حقيقة صيام يوم عاشوراء في الإسلام

سامح عسكر في الأربعاء ٠٣ - أبريل - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

 

يصوم المسلمون السُنّة يوم العاشر من مُحرّم من كل عام، ويُطلقون على هذا اليوم .."يوم عاشوراء".. نسبةً لليوم العاشر من الشهر، ولكن المسلمون من الشيعة يقولون بأن صوم يوم عاشوراء هو بدعة اختلقها الأمويون .."النواصب"..لتعظيم يوم استشهاد الإمام الحسين عليه السلام..وإلى الآن يحتفل السُنّة بهذا اليوم ويعدونه عيداً سنوياً لأسباب ليست لها علاقة بحادثة استشهاد الإمام الحسين ،بل ويعدون صوم هذا اليوم قُربة من القربات استناداً إلى مرويات حديثية وتاريخية تجعل صوم هذا اليوم سُنة واقتداءً بالرسول والجيل الأول من المسلمين.

هنا نود أن نبحث في هذا الموضوع بعيداً عن أي رؤية مذهبية أو أيدلوجية وسنجعل فيها الدليل هو الحَكَم لتبيان هذه القصة ...

سنورد النصوص كما هي في "صحيح البخاري"..وسنعقبها بالإشكاليات:

أولا-الروايات:

1-حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:

"قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ"

2-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

"كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ"

3-حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِصِيَامِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ"

4-حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

"يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ وَلَمْ يَكْتُبْ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ وَأَنَا صَائِمٌ فَمَنْ شَاءَ فَلْيَصُمْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُفْطِرْ"

ثانياً-الإشكاليات:

1-هناك تعارض بين الرواية الأولى والرواية الثانية..ففي الرواية الأولى يظهر بأن النبي لم يكن يعلم عن عاشوراء وصومه شيئا حين قدم للمدنية..بينما الرواية الثانية تقول بأن الرسول كان يصوم عاشوراء في مكة بدلالة صوم قريش لهذا اليوم...كيف؟!

2-الرواية الأولى بها انتقاص واضح من رسول الله ، إذ جعلت بني إسرائيل هم الذين يُعلّمون الرسول ماهية هذا اليوم وفضله وأيضا صيامه..مما يفتح بابا للقول بأن اليهود هم أساتذة النبي وكانوا يعلمونه أشياء....وكيف يأمن لهم النبي بمجرد قولهم أن هذه كانت شريعة موسى وهم من عُرف عنهم الكذب وتحريف الدين؟!

3-الرواية الثالثة تقول بأن الرسول أمر بصوم يوم عاشوراء ثم وبعد فرض صيام شهر رمضان انتقل حُكم صيام يوم عاشوراء من الوجوب إلى الجواز بدلالة.."فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ"

أي نفهم من ذلك أن صوم عاشوراء-حسب الرواية-كان مفروضا قبل تشريع صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة-بصريح القرآن.....بينما الرواية الرابعة- المسموعة من معاوية- تُقِر بجهل أهل المدينة بهذا اليوم حتى زمن معاوية..ومعروف أن زمن إسلام معاوية كان في السنة العاشرة من الهجرة..كيف؟!

4-لا أعلم عن تعظيم اليهود ليوم عاشوراء إلا من هذه الروايات..فاليهود المعاصرين لا يحتفلون به، كيف ذلك وهم يعلمون أن أسلافهم كان يعظمونه..أود تبيان هذه النقطة فقد تكون معلوماتي حول الدين اليهودي ضعيفة..فلم أعلم من شريعة اليهود أي تعظيم ليوم عاشوراء إلا من هذه النصوص التي وُجدت لدى المسلمين....وأي باحث في الأديان لا يأخذ شرائع الأديان من غيرهم..لابد وأن تكون لديهم نصوص صريحة وواضحة تحملهم على تعظيم ذلك اليوم..أين هذه النصوص؟!

5-هناك أقاويل يُرددها البعض أن صوم يوم عاشوراء كان يوافق يوم عيد الفصح اليهودي أو ما يسمى بعيد الخلاص الموافق ليوم نجاة بني إسرائيل من فرعون ويستدلون بأدلة..وأن أول من شرّع لصيام هذا اليوم لدى المسلمين هم الأمويون..فما مدى صحة هذه الأقاويل خاصة وأن الدكتور عبدالوهاب المسيري قال بأن اليوم الوحيد الذي تصومه اليهود هو يوم "الغفران"..أو يوم كيبور وهو الصوم الوحيد الذي ورد في أسفار موسى الخمسة...

قلت :هذا إن دلّ فإنما يدل أنه لا يوجد يوم يصومه اليهود يسمى بيوم عاشوراء!..ناهيك أن السنة لدى اليهود شمسية وليست قمرية..فمن إذا الذي ابتدع هذا الإسم ولصقه في رواية البخاري ونسبه لحديث الرسول مع اليهود...وهل يجوز لنا القول بأن جميع روايات صوم يوم عاشوراء هي إسرائيليات مصحوبة بكيدية مذهبية تُعظّم من هذا اليوم؟!

6-لو جوّزنا صحة جميع الروايات وسلامتها فإن صوم يوم عاشوراء كان مستحباً قبل تشريع صوم رمضان..فلما نُسخ بصوم رمضان أصبح هذا اليوم كسائر الأيام يجوز فيه الصيام طبقا لقاعدة "من شاء ومن أبى فلا حرج عليه"..وأن انتظار هذا اليوم كعيد من عام لآخر هو غلو وكيدية مذهبية دخيلة على شريعة محمد..هل هذا الكلام صحيح؟

7-يقول الدكتور سعدي أبو حبيب في كتابه "القاموس الفقهي".."عاشوراء: اليوم العاشر من شهر المحرم عند جماهير العلماء، وهو اسم إسلامي لا يُعرف في الجاهليّة"..انتهى.. وكذلك وافقه ابن الأثير في "النهاية" وإبن دريد في "الجمهرة" والقاضي عياض في "مشارق الأنوار".

قلت: كيف ذلك والرواية الثانية في صحيح البخاري تؤكد ثبوت صحة صوم هذا اليوم في الجاهلية، ولو كانوا يصومونه في الجاهلية فعلي أي إسم أو عنوان كانوا يقدسونه؟!...إن صيام يوم وتعظيمه لهذه الدرجة لابد وان يكون عنوان التقديس أو إسم هذا اليوم في الجاهلية كان معروفاً لدى الصحابة ..والصحابة أغلبهم كانوا يعيشون في عصر الجاهلية وبالتالي كانوا يعرفونه..فأين هذا العنوان من التراث الإسلامي غير عنوان.."يوم عاشوراء"؟

8-أنكر الشيخ الألباني في كتابه.."تمام المنة" .أي حديث به فضل التوسعة في يوم عاشوراء ردا على رواية"من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته"..فقال بعد تبيان ضعف طرق الحديث.."وهكذا سائر طرق الحديث مدارها على متروكين أو مجهولين ومن الممكن أن يكونوا من أعداء الحسين رضي الله عنه الذين وضعوا الأحاديث في فضل الإطعام والاكتحال وغير ذلك يوم عاشوراء معارضة منهم للشيعة الذين جعلوا هذا اليوم يوم حزن على الحسين رضي الله عنه لأن قتله كان فيه"....

قلت:ولكن الشيخ في ذات الوقت احتج بقول المناوي بقوله ..وقد نقل المناوي عن المجد اللغوي أنه قال: "ما يروى في فضل صوم يوم عاشوراء والصلاة فيه والإنفاق والخضاب والإدهان والاكتحال بدعة ابتدعها قتلة الحسين رضي الله عنه"....أي أفهم من ذلك أن رد الشيخ لا يقتصر فقط على منكورية التوسعة بل إلى الصوم أيضاً...بحاجة إلى من يُدلي بمذهب الشيخ كاملاً في المسألة؟

9-يقول المقريزي ما نصه...""فلمّا زالت الدولة (حكم الفاطميين) اتّخذ الملوك من بني أيّوب يوم عاشوراء يوم سرور ويوسعون فيه على عيالهم ويتبسطون في المطاعم ويصنعون الحلاوات ويتّخذون الأواني الجديد ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام، التي سنّها الحجّاج في أيّام عبد الملك بن مروان، ليرغموا به آناف شيعة علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه، الذين يتخذون يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي، لأنه قتل فيه وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيّوب، من اتّخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسّط ..."..الخطط المقريزيّة، ج1، ص 490....

قلت:رواية المقريزي تشير إلى أن الحجاج بن يوسف الثقفي هو من سنّ مظاهر الإحتفال بيوم عاشوراء، ومن ضمنها التبسطة في الطعام..وحتى زمننا هذا نرى ذلك واضحا أنه في يوم عاشوراء تُعقد فيه الأطعمة ويتبرك الناس فيه بالصلاه والصوم ..فهل الصوم هنا له علاقة بالإحتفال وبالأطعمة أم أن هذا شئ وهذا شئ؟ ..وبالتالي فانعقاد الأطعمة هو بدعة من عمل الحجاج؟..أما الصوم-لو صح- فقد كان طبيعيا خارج أي مظهر من مظاهر الإحتفال وإظهار الفرح والسرور وإعداد الأطعمة.

10-يقول ابن القيم الجوزية في كتابه زاد المعاد في هُدى خير العباد..."الرواية بأن النبي قال " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع "، وأنه لم يأتِ العام المقبل حتى توفي تدلّ أن صوم عاشوراء والأمر بصيامه كان قبل وفاة النبي بعام، وهذا يتناقض مع الرواية الأخرى بأن ذلك كان عند مقدمه المدينة .. وكلا الحديثين من رواية ابن عباس نفسه!

قلت:ابن القيم يرى شُبهات حول روايات صوم يوم عاشوراء..فلماذا كانت مخفية عنّا؟!..أعلم مذهب ابن القيم في المسألة..وأعلم أن قداسة البخاري ومسلم لديه منعته من إكمال البحث ودراسة تلك الروايات دراسة متستفيضة..ولكن ما قاله ابن القيم هو بمثابة خيط نرى به المسألة بشكل أوضح.

11-أخيراً يقول محمود باشا الفلكى فى تقويم العرب قبل الاسلام: "يظهر ان اليهود من العرب كانوا يسمون ايضاً عاشوراء و عاشور اليوم العاشر من شهر تشرىن، الذى هو أول شهور سنتهم المدنية و سابع شهور السنة الدينية عندهم. و السنة عند اليهود شمسية لا قمرية فيوم عاشوراء الذى كان فيه غرق فرعون لا يتقيد بكونه عاشر المحرم بل اتفق و قوعه يوم قدوم النبى." دائرة المعارف البستانى 11:446 .

قلت: فحسب كلام الفلكي أنه حتى ولو صحت جميع الروايات المنسوبة لرسول الله في صوم يوم عاشوراء فهو لا يعدو كونه التقاء صوم يوم عاشوراء لدى اليهود مع قدوم رسول الله للمدينة..وبالتالي فثبوت يوم عاشوراء وجعله العاشر من مُحرّم كل عام لا أصل له.

اجمالي القراءات 35387