الانقسام العميق فى مصر

مجدي خليل في الإثنين ١١ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

مايحدث فى مصر ليس خلافا عاديا بل وليس اختلافا بين كتل متنوعة،أنه انقسام عميق وحاد حول مسائل جوهرية فى السياسة وحول مستقبل الوطن، ومن ثم من الصعب حله. الاخوان المسلمون ومعهم كل التنويعات الإسلامية التى خرجت من عباءتهموالتى تدور فى فلكهم بدرجة أو بأخرى فى جانب ومعظم مكونات المجتمع المصرىالأخرى فى جانب آخر، ولا تصلح الحلول التوافقية أو التنازلات للوصول إلى حلوسط، نحن أمام طرق مختلفة تماما وتوجهات مغايرة بل ومتصدامة، وهناك العديدمن أوجه هذا الانقسام:

اولا:الانقسامحول اكتمال الثورة، فالاخوان وحلفاءهم يجزمون بأن الثورة انتهت ونجحتبوصولوهم للحكم عبر صناديق الأنتخابات، ويرون بالتالى أن ما يحدث هو فوضىوتعدى على الشرعية، فى حين يرى صناع الثورة الحقيقيين أن الثورة لم تكتملوأنها اختطفت من القوى الإسلامية لمحاولة تغيير اتجاهها واهدافها بلوالذهاب بها إلى طريق يعادى الاهداف التى قامت من آجلها، ولهذا يرى الثوارأن شرعية الثورة قائمة والنضال الثورى مستمر حتى يتم اعادتها لمسارهاالصحيح لصالح الشعب وليس لصالح جماعة دينية.

ثانيا:هناكانقسام حول حدود سلطة الصندوق، فالاخوان يتصورون أن الأنتخابات منحتهمتفويض كامل للسيطرة على كل شئ،هم يرون أن الأنتخابات غزوة والحكم غنيمةويتصرفون على هذا الاساس، وقد نجحوا بالفعل فى تمرير دستور يؤسس لإستبدادجديد وعدد من القوانين المعيبة مثل قانون الاحزاب وقانون الأنتخابات وقانونحماية الثورة، وقد ترتب على هذا الخطأ فى التصور عدد آخر من الخطوات التىتمهد لفاشية دينية قد تطيح بكل مقومات الدولة المصرية فى سنوات معدودة، فىحين يرى العقلاء أن تفويض الصناديق هو تفويض مؤقت ومقيد بسلطة القانونوبرضى الشعب،فإذا قام المنتصر فى الأنتخابات بإصدار قوانين تؤصل لسلطةمستبدة ففى هذه الحالة تسقط شرعيته وشرعية هذه القوانين أو الدساتير وتعودالسلطة مرة أخرى للمربع الاول وهو الشعب، ولهذا نشأت فى الادبيات السياسيةما يسمى ب " سلطة المجتمع المدنى"، فالمجتمع المدنى بفضائه الواسع هوالمعبر عن نبض الجماهير فى الفترات التى تفصل الأنتخابات،والمجتمع المدنىيراقب ويقيم اداء السلطة، وعندما تخرج الجماهير الحاشدة للشوارع معترضة علىسلوك السلطة المنتخبة فعلى هذه السلطة أن تستمع وتنفد إرادة الشارع أوتدعو لإنتخابات جديدة، وإن لم يحدث هذا فيكون من حق الجماهير إسقاط السلطة،وهذا هو مفهوم الثورات، فعندما يحدث إنسداد يمنع تحقيق رغبة التيارالرئيسى يكون ذلك قمعا يشرعن لثورة على هذا القمع، فلا يوجد فىالديموقراطيات الصحيحة شئ أسمه التفويض الكامل ولا السلطة المطلقة، فالسلطةالمطلقة هى مفسدة مطلقة كما يقول لورد اكتون. الديموقراطية والانتخاباتكلها أمور جاءت من آجل المواطن ولخدمة المواطن بل الدولة ذاتها خلقت من آجلالمواطن وليس المواطن من آجل الدولة،فمن حق المواطن اسقاط الدولة القمعيةأو الفاسدة أو المستبدة وليس النظام فقط، ففى كثير من الأنظمة القمعيةتتماهى مؤسسات الدولة مع النظام القمعى فتصبح جديرة بالسقوط والتهاوىوالتفكيك.

ثالثا: الانقسام حول الثوابت الوطنية، فالاخوان تصوروا أن الأنتخابات اعطتهمشرعية وتفويض لضرب الثوابت الوطنية، وقد اطلعت على محاضر رسمية، ارسلها لىصديق سعودى، لاجتماعات الرئيس مرسى مع رئيس الوزراء القطرى حمد بن جاسمووجدت بالفعل أن كل ما ردده المصريون هو حقائق واردة بمحاضر رسمية، فعلاالرئيس مرسى تفاوض مع القطريين على منحهم منطقة شرق التفريعة الهامة، ونعموافق مرسى على بيع شركة الحديد والصلب بحلوان للقطريين، وعلى تأجير صالةهامة بمطار القاهرة الدولى لهم، وعلى منح شركة ديار القطرية مناطق هامةبالغردقة وشرم الشيخ، وفعلا استثنى قطر من حظر التملك فى سيناء، وفعلا كماهو واضح هناك خطة اخوانية لتطفيش المستثمرين فى الغردقة وشرم وسيناء لصالحالقطريين والاخوان، وفعلا ينسق مرسى معهم فى موضوع سوريا، وفعلا وعدهمباراضى شاسعة لإنشاء مدينة سياحية كاملة على ساحل البحر الاحمر وأخرى علىساحل البحر المتوسط بمرسى سياحى خاص، وهذه المحاضر ممهورة بتوقيع المسئولينفى مصر وقطر ومؤرخة بتواريخ فى شهر ديسمبر2012 ،كما أن الصكوك الإسلاميةهى أداة جديدة للتفريط فى الاصول المصرية، علاوة على لقاءات مدير المخابراتالقطرية مع جماعة الاخوان خارج الاطار الطبيعى لمؤسسات الدولة، كل هذا يتمبدون موافقة أو استشارة مؤسسات الدولة.

وإذاعدنا للتنازلات التى قدمها مرسى للأمريكيين فى موضوع غزة وسيناء سنكونإزاء رئيس تصرف بمعزل عن الثوابت الوطنية ومتطلبات الأمن القومى وبدونالعرض على المؤسسات الشعبية، وهى امور لم يجرؤا عليها رئيس مصرى آخر.

رابعا: الانقسام الخطير حول هوية الدولة وعلاقة الدين بالسياسة، فالاخوان لايعترفون بالدولة القومية ولا بالدولة الوطنية ولا بالدولة الحديثة،فى حينأن الثورة قامت اصلا على ارضية الدولة الحديثة ومن آجل إصلاح مؤسساتهاوشئونها لصالح جموع المصريين.وهناك ازدواجية خطيرة وصلت إلى أعلى منصبسياسى، فهناك رئيس وهناك مرشد، والعجيب أن الرئيس قدم البيعة للمرشد يوماما، ومعنى ذلك أن سلطة المرشد وموقعه يفوق سلطة الرئيس على نمط النظامالإيرانى، وهى امور لا يقبلها المصريون.

خامسا: الانقسام حول حصة الاخوان فى الوظائف العامة، فقد تصور الاخوان أن مصرملكية خاصة لهم ومن ثم افرطوا فى منح أنفسهم المناصب بدون رقيب ولا حسيبوبدون مراعاة لقواعد العدالة والكفاءة والمواطنة، فالمواطنة تعنى التساوىالكامل فى فرص التوظف للجميع بناء على معيار الكفاءة وليس الجدارة المبنيةعلى الثقة فى العشيرة، وهذا الخلل بالتأكيد سيؤدى إلى حالة غبن وغضب واسعةستنفجر فى وجه السلطة طالما أن قواعد العدالة غائبة.

سادسا: الانقسام حول آليات التغيير ذاتها، فالاخوان مصرون على البقاء فى السلطةحتى تتم خطة التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بناءها لصالح جماعتهم كماحدث فى غزة وفى إيران، وهم يتصرفون وكأنهم الوحيدين فى الساحة السياسية،ولم يتركوا للمصريين وسائل للمشاركة فى صنع مستقبل بلدهم، وأيضا لم يتركواللشارع وسائل سلمية للتغيير، وبالتالى لم يبقى سوى القوة والعنف، وهميمتلكون الكثير منها ويعملون بهمة من آجل السيطرة على مصادر القوة الصلبةفى مصر.كل هذا سيجعل الطرف الاكثر عددا  سيقمع أو سيتجه للفوضى للتعبير عنسخطه على طغيان الأقلية وعلى هذا التجبر الاخوانى.

واخيرا: الانقسام حول رؤية الحقيقة، فالاخوان يرون أنهم يملكون ناصية الحقيقةوناصية الإسلام الصحيح، ووفقا لهذا الفهم المغلوط اعتبروا انفسهم مفوضين منقبل الله  للتحدث بأسم الإسلام وحمايته، ورغم أن هذا وهم كبير إلا أنهوحتى لو افترضنا صحته،فأنه يأخذ السياسة والدولة إلى منحى آخر ومنطقة أخرى. نحن نتكلم عن دولة لها قواعد فى الإدارة وليس عن دين تحكمه الغيبياتالايمانية والعلاقة الشخصية بين الإنسان وربه. المصريون يحتاجون لمن يديردولة بكفاءة ولا يحتاجون مطلقا لمن يعلمهم الدين لأنهم متعمقون  فيه بدرجةلا تحتاج لأى مزايدات.

لكل هذا تبقى السيناريوهات المطروحة فى مصر أما تمكن الاخوان من السيطرةالكاملة على السلطة والدولة وأما تمكن القوى الثورية من اسقاط حكمهم.

اجمالي القراءات 8110