إصلاح الفكر الديني ضرورة

عبداللطيف سعيد في الجمعة ٠٩ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

الإصلاح الديني ضرورة

كنت أتابع الأخبار وفجأة جاء خبر عن العراق الشقيق مفاده أن شرطي عراقي قام بتفتيش شخص فى شارع مزدحم فوجد معه حزاما ناسفا فأسرع المارة بالهرب بعيدا فلحقهم انتحاري آخر وقام بتفجير نفسه فيهم فهرب أيضا من نجا من الانفجار الثاني إلى مكان أكثر أمنا وإذ بالانتحاري الثالث يكمل مهمة الأول والثاني ويقتل الباقين ..

ثلاثة أشخاص وغيرهم آلاف ينتمون للأسف الشديد إلى الدين الإسلامي  فما الذي أوصلهم وأوصلنا إلى هذا الحد ..؟

ما الذي يجعل شابا فى عمر الزهور يفضل الموت بهذه الطريقة ..؟

ما الذي جعل هذا الشاب يكره إخوانه ليس فقط فى الإنسانية بل وليس فقط فى اللغة بل وفى الدين أيضا ..

ليس هذا فحسب بل هو ومن قتلهم يشتركون معا فى ظلم وقع عليهم من بلادهم ومن نظام عالمي جديد ليس للضعفاء من أفراد ودول مكان فيه ..

لماذا فقد هذا الشاب وأمثاله الكثيرون البوصلة التي عن طريقها يحدد أهدافه وأولوياته وطموحاته فهل قفل عليه كل هذا ..؟

ومن قفل عليه الوصول والتمسك بهذه البوصلة الحياتية ..؟

من الذي سول له أن ما يفعله هذا يتفق مع الدين بل هو الدين بمعنى آخر من الذي " ضحك عليه " وعلينا أيضا ووقف يشاهد المشهد من على بعد وهو يكاد يموت ضحكا علينا ..

لماذا لم يتراجع هذا الشاب وأمثاله فى آخر لحظة .. كما يفعل بعض من يقترف إثما ..؟

لماذا يختار هذا الشاب أن يكون رقما مجهولا فى عداد الموتى بشرط أن يقتل معه الكثير من البشر ..؟

أسئلة كثيرة ولكن نكتفي بهذه الأسئلة فقط ونحاول الإجابة ..!!

الإجابة لا تخرج عن شيء واحد وهو" الفهم الخاطئ للدين " نحن نقول عليه الفهم الخاطئ ولكن عند أغلب المسلمين هو الدين الحقيقي  وهذا الفهم الخاطئ يعتمد فى معظمه على أحاديث منسوبة زورا للنبي وهو منها برئ وعلى  فتاوى دموية تبيح القتل معتمدة على هذه الأحاديث ويعتمد أيضا على الفهم للخاطئ لآيات الجهاد فى الإسلام والتي تخرج من سياقها ومتجاهلة أن الجهاد فى الإسلام هو للدفاع عن النفس وتقرير حرية العقيدة ..

لابد وأن هذا ( المفجر لنفسه ) وجد من يقنعه بان كل العالم إما كافرا أو مرتد وأن قتلهم حلال وواجب  بل انه يتقرب إلى الله بذلك  القتل ،وأنه سيدخل الجنة بهذا القتل ، وأنه إقتنع بكل هذا وتيقن من صحته لدرجة أن يموت فى سبيل ما يعتقد ، بل ويجتهد فى قتل الأبرياء أكثر مما سبقوه لكي يحظى بمرتبة أعلى فى الجنة  والخبر الذي سقناه فى أول المقال خير دليل

فما الذي نفعله بعد أن وصل بنا الحال إلى هذا الدرك الأسفل من الفهم الخاطئ   ..

من المؤكد أن الذي يفجر نفسه بهذه الطريقة هو ضحية فهم خاطئ قلب له الحقائق ( حقائق الجنة والنار والآخرة ) ، ( والكفر والأيمان ) ..

إذن كيف السبيل ..

أولا : الاتفاق على أن الدين الإسلامي لابد وأنه برئ من كل هذه الأفعال وهذا الاتفاق ليس صوريا  ( فض مجالس ) بل لابد من تفعيله  ومناقشته وتصحيح المفاهيم وأن هذه الأفعال تتناقض ليس مع الإسلام كدين فقط بل تتناقض حتى مع أسم الإسلام الذي يشتق من كلمة السلام  وأن كل ما يخالف هذا المفهوم يتناقض مع الإسلام الحقيقي حتى ولو ارتدى ثوب الإسلام ..

ثانيا : قطع الطريق على كل من يستغل الدين فى صنع القنابل البشرية الموقوتة ، وذلك بفتح باب الاجتهاد على مصراعيه أمام العلماء والمفكرين والراغبين فى الاجتهاد وأن يرفع شعار لا تخوين ولا تكفير لكي يتشجع الجميع فى طرح أفكارهم بدون خوف حتى وإن كانت أفكار غريبة وشاذة وذلك حتى يتسنى للفكر الصحيح أن يرد عليها وأن يفندها بالحكمة والموعظة الحسنة .

ثالثا : تحديد ما هو دين وما هو فكر ديني ( الدين هو الذي ينزله الله سبحانه وتعالى وحيا على رسله ) ، (والفكر الديني هو التفاعل بين البشر وهذا الوحي ، والذي من الممكن أن يخطئ ويصيب حسب اقترابه من الوحي الإلهي  )..

رابعا : بالنسبة للأنظمة الحاكمة فى الدول الإسلامية لابد لها أن تقتنع أن الإصلاح الديني ضرورة وليس رفاهية بل وله أولوية عن الإصلاح السياسي وهو البداية الصحيحة للإصلاح وأن هذا الإصلاح لابد أن يتم فى إطار هيبة الدولة وعن طريق أجهزتها وتحت رعايتها بان يشكل لجنة مستقلة من المفكرين من كافة الاتجاهات وألا يستبعد منها أحد حتى ممن ينتمون للديانات الأخرى داخل الدولة (لكي يعرف ما هو مفهومهم عن الإسلام  ويكون هذا واضح بالنسبة لهذه اللجنة )

خامسا : لابد من اعتبار التكفير فى حق الآخرين جريمة جنائية وهى تتفق مع جريمة ( الشروع فى القتل ) أي لابد أن يقع جميع المكفرتية تحت هذا البند وأن يسن قانون بهذا ..

لأنه من المعروف أن هناك من يصدر الفتوى بالتكفير وهذه الفتوى تكون جاهزة لمن يريد أن ينفذها وسوف تجد من ينفذها .. فى ظل الفهم الخاطئ للدين الموجود فى المجتمعات الإسلامية .

سادسا : التركيز على اقتلاع التكفير والأفكار التي تؤدى إليه من أجهزة الإعلام ومن المناهج الدراسية  ومن المساجد .. وتشجيع النمط الهادئ من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ..

سابعا : التركيز على ثقافة التسامح و قبول الآخر ( المختلف معك فى الرأي ) ، ( المختلف معك فى الدين )  ،(والمختلف معك فى الجنس ) ودعم هذه  الثقافة وكل ما يؤدى إليها ...

وفى النهاية أقول أن الإصلاح الديني ليس رفاهية بالنسبة للدول الإسلامية بل هو ضرورة لكي لا يخرج من داخل هذه المجتمعات من يقتل أخوانه باسم الدين  أو أن يخرج من يحض على الكراهية للآخرين باسم الدين والدين برئ من كل هذا ..

إن الإصلاح الديني هو مسألة حياة أو موت لأنه لو لم يتم الإصلاح الديني ستكون النتيجة كارثية.. 

 

 

 

 

 

 

 

             

 

 

اجمالي القراءات 17210