كتاب الحج ب 2 ف 1 : (التواتر بين الدين الالهى والأديان الأرضية )

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٦ - فبراير - ٢٠١٣ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين

الباب الثانى : الدين السّنى وصناعة تشريع الحج .

الفصل الأول : التواتر بين الدين الالهى والأديان الأرضية

أولا : نوعان من التواتر  

1 ـ تعارف البشر ـ أو تواتر لديهم ـ أنّ من القيم العليا : الشجاعة والكرم والصدق والأمانة والرحمة والعدل ونجدة المظلوم ..الخ. وتعارف البشر ـ أو تواتر لديهم ـ أن من الأخلاق الشريرة المذمومة الكذب والخيانة والظلم والجبن والبخل والنذالة والغلظة والقسوة ..الخ . وتعارف البشر أن الانسان فى داخله الخير والشّر ، وأنه يختار بين هذا وذاك ، وأنه خليط من هذا وذاك ، وأنه ليس شيطانا مائة فى المائة وليس ملاكا مائة فى المائة . وبالتالى فإن المتواتر لدى البشر نوعان : تواتر بالخير ، وتواتر بالشّر والسّوء .

2 ـ ومن القرآن نعرف تقسيم البشر الى نوعين ، فمن الناس من يفعل  (كذا )، وبالتالى فإنّ من الناس من لا يفعل هذا ( الكذا ) . ويتكرّر التعبير القرآني ( ومن الناس ) ليؤكّد أنه طالما يوجد ( ناس ) فإنّ منهم من يفعل هذا ، أى هى ظاهرة فى أى مجتمع وأى ناس . ونكتفى بأمثلة من سورة البقرة : يقول جل وعلا : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) هذا الصنف المخادع الذى يستخدم الدين فى الخداع موجود فى كل زمان ومكان . ونعانى منه حتى الآن . وهنا نتأّمّل قوله جل وعلا فى أولئك المفسدين المخادعين المتسترين بالدين: ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206).  هذه الآيات الكريمة تفضح كثيرا من المشاهير فى عصرنا ، بمجرد أن تقول لأحدهم ( إتّق الله ) ينقلب شيطانا مريدا تأخذه العزّة بالاثم .!.. وفى المقابل فهناك من الناس مخلصون لله جل وعلا قد أسلموا أنفسهم لله جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207). ويقول جل وعلا عن الذين يقدسون البشر ويرفعونهم الى مستوى الالوهية يحبونهم حبّ تقديس مثل حبهم لله جل وعلا : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ )(165) ( البقرة ).وهى تنطبق على من يقدّس  البشر من الأنبياء ( محمدا والمسيح ) وأصحابهم ( الصحابة و الحواريين ) والأحبار والرهبان والبابوات والأئمة والأولياء.  

ثانيا : التواتر الحق فى الرسالات السماوية والتواتر الباطل لدى المشركين  

1 ـ القرآن الكريم كتاب ( مثانى ) يفسّر بعضه بعضا ، إذ يأتى المعنى موجزا ، ثم تأتى وