الصلاة مجرد قراءة القرآن ومن إنكار الحج لمكة والصوم فى رمضان . ظللت أشهرا أتوقع مجيئهم للقبض على مع اى طرق على الباب أو أى إتصال بالتليفون .

9 ـ كان كل سلاحى هو الصبر والصلاة ، وقوله جل وعلا (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3). فجاء الفرج فى عتمة الظّلمة وقتها ، فحيث لا مورد رزق من أى نوع جاءنى تكليفان بحثيان ، وكانت المكافأة فوق التـصور حوالى 30 ألف دولار . ثم كانت المفاجأة الكبرى والتى لم تخطر لى بال ، جاءتنى دعوة لحضور مؤتمر فى نيويورك تشمل الاقامة والسفر ، وكان موعد المؤتمر فى يوم الجمعة 19 اكتوبر 2001 . وحصلت بسهولة عجيبة على التأشيرة الأمريكية ، وجاءنى خبر من أحد الأحبة أنه تقرر القبض على ّ يوم الأربعاء ، فأسرعت بالسفر يوم الاثنين ، وتنفست الصعداء وأحسست بالأمن والطائرة تغادر المجال الجوى المصرى ، وقررت ألا أعود لمصر ألا بعد أن تتحرر من الطغيان . وصلت الى نيويورك يوم الثلاثاء 16 اكتوبر قبل موعد المؤتمر مستعينا بالله جل وعلا محمّلا بكتبى وأروراقى فى حقيبيتن هائلتين ، فوفر القائمون على المؤتمر إقامتى من الثلاثاء الى الجمعة ، و الى أن انتقلت الى فندق هيلتون حيث مكان المؤتمر واستضافة المشاركين فيه . انتهى المؤتمر فقلت للأصدقاء معى : كل منكم سيذهب الى بيته وتتركوننى . ماذا أفعل ؟ لقد جئت هنا عازما ألا أعود لأننى لو عدت سأظل فى السجن . فتطوع د خالد دوران أكرمه الله بمساعدتى ، وانتقلت الى واشنطن ، وتعرفت الى ايرفنج سبستزبج محامى الهجرة الذى أصبح فيما بعد رئيس مجلس الادارة للمركز العالمى للقرآن الكريم ، وأصبح مع زوجته د فيرجينيا جزءا من عائلتى .

10 ـ وقاسيت الغربة ، بعيدا عن رفيقة العمر وأولادى الى أن حصلت على الموافقة على اللجوء ، ثم الموافقة على أن يلحق بى زوجتى وأولادى الثلاثة الذين هم أقل من 21 عاما . كان هذا خلال عامى 2002 : 2003 . وكنت اعيش فيها فى شقة متواضعة يستأجرها أحد المصريين الغلابة ، وتحسنت الأحوال بالحصول على منحة من الوقفية الأمريكية للديمقراطية لمدة ثلاثة أشهر ، وبعدها حصلت على منحة لمدة سنة فى جامعة هارفارد فى بوسطن . وقت ان وصلت لى المنحة كانت ( أم محمد ) قد حصلت هى وابنى الصغر منير على تأشيرة اللحاق بى . وطلبت منها أن تأتى فورا ولا تنتظر حصول سامح وحسام على تأشيرتهما التى تأخرت بضع أشهر بسبب لزوم ( السيكيوريتى تشيك ) . خلال يوم واحد سافرت الى بوسطن واستاجرت طابقا فى منزل وعدت الى فرجينيا لآنتظر أم محمد فى المطار فوصلت يوم 21 مايو 2003 . وتمّ لمّ الشمل يومها وكان هذا عيد زواجنا ال 25 بالضبط . وبدأ يتحقّق وعده جل وعلا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3) . فطبقا لقدره جل وعلا وصلت حبية القلب ورفيقة العمر مع أصغر الاولاد فى العيد الفضى لزواجنا . وفى نفس الليلة ركبنا القطار وأمضينا فيه أول ليلة فى أمريكا معا . واستقر بنا الحال فى بوسطن حيث أمضينا عاما سعيدا ، إذ لحق بنا سامح وحسام بعد شهرين . لم يؤرقنا ألا أنهم أعطوا أولادى تأشيرة سياحية للقدوم لأمريكا ، ثم اسرعوا بسحب التأشيرة ، فكانت أياما عصيبة ، واستعنّا عليها كالعادة بالصبر والصلاة . وبعد إنتهاء عام المنحة عدنا الى فرجينيا ، وبعونه جل وعلا تحقق المستحيل وهو إستقدام أولادى الكبار الثلاثة محمد وشريف وأمير . كان من المصلحة فعلا أن يظلوا فى مصر هذين العامين ، حيث قام محمد وشريف بقيادة مركز ابن خلدون بينما تعين الأمير خبيرا فى مجال عمله فى شركة كبرى فى القاهرة . ثم لحقوا بنا وكل منهم معه خبرة عمل مشرّفة ، ومن رحمته جل وعلا أن أولادى الثلاثة حصلوا قبلنا على الجرين كارد وعلى الجنسية الأمريكية ، ووجدوا عملا وتفوقوا فيه . إبنى الأكبر محمد يدرس الاخراج السينمائى ، وهو الذى ينتج ويخرج برنامج فضح السلفية ، بجانب قيامه مع زوجته بالاشراف على القسم الانجليزى فى الموقع . ابنى الرابع حسام اضطر لترك السنة النهائية فى كلية الألسن جامعة عين شمس ، وكان متخصصا فى الايطالية والألمانية . ترك إمتحان الليسانس فى الكلية ولحق بنا قبل أن يبلغ ال 21 . وعمل بكل طاقته والتحق بجامعة جورج ميسون  . وشهدنا حفل تخرجه فيها عام 2007 . وفى العام التالى تخرج ابنى شريف فى الماجيستير ( ماستر ) من جامعة فليتشر فى العلاقات الدولية بمرتبة الشرف ، مع عمله فى فريدوم هاوس . وصار ابنى أمير رئيس قسم المعلومات فى إدارة جامعة ميريلاند .

