نحو مصر أفغانية

كمال غبريال في الثلاثاء ٠٩ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أعتقد أن من يذهب وراء نظرية المؤامرة في الاعتداءات الهمجية على الأقباط، فيتهم بتدبيرها نظام مبارك قديماً، ويتهم الإخوان الآن بالتخطيط لها مع سبق الإصرار والترصد، يرتكب جريمة صرف النظر عن موطن الداء الحقيقي، وهو وضع الشارع المصري في ظل تحريضات أئمة المساجد ليل نهار ضد من يسمونهم "النصارى عباد الصليب". . الخلل الأساسي في القاعدة، وكل من يلعب بها بعد ذلك ويوظفها لأغراضه وأهوائه هو بالأكثر يأتي في الدرجة الثانية من الأهمية، فلننظر كيف نحمي القاعدة ونشفيها من وباء التعصب والهوس الديني والروح الإجرامية.
في لقاء تليفزيوني أخير تحدث المصري الجميل الأصيل د. محمود عزب نائب شيخ الجامع الأزهر عن أبحاث "بيت العائلة" لاكتشاف جذور الأحداث الطائفية وكيفية القضاء عليها، وركز على أهمية ثلاثة مؤسسات هي وزارات التعليم الثقافة والإعلام، باعتبارها القادرة على بناء إنسان وطني خال من الكراهية والتعصب، كما تحدث عن ضرورة إصلاح الخطاب الديني الإسلامي والمسيحي للتوجه نحو زرع الانتماء الوطني بين الناس. . كان الرجل رائعاً بعلميته وعقلانيته وإخلاصه، والحقيقة أن ما ذكره يعرفه البعض من العلماء المخلصين من زمن طويل، والمشكلة الأزلية ليست الجهل بعناصر المشكلة، ولكن افتقاد الإرادة السياسية للقيام بالإصلاحات المطلوبة، وإذا كان رجل الأزهر المخلص هذا يتحدث عن التعليم وأثره، فلعله يعرف ما بمناهج الأزهر من مواد ونصوص تنتج للمجتمع مَن مِن الطبيعي أن يلتحق بعد ذلك بالتشكيلات الإرهابية، ويعرف د. محمود عزب قطعاً أن محاولات سابقة لتنقية مناهج الأزهر قد تم إجهاضها بدعوى أنها أتت استجابة لإملاءات وتدخلات أمريكية في مناهج الأزهر. . مع بالغ الأسف "وسطية الأزهر" التي نتحدث عنها ونستند إليها في الملمات ترجع فقط للقلة المختارة لتولي المناصب العليا بالأزهر، والتي كان يتم انتقاؤها انتقاء تعسفياً من بين المتسمين بالحكمة والتعقل، لكن عموم التيار الفكري بالأزهر هو أبعد ما يكون عن تلك الوسطية، ولا يضمن أحد الآن الكيفية التي سيتم بها المستقبل اختيار مثل هذه القيادات في ظل مصر الإخوانية السلفية!!

كانت خلاصة مداخلة سعادتلو لواء مدير مباحث الداخلية ببرنامج تليفزيوني حول أحداث الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أن "الفئة المندسة" الشهيرة والمتخصصة في إحداث كل مصائبنا قد اتضح أخيراً أنها قبطية، وقد أمن ضيوف البرنامج على ذلك ساخرين مؤكدين أن "الأقباط هم اللي أكلوا الجبنة" (كما جاء في فيلم "أبو علي" للفنان "كريم عبد العزيز")، رغم أن "الأقباط لا يأكلون الجبنة" اليوم لأنهم صائمين!!. . من الأفضل أن نحاول قلبها سخرية بدلاً من الإصابة بانفجار في شرايين المخ، والحقيقة أنني كنت أؤيد شعار "الشعب والشرطة إيد واحدة"، ولم أتصور أن تطبيقه سيكون ما رأيناه من تعاون الشرطة مع "قطعان المجاهدين" في قصف الكاتدرائية بالرصاص والطوب والقنابل المسيلة للدموع!!
كان يمكن أن نفهم أداء الشرطة وموقفها مما نشهد من تخريب ومذابح تمارس ضد المواطنين الأقباط المستضعفين المسالمين باعتباره من قبيل العجز وانعدام الكفاءة، لكن التصريحات التي تصدر عن كبار قادتها لا تجعل لنا مهرباً من اعتبار الداخلية ضلعاً أصيلاً في هذه المهزلة. . في مثل هذه الهجمات البربرية الطائفية على الأقباط كان نظام مبارك يبدو عاجزاً أو بالأكثر غير راغب في ردعها، أما الآن فالنظام مشارك أصيل فيها. . الفارق بين الوضع الآن وعصر مبارك أن نيران الإرهاب الديني لا تأكل الآن الأقباط وحدهم، لكنها تلتهم مصر كلها، ونخشى ألا تتوقف حتى تحيل البلاد إلى كتلة من رماد.
وفقاً لنظرية "من المستفيد" الوبائية الانتشار، وعلى نهج أستاذ العلوم السياسية د. حسن نافعة، يكون مدبر أحداث الكاتدرائية ومدينة "الخصوص" هم الأقباط أنفسهم لعدائهم للمشروع الإسلامي. . إمسك إرهابي: تم تصوير شباب داخل الكاتدرائية ماسكين في إيدهم فرد خرطوش، هوبااااااااا. . جريمة احراز سلاح بدون ترخيص، حتى لو كان الشباب ده جوه الكاتدرائية، وكان محاصراً بناس بتهاجمه، وبعد ما كان قد خرج يشيع جثامين الشهداء اضطر إلى العودة لدخول الكاتدرائية هرباً من الهجوم الكاسح عليه. . جريمة ارتكبها هؤلاء الشباب، حتى لو كانوا لم يذهبوا لمسجد أو أي منشأة لمهاجمتها، وحتى لو كانوا مختبئين بالكنيسة ولم يواجهوا الحشود اللي تحاصرهم، ولم يصل الخرطوش الذي يزعمون إطلاقه إلى أي أحد من المهاجمين أو المجاهدين الأبرار ضد الكنيسة الكافرة. . امسك إرهابي!!. . أتمنى بالفعل القبض على هؤلاء الشباب حاملي الخرطوش، وأن يتم وضعهم في زنزانة واحدة مع مهاجميهم، ومع القيادات الأمنية التي أمرت بقذف الكاتدرائية ومن بها بالقنابل المسيلة، ومعهم أيضاً من قاموا بعمليات إرهاب حقيقية عند الاتحادية ومدينة الإنتاج الإعلامي وفي سائر أنحاء البلاد. . المسيحي أفضل له أن يكون مقتولاً، ولا يكون أبداً ومهما كانت الظروف قاتلاً. . هذه هي المسيحية التي يفخر بها المنتمون إليها.
الديكتاتورية بدأت بعبد الناصر، والفساد والإرهاب الديني بدأ بالسادات، لتجتمع في عصر مبارك ثلاثية الاستبداد والفساد والإرهاب الديني، أما انهيار الدولة المصرية بكل مكوناتها فيحدث الآن على أيدي ذئاب الظلام، لذا نقول أن ثورة 25 يناير لم تكن خطيئة بذاتها، والخطيئة هي ما ارتكبه الشعب المصري في حق نفسه بعدها، حين جاء بأسوأ الخلق أجمعين ليكونوا حكاماً له.
لعل مصر الآن تقترب من وضع يماثل ما حدث في الثورة المصرية الأولى في عهد الأسرة السادسة التي سيطر عليها رجال الدين، وذلك في أيام الملك بيبي الثاني (حوالي عام 2100 ق. م.)، حيث عمت الفوضى البلاد، وهاجم الغوغاء المعابد وقصور الأغنياء ونهبوها، وظلت البلاد في فوضى عارمة شاملة ردحاً من الزمان.
كل المطلوب من الأقباط لكي لا يتم سحقهم سحق الحشرات أو ذبحهم ذبح النعاج، أن يخرجوا جميعاً رافعين أياديهم إلى فوق صارخين قائلين "آآآآآآآآآآه" كما في فيلم عادل إمام "النوم في العسل". . صعبة دي؟!!. . الحقيقة أن الأقباط خصوصاً والمصريون عموماً يحتاجون إلى "غاندي مصري"، يقاوم الشر بالخير، ويقهر أعتى العصابات الإجرامية بنشر المحبة والسلام. . ليس بالطبع بالقعود واجترار أناشيد المحبة الخاوية الواهنة، ولكن بالعمل الإيجابي الجاد من أجل وطن يحترم إنسانية الإنسان.

اجمالي القراءات 5810