في البحث عن الإسلام – مفردات – ملك اليمين في القرآن الكريم
في البحث عن الإسلام – مفردات – عبد - ملك اليمين في القرءان الكريم – الجزء الثاني

غالب غنيم في الثلاثاء ٢٦ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – مفردات – عبد - ملك اليمين في القرآن الكريم - الجزء الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :

هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.

وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

______________


الله تعالى فصل كل شيء في كتابه العزيز، ومنه ولكي نفهم مفردة ملك اليمين، يجب علينا أولا أن نلقي بكل الرأي المسبق مما قرأنا وسمعنا سابقا وأن نخلص توجهنا لله تعالى في البحث عن مدلول هذا المصطلح القرآني الأصل لكي نصل إليه وإلى مفهومه ودلالاته.
وأنا ارتايت أن نفهم كل مفردة على حدة كبداية، ثم نجمع بينهما، أي مفردة "ملك" ومفردة "يمين" ثم نحاول الجمع بينهما، ثم نسقط فهمنا على آيات الله تعالى البينات لكي نمتحن فهمنا لهما فنرى هل هو موافق لعموم وخصوص القرآن الكريم!
وأنا اعرف أن هناك كثيرين ممن كتبوا في ملك اليمين مقالات بل وكتبا كاملة أحيانا وربما مجلدات، ولا أنكر كل ما كتب في هذا الأمر ولا انوي أن أجادل فيما طرح مسبقا أبدا بل كل ما ارغب فيه هو أن اخلص التوجه إلى الله تعالى وأن ادرس المصطلح خالصا من القرآن الكريم ثم أن اتدبر الآيات محاولا فهمها من منظور قرآني بحت لا مساس فيه لأي منظور آخر من حوله!


______________

الفرق بين العبد والعبد المملوك :

هنا فقط مداخلة ارتأيت أن اذكرها بسبب الخلط كثيرا في مفهوم كلمة "مملوك" حيث ان كل المعاجم اتفقت على أنه العبد! وهذا ما استغربت منه فعلا، وربما بسبب مثل هذا النقل في نسخ الكلمات ومعانيها في المعاجم ادى إلى ما نحن فيه لآن من بعد عن لسان القرآن العربي المبين!

من القرآن الكريم، خاطبنا الله تعالى ونحن في الدنيا على أننا عباده، وخاطبنا سبحانه بنعتنا عبيده فقط بعد البعث. اي أننا على الأرض لسنا عبيده بل عباده، وهي من مفردة العبادة ويعبدون وليس من مفردة العبيد والتّعبيد!

وهذا التفريق بين المفهومين مهم جدا بل اساسي في فهم التخيير والحرية من التسيير وانعدام الحرية في الإيمان بالله تعالى ضمن المشيئة التي سنها لنا في الكون ومن حولنا!

لن أحضر هنا كل الآيات بل سأعطي امثلة قليلة ولمن اراد أن يستزيد له أن يراجع كل الآيات في القرآن الكريم وسيجدها كلها تخضع لهذا المبدا!

عباد الله هم كل البشر من آمن ومن كفر :
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ) الفرقان – 17
(إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) الأعراف – 194

ويوم الحساب كلنا عبيد الله تعالى، حيث ان مفردة عبيد اتت في الآيات التي تتكلم عن يوم الحساب وما بعد البعث فقط :
(ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) آل عمران – 182

وهذا التفصيل من الله تعالى كي لا نخلط بين العبد المملوك والعبد الحر الذي يملك خيارات وقدرة على اتخاذ القرار فكلنا عبد لله تعالى ولكن في عبادته والتقرب منه وليس في انعدام الحرية والقرار.
ولهذا عبد الله هو من يعبد الله وليس هو من عبيده في الدنيا بل من عباده، ففي الدنيا نحن نملك الحرية والقرار بان نؤمن او نكفر وهذا لا يجتمع مع العبيد لكون العبيد لا يملكون حرية القرار ولهذا كان هناك عبد وعبد مملوك في القرآن الكريم !

أما يوم الحساب فلا احد يملك شيئا ابدا إلا الله تعالى كما قال لنا في كتابه العزيز :
(يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) غافر – 16

فربط الله تعالى الملك بالوحدانية والتفرد والقهر معا، أي لا شريك له في الملك من أحد في الآخرة لا من قليل ولا من كثير منه، وهنا نصبح جميعا عبيده ولا قرار وقدرة لنا ولا من حرية ولا من مجال للتوبة من عدمها لأنه يوم حساب على تلك الأيام من الحرية، فنكون جميعا بانتظار رحمته.

أما مفردة عبد في الدنيا فقد ربطها الله تعالى بتوصيف محدد لها، وهذا ما لم اره في المعاجم ابدا، ولهذا لغة نحن نخلط حين نقول عن العباد عبيد فالعبد يجب ان يكون مملوكا لكي يكون من العبيد وإلا كان من العباد!

بلغة بسيطه، العبد المملوك هو الذي جمعه عبيد.
والعبد الحر جمعه عباد.
والعبد قد يعبد الطاغوت او يعبد الله تعالى ولكن بحريته وبقراره وليس مسيّرا في ذلك.
بينما العبد المملوك  مسيّر في حياته وقراراته.

وبناءا على هذا الفهم المبني على آيات الذكر الحكيم سيصبح سهل جدا علينا فهم كل المفردات التي نقراها في القرآن حين نمر عليها .

والآن لننظر إلى الآية الجامعة لكل هذا المذكور اعلاه :
(لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ) النساء – 172
نرى الآن بكل بيان أن الله تعالى يتحدث عن الحرية في قرار المسيح والملائكة المقربون في انهم لن يرفضوا ان يعبدوا الله تعالى وليس الحديث عن كونهم عبيدا له !!
فبكل بيان قال تعالى مستأنفا "ومن يستنكف عن عبادته" وليس عن ان يكون عبدا مملوكا له !
وهذا ما خلط فيه كثيرون جدا من مفسري القرآن الكريم والمعاجم وغيرها من مصادر اللغة التي لم تستقي المفردة من القرآن الكريم.
فاينما ترد مفردة "عبده" أو "عبدنا" فهي صفة تشريف لحاملها من "عباد" الله الذين لا يأنون عن "عبادته" حتى اصبحوا عبادا مخلصين له وليس عبيدا له كما علمونا !!!

وحتى نفهم الفرق بين العبيد والعباد، العباد يعبدون الله تعالى، والله تعالى أمرهم أن يعبدوه ولم يجبرهم على ان يكونوا عبيده ابدا ! بينما نرى أن فرعون هو ما اجبر بني اسرائيل على ان يكونوا عبيدا له كما قال تعالى على لسان موسى مخاطبا فرعون حين عاد الى مصر من مدين :
(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الشعراء – 22
ولم يرد عن الله تعالى ابدا انه سبحانه "عَبّدنا" نفسه! وهي لغة ما نقول استعبدتهم.

بالإضافة لتحديد صفة المملوك للعبد للدلالة على كونه من العبيد فاقدي الحرية وردت كلمة عبد مرة واحدة في مقابل من هو حر وبهذا هي اكتسبت صفة العبد المملوك في سورة البقرة في القصاص عن الحر بالحر والعبد بالعبد، ومن ربط انعدام الحرية نفهم بكل بيان انه عبد مملوك.

وهذا التفصيل وهذه المداخلة فقط كي ننفي ما ادعاه كثيرون عن خطأ او عن عدم فهم – ومنه كان مفهوم سابق لي انا نفسي – بأن ملك اليمين هم عبيد، فلا علاقة لملك اليمين بالعبيد ابدا وهذا ما سنراه لاحقا بإذن الله تعالى.



إنتهى الجزء الثاني.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

اجمالي القراءات 18963