( كتاب الحج ب 4 ف 22 ) (على : خليفة فاشل ، قهره عصره )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٧ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين     

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل الحادى والعشرين : (على : خليفة فاشل ، قهره عصره )    

 مقدمة  :  تقييم (على  بن أبى طالب )

1 ـ  ( على ) ليس جزءا من عقيدة الاسلام ، وليس ركنا من ( إسلامنا ) . هو شخصية تاريخية نبحثها بمنهج البحث التاريخى ونقيّمه سياسيا وتاريخيا . ليس عندنا مخلوقات مقدسة ، لأن التقديس هو لله جل وعلا وحده ، وما عداه جل وعلا من إنس وجنّ وملائكة هم مخلوقات للواحد القهّار ، سيأتون أمامه يوم القيامة للحساب ، أفرادا : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) ( مريم ) لا يجرؤ أحدهم على الكلام إلا بإذن الرحمن جل وعلا ورضاه : (رَبِّ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً (38)( النبأ ) بهذا نعظ من يؤلهون عليا ، ويقتطعون جزءا من التقديس الواجب لله جل وعلا وحده ليجعلوه لعلى وذريته .

2 ـ وكالعادة نحن نستشهد بروايات تاريخية عن ( على ) من تاريخ الطبرى ومروج الذهب للمسعودى والطبقات الكبرى لابن سعد ، وكلها مصادر سنية معتمدة وتبالغ فى إحترام ( على ) .ورواياتها معروفة ومتداولة ، ولكن نعيد قراءتها وبحثها ، لتجلية شخصية ( على ) وفشله فى خلافته . وهو مسئول مسئولية كبرى عن هذا الفشل وما نجم عنه من قتل آلاف الناس . نحن نقيّمه كسياسى مسئول ، وهو نفس التقييم لخصمه معاوية ، وبالتالى فالمقارنة ورادة بل ضرورية ، لأن الخصمين معا أتفقا على أن الفتوحات جهاد اسلامى ، وإستحلّا معا ظلم الأمم المفتوحة واستباحة دمائها وأموالها وأعراضها ، بل إعتبر (على ) غنائم الفتوحات ( تراث محمد ) وأنه الأولى به. فوق أرضية هذا الاتفاق بينهما تنازعا سياسيا وحربيا، ونعقد مقارنة بينهما بالميزان التاريخى وليس الأخلاقى الاسلامى .

أولا : بين معاوية ( العلمانى ) و( على ) الذى يخلط السياسة بالدين

1 ـ كان الهدف الدنيوى واضحا لدى معاوية واتباعه . عمرو بن العاص قال له معاوية : " بايعنى " ، فقال عمرو : لا. والله لا أعطيك من دينى حتى تعطينى من دنياك ." فاتفقا على أن ينضم عمرو اليه مقابل أن يعطيه معلوية ( مصر ) طُعمة له . وقال فى ذلك لمعاوية

معاوى لا أعطيك دينى ولم أنل   به منك دنيا ، فانظرن كيف تصنع

فإن تعطنى مصر فأربح بصفقة          أخذت بها شيخا يضر وينفع

أى يعترف عمرو بأنه باع الآخرة واشترى بها الدنيا . وهذه صراحة مريحة . وفى موقعة صفين وبّخ معاوية النعمان بن جبلة التنوخى على تراخيه فى القتال ، فقال له النعمان:" والله لقد نصحتك على نفسى ، وآثرت ملكك على دينى ، وحدتُ عن الحق وأنا أبصره ، وما وُفقتُ لرشد حين أقاتل على مُلكك ابن عم رسول الله وأول مؤمن به وأول مهاجر معه . ولو أعطيناه ما أعطيناك لكان أرأف منك بالرعية وأجزل فى العطية ، ولكن قد بذلنا لك الأمر ، ولا بد من إتمامه كان غيا أو رشدا . وحاشا أن يكون رشدا . وسنقاتل عن تين الغوطة وزيتونها إذ حُرمنا ثمار الجنة وأنهارها . ".أى إن القتال هنا بصراحة صراع فى سبيل الثروة، وهذا يذكرنا بتحريض خالد جنوده بما فى العراق وفارس من خيرات تستحق القتال فى سبيلها.

هو نفس حالة ( على ). كان يصارع خصومه فى سبيل الدنيا ، وفى أواخر حياته كان يتنازع مع ولاته فى فارس على الدرهم والدينار ، وهو يعرف أنه أرض مُحتلة قسرا وظُلما . بل حتى فى قتاله فى صفين لم يراع الأشهر الحّرم . وهو فى كل ذلك يطلب بيعتهم ليكون حاكما لهذه الإمبراطورية التى تأسست بالغزو والقهر والظلم لملايين الأبرياء . وبالتالى يكون الوعظ بالتقوى والتحلّى بالورع هواستغلال الدين فى غرض دنيوى ، أى هو أكثر جُرما من الهدف الدنيوى الواضح الصريح لدى معاوية وعمرو وأتباعهما . هذا علاوة على أن خطاب ( على ) هذا كان يرفضه منطق العصر وقتها ، فقد ملّ الناس حزم ( عمرو ) ثم إستغرقوا فى نعيم الدنيا فى خلافة عثمان وفى سبيل التنافس فيه قتلوا عثمان ، وبهذا يكون ( على ) فى خطابه الطوباوى الوعظى يغنّى لهم سيموفونية لم تعد صالحة لوقتها ، بل هى تشوّش على أتباع ( على )  فى حيرة بين الدنيا ( وهى المطلوب الوحيد ) والدين والآخرة ( وهى مجرد شعار عبثى نفعى ) . أكثر من هذا فإن هذا الخطاب الدينى أتاح لأتباع ( على ) المزايدة عليه بل وتكفيره ، كما حدث من الخوارج .وهى عادة سيئة فى كل دولة دينية تخلط السياسة بالدين وتستغل الدين فى الحصول على الدنيا. كان (على ) أبرز ضحايا هذا الخلط . وتتابع بعده الضحايا حتى عصرنا البائس .

2 ـ فشل (على ) لأنه لم يكن متسقا مع نفسه ، زعم أنه يريد الآخرة وهو منشغل بالدنيا ، بينما كان معاوية صادقا مع حبه للدنيا وجهاده فى سبيلها.  أى إنّ أساس الفشل لدى ( على ) أنه كما يقول المثل المصرى ( رقص على السُّلّم ) لم يهبط الى الأسفل كالخلفاء ابى بكر وعمر وعثمان ولم يصعد الى الأعلى متمسكا بشرع الاسلام والسّنة الحقيقية للنبى عليه السلام . فهو لم يعترض على الفتوحات المخالفة للاسلام ، بل على العكس شارك فيها بالرأى واستمتع بما جلبته من سلب وسبى . وفى نفس الوقت لم يشترك فيها مقاتلا برغم أنه وقتها كان لا يزال فى شبابه ، وكان مشهورا بمهارته الحربية والفروسية .  بل أكثر من ذلك كان حريصا على أن ينال ما يستطيع من غنائم الفتوحات وأُعطيات الولاة الأمويين. ففى عهد عثمان اشتهر (عبد الله بن عامر) والى البصرة بكرمه ، وكان يوزع هدايا ممّا كان يسلبه من حروبه فى فارس . يذكر ابن سعد فى ترجمة ابن عامر هذا أنه زار المدينة وغمر أهلها بعطاياه .وقد أرسل  إلى ( علي بن أبي طالب ) بثلاثة آلاف درهم وكسوة ، فاستقلّها: ( وقال:" الحمد لله ، إنا نرى تراث محمد يأكله غيرنا . " فبلغ ذلك عثمان ، فقال لابن عامر: "  قبح الله رأيك أترسل إلى علي بثلاثة آلاف درهم ؟ .. فبعث إليه بعشرين ألف درهم وما يتبعها. ..فراح علي إلى المسجدفانتهى إلى حلقته وهم يتذاكرون صلات بن عامر ..فقال علي : "هو سيدفتيان قريش غير مدافع" ). أى كان ( على ) يرى فى أسلاب الفتوحات تراثا لمحمد ، وأنه الأولى به من الأمويين .

3 ـ كان من الممكن أن يكون (على )على الحق ، لو وقف ضد الفتوحات ، معلنا رأيه فيها بقوة معتزلا لها ولقومه ، ثم إذا أختاروه فيما بعد خليفة ، بادر بالانسحاب من هذه البلاد وإنهاء إحتلالها ، وترك أهلها أحرارا وما يختارونه لأنفسهم ، وعاد بالعرب الى جزيرتهم ، ولو كلفه هذا أن يدخل فى حرب ضد  الظالمين الطغاة من صحابة الفتوحات . لو فعل هذا كان متمسكا بسنّة النبى عليه السلام . فالمفترض فى ( علي) بمكانته وعلمه بالاسلام وصحبته لابن عمه النبى محمد عليه السلام أن يقف بقوة ضد الفتوحات ، وأن يعتزل الناس ، كما فعل من وصفهم رب العزة بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، الذين تواروا عن الأنظار فرارا بدينهم فكسبوا رضوان الله جل وعلا ، وأهملهم التاريخ ،لأنهم إبتعدوا عن مهرجانات الظلم التى حملت اسم الفتوحات والتصارع حول غنائمها السُّحت . لم يفعل ( على ) هذا واختار أن ( يرقص على السُّلم ) لم يشارك قتالا فى الفتوحات ، ورضى أن يأكل منها وأن يتمتع بسباياها ، وأن يشارك فى الحياة السياسية منافسا فى قيادة المسلمين كالآخرين من أبى بكر الى عثمان ، ثم حين أصبح خليفة حاول أن يسير بالعدل فى دولة قامت على الظلم ففشل ورفضه عصره . فهو خليفة فاشل قهره عصره .  

ثانيا : بين عبقرية ( على ) الجنسية وعبقرية معاوية السياسية

1 ـ يبدو من سيرة معاوية أنه لم يكن فارسا فى الفراش ونكاح النساء ، وقد كرهته زوجته ميسون بنت بحدل بنت زعيم كلب . وهي ام ولده يزيد. وقد نقلها معاويه من الباديه واسكنها قصراً منيفا  فى دمشق ، وألبسها الحرير. وعلى الرغم من كل ماهيأ لها من أسباب النعيم فإنها كرهت كل شىء بسبب كراهيتها لمعاوية ، وظلت تحن إلى الباديه حتى بعد أن ولدت ابنها يزيد، جلست تندب حظها مع معاوية وتنشد هذا الابيات :-

لبيـت تخفـق الأرواح فيـه   أحب إليّ من قصـر منيـف
ولبس عبـاءة وتقـرّ عينـي  أحب اليّ من لبس الشفـوف
وأكل كسيرة فـي كسربيتـي  أحب إليّ من أكـل الرغيـف
وأصوات الريـاح بكـل فـج  أحب إلى من نقـر الدفـوف
وكلب ينبـح الطـراق دونـي  أحب إلـي مـن قـط أليـف
وبكر يتبع الأظعـان صعـب  أحب الي مـن بعـل زفـوف
وخرق من بني عمي نحيـف  أحب الي من علـج عنـوف
 فلما دخل معاويه عرفته احدى الوصيفات بما قالت ميسون فقال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني علجا عنوفا؟ هي طالق ثلاثا. ثم سيرها الى اهلها .

وساءت حالة معاوية الجنسية بعدها فى خلافته . وقد روى ابن عساكر في ترجمة خديج الخصي مولى معاوية قال‏:‏ ( اشترى معاوية جارية بيضاء جميلة فأدخلتها عليه مجردة، وبيده قضيب، فجعل يهوي به إلى متاعها - يعني‏:‏ فرجها - ويقول‏:‏ هذا المتاع لو كان لي متاع.) !. ومقابل هذا العجز الجنسى كان معاوية عبقرية سياسية تسير على قدمين ، ورثها عن أبيه الذى كان مكره تزول منه الجبال .

2 ـ وعلى النقيض منه ، كان ( على ) عبقرية جنسية لا يعدلها إلا فشله السياسى . تمتع (على ) بفحولته الجنسية . نستخلص هذا مما ذكره ابن سعد فى الطبقات عن أولاد ( على ) وزوجاته ونسائه من السبايا . فقد أنجب من زوجته السيدة فاطمة الزهراء أربعة فقط هم ( الحسن والحسين وزينب الكبرى وأم كلثوم الكبرى ). وماتت ، فإنهمك ( على ) فى الزواج والتسرّى بالسبايا ، وأنجب منهن بقية أبنائه وبناته ، يقول ابن سعد : ( فجميع ولد علي بن أبي طالب لصُلبه أربعة عشر ذكرا وتسع عشرة امرأة . )، أى أنجب من أولئك النسوة( 29 ) :( 12 ولدا و 17 بنتا ) في 30 عاما ، بعد موت السيدة فاطمة عام 10 الى إغتياله عام 40 هجرية . أى تفرّغ صحابة الفتوحات للقتال ظلما وعدوانا بينما تفرّغ على للنكاح ، وكما قام صحابة الفتوحات بغزوات قتالية قام ( على ) بغزوات نسائية إقتحم فيها أنواعا مختلفة من نساء العرب والعجم ، وبنجاح باهر أسفر عن 29 ولدا وبنتا .!! وهذا هو ( جهاده ) و ( تمامه ).!!.

ومن كثرة أبنائه وبناته فلم تكن الأسماء المتداولة لديه تكفيهم لذا كان يكرر التسميات . فمن إبنائه ( محمد ) الأكبر ، المشهور بمحمد بن الحنفية ، أكبر ابنائه من غير فاطمة الزهراء، يقول عنه ابن سعد: ( ومحمد بن علي الأكبر وهو ابن الحنفية وأمه خولة بنت جعفر .. ). وهناك ( محمد الأوسط بن علي ، وأمه أمامة بنت أبي العاص) ومحمد الأصغر : ( ومحمد الأصغر بن علي قتل مع الحسين وأمه أم ولد .) ومنهم العباس الأكبر ، و عمر الأكبر ..مما يدل على وجود عباس الأصغر والأوسط ، وعمر الأصغر والأوسط لم يعرفهم محمد بن سعد ، إذ يعترف بعدم إحاطته بكل ابناء (على) وبناته ، يقول : (قال محمد ابن سعد : لم يصح لنا من ولد علي رضي الله تعالى عنه غير هؤلاء‏.‏ ). وربما كان السبب قتل كثير من ابنائه فى مذبحة كربلاء ، يقول ابن سعد عمّن بقى من ذرية (على ) وصار له نسل معروف : (وكان النسل من ولده لخمسة الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس بن الكلابية وعمر بن التغلبية ).

وبالمخالفة لشرع الرحمن كان من بين نسائه سبايا من الفتوحات، وأنجب منهن، فمن ابنائه:( عمر الأكبر بن علي ــ ورقية بنت علي. وأمهما الصهباء. وهي أم حبيب بنت ربيعة ...وكانت سبية أصابها خالد بن الوليد حين أغار على بني تغلب بناحية عين التمر.). أى كانت من سبية عربية من قبيلة تغلب ، لذا كانت معروفة النسب دون غيرها من السبايا غير العربيات  . ومن كثرة السبايا من غير العرب لدى ( على ) فلم يكنّ معروفات الاسم ، حتى من أنجب منهن . يقول ابن سعد عن إبنه ( محمد الأصغر بن علي قتل مع الحسين وأمه أم ولد .) ولم يعرف إسمها ، ويقول عن بناته الأخريات (وأم هانئ بنت علي وميمونة وزينب الصغرى ورملة الصغرى وأم كلثوم الصغرى وفاطمة وأمامة وخديجة وأم الكرام وأم سلمة وأم جعفر وجمانة ونفيسة بنات علي وهن لأمهات أولاد شتى . )، أى أنجب إبنا واحدا و13 بنتا من سبايا يملكهن مجهولات الأسم . ولا نعرف عدد السبابا الأخريات اللائى لم ينجبن منه . بورك فيك يا أبا الحسن وفى جهادك الجنسى .!..وملعون ابو الفياجرا .!

3 ـ هذا النبوغ الجنسى لدى ( على ) يذكّرنا بما ساد فى عصر ( على ) واستمر فى العصر الأموى ، وهو كراهية الانجاب من السبايا  من غير العربيات ، واعتبار ابن الأعجمية غير العربية أقل شأنا من إخوته الذين لهم أمهات عربيات . لذا شاع وقتئذ ( العزل ) ، وهو عدم الانزال وقت اللقاء الجنسى مع الجارية المملوكة منعا للإنجاب منها . وربما لم يفلح ( العزل ) مع ( على ) بفحولته فأنجب من جواريه السبايا . ولقد افتى الفقهاء فى العصر العباسى بأن ( العزل مكروه ) . ومن طرائف النوادر العباسية أن رجلا كان يزنى بجارية فقام بالعزل ، فسألته لماذا ؟ فقال : سمعت أن العزل مكروه ، فقالت له : ألم تسمع أيضا أن الزنا حرام ؟ . لا نذكر هذا لمجرد التسلية ، ولكن لتحليل موقف ( على ) . فقد عاش يأكل السُّحت من غنائم الفتوحات وينكح السبايا معتقدا بأن هذا هو ( تراث محمد )، وأنه الأحق به أكثر من غيره ، دون أن يعطى نفسه فرصة لأن يتدبر القرآن الكريم . هو بهذا أراد الدنيا وكفر بالآخرة . وصار فى نفس حزب من سبقه ومن تلاه من الخلفاء ، وإن كان أقل منهم سوءا . وبالتالى فإن ورعه وهو خليفة لا محلّ له من الاعراب . ولا يمكن قبوله لأنه مؤسّس على أرضية من الظلم من أكل السُّحت والنكاح القائم على القهر والسبى . ( على ) مثل ذلك الرجل الذى كان يزنى بالجارية ويرفض العزل تورعا لأن العزل مكروه ، وهو لا يدرى أن الزنا حرام . !

  ثالثا : نموذج للمقارنة السياسية بين ( على ) ومعاوية

1 ـ كانت عين معاوية على مصر لأن السيطرة على مصر تحمى ظهره فى الشام . لقد فهم (معاوية ) استراتيجية المنطقة وأيقن أن مصيره في الشام مرتبط بسيطرته على مصر ، وأكد له ذلك الرأي حليفه ( عمرو بن العاص ) الذي بايعه على الخلافة . لذا عمل معاوية على شغل ( على ) بحرب الجمل فى العراق ليتفرغ معاوية لأخذ مصر .وأثناء انشغال (علي ) بأهل الجمل الثائرين عليه كان (معاوية ) في الشام يعد العدة للاستيلاء على مصر , فتعاون عمرو  مع معاوية في قتل ( ابن أبى حذيفة ) الناقم على الخليفة ( عثمان ) والذي أخرج من مصر والي عثمان عليها وهو عبد الله بن أبى السرح ، في الوقت الذي تولى فيه ( على ) الخلافة . ولم يتريث  معاوية  وعمرو بل أسرعا  فحاولا دخول مصر للاستيلاء عليها ، فلم يتمكنا فلجأ  عمرو  للخديعة وما زال بابن حذيفة  يخادعه حتى أخرجه إلى العريش في ألف رجل وتحصن بها ، وحاصره فيها عمرو و معاوية ونصبا عليه المنجنيق حتى نزل في ثلاثين من أصحابه فقتلوهم .

2 ـ وأسرع ( على ) فبعث واليا من قبله على مصر هو ( قيس بن سعد بن عبادة ) زعيم الأنصار و المشهور بالدهاء فدخل مصر , واستقام له أمر الناس . ولكن كان في مصر جماعات من أتباع ( عثمان ومعاوية ) منهم فرقة اعتصمت بقرية يقال لها ( خربتا ) . ورأى ( قيس ) مهادنتهم ، فاستجابوا له قائلين ( إنا لا نقاتلك فابعث عمالك ، فالأرض أرضك . لكن أقرنا على حالنا حتى ننظر إلى ما يصير أمر الناس ) . ولكن فرقة أخرى من مناصرى معاوية بزعامة مسلمة بن مخلد الانصارى تنادت للآخذ بثأر عثمان ، فبعث إليه ( قيس بن سعد ) وهو أنصارى مثله – يقول له ( ويحك؟! أعلىّ أنا تثب ؟ فوالله ما أحب أن لي ملك الشام ومصر وأنى قتلتك ) . اى خاطبه بالانتماء القبلى وأنه لا يصح لهما أن يقتتلا ، فاستجاب إليه مسلمة ، وبعث يقول له: ( أنى كاف عنك ما دمت أنت في مصر ).

3 ـ ولم يكن ( معاوية ) ليهدأ وهو يرى ( عليا ) ينتصر في الجمل ويرى قيس بن سعد بن عبادة والى ( على ) في مصر يمهد أمرها  له ، فأيقن بالهلاك أن لم يسيطر على مصر لأنه إن لم يفعل فأمامه (على) في العراق وخلفه( قيس بن سعد بن عبادة) في مصر وسيحاصرانه بينهما . فحاول بالدهاء والتهديد أن يسبر  حال ( قيس ) ويعده ويمنّيه لينضم اليه ، فكتب إليه ( قيس) بنفس الدهاء يلاطفه ويباعده ليكسب وقتا حتى تقع المواجهة بين ( على ) ومعاوية فيكون قيس شوكة فى ظهر معاوية. ولم يقتنع معاوية إذ كان فى عجلة يريد أن يستوثق من ولاء قيس له وخروجه على ( على )  فكتب لقيس : (أما بعد . فقد قرأت كتابك فلم أرك تدنو فـأعدك سلما ولم أرك تباعد فأعدك حربا . ليس مثلي يصانع المخادع ولا يتنزع للمكايد ومعه عدد الرجال وبيده أعنة الخيل . ) .فلما  قرأ  قيس كتاب معاوية ورأى أنه لا يقبل المهادنة والملاطفة كتب إليه بموقفه الصريح في الولاء ( لعلى ) والخصومة له ومن معه .

4 ـ ولما لم يفلح ( معاوية ) مع ( قيس ) عزم على الإيقاع بينه وبين ( على ) ليعزله ( على ) عن مصر . فقال ( معاوية ) لأهل الشام ( لا تسبوا قيس بن سعد ولا تدعوا إلى غزوه فإنه لنا شيعة ، يأتينا كيّس نصحه سرا , ألا ترون ما يفعل بإخوانكم الذين عنده من أهل خربتا يجرى عليهم اعطياتهم .. ويؤمن سربهم ويحسن إلى كل راكب قدم عليه منكم ) . أى يريد معاوية أن يقتنع ( على ) بأنّ قيس بن سعد يخونه . وهذا ما حدث فعلا بسبب سذاجة ( على ) . إذ أبلغ جواسيس ( على ) بالشام مقالة معاوية وأوصلوا الحديث ( لعلى ) . ولم يكتف معاوية بذلك بل اختلق كتابا زعم أنه من ( قيس بن سعد ) وادعى أن ( قيسا ) كتبه إليه ، فقرأه على أهل الشام فيه التأييد( لمعاوية ). أقتنع ( علي) بأن قيس بن سعد يماليء معاوية , وبادر ( على ) ليختبر ولاء قيس فأرسل (علي ) إليه يطالبه بقتل أهل خربتا ، ولكن (قيس بن سعد) رفض قائلا ( أتأمرني بقتال قوم كافين عنك مفرغيك لقتال عدوك؟ وانك متى حاربتهم ساعدوا عليك عدوك ) .وهكذا أفلحت خدعة معاوية ، فجعل عليا يعزل قيسا عن مصر . ويستريح معاوية من وال حازم داهية كان شوكة في جنبه بمصر .    

5 ـ وأرسل (علي) واليا آخر على مصر هو (محمد بن أبي بكر الصديق ) وهو متهم بقتل عثمان ، أى إن عليا باختياره لهذا الشاب إنما يريد إشعال حرب فى مصر . هذا علاوة على إن هذا الشاب كان متهورا ويفتقر للحنكة السياسية . وقد بادر (محمد بن أبي بكر ) بالهجوم علي أتباع معاوية ونهب دورهم فشبت بينهم الحرب ،  وعقد صلح بينهم وسمح لهم بمقتضاه محمد بن أبى بكر أن يلحقوا  بمعاوية في الشام . وبذلك أدت سياسة (محمد بن أبي بكر) إلى تعضيد معاوية في حربه ضد(علي) بإرسال مقاتلين جددا هم أصحاب (خربتا ) .  وبعد ( صفين ) وإنشغال (على ) بمتاعبه مع جنده فى العراق رأى معاوية بأن الأحوال مناسبة له لينتزع مصر من ( محمد بن أبى بكر ) فأرسل إليه من يفوقه دهاء ومقدرة حربية ودراية بأحوال مصر , وهو فاتحها الول ( عمرو بن العاص ) وانتهى الأمر بهزيمة ساحقة لابن أبى بكر وقتله وحرق جثته . وأصبحت مصر تابعة لمعاوية تحت حكم عمرو بن العاص . أضاعها ( على ) بسذاجته وسوء سياسته . وكان يمكن ( لعلى ) أن يستغل مصر فى القضاء على ( معاوية ).

رابعا : من مظاهر الفشل السياسى لعلى :

ألف باء السياسة أن تقوم بتحييد عدوك ما إستطعت ، وأن تحوّل المحايدين الى أنصار ، وألا تدخل فى حرب إلا للضرورة . وهذا نقيض ما سار عليه ( على ) . تحرّش بخصومه وأعطاهم الفرصة ليحاربوه ، بل و إختلق لنفسه خصوما من المحايدين بلا داع ، وهؤلاء المحايدون الذين جعلهم (على ) خصوما له إستحضرهم ( على ) الى جانبه وأعطاهم الفرصة ليتآمروا عليه وليقوموا بتدميره . سياسة  رائعة فى الفشل . ونعطى أمثلة :  

1 ـ رفض نصيحة المغيرة بن أبى شعبة ، أحد دُهاة العرب . جاء المغيرة لعلى بعد خلافته ونصحه ألّا يبادر بعزل معاوية وعبد الله بن عامر وعبد الله بن سعد بن أبى السرح وسائر ولاة عثمان ، وهم يحكمون الشام والعراق وخراسان ومصر وليبيا ، ونصحه المغيرة أن ينتظر حتى يأخذ منهم البيعة له بالخلافة ، وأن يضمن ولاء جنودهم له ، وبعد أن يستوثق من أستتباب نفوذه يقوم بعزلهم أو يقرر بقاءهم الى حين . هو الرأى الصواب ، ولكن رفضه ( على ) مصمما على المبادرة بعزلهم . فترجّاه المغيرة أن يعزل من يشاء ويستبقى معاوية الى حين ، فرفض (على ) مصمما على عزل معاوية والجميع . فانصرف المغيرة وأتى المغيرة لعلى فى اليوم التالى وأعلن له أنه موافق على رأى ( على ) وأن الصواب هو ما رآه ( على ) من المبادرة بعزلهم . وخرج المغيرة يقول ( نصحته فلم يقبل فغششته ) ، وصاغ ذلك شعرا وتحالف مع معاوية .

2 ـ ودخل عبد الله بن عباس على ( على ) وسأله عما قال له المغيره فحكى له ( على ) ما حدث ، فقال له ابن عباس: "أنه نصحك أولا ثم غشّك ثانيا .".وأكّد ابن عباس لابن عمه ( على ) نفس ما قاله المغيرة ، أن ينتظر دون المبادرة بعزل ولاة عثمان الى أن يضمن تثبيت سلطانه ، بل قال له : ( كان الرأى أن تخرج حين قُتل عثمان أو قبل ذلك الى مكة ، فتغلق عليك باب دارك ، فإن كانت العرب مائلة مضطرة فى أثرك فلا تجد غيرك . فأما اليوم فإن بنى أمية سيحسنون الطلب بأن يلزموك تبعة هذا الأمر ، ويشبّهون فيك على الناس . ). وهذا ما حدث فعلا . ولم يأخذ ( على ) بنصيحة ابن عباس والمغيرة فجعل من معاوية ندّا له .!!

3 ـ وفى تحويله المحايدين الى خصوم ثم الاستعانة بهم بعد أن اكتسب عداءهم نعطى مثالا بما فعله بجرير بن عبد الله البجلى . كان جرير هذا واليا لعثمان على ( همدان ) فى فارس ، وبادر ( على ) بعزله بلا مبرّر ، فاكتسب عداوته . الغريب أن ( عليا ) إستدعاه وبعثه رسولا من لدنه ليقنع معاوية بأن يبايع ( عليا ) بالخلافة ويترك إمارته . وقد حذّر الأشتر ( عليا ) من مغبّة إختيار ( جرير ) بالذات لهذه المهمة ، ولكن كان ( على ) عنيدا كالعادة فرفض النصيحة. وأرسل بجرير رسولا الى معاوية، فانضمّ جرير الى معاوية ، ممّا رفع من معنويا جُند معاوية .

4 ـ الكارثة الكبرى هى ما فعله ( على ) مع الأشعث بن قيس . أى عزل الأشعث بن قيس ثم إستجلابه اليه ليكيد له الأشعث ، فكان ( على ) مثل من يقوم بطعن نفسه بسكين ليهزم نفسه أمام معاوية . الأشعث بن قيس هذا ، كان أحد زعماء قبائل كندة اليمنية . وقد فشل فى أن يكون ملكا عليها ، ورأى فى الاسلام  فرصة لتحقيق طموحاته السياسية فأسلم  . ولكن سيطرة قريش على الأمور بعد موت النبى أضاع طموحاته فارتد ، ثم عاد الى الاسلام ، وتزوج اخت ابى بكر طمعا فى أن يأخذ دورا قياديا ، لذا شارك فى الفتوحات وقاتل فى اليرموك والقادسية ، وفى فتح أصفهان مع النعمان بن مقرن وفتح المدائن وجلولاء ونهاوند. وبسبب خطورته وزعامته وسُرعته الى الفتنة إرتعب عمر بن الخطاب حين علم أن خالد بن الوليد أجزل العطاء للأشعث بن قيس ، وخاف عمر من تحالف بين ( خالد ) و( الأشعث ) ومعهما جند الفتوحات من عرب قحطان وعرب ( ربيعة ومُضر ) وكان هذا من أسباب التعجيل بعزل خالد . وفهم الأمويون خطورة الأشعث بن قيس وعرفوا مكانته بين قومه ومهارته القيادية والحربية فولاّه عثمان على  ولاية أذربيجان ، وأطلق فيها يده . وحين تولى ( على ) الخلافة اسرع فعزل الأشعث وحقّق معه فى تصرفاته المالية فاكتسب عدوا خطير الشأن . ولم يكتف (على ) بذلك ، بل إستحضر الأشعث الى جانبه ليحارب معه . وانتهز الأشعث الفرصة ليكيد لعلى ، فأرغم عليا على الموافقة على التحكيم ، وهدد بأن يقوم بتسليم ( على ) الى معاوية إن لم يوافق . وترك ( على ) الحبل على غاربه للأشعث فجعل معظم جُند ( على ) يرغبون فى الهدنة ويوافقون على التحكيم ، وذهب الأشعث الى معاوية ليوافقه على التحكيم ، ثم  رفض الأشعث أن يكون عبد الله بن عباس ممثلا (لعلى) فى التحكيم لأنه يريد حكما من القبائل القحطانية وهو ابو موسى الأشعرى العدو الصريح ( لعلى) ، فرشّح (على ) الأشتر فرفض الأشعث . أى أدت سياسة ( على ) الى ان صار هو المأمور وصار الأشعث هو صاحب الأمر والنهى ، وإنتقم الأشعث من ( على ) شر إنتقام .  

5 ـ فشل آخر وقع فيه ( على ) ،هو استسلامه لأتباعه من الأعراب المُشاغبين.أولئك الأعراب لم يكونوا معظم جيش ( على ) بدليل أنهم حين خرجوا عليه كانوا عدة ألوف فقط من جيشه الذى جاوز مائة ألف ، وبدليل أنه إستأصلهم فى ساعات قليلة وبسهولة تامة فى موقعة النهروان .ومن هنا نفهم فشله السياسى فى تعامله معهم من البداية . كان يجب أن يأخذهم بالشدة ويستعين عليهم بقبائلهم وبزعمائهم ، ويقوم بتحجيم المتمردين من زعمائهم ، وأن يحتج عليهم بالطاعة العمياء التى يتمتع بها معاوية من جنده أهل الشام . بهذا الحزم كان يمكنه أن يسيطر عليهم ، ولكنه تردّد وضعف ، فأتاح لهم أن يتطوّر نفوذهم ، وأن يكونوا أكبر سبب فى فشله وفى فوز معاوية بالخلافة .

6 ـ وفى عام 40 وقبيل قتل (على ) أتفق ( على ) ومعاوية على توقف الحرب بينهما وأن يحتفظ كل منهما بما يسيطر عليه .  وفى تفس العام إنفضّ عن ( على ) معظم أنصاره بسبب فشله الذريع . وكان آخر من هجره وإنفض عنه ابن عمّه عبد الله بن عباس . ويبدو أن إبن عباس قد ملّ من عناد ( على ) ورفضه للنصائح ، وتدهور حاله ، وكان ابن عباس واليا على البصرة ، فهرب منها ومعه بيت المال .  

  أخيرا  :

فشل ( على ) السياسى أضاع معظم ما حصل عليه من غنائم الفتوحات ، أنفق فى خلافته الشاقة العسيرة التي استمرت حوالى 5 سنوات كل مدخرته . ومات قتيلا ، وكانت تركته 700 درهم فقط ويقال 600 ويقال 250 درهما . رقص المسكين على السّلم ، فلم ينجح فى دنيا السياسة مثل عمر وعمرو ومعاوية ، وطبقا لما نعرفه من تاريخه فقد عاش يأكل السُّحت من دماء وأموال ونكاح نساء الأمم المفتوحة المنهوبة.  

اجمالي القراءات 28592