( كتاب الحج ب 4 ف 19 ) الانتقام الالهى من عثمان

آحمد صبحي منصور في السبت ١١ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل التاسع عشر  : الانتقام الالهى من عثمان        

سادسا : تقرير موجز عن احداث الثورة على عثمان :

1 ـ كان عم عثمان ( الحكم بن أبى العاص ) منفيا بأمر النبى فأرجعه عثمان ، وجعل ابن عمه ( مروان ابن الحكم ) كاتم سرّ الخلافة ، أو السكرتير ، وهو الذى تسلط على عثمان وتسبب فى هلاكه . ومكّن أقاربه الأمويين ، فاطلق يد معاوية فى الشام ، وعزل عمرو بن العاص عن مصر وولى بدله عبد الله بن أبى السرح . وولى عبد الله بن عامر على البصرة وكانت تتبعها خراسان .

2 ـ وكان عثمان قد عيّن أخاه من الأم (الوليد بن عقبة بن معيط )على الكوفة ثم عزله لفساده وولى مكانه ابن عمه سعيد ابن العاص .عقبة بن معيط كان أحد أشهر من يؤذى النبى فى مكة ، ولكن عثمان ولّى إبنه الوليد على الكوفة . وكان الوليد بن عقبة مدمنا للخمر، وكان يصلى بالناس وهو سكران، وحدث أن صلّى بهم الفجر أربع ركعات وهو ثمل ، فلما فرغ من صلاته قال للناس : أتريدون أن أزيدكم ؟ . فقال الشاعر الحطيئة يتندر عليه :

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه  أن الوليد أحقّ بالعذر 

نادى وقد تمت صلاتهم  أأزيدكم ؟! ثملا وما يدرى

ليزيدهم اخرى ولو قبلوا     لقرئت بين الشفع والوتر

حبسوا عنانك فى الصلاة ولو  خلّوا عنانك لم تزل تجرى .

وكان عتّاب بن غيلان الثقفى يصلى خلفه فسمعه يقول فى سجوده : إشرب واسقنى ، فقال عتّاب : " لا زادك الله من الخير ، والله لا أعجب إلّا ممّن بعثك الينا واليا وجعلك علينا أميرا ". وكرهه أهل الكوفة ، وحصبوه لأنه خطب الجمعة وهو سكران . وإنتشرت أنباء فسقه ومجونه فهجم عليه جماعة فى منزله فوجدوه سكرانا فوق سريره ولا يعقل ، فتقايأ عليهم مما شربه من الخمر. فانتزعوا خاتمه ، وجاء بالخاتم الى المدينة أبو زينب ابن عوف الأزدى وجندب بن زهير الأزدى يطلبان من عثمان عزله ، وشهدا أنه يشرب الخمر. فرفض عثمان وأهانهما وطردهما ، فأتيا ( على بن أبى طالب) . فنصح عثمان باستقدام الوليد بن عقبة ومواجهته والتحقيق معه . وجاء الوليد فلم تكن له حُجّة ، وحكم ( على ) بضربه بالسوط حدّا ، فقال عثمان ( ليس لك أن تفعل به هذا ).

3 ـ وعزله عثمان وولى مكانه سعيد بن العاص الذى رفض ان يصعد منبر الكوفة إلا بعد غسله وقال : " إن الوليد كان نجسا رجسا " .!. ثم ظهر فساد سعيد بن العاص الأموى فاستبد بالأموال ، وأعلن أن ( السواد ) أو ريف العراق هو ( بستان قريش ) أى ملك لقريش دون قبائل العرب، فقال له الأشتر النخعى : " اتجعل ما أفاء الله علينا به بسيوفنا ورماحنا بستانا لك ولقومك ؟. وجاء الأشتر الى المدينة ومعه سبعون من زعماء يشكونه لعثمان فرفض عثمان مقابلتهم . وامتدت إقامتهم بالمدينة بلا جدوى .

4 ـ وبعث عثمان لأقاربه الولاة يستشيرهم ، فجاء اليه معاوية وابن ابى السرح وعبد الله بن عامر . فقال له معاوية : "أما أنا فراض بى جندى ". وقال ابن عامر : " ليكفك إمرؤ ما قبله أكفك ما قبلى ". وقال ابن أبى السرح : " ليس بكثير عزل عامل للعامة وتولية غيره " ، فقال سعيد بن العاص :" إنك إن فعلت هذا كان أهل الكوفة هم الذين يولّون ويعزلون " . واقترح أن يرسل المعارضين للغزو ليتخلص منهم .

5 ـ وعرف عمرو بن العاص بما دار فى الاجتماع، وكان يكره عثمان لأنّ عثمان عزله عن مصر ، فأخبر الزبير وطلحة، واتصلوا بالأشتر زعيم معارضة الكوفة وأبلغوه بما دار وبأن عثمان ينوى إرسالهم فى الغزو ليتخلص منهم . وأعطوه وأصحابه مائة الف درهم لينظم المعارضة ضد عثمان فى الكوفة .

6 ـ ورجع الأشتر ورفاقه الى الكوفة قبل رجوع الوالى سعيد بن العاص ، ووصعد الأشتر المنبر وأخبر بما حدث ، فبايعه أهل الكوفة على منع الوالى سعيد من دخول الكوفة . وكتب الأشتر الى عثمان : " إنّا والله ما منعنا عاملك الدخول لنفسد علينا عملك ،ولكن لسوء سيرته فينا .. فابعث الى عملك ما أحببت ". فولى عليهم أبا موسى الأشعرى .

7 ـ ولكن تطورت المعارضة ضد عثمان ، بسبب تحكم مروان بن عبد الملك فيه ، وإغداق عثمان عليه الأموال .، و ضرب عثمان (عبد الله بن مسعود) أصبحت قبيلة هذيل ضد عثمان. وضرب عثمان (عمّار ابن ياسر) فكرهه بنو مخزوم ،لأن عمّار كان حليفا لهم . ثم نفى عثمان (أبا ذر) الى الربذة ، وأهانه لأنه إعترض على معاوية ، فتعاطف أهل المدينة مع أبى ذر ، وتخاصم ( على ) مع عثمان بسبب ذلك .

8 ـ وتفاقم الأمر بقيام عثمان بتسيير معارضيه ، وهى عقوبة تعنى الآن ( الكعب الدائر ) فى العُرف المصرى ، أة كان يُطاف بأولئك الناس فى الشام والعراق . وأدى هذا الى أتفاق المعارضين على الثورة الجماعية على ( عثمان ) . فثار أعراب من مصر بزعامة عبد الرحمن بن عديس البلوى ، وأعراب البصرة بزعامة حكيم بن جبلة العبدى ، واعراب الكوفة بقيادة مالك بن الحارث النخعى .وتواعد أولئك الثوّار على القدوم لعثمان فى المدينة للشكوى ، فجاءوا الى مكة بزعم الحج ، ومنها قدموا المدينة. فنزلوا مكانا قريبا منها اسمه ذو الخشب . وتوسط (على ) بين الثوار وعثمان ، ووافق عثمان على أن يستجيب لمطالب الثوار بعزل الولاة المفسدين وإقرار العدل . فرفعوا الحصار ، ورجعوا الى الكوفة والبصرة والفسطاط بمصر.

9 ـ و فى طريق العودة لمصر شكّ الثوار الأعراب ( المصريون ) فى غلام على بعير ، فإذا هو ( ورش ) غلام عثمان ، ففتشوه فوجدوا معه رسالة من عثمان الى عبد الله بن أبى السرح والى مصر يأمره فيها عثمان بقتل  وقطع أيدى الثوار إذا أتوا اليه. وكانت الرسالة بخطّ مروان بن الحكم . فرجعوا الى المدينة ومعهم بقية الثوار البصريين والكوفيين ، واحتلوها ووضعوا أهل المدينة تحت إرهاب سيوفهم، وحاصروا عثمان فى داره ، وتفاوضوا معه، فأنكر أن يكون هو الذى بعث الرسالة ، فطلبوا منه تسليم مروان بن الحكم فرفض. وخلال مدة الحصار تفاوض بين عثمان والثوار ( على ) ثم محمد بن مسلمة  ثم  الأشتر النخعى ، وفى كل مرة كان عثمان يتعهد بالاصلاح وعزل الولاة المفسدين  ثم يتراجع . وكان  يماطل الثوار إنتظارا لمجىء جيش ينقذه من الشام أو مصر أو العراق . وكرهه أهل المدينة لأنه السبب فى مجىء الثوار واحتلالهم المدينة وإهانة أهلها ، ثم بسبب رفضه الاصلاح . وقد طلب منه الثوار التنازل عن الحكم فقال : " لا أنزع قميصا كسانيه الله "، فاستمر حصاره 49 يوما ثم منعوه الماء . وحاول بعضهم ومنهم على بن أبى طالب بأبنائه الدفاع عنه ، ولكن عثمان رفض ان يتدخل أحد منتظرا وصول ( جيش الانقاذ ) . وعندما علم الثوار أن جيشا قادما لانقاذ عثمان باردروا باقتحام بيت عثمان وقتله.كان هذا موجز ما ورد فى تاريخ المسعودى ( مروج الذهب ) وتاريخ الطبرى .

سابعا : الروايات فى قتل عثمان  ودفنه

1 ـ دور محمد بن أبى بكر : ويأتى ذكر محمد بن أبى بكر فى كيفية قتل عثمان ، وتتفق الروايات كلها على أنه كان البادىء بالهجوم ، ولكن بعضها يقول بانسحابه دون أن يشارك فى قتله:( قال أبو المعتمر فحدثنا الحسن أن محمد بن أبي بكر دخل عليه فأخذ بلحيته قال فقال له ( عثمان ): قد أخذت منا مأخذا وقعدت مني مقعدا ما كان أبو بكر ليقعده أو ليأخذه .! قال فخرج وتركه. ) (.. ودخل محمد بن أبي بكر على عثمان ، فأخذ بلحيته .فقال ( عثمان ) : "أرسل لحيتي فلم يكن أبوك ليتناولها "!. فأرسلها . )

وتقول رواية أخرى فى الطبرى أنه بدأ بطعن عثمان وتبعه آخرون : ( وذكر محمد بن عمر أن عبد الرحمن بن عبدالعزيز حدثه عن عبدالرحمن بن محمد: أن محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ، ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق ، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة ، وهو يقرأ في المصحف في سورة البقرة . فتقدمهم محمد بن أبي بكر ، فأخذ بلحية عثمان فقال : "قد أخزاك الله يا نعثل .!" فقال عثمان : "لست بنعثل ولكني عبدالله وأمير المؤمنين ." قال محمد : "ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان."  فقال عثمان : "يابن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه." فقال محمد:" لو رآك أبي تعمل هذه الأعمال أنكرها عليك ، وما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك " قال عثمان: "أستنصر الله عليك وأستعين به." ثم طعن جبينه بمشقص..)  

2 ـ وتختلف الروايات فى تفاصيل قتل عثمان. يقول الطبرى: ( ودخل عليه رجل يقال له الموت الأسود .. فخنقه ثم خفقه..ثم خرج فقال :" والله ما رأيت شيئا قط ألين من حلقه .!.والله لقد خنقته حتى رأيت نفسه يتردد في جسده كنفس الجان ".) ، ( دخل على عثمان رجل فقال ( عثمان ) : " بيني وبينك كتاب الله " ..والمصحف بين يديه ..فهوي له بالسيف، فاتقاه بيده،  فقطعها .! ) ، (..فلما خرج محمد بن أبي بكر وعرفوا انكساره، ثار قتيرة وسودان بن حمران السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب المصحف برجله ، فاستدار المصحف فاستقر بين يديه ، وسالت عليه الدماء. ) ( ودخلوا عليه، فمنهم من يجؤه بنعل سيفه ، وآخر يلكزه ، وجاءه رجل بمشاقص معه، فوجأه في ترقوته، فسال الدم على المصحف . وهم في ذلك يهابون في قتله . وكان كبيرا وغشي عليه. ودخل آخرون فلما رأوه مغشيا عليه جروا برجله،  فصاحت نائلة وبناته . وجاء التجيبي مخترطا سيفه ليضعه في بطنه فوقته نائلة فقطع يدها ، واتكأ بالسيف عليه في صدره . )، ( ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ، ثم علاه بالسيف حتى قتله .) ( ..ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخرّ لجبينه ، فضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجبينه فقتله .  وأما عمرو ابن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق ، فطعنه تسع طعنات . قال عمرو : فأما ثلاث منهن فإني طعنتهن إياه لله ، وأما ست فإني طعنتهن إياه لما كان في صدري عليه .).

واخيرا يقول الطبرى: ( لما قتل عثمان رضي الله عنه أرادوا حز رأسه ، فوقعت عليه نائلة وأم البنين ،  فمنعنهم ، وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهن . فقال ابن عديس : اتركوه . فأخرج عثمان ولم يغسل إلى البقيع ، وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنائز فأبت الأنصار . وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع على باب فنزا عليه، فكسر ضلعا من أضلاعه .وقال : سجنت ضابئا حتى مات في السجن . )

3 ـ انتهاك حُرمة امرأة عثمان . ( وأخذت ابنة الفرافصة حليها فوضعته في حجرها وذلك قبل أن يقتل ، قال فلما ..قُتل ناحت عليه. قال قال بعضهم : قاتلها الله ما أعظم عجيزتها .! ) أى مؤخرتها .!. ( وجاء سودان بن حمران ليضربه فانكبت عليه نائلة ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها فتعمدها ونفح أصابعها فأطن أصابع يدها وولت ، فغمز أوراكها وقال : إنها لكبيرة العجيزة ) .!

4 ـ سلب مال عثمان :  ( وانتهبوا ما في البيت وأخرجوا من فيه ثم أغلقوه على ثلاثة قتلى .. ودار القوم فأخذوا ما وجدوا ، حتى تناولوا ما على النساء . وأخذ رجل ملاءة نائلة  (زوجة عثمان ) والرجل يدعى كلثوم بن تجيب ، فتنحت نائلة فقال : ويح أمك من عجيزة، ما أتمك ...وتنادوا في الدار : " أدركوا بيت المال لا تسبقوا إليه."  وسمع أصحاب بيت المال أصواتهم وليس فيه إلا غرارتان فقالوا : النجاء ، فإن القوم إنما يحاولون الدنيا " ، فهربوا . وأتوا بيت المال فانتهبوه ، وماج الناس فيه . ) ( وقتل عثمان رضي الله عنه قبل غروب الشمس ونادى مناد : ما يحل دمه يحل ماله .؟ فانتهبوا كل شيء،  ثم تبادروا بيت المال ، فألقى الرجلان المفاتيح ، ونجوا وقالوا : الهرب الهرب هذا ما طلب القوم . ).

5 ـ ومنعوا دفن عثمان  فى مقابر المسلمين ، ودفنوه ليلا وسرأ فى ( الحش ) وهو مقبرة قديمة لليهود أصبحت فيما بعد موضعا  لقضاء الحاجة. و هذا هو معنى ( الحش ) يومئذ . ظل جثمان عثمان ثلاثة أيام بلا دفن ، الى أن دفنوه ليلا . وهذا يذكّرنا بدفن أبى بكر ليلا، ودور عثمان فى التآمر على حياته مع عمر . الجديد هنا أنهم فى حالة أبى بكر دفنوه بسرعة وفى حجرة عائشة بجوار النبى لاسترضاء أل أبى بكر . أما فى حالة عثمان فقد تأخروا فى دفنه خوفا ، واضطروا لدفنه فى موضع سور بستان أو حائط فى مكان إسمه ( الحش ) أى هو مكان التبول والتبرز وقضاء الحاجة كان من قبل مقبرة لليهود.

تقول الروايات : (  نبذ عثمان رضي الله عنه ثلاثة أيام لا يدفن . ثم إن حكم بن حزام القرشي ثم أحد بني أسد بن عبد العزي وجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف كلما عليا في دفنه ، وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ففعل وأذن لهم علي. فلما سمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطا بالمدينة يقال له حش كوكب ، كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلما خرج به على الناس رجموا سريره ، وهموا بطرحه. فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفنّ عنه . ففعلوا . فانطلق حتى دفن رضي الله عنه في حش كوكب.  فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع . فامر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين. )، ( دفن عثمان رضي الله عنه بين المغرب والعتمة ولم يشهد جنازته إلا مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة،  فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه . وأخذ الناس الحجارة ، وقالوا نعثل وكادت ترجم ، فقالوا الحائط الحائط فدفن في حائط خارجا . )، (  لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه، ثم حمله أربعة حكيم بن حزام وجبير بن مطعم ونيار بن مكرم وأبو جهم بن حذيفة . فلما وضع ليصلى عليه جاء نفر من الأنصار يمنعونهم الصلاة عليه ، فيهم أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي وأبو حية المازني في عدة ومنعوهم أن يدفن بالبقيع . فقال أبو جهم ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته. فقالوا لا والله لا يدفن في مقابر المسلمين أبدا.  فدفنوه في حش كوكب . فلما ملكت بنو أمية أدخلوا ذلك الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية . ) ( حدثنا أبو بكر بن عبدالله بن أبي أويس قال حدثني عم جدي الربيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه قال كنت أحد حملة عثمان رضي الله عنه حين قتل حملناه على باب وإن رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به وإن بنا من الخوف لأمرا عظيما حتى واريناه في قبره في حش كوكب . )   (  عثمان لما قتل أرسلت نائلة إلى عبدالرحمن بن عديس فقالت له إنك أمس القوم رحما وأولاهم بأن تقوم بأمري أغرب عني هؤلاء الأموات ..فشتمها وزجرها . حتى إذا كان في جوف الليل خرج مروان حتى أتى دار عثمان فأتاه زيد بن ثابت وطلحة بن عبيدالله وعلي والحسن وكعب بن مالك وعامة من ثم من صحابه فتوافى إلى موضع الجنائز صبيان ونساء ، فأخرجوا عثمان ، فصلى عليه مروان . ثم خرجوا به حتى انتهوا إلى البقيع فدفنوه فيه مما يلي حش كوكب .) .

6 ـ وعن يوم قنله يقول الطبرى : ( اختلف في ذلك ، بعد إجماع جميعهم على أنه قتل في ذي الحجة . ) كان قتله كان فى شهر ذى الحجة الحرام . لقد استمرت الفتوحات فى عهده خلال الأشهر الحرم فعاقبه رب العزة بقتله فى شهر حرام ، مثلما حدث مع رفيقه عمر.

أخيرا :   

1 ـ كان العرب فى الجاهلية يعرفون المواقيت بالسنة القمرية ، وبها كانوا يمارسون الشعائر من صلاة وحج واحترام للأشهر الحرم وفق المتوارث من ملة ابراهيم . وسُئل النبى عليه السلام عن ( الأهلّة ) أو التوقيت القمرى عسى أن يكون هناك شىء جديد يخصّه فى الاسلام ، وكالعادة ، انتظر النبى حتى نزل القرآن بالاجابة: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) (189)(البقرة). قال جل وعلا (هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) أى أنّ العرب وقتها كانوا يستعملون التوقيت القمرى فى حياتهم وفى تحديد أشهر الحج ، او الأشهر الحرم التى يمكن فى خلالها تأدية مناسك الحج ، وهى تبدأ بأول شهر فى السنة القمرية ( ذو الحجة ، ثم محرم ثم صفر ثم الرابع ربيع الأول ) وبعده تبدأ الأشهر غير الحرم بريبع ثانى وتنتهى السنة بذى القعدة. وفي بداية الأشهر الحرم يكون موسم إفتتاح فريضة الحج والتى يستمر بعدها الحج مدة الأشهر الأربعة . كان العرب يعلمون هذا ويتعاملون به لذا وصف رب العزة أشهر الحج الحرم بأنها اشهر معلومات : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ )(197)البقرة).  

2 ـ بل كان اللسان العربى يسمى السنوات ( حجج )والسنة ( حجة ) بكسر الحاء، نسبة الى شهر ذى الحجة بداية السنة وبداية موسم الحج ،لأن التقويم القمرى تبدأ فيه السّنة بذى الحجة، وقد ساد فى الجزيرة العربية وخارجها استعمال كلمة ( حجة ) دليلا على العام أو السنة ، وفى قصة موسى عليه السلام قال له الرجل الصالح فى (مدين):(قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ )(27)(القصص).( ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ ) أى ثمانية أعوام.

3 ـ ولكن الفتوحات التى انتهكت الأشهر الحرم سرعان ما بدأت إنتهاكا آخر يجعل ذا الحجة وهو بداية السنة القمرية هو آخر السنة القمرية . وكان هذا على الأرجح فى خلافة ( عمر ) الذى أجلى أهل الكتاب من الجزيرة العربية ، وجعل الهجرة بداية التأريخ للمسلمين . وفيها جعلوا المحرم بداية السنة وليس ذا الحجة .

4 ـ إشتدت كراهية الفرس لأبى بكر وعمر وعثمان لأنهم الذين أزالوا من الوجود الامبراطورية الفارسية والمجد الفارسى ، وتكونت حول تلك الكراهية دين التشيع القائم على التبرى من ابى بكر وعمر وعثمان ومعاوية والسيدة عائشة وأبى هريرة..الخ ، والتولى لعلى بن أبى طالب وبنيه . أما مصر فقد استراحت لدين التصوف السّنى الذى يقدس كبار الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون الأربعة ، وبدلا من مقت عمر بن الخطّاب فلا يزال المصريون يعبدون عمر بن الخطاب .!! هذا هو الفارق بين إعتزاز الفرس بلغتهم و بقوميتهم وشعوبيتهم وجعلها دينا يعتنقه ملايين غير الفرس ، وبين المصريين الذى يعبدون من إحتل بلادهم واسترق نساءهم وسلب أموالهم وطمس شخصيتهم ومحا لغتهم وأنهى ريادتهم وحقّر مجد حضارتهم .

6 ـ وبعلو الدين السلفى الوهابى الحنبلى السّنى أصبحت مصر منذ أكثر من أربعين  عاما تابعة للأسرة   السعودية التى أعادت فتح مصر بالريال ، وبه اشترت مبارك والاخوان ..ويهرف الاخوان باعادة فتح مصر ، أى بتكرار تجربة عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص فى سلب ونهب مصر واسترقاق نسائها . وطبقا للدين السنى فولاء الاخوان والسلفيين ليس للوطن مصر بل للعقيدة الوهابية. مصر بالنسبة لهم كما كانت للصحابة أرباب الدين السنى ـ هى بقرة يمتصون لبنها ودماءها ..

7 ـ نكتفى بهذا ، ونترك بقية التفاصيل عن (عثمان ) لتأتى فى بحث قادم بعونه جل وعلا، بعنوان :(عثمان: خليفة فاسد قتله عصره ).

اجمالي القراءات 17293