..
جعلوا من إسلامنا قطعة أثرية في متحف لا يزوره أحد

نبيل هلال في الإثنين ١١ - مارس - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

لا يمكن التوقف عن التساؤل : هل تراثنا الأصفر يسبب الأذى فعلا إلى حد ينبغي علينا معه النضال ضده؟ أم نعتبره مجرد هراء لا يؤذي , وهل أدركنا فعلا أنه قد نقلنا إلى متاحف التاريخ التي لم نخرج منها بعد . لقد كان من الممكن النظر إليه كما ننظر إلى حكايات ألف ليلة وليلة , تُقرأ للتسلية والتندر , غير أن هذا التراث يشكل عقل ووجدان المسلمين وكان من الممكن غض الطرف عنه ما لم يكن مسؤولا عن تردي العقل المسلم وتحنيطه ,ومسؤولا عن تصوير المسلم في شكل مخلوق ساذج يعيش خارج الدهر . تُرى أنتمسك به أجيالا بعد أجيال لأنه يأتي إلينا بدفء الأساطير, أم لأن "علماءنا" أعجز من أن يضطلعوا بمهمة تنقيحه وإعادة النظر فيه . والأعجب أنهم هم مَن يتولون الدفاع عنه بشراسة ! فهو كالغريم القوي إن قتلته كان له من ينتقم منك , وإن تركته قتلك. ولا ريب أن من يرى الاطمئنان إلى الأخذ بالموروث عن آبائنا الأولين كمن يرى أنه ربما صحت الأجساد بالعلل .
وجعلوا هذا التراث مقدسا لا يجوز مواجهة زعيقه ولو بالهمس, مما جعل إسلامنا قطعة أثرية قديمة في متحف لا يزوره أحد . وكان علينا أن ندرك أنه لا حاجة لنا في هراء التراث , ويسعنا الاكتفاء بديننا الحنيف ,ففيه الغَناء , فمن يغتذي اللحم , فهو مستغن عن التبن .
وهل يجب على المرء أن يظن نفسه تقيا إذا ارتاب في العقل , وهل يتعين عليه أن يظن نفسه متدينا إذا قبل التراث بغثه وسمينه! إن المتدين الذي يقوم إيمانه على الخرافات لا يقل عن وثني القرون الخوالي فكلاهما فاقد البصيرة مسجون بين جدران عقله الضيق , فكيف يمكن لعاقل أن يعتقد بأن الإيمان هو التصديق بلا أدلة , ويعتبر ذلك ميزة تكافئه السماء عليها . وكما لا يجتمع السيفان في غِمد واحد , كذلك لا يجتمع الحق والباطل في قلب واحد . ولَكَم طال سكوتنا عن هذا التراث المعاند في تبجح لكتاب الله , ولن يتغير واقعنا بطول السكوت . هل من المفترض أن نؤمن بهذا التراث الأصفر ونحب خرافاته ,كيف لك أن تحب حصاة في حذائك ؟
ومَن جَهِل كمالَ الإسلام ,لم يعرف نقصان ما صار إليه ,
والإسلام الحنيف شيء مدهش , لكننا نفهمه بشكل ناقص إذا ما نظرنا إليه من خلال تراثنا الأصفر الذي أصبح هو دين العامة , والعامة أسرع شيء إلى التصديق , وخاصة إن جهلوا . وإذا كانت الأوائل قد سارت وراء هذا التراث بلا عقل , فما أحرانا اليوم إلى تدبره ونقده , فالعقل هو المفتاح الذي يدار في كل باب من أبواب هذا الموروث , فإذا هو ينكشف للناظر عما يليه . وقد يصيح بي صائحهم بأنني قد أوغلت بعيدا , وتجاسرت فعِبت تراثهم قبل أن أقف على حدوده , وهو كلام لا أريد الوقوف عنده طويلا , فمن يضلل اللهُ فلن تجد له سبيلا , وحسبي أن يقوم القارئ بنفسه على إحقاق الحق المهجور وإبطال الباطل المشهور . ولما كان جل أدلة تفنيد هراء التراث من صحيح العقل والدين , فإن ذلك يشق على التراثيين ممن أخذت المرويات بأزِمَّة عقولهم تقودهم كيف أرادت , وتجذبهم أنّى شاءت , فلا يعصونها. لذا فهم لا يحتكمون إلا للتراث في قضية تمحيص التراث , وهم في ذلك كشاهد الزور يجعل الحُكْم عليه لا له , فلا خير في نصح من لا سبيل إلى إقناعه بالحجة إذا عدم العقل , وداء الجهل ليس له طبيب , ولكل داء دواء يستطب به , إلا الحماقة أعيت من يداويها .
(يُتبع)انتهى المقال الأول ويليه سلسلة من المقالات

اجمالي القراءات 7634