كتاب الحج ب 4 ف 15 : انتهاك الأشهر الحرم فى خلافة أبى بكر

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٢ - مايو - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام

الفصل الخامس عشر  : انتهاك الأشهر الحرم فى خلافة أبى بكر    

 مقدمة :

1 ـ اضطررنا الى تجاوز المنهج البحثى فى هذا الكتاب ، فهو أصلا عن الحج بين الاسلام والمسلمين ، وهذا الباب الرابع فيه عن انتهاك المسلمين للحج والأشهر الحرم ، وهذا الانتهاك فى الأشهر الحرم بدأ مبكرا فى الفتوحات العربية التى حملت اسم الاسلام زورا وبهتانا . وكان لا بد من التعرض للفتوحات من جذورها ، واستغرق هذا فصولا . وهذا الاضطرار للتعمق فى الفتوحات أعتبره ضروريا لفهم تاريخ الانتهاك فى الحج والشهر الحرام ، وانتهاك بقية الحرمات مثل حُرمة قتل التفس ، وبقية الجرائم من السلب والنهب والاغتصاب والسبى ، والتى صارت بالفتوحات جهادا اسلاميا ، يمارسه المسلمون الآن حتى مع  بعضهم ، ونشاهد ذلك الان فى سوريا والعراق ، وقد يحدث قريبا فى مصر .

2 ـ هى أكبر الكبائر فى شرع الرحمن ، ولكن أصبحت من معالم دين السّنة بالذات ، بل وأصبح كبار المجرمين الذين بدءوا بها كأبى بكر وعمر آلهة مقدسة لدى المسلمين  ، والدليل هو الفزع الذى يصيب القارىء لهذه المقالات التاريخية ، ويهرب بعضهم بإنكار التاريخ جملة وتفصيلا ، يعنى أما أن يكون التاريخ كما تعلمه تقديسا لأبى بكر وعمر وعثمان وعلى وبقية الصحابة ، وإما فلسنا بلا تاريخ ، ولا يجوز عنده وجود علم إسمه البحث التاريخى ، حتى لو كان يبحث التاريخ المعتمد من الدين السّنى ذاته .

3 ـ هذا يؤكد فساد التعليم الذى نشأنا عليه ، ويؤكد بنفس القدر أهمية إعادة قراءة تاريخ العرب المسلمين بمنهج علمى كما يفعل الغرب . وبالنسبة لنا فيجب عرض هذا التاريخ على القرآن الكريم ، وهو الميزان ، كى نتخلص من تقديس البشر والحجر .

4 ـ فقد وصل بعضهم الى تقديس (عمر ) أكثر من تقديسه لله جل وعلا ، فالالحاد يصل الى سبّ رب العزة ، وأصبح هذا عاديا لا يلتفت اليه السنيون ، ولكنهم ينتفضون غضبا من بحث علمى يُظهر ( عمر ) على حقيقته التاريخية من خلال التراث السّنى نفسه .

5 ـ وهذه مصيبة عقلية ودينية لا يدانيها إلّا ما يفعله المسلمون بأنفسهم الآن ، وهم يسيرون على (سنّة الصحابة ) فى الفتنة الكبرى . هو نفس المسلسل الدامى البائس من معركة الجمل الأولى فى عهد ( على بن أبى طالب ) حتى الآن .!!.

6 ـ إن لم نبحث تاريخ الصحابة فى ضوء القرآن الكريم فسنظل نقتل بعضنا ، يهتف القاتل ( الله أكبر ) ويهتف القتيل ( الله أكبر ) . ويظل الاسلام متهما بالارهاب والتخلف والوحشية.!

 أولا : انتهاك شرع الاسلام فى الفتوحات فى عهد أبى بكر

1 ـ نُعيد التأكيد بأنّ الاسلام هو دين العدل والقسط والحرية ، وأنّ الكفر هو دين الظلم والاستبداد والاستعباد . وقامت ثقافة العصور الوسطى على أساس الظلم والاستبداد والاستعباد ، وبها كان التواتر القرشى . ونزل القرآن يرسى دعائم العدل ويضع حلولا جذرية لاستئصال جريمة الاسترقاق ، منها المنع من المنبع ، وهى الاسترقاق ، فيحرم استرقاق الانسان من البداية . ولتحرير الرقيق الموجود فعلا نزلت تشريعات تشجع على هذا وتجعله ضمن الصدقات والكفّارات ، مع وجوب معاملة الرقيق كصاحبه تماما فى المال . ولكن سرعان ما عاد السبى والاسترقاق بعد موت النبى عليه السلام ، وكان خالد بن الوليد بطل حرب الردة والفتوحات ، وبطل استرقاق المنهزمين وقتل الأسرى والسلب والنهب . ونعطى أمثلة:

2 ـ تحت عنوان : ( ذكر ردة أهل عمان ومهرة ) يلخّص ابن الأثير فى الكامل روايات الطبرى ، يقول عن حرب خالد لقوم ربيعة بن بجير وأن خالد قاتله (.. وغنم وسبى وأصاب ابنة لربيعة فبعث بها إلى أبي بكر، فصارت إلى علي بن أبي طالب . ). أى سرعان ما عاد الصحابة الى تشريعات الجاهلية فى السبى بمجرد موت النبى ، وبداية من حرب الردة . وأصبح هذه شريعة عملية لا تستوجب إنكارا ، لأنها تتفق مع الشرع السائد فى العالم وقتها ، وتعامل بها المسلمون فيما بينهم وفى تعاملهم مع الروم ، فكان قتل الأسرى وسبى المقاتلين وذراريهم سائدا فى الحروب بين المسلمين ، وبينهم وبين الروم . ثم قام ابن اسحق فى سيرته فنسب هذا الإفك للنبى عليه السلام ، أنه كان يقتل الأسرى ، وأنه كان يسبى النساء .

3 ـ وفى موقعة ( الثنى ) التى هزم فيها خالد الفّرس فى العراق ، تقول الروايات (   وقتل من الفرس مقتلة عظيمة يبلغون ثلاثين ألفاً سوى من غرق ومنعت المياه المسلمين من طلبهم. وقسم الفيء وأنفذ الأخماس إلى المدينة وأعطى الأسلاب من سلبها، وكانت الغنيمة عظيمة، وسبى عيالات المقاتلة، وأخذ الجزية من الفلاحين وصاروا ذمةً. وكان في السبي أبو الحسن البصري، وكان نصرانياً. ). أى من أبناء السبى والسبايا جاء جيل أبناء الموالى الذين تزعموا الحركة العلمية فى العصر الأموى ، ومنهم ابن اسحاق والحسن البصرى وربيعة الرأى .

4 ـ وفى موقعة ( عين التمر ) انهزم العرب الموالون للفرس واسر خالد زعيمهم ( عقة ) وقتله ، تقول الرواية عن خالد :( وسار عقة إلى خالد فالتقوا، فحمل خالد بنفسه على عقة وهو يقيم صفوفه، فاحتضنه وأخذه أسيراً وانهزم عسكره من غير قتال فأسر أكثرهم.فلما بلغ الخبر مهران هرب في جنده وتركوا الحصن، فلما انتهى المنهزمون إليه تحصنوا به، فنازلهم خالد، فطلبوا منه الأمان، فأبى، فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى، وقتل عقة ثم قتلهم أجمعين،  وسبى كل من في الحصن وغنم ما فيه، ووجد في بيعتهم أربعين غلاماً يتعلمون الإنجيل، فأخذهم فقسمهم في أهل البلاء، منهم: سيرين أبو محمد، ونصير أبو موسى، وحمران مولى عثمان. وأرسل إلى أبي بكر بالخبر والخمس ). هنا قتل للأسرى وسبى للأطفال وسلب للأموال.

5 ـ وفى موقعة دومة الجندل ، رفض زعيمها أكيدر قتال خالد وأشار على قومه بالصلح فرفضوا ، فتركهم بمن معه ، وبعث خالد فرقة من جيشه أسرت أكيدر وقتلته وسلبت ما كان معه . ثم قاتل خالد من بقى بالمدينة وأسر قائدهم الجودى وقتله وقتل الأسرى ، واستولى على الحصن (  فقتل المقاتلة ، وسبى الذرية .. فباعهم، واشترى خالد ابنة الجودي، وكانت موصوفةً.بالجمال ).

 6 ـ وفى موقعة الثنى والزميل شرقى الرصافة ، تقول الروايات عن خالد وجنده وهزيمته للعرب الموالين للفرس : ( وجردوا فيهم السيوف، فلم يفلت منهم مخبر، وغنم وسبى وبعث بالخبر والخمس مع النعمان بن عوف إلى أبي بكر، فاشترى علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، بنت ربيعة بن بجير التغلبي، فاتخذها فولدت له عمر ورقية. ) ( ولما انهزم الهذيل بالمصيخ لحق بعتاب بن فلان، وهو بالبشر، في عسكر ضخم، فبينهم خالد ( أى هاجمهم ليلا ) بغارة شعواء من ثلاثة أوجهٍ قبل أن يصل إليهم خبر ربيعة، فقتل منهم مقتلة عظيمة لم يقتلوا مثلها وقسم الغنائم، وبعث الخمس إلى أبي بكر . )

7 ـ وفى موقعة الولجة بعد موقعة الثنى ( ...انهزمت الأعاجم، وأخذ خالد من بين أيديهم والكمين من خلفهم فقتل منهم خلقاً كثيراً، ومضى الأندرزعز منهزماً فمات عطشاً، وأصاب خالد ابناً لجابر بن بجير وابناً لعبد الأسود من بكر بن وائل، وكانت وقعة الولجة في صفر، وبذل الأمان للفلاحين، فعادوا وصاروا ذمةً، وسبى ذراري المقاتلة ومن أعانهم.). تأمين الفلاحين ليس شفقة بهم ولكن  لأنهم أدوات الانتاج المسخرين للزراعة .
8 ـ موقعة أليس : وفيها صمد العرب والفرس فى مواجهة خالد فنذر خالد إن ظفر بهم فلن يترك منهم احدا وسجعل النهر أحمر بدمائهم ، تقول الرواية : (فاقتتلوا قتالا شديدا والمشركون يزيدهم كلبا وشدة ما يتوقعون من قدوم بهمن جاذويه فصابروا المسلمين ..وحرب المسلمون عليهم . وقال خالد : اللهم إن لك علي إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحدا قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم .) وانهزموا ، ( فأمر خالد مناديه فنادى في الناس : " الأسر الأسر. لا تقتلوا إلا من امتنع " ، فأقبلت الخيول بهم أفواجا مستأسرين ، يُساقون سوقا ، وقد وكل بهم رجالا يضربون أعناقهم في النهر . ففُعل ذلك بهم يوما وليلة ، وطلبوهم الغد وبعد الغد حتى انتهوا إلى النهرين ومقدار ذلك من كل جوانب أليس فضرب أعناقهم . ) مع ذلك فلم تكف دماؤهم لصبغ النهر باللون الأحمر .! ( وقال له القعقاع  .. : " لو أنك قتلت أهل الأرض لم تجر دماؤهم ..  فأرسل عليها الماء تبر يمينك ." وقد كان صد الماء عن النهر فأعاده ، فجرى دما عبيطا فسمي : " نهر الدم " لذلك الشأن إلى اليوم. وكانت على النهر أرحاء فطحنت بالماء وهو أحمر قوت العسكر ثمانية عشر الفا أو يزيدون ثلاثة أيام .! ) ( وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جندلا من بني عجل وكان دليلا صارما ، فقدم على أبي بكر بالخبر وبفتح أليس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس وبأهل البلاء من الناس . فلما قدم على أبي بكر فرأى صرامته وثبات خبره قال : ما اسمك ؟ قال : جندل . قال : ويها جندل نفس عصام سودت عصاما  وعودته الكر والإقداما . وأمر له بجارية من ذلك السبي ، فولدت له ... وبلغت قتلاهم من أليس سبعين ألفا . جلهم من أمغيشيا ). أبعد هذا ..وحشية ؟!!

9 ـ وارتعب أهل أمغيشيا مما حدث فى أليس فتركوا مدينتهم هربا من خالد وخوفا من الفتل والسبى . تقول الرواية  ( لما فرغ خالد من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا وقد أعجلهم عما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد . ومن يومئذ صارت السكرات في السواد . فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها . وكانت مصرا كالحيرة . وكان فرات بادقلى ينتهي إليها . وكانت أليس من مسالحها فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط . )، أى كانت الغنائم من مدينة أمغيشيا فوق التصور ، لأن أهلها نجوا بأنفسهم تاركين خلفهم كل ثرواتهم ، فنهبها خالد . وكالعادة بعث بالخُمس لأبى بكر ..

10 ـ موقعة الفراض ، وفيها ( اقتتلوا قتالا شديدا طويلا ) وانتصر خالد . ( وقال خالد للمسلمين :" ألحوا عليهم ولا ترفهوا عنهم " ، فجعل صاحب الخيل يحشر منهم الزمرة برماح أصحابه ، فإذا جمعوهم قتلوهم . فقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب مائة ألف . وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشرا ثم أذن في القفل إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة . )..قتلوا مائة الف ، جريمتهم أنهم كانوا يدافعون عن أوطانهم ...!!

11 ـ وفى طريق خالد الى الشام لنجدة المسلمين (  أتى حدوداء فقاتله أهلها فظفر بهم، وأتى المصيخ وبه جمع من تغلب فقاتلهم وظفر بهم وسبى وغنم.وكان من السبي الصهباء بنت حبيب بن بجير، وهي أم عمر بن علي ابن أبي طالب. ) . يعنى أن عليا بن أبى طالب الذى لم يشارك فى الغزو ، تمتع بثمرات الغزو ، بعد موت السيدة فاطمة الزهراء فكان ( يتسرى) باجمل بنات السبى ، وأنجب منهن . نعود لخالد : (.. ، وأتى حوارين فقاتل أهلها فهزمهم وقتل وسبى  ) ( ...ثم سار فأتى مرج راهط فأغار على غسان في يوم فصحهم فقتل وسبى، وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد.. ثم سار حتى وصل إلى بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم، فكانت بصرى أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد.. وبعث بالأخماس إلى أبي بكر. ) . تُرى ... كم وصل لأبى بكر من (فتوحات ) خالد وومن سلبه ونهبه لثروات العراق والفرس ؟ لذا كان التعجيل بقتله ودفنه ليلا والاستيلاء على بيت المال.

ثانيا : إنتهاك الأشهر الحُرم فى خلافة أبى بكر وفتوحاته

 فى الفتوحات إنتهك الصحابة كل الأشهر الحرم . لا فارق بين ذى الحجة ومحرم . وروايات الفتوحات كانت تذكر بعض الأحداث بشهورها . ونشير الى بعض المعارك التى وقعت فى خلافة أبى بكر وقت  الأشهر الحرم ( ذو الحجة / محرم / صفر / ربيع الأول ) بالذات ، وفى النّص المنقول نضع الشهر الحرام بين قوسين.

 1 ـ  يروى الطبرى أن أبا بكر بعد إنصرافه من مكة أرسل الى خالد بن الوليد بعد هزيمة المرتدين يأمره بمتابعة الزحف لفتح الشام (.. ففيها وجه أبو بكر رحمه الله الجيوش إلى الشأم بعد منصرفه من ( مكة ) إلى المدينة .) (: لما قفل أبو بكر من الحج سنة اثنتي عشرة جهز الجيوش إلى الشأم فبعث عمرو بن العاص قبل فلسطين فأخذ طريق المعرقة على أيلة وبعث يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وهو أحد الغوث وأمرهم أن يسلكوا التبوكية على البلقاء من علياء الشأم ). أى حين إنصرف من مكة ( البلد الحرام ) كان أبو بكر فى شهر حرام هو ذو الحجة ، وفيه أصدر قراره بانتهاك هذا الشهر الحرام بالعدوان على العراق والشام ولم يكن سكان هذه البلاد أو الفرس والروم  قد بدأوه بحرب . يقول الطبرى عن حملة خالد : ( .. أن أبا بكر رحمه الله وجه خالد بن الوليد إلى أرض الكوفة وفيها المثنى بن حارثة الشيباني فسار في (المحرم) سنة اثنتي عشرة فجعل طريقه البصرة وفيها قطبة بن قتادة السدوسي ) أى سار خالد يغزو باسم ابى بكر فى شهر حرام هو شهر المحرم .

2 ـ واشتعلت الحرب التى أعلنها ابو بكر من جانب واحد ، وجرت أنهار الدماء بداية من الشهر المحرم ( محرم) عام 12 هجرية ، وما تلاه من أشهر حرم وغير حرم . وفى المناجزات الحربية الأولية فى الشام بين الروم والعرب قبل مجىء خالد وموقعة اليرموك يروى الطبرى : (وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزل عليهم بحذائهم على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم فقال عمرو: أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم وقلما جاء محصور بخير. فأقاموا بإزائهم وعلى طريقهم ومخرجهم (صفر) من سنة ثلاث عشرة وشهري ( ربيع) ، لا يقدرون من الروم على شيء ولا يخلصون إليهم اللهب وهو الواقوصة من وراهم والخندق من أمامهم ولا يخرجون خرجة إلا أديل المسلمون منهم حتى إذا اسلخوا شهر (ربيع الأول ( وقد استمدوا أبا بكر وأعلموه الشأن في صفر فكتب إلى خالد ليلحق بهم وأمره أن يخلف على العراق المثنى فوافاهم في ( ربيع). ). وضعنا الأشهر الحرم بين قوسين .

3 ـ  وعن موقعة أمغيشيا يقول الطبرى إنها وقعت فى شهر صفر : ( في (صفر)، وأفاءها الله عز و جل بغير خيل . ) أى هرب أهلها منها رعبا من سيوف الصحابة . ترك أهل أمغيشيا بلدهم لينجو بحياتهم ، وكانت بلدا عظيمة وعاصمة للاقليم فنهبها خالد بن الوليد ثم دمّرها تماما حتى لم يعد لها وجود . حدث هذا فى شهر صفر الحرام .!! يقول الطبرى : ( لما فرغ خالد من وقعة أليس نهض فأتى أمغيشيا ، وقد أعجلهم عما فيها ،  وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد ( أى ريف العراق ) ، ومن يومئذ صارت السكرات في السواد ، فأمر خالد بهدم أمغيشيا وكل شيء كان في حيزها . وكانت مصرا كالحيرة وكان فرات بادقلى ينتهي إليها . وكانت أليس من مسالحها . فأصابوا فيها ما لم يصيبوا مثله قط ...لم يصب المسلمون فيما بين ذات السلاسل وأمغيشيا مثل شيء أصابوه في أمغيشيا ، بلغ سهم الفارس ألفا وخمسمائة سوى النفل الذي نفله أهل البلاء . وقالوا جميعا : قال أبو بكر رحمه الله حين بلغه ذلك : يا معشر قريش ـ يخبرهم بالذي أتاه ـ عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد. ! ) لم يفعل أهل أمغيشيا ضرا بأى بكر أو الصحابة ، ولكن أبابكر وصحابته سرعان ما ابتدعوا دينا يجعل الجهاد فى قتل المسالمين و سلب اموالهم وتدمير بلادهم ، ثم يفخر أبو بكر بما ارتكبه خالد من جرائم حرب ، بعد أن وصلت اليه بقية الغنائم .والطبرى المؤرخ السنى الحنبلى يجعل هذه الجريمة بأهل أمغيشيا الضحايا المساكين وبلدهم المنكوب عملا يرضى عنه رب العزة بل ينسبه لله جل وعلا ويجعله فيئا أفاء الله جل وعلا به على أولئك الغزاة المعتدين ، فيقول : ( في صفر وأفاءها الله عز و جل بغير خيل . ) .

والذى كان يسارع بالخنوع والخضوع ويبادر بدفع الجزية كان يحقن دمه ودم قومه فى دين خالد بن الوليد وأبى بكر الصديق . يروى الطبرى : ( أن أبا بكر رضي اللّه عنه كتب إلى خالد يأمره أن يسير إلى العراق ، فمضى خالد يريد العراق ، حتى نزل بقُريات من السواد يقال لها‏:‏ بانِقْيا وبارُوسْما وألَيْس ، فصالحه أهلها ، وكان الذي صالحه عليها ابن صَلوبا ، وذلك في سنة اثنتي عشرة ، فقبل منهم خالد الجزية وكتب لهم كتابًا فيه‏:‏ ‏"‏ بسم اللّه الرحمن الرحيم من خالد بن الوليد لابن صلوبا السَّواديّ ومنزله بشاطىء الفرات إنك آمن بأمان اللّه إذ حقن دمه بإعطاء الجزية وقد أعطيت عن نفسك وعن أهلك خَرْجك وجزيرتك ومن كان في قريتك ألف درهم فقبلتها منك ورضي من معي من المسلمين بها منك ، ولك ذمة اللّه وذمة محمد صلى الله عليه وسلم وذمة المسلمين على ذلك‏.‏  ) .  صاحبنا دفع الجزية فنجا هو وقومه . إمّا إن أراد أن يدافع عن نفسه وشرفه وبيته وماله وممتلكاته ووطنه فحكمه فى دين أبى بكر وخالد القتل له ولأهله السبى والاسترقاق ولممتلكاته السلب والنهب . هذا إثم فظيع ، ولكنّ الأفظع أن يرتكبوا هذا ياسم الاسلام . وهو منهم برىء . فقبل سنوات أمرهم الله جل وعلا باتباع طريق السلام فقال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) وقد حذّرهم رب العزّة مقدما فقال ( فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمْ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)(البقرة )، ولكنهم ارتكبوا ذلك واتبعوا خطوات الشيطان يتمسحون باسم رسول الاسلام الذى بعثه الله رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)(الأنبياء)،فجعلوا الاسلام قتلا للعالمين .!!

4 ـ يقول الطبرى عن معركة أخرى فى شهر صفر الحرام : (وكانت وقعة المذار في (صفر) سنة اثنتي عشرة‏.‏)، وفيها هُزم الفرس : (وقتل من فارسثلاثون ألفًا سوى من غرق وأعطى خالد الأسلاب من سلبها وقسم الفيء وبعث ببقيةالأخماس مع سعيد بن النعمان ) ، أى بعثها لأبى بكر فى المدينة . ولنتذكر أن الفىء هذا يشمل السبابا من النساء والأطفال ، أى ساروا بهم من فارس الى المدينة ، بعد فصل الامهات عن اولادهن وبناتهن والتفريق بين العائلات وقتل الرجال . ثم ينتهى المطاف بمن يبقى حيا ليكون رقيقا ومولى فى المدينة ، يقال له من أبناء الموالى ، والذين أصبحوا جيلا كاملا فيما بعد جاء من ذرية أولئك السبابا الأطفال والبنات . ومات أبو بكر أثناء فتوح الشام ، وقبيل معركة اليرموك ، التى حدثت فى شهر (ربيع ) الحرام سنة 13 .  

ثالثا : لماذا إنتصر العرب ؟

1 ـ  تقول الروايات : ( وقام خالد في الناس خطيبا يرغبهم في بلاد العجم ويزهدهم في بلاد العرب ، وقال : ألا ترون إلى الطعام كرفغ التراب ؟!. وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ولم يكن إلا المعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ونولي الجوع والإقلال من تولاه ممن اثاقل عما أنتم عليه . وسار خالد في الفلاحين بسيرته ، فلم يقتلهم وسبى دراري المقاتلة ومن أعانهم ودعا أهل الأرض إلى الجزاء ( الجزية ) والذمة فتراجعوا. ) .

نحن هنا أمام قوم جوعى للثراء والنساء ، يريدون السلب والنهب وتسخير الفلاحين ، ويجعلون مبررا دينيا للغزو والسلب والنهب والسبى ، فيغلّفون شهواتهم باسم الجهاد فى سبيل الله .! وهو جهاد فى سبيل الشيطان ، استحلّ الأشهر الحُرُم ، واستحل قتل التفس التى حرّم الله جل وعلا قتلها إلا بالحقّ ، أى بالقصاص فقط .

أخيرا

1 ـ قاتل أبو بكر قوما مسالمين له ، لم يبدأوه بعدوان ، ولم يبعثوا بجيوشهم الى المدينة ، بل هو الذى أرسل جيوشه من المدينة لقتالهم ، وأسرف خالد فى قتل الأسرى من المقاتلين الأبطال الذين يدافعون عن أنفسهم وأهاليهم وأرضهم واموالهم ونسائهم . وسبى خالد ذراريهم ونساءهم ، وفرّقهم على جنده ، وبعث بخُمس السلب والسبى الى أبى بكر فى المدينة ، واستمتع الصحابة فى خريف العمر وعلى رأسهم ( على بن أبى طالب ) بهؤلاء النساء . وانجبوا منهن الذرية .

2 ـ  إن الله جل وعلا كما أوجب عدم الظلم فى الأشهر الحُرُم ، فإنه جل وعلا كذلك جعل من أفظع الجرائم قتل إنسان مسالم مؤمن مأمون الجانب ، وأى إنسان مُسالم مأمون جانبه لا يقتل الناس فإنّ قتله من أفظع الجرائم فى شرع الله جل وعلا .

 3 ـ وفى بحث ( الاسلام دين السلام ) قلنا : (  ومع وضوح الصلة بين المفهوم الاسلامي والايمان وتشريعات القتال ،الا ان تشريعات القرآن جاءت بتأكيدات اخرى حتى تقطع الطريق علي كل من يتلاعب بتشريعات القرآن ومفاهيمه ،ونعطي لذلك مثالا ساطعا في سورة النساء وهي تتحدث عن حرمة قتل انسان مسالم مؤمن مأمون الجانب ،تقول الاية 92 من سورة النساء (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً ) أي لايمكن ان يقتل مؤمن مسالم مؤمنا مسالما الا علي سبيل الخطأ، او بمعني اخر لا يمكن ان يتعمد المؤمن المسالم قتل المؤمن المسالم الاخر، ثم تتحدث الاية عن الدية المفروضة واحكامها .

وتتحدث الاية 93 عن عقوبة قتل المؤمن المسالم (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) ) ، فالذي يقتل مؤمنا مسالما جزاؤه الخلود في جهنم مع العذاب العظيم ولعنة الله وغضبه ،وهي عقوبات فريدة قلما تجتمع فوق رأس احد من الناس يوم القيامة . وتتحدث الاية 94 عن ذلك المؤمن المسالم الذي تحرص تشريعات القرآن علي حقه في الحياة: يقول تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ) ، أي في ساعة المعركة علي المؤمنين ان يتبينوا حتي لا يقعوا في جريمة قتل انسان مسالم شاء سوء حظه ان يوجد في الميدان. ويعطى القرآن مسوغا للنجاة لكل مقاتل في الجهة المعادية فيكفي ان يقول (السلام عليكم ) ، فاذا القاها حقن دمه واصبح مؤمنا مسالما  حتي في ذلك الوقت العصيب ،أي ان المسلم المسالم المؤمن هو من يقول (السلام) حتي في ساعة الحرب واذاتعرض للقتل فان قاتله يستحق الخلود في النار والعذاب العظيم ولعنة الله وغضبه .

واذا كان محاربا يقتل المسلمين في الحرب ثم بدا له ان يراجع نفسه فما عليه الا ان يعلن الاستجارة ،وحينئذ تؤمن حياته او يعطي الامان، ويسمعونه القرآن حتي يكون سماعه للقرآن حجة عليه يوم القيامة ،ثم علي المسلمين ايصاله الي بيته في امن وسلام، وذلك معني قوله تعالي:( وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)التوبة 6). انتهى النقل . 

4 ـ لذا نؤكّد أن الفتوحات التى قام بها أبو بكر وعمر وعثمان ومن جاء بعدهم هى أكبر ردّة  عن الاسلام . قالوا للآخر (لَسْتَ مُؤْمِناً ) وهجموا عليه يقتلون ويسبون وينهبون يبتغون عرض الحياة الدنيا ، مع إن الله جل وعلا حذرهم قبلها بعدة سنوات فقال : ( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  ) .!!

اجمالي القراءات 14038