11 ـ وفى هذا العام فى يوم الخميس 23 مايو 2013 كان تخرج ابنى حسام فى الماستر ( الماجيستير ) فى العلاقات الدولية فى جامعة كولومبيا، فى وقت أحتفالنا بعيد الزواج ال 35 وعيد لمّ الشمل العاشر (21 مايو 2003 ). ولهذا أجبرونى فيه على أخذ أجازة ،فهى مناسبة تستحق التأمل والتحدث بنعمة الله جل وعلا ، والاحتفال معا بنجاح جاء بالصبر والجهد والمعاناة ، وقبل كل ذلك وبعده أتى بفضل الله جل وعلا الذى لا يضيع أجر من أحسن عملا ، جاء بالصبر والصلاة ، وتحقيقا لوعده جل وعلا القائل : (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (3)   )

12 ـ وأسعد فى هذه الرحلة بوجود ابنى الأكبر د عثمان محمد على ، هو ابن ابن عمى . ولكنه إلتصق بى من طفولته مثل بقية أولاد العائلة ، وصار أكثرهم ولاءا وتمسكا بالمنهج القرآنى ، فعانى أشد المعاناة ، وكانت له قصة إضطهاد مؤلمة أنتهت به للهجرة الى كندا ، وقد حصل الان مع أولاد على الجنسية الكندية ، وبارك الله جل وعلا فى أولاده .

أخيرا : أتذكر الآن :

1 ـ ليلة 5/ 5 / 1985 ، حين فوجئت بنخبة من أستذة قسم التاريخ الاسلامى الذى أعمل فيه ، وقد حضروا ليبلغونى رسالة من رئيس الجامعة بأنه صدر قرار باحالتى للتحقيق والمنع من العمل ومن الترقية . وقالوا إنه إجراء مؤقت ينتهى بمجرد أن أقول اننى باحث يخطىء ويصيب وقد أخطأت  ، أى كما قالوا مجرد بضعة أسطر أكتبها وأوقّع عليها ، ويتم حفظ الموضوع . ورفضت مع تقديرى لهم بأنهم تحملوا المشاق لكى يأتوا لى بهذه الرسالة . لم يقتنعوا ، وصمموا على إقناعى . قال د عبد العزيز غنيم رحمه الله جل وعلا : وماذا عن اسرتك وأولادك ؟ ان موقفك هذا قد يكلفك منصبك . ورددت عليه بأنه لو كان رزقى مرتبطا بشيوخ الأزهر لقمت بعبادتهم من دون الله ، ولكن الذى يرزق شيخ الأزهر هو الذى يرزق أحمد صبحى منصور . وقال د عبد الشافى عبد اللطيف : إننا لا نصل الى هذه المناصب بسهولة ، فكيف تضيعها بهذه السهولة . وقلت له إننى أستطيع أن أقيم لى أسما ومكانة بدون الأزهر ، فرد غاضبا مهددا : أنت حرّ . فقلت له مبتسما : فعلا..أنا حُرّ. وفى الصباح التالى كنت فى مجلس التحقيق . واستمرت مجالس التحقيق فيما  يسمى بمجلس التأديب وكان يرأس التحقيق عميد كلية أصول الدين وقتها الشيخ محمد سيد طنطاوى وقد كوفى على تعنته معى بإختياره مفتيا لمصر . أذكر أننى قلت له متحديا : ماهى أقصى عقوبة تملكونها ضدى ؟ فقال (العزل ) فقلت ساخرا ذلك الحديث ( كنا نعزل على عهد رسول الله ) وضحكت مستهزئا . ولم ينس لى هذا، فقد قام بتحريض السلطات المصرية ومعه النفوذ السعودى بألا يقتصر العقااب لى على العزل ، بل لا بد من السجن .

