أحـوال العـبـاد حـيـن يـصـبـحُ الـخَـصْـمُ هـو الـقـاضـي والـجـلاد

رضا عبد الرحمن على في الأربعاء ٢٠ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

أحـوال العـبـاد حـيـن يـصـبـحُ الـخَـصْـمُ هـو الـقـاضـي والـجـلاد

تمهيد:

ــ منذ أكثر من ثلاثين عاما والحاكم العسكري في مصر يقوم برعاية وحماية الفكر الوهابي ، ويسمح له ولدعاته وقياداته وأتباعه ببناء المساجد والزوايا وطبع الكتب والكتيبات وعقد الندوات والمؤتمرات ليس هذا فحسب ، بل كان الحاكم العسكري وأجهزته الأمنية يقومون باضطهاد وتشريد وتهديد واعتقال كل مفكر أو كاتب يحاول مناقشة هذا الفكر لإظهار تناقضه مع الفطرة السليمة والعقل والمنطق والذوق العام ، أو يحاول إثبات تناقض هذا الفكر الوهابي مع حقائق القرآن الكريم.

ــ فمن العبث أن نسمع لكل من يقول أن الأخوان والوهابيون ظُـلِمُوا في عهد مبارك وتم التنكيل بهم وحُـرِمُـوا من حقوقهم وحرياتهم ، لأنهم أكثر الفصائل والتيارات الفكرية (الدينية) تمتعوا بحرية نشر الفكر واعتلاء المنابر وطبع وتوزيع ملايين الكتب في كل مكان ، ويؤكد هذا الكلام انتشار أفكارهم كالسرطان في معظم جسد المجتمع المصري من خلال تلك المنابر المفتوحة أمامهم في كل أرجاء مصر وزيادة عدد المساجد الوهابية بصورة زائدة عن الحد وكتبنا عن هذا منذ خمس سنوات أو أكثر بعنوان (لمن تبنى هذه المساجد..؟؟)، ومن خلال الفضائيات التي تغزو البيوت ، والأهم من كل هذا عملية تكميم كل الأفواه التي تحاول فضحهم وإظهارهم على حقيقتهم أمام المجتمع المصري والعربي والعالمي.

ــ هذه الخدمة التي قام بها العسكر منذ حوالى أربعين عاما تقريبا حين بدأها السادات وأكمل المشوار فيها مبارك من أجل سواد عيون آل سعود وأموالهم الباهظة التي تنفق من أجل نشر هذا الفكر للقضاء على الهوية والحضارة المصرية نهائيا وهذا هو سبب ما نحن فيه الآن ، لا أتجنى أبدا حين أقول بكل ثقة أن مبارك خدم الأخوان ودافع عن فكرهم بكل قوة وشراسة ، والغريب أن يسير الأزهـر على نهج وخطى مبارك ، حين حاول شيخ الأزهر السابق شخصيا منعى من الكتابة بتهديدي واضطهادي ونقلي من عملي وتوقيع جزاءات بالخصم من راتبي الهزيل حين كتبت مقالا افضح فيه عمليات تصدير الغاز والحديد والإسمنت لإسرائيل ، بينما كانت المعارضة الكارتونية مشغولة بإدانة الشباب المصري الفقير الذي اضطرته الظروف للسفر لإسرائيل للبحث عن عمل ، كتبت عن الموضوع وربطت بينه وبين تصدير الغاز لإسرائيل في مقال بعنوان (تعليقا على سفر الشباب لاسرائيل) في شهر أكتوبر 2007م ،  فهددوني بالاعتقال لكي أتوقف عن الكتابة نهائيا فلم اتوقف عن الكتابة فتم اعتقالي بعد أيام من نشر مقالي بعنوان (معنى الإرهاب) في 22 أكتوبر 2008 ، كنت أدعو فيه وزير التعليم والأزهـر معا لمواجهة هذا الفكر بالفكر حتى لا يسيطر بهذا الشكل على قطاع كبير من المصريين البسطاء ويولد آلاف المتعصبين والمتطرفين بدرجات مختلفة قد يحرقون هذا البلد كما نرى اليوم.

ــ ما أدهشني في تجربة الاعتقال يرتبط ارتباطا وثيقا بعنوان المقال ، لأنه من المفترض أن تكون السلطات الثلاث في أي دولة مستقلة تماما عن النظام الحاكم ولا تأتمر بأوامره ولا تأخذ تعليمات منه بل يجب أن تكون رقيبة عليه وقادرة على محاسبته ومحاكمته إذا خالف القانون ، ولكن في العصر البائد المباركي المخلوعي كانت السلطة التنفيذية ليست محايدة في أداء عملها ، ولها عقيدة محددة واضحة راسخة تؤثر على نزاهة دورها حين تتعامل بمبدأ الخصومة معي ومع غيري من الذين يحاولون فضح الوهابية وإظهارها على حقيقتها ، وكأنها (أي السلطة التنفيذية) هي الخصم في القضية ، حدث هذا معي في مواقف عدة حدثت من رجال السلطة التنفيذية:ـ

أولا: حين وصفني ضابط شرطة بأنني أَكْـرَهُ (من الكُـرْهِ) القرآن ، وقال هذا صراحة لبعض السجناء الجنائيين تجار المخدرات ـ الذين يصاحبهم ـ حين سألوه عني في سجن مركز كفر صقر يوم الخميس الموافق 30 أكتوبر 2008م

ثانيا: الطريقة التي سلكها ضباط امن الدولة أثناء التحقيق معي ، كانوا يحققون معى وكأنني في مناظرة فكرية يستغربون من ردودي عليهم ودفاعي عن أفكاري وموقفي وعقيدتي ، لدرجة أن أحد الضباط استدعى زميله قائلا له (تعالى يا سيدي شوف الأخ بيقول أيه في موضوع الشفاعة) ، كان الاستجواب لا علاقة له بتحقيق في أمن الدولة مع معتقل يطلقون عليه اسم (معتقل سياسي) فكانوا يقومون بدور المدافع عن التدين السني الوهابي بكل ما فيه وكأنهم دعاة وليسوا ضباط أمن.

ثالثا: الطريقة المتناقضة التي كانوا يتعاملون بها معي بحبسي في زنزانة انفرادي ومنع أهلي من زيارتي لمدة ثلاثة أشهر متواصلة ، ومنعي من الخروج للشمس للتريض ، بينما كانت تأت العربات محملة باللحوم والأسماك والأرز وجميع السلع الغذائية من فواكه وخضروات للأخوان وغيرهم من الوهابيين ، وكانوا يطبخون بأنفسهم ما يأكلون داخل السجن ، وكانوا يخرجون للتريض واللعب يوميا ، وكان بعضهم يترجل في كل أنحاء السجن بلا قيود ويجلسون مع ضابط الأمن المسئول الأول والأخير عن السجن بدعوى المساعدة في تنظيم وتوزيع المعتقلين.

رابعا: وهي الصدمة الكبرى لأنها تتعلق بالسلطة القضائية : ــ لكنه الحوار الوحيد الذي حضره شهود ، وذلك حين ذهبت للتحقيق في نيابة أمن الدولة العليا ، وجدت وكيل النيابة يسألني ويناقشني في كل تفاصيل عقيدتي وحريتي الدينية وتناسى تماما أنه يقوم بعمل وكيل نيابة مهمته الأولى هي تحقيق العدالة بين الناس ويجب ان يكون حياديا لا يتبنى عقيدة معينة أو فكرا معيينا حين يمارس عمله ، ولكنني صعقته حين سألني قائلا: ما هي مصادر التشريع في الإسلام.؟ فأجبته بكل ثقة يشهد عليها المحامون هل الدولة ستجلس أمام المساجد وتسأل كل مواطن ما هي مصادر التشريع في الإسلام ومن لم يجيب سيتم اعتقاله مثلي.؟ ..فسكت...!!

ــ لذلك ولكل ما سبق لابد أن تكون الدولة كسلطة حاكمة تتمثل في السلطات الثلاث (التشريعية ـ القضائية ـ التنفيذية) محايدة تتعامل مع جميع المواطنين بشفافية وحيادية تامة دون التحيز أو التمييز بين فئة و أخرى ، حتى يتحقق العدل بين الناس في هذه الدولة ، ولذلك أيضا لا يجوز أن نسأل الناس على عقائدهم ودينهم ، بوضوح أكثر ليس من حق الدولة ولا من حق أي مسئول في الدولة مهما علا شأنه ومهما كان منصبه أن يسأل المواطن عن عقيدته وتدينه ومذهبه وفكره طالما هذا المواطن يعيش في سلم وسلام وأمن وأمان وتأمن الناس شروره ولا يؤذي أحدا ، طالما لا يمارس إرهابا ولا يعتدى على الناس ، طالما لا يضر فردا أو جماعة ، طالما لا يتسبب في نشر أي فتنة حقيقة تضر المجتمع ، فليس من حق أي مؤسسة في الدولة أن تحاسب أو تسأل المواطن عن عقيدته أو تتدخل فيها إطلاقا وخصوصا النيابة والقضاء لأن كلاهما لابد له من عقيدة وتدين ومذهب راسخ يؤمن به ويدافع عنه لأنه بشر ، فكيف إذا حدث وطلب من وكيل النيابة أو القاضي التحقيق أو الحكم (مع  أو على) مواطن يختلف معهم في الفكر والعقيدة والمذهب ، مستحيل أن يكون الحكم نزيها لأن كلاهما سيقنع نفسه أنه يدافع عن الدين فيظلم المواطن لأنه يختلف معه في الفكر أو المعتقد أو المذهب ، وهنا تتجلى أهمية تطبيق وتنفيذ الحرية المطلقة في الفكر و العقيدة (الحرية الدينية) التي أقرها وأكدها القرآن الكريم وأن المواطنون جميعا امام القانون سواسية لا فرق ولا تمييز بينهم بسبب الدين أو المعتقد أو المذهب أو اللون ولا يجوز أن نسأل إنسان عن دينه أو نتدخل في حريته الدينية أو نحاسبه عليها أو نحاكمه بسببها طالما عاش مسالما ، حتى لا يُظـْلم إنسان ويتم اضطهاده وتشريده و محاكمته ظلما وعدوانا لمجرد أن السلطة الحاكمة في الدولة تميل لاتجاه ديني بعينه.

ــ ولذلك نحذر من خطورة سيطرة فكر ديني واتجاه ديني معين علي مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث لأن هذه السلطات ستتعامل مع المعارضين المخالفين لهذا الفكر وتلك العقيدة على أنهم أعداء الإسلام وكارهي الدين ، ولن يكون التعامل معهم نزيها ولا شريفا على الاطلاق لأنه سيتحول إلى خصومة واضحة يمتلك فيها الخصم سطلة القبض على مخالفيه ومعارضيه ومحاكمتهم وتنفيذ الحكم عليهم بنفسه.

 

 

اجمالي القراءات 9472