2 ـ أننى وقت التحقيق معى منعوا حصولى على مستحقاتى المالية إلا بعد أن أذهب الى مكتب رئيس الجامعة وأرتجيه أن يعيد لى مرتبة ومستحقاتى المالية ، مع إن كل هذا تم بالمخالفة للقانون ـ وكان رئيس الجامعة وقتها د محمد السعدى فرهود متهما من خلال جريدة الوفد باختلاس مبلغ مليون جنيه فيما يسمى بمشروع المركز الهندسى فى جامعة الأزهر . هذا الشيخ الفاسد هو الذى أمر بالتحقيق معى متهما إياى بأننى أتيت من الأفعال ما يُزرى بمكانتى كعالم فى الأزهر . أى أن تأليف خمسة كتب والاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام تنففيذا لقانون الأزهر نفسه فيما يخص وظيفة عالم الأزهر يعتبر جريمة تُزرى بى وبمكانتى. أما سرقة مليون جنيه فلا تّزرى بمكانة رئيس جامعة الأزهر .

3 ـ وخلال مراحل التحقيق معى كتبت رسالة أودعتها ملف التحقيق ، كانت موجّهة الى  رئيس الجامعة ، قلت له فيها متحديا وبكل إحتقار : إنك تملك جزءا من الحاضر ، وأنا كذلك ، لكن لا مكان لك فى المستقبل . بمجرد خروجك من منصبك لن يتذكرك أحد ، ولكنى بخروجى من هذه الجامعة سأصنع إسما بمؤلفاتى . وسأظل حيا بعد موتى مئات السنين ، ولكنك ستموت بمجرد خروجك من منصبك . وهذا هو الذى تحقق .. فمن يعرف الآن أنه هناك مخلوقا كان اسمه محمد السعدى فرهود ؟

4 ـ أذكر أننى خلال معاناتى فى أوائل التسعينيات أن زارنى أحد الزملاء من الجامعة ، وتحسّر على حالى وقتها . كان ضمن ما قاله أننى أذنبت فى حق اولادى ، وأنه يكفى أننى لا زلت أعيش فى نفس الشقة ، وحين استأجرتها كان الزملاء يعيشون فى غرف فى أحياء شعبية ويستكثرون علىّ أن أعيش فى شقة فى منطقة مميزة فى المطرية . وبعد سنوات ، حسبما يقول ـ ذهب الزملاء الى إعارات فى السعوديو واشتروا عمارات وشققا وأنا لا أزال فى نفس الشقة . وقلت له باختصار اننى لن أترك لأوالادى عقارات ولكن سأترك لهم إسما وتراثا علميا يفخرون به ـ وسينشأون رجالا يعتمدون على انفسهم وليس على ثروة أبيهم .

5 ـ أتذكر هذا وغيره فى هذه الأجازة ، فأحمد الله جل وعلا أن أسعدنى بأولادى ، وأعطانى من النعيم الدنيوى ما لا استحقّه . ويبقى أن يمنّ علىّ بفضله فأتزحزح عن النار وأدخل الجنة .

6 ـ أرجو من  رب العزة رجاءا أخيرا ، وهو جل وعلا يعلم أننى صادق فى أن أناله ، وهو أن أموت قتلا فى سبيله جل وعلا لأكون شاهدا على هذا الجيل يوم يقوم الأشهاد .

7 ـ والحمد لله جل وعلا رب العالمين .

اجمالي القراءات 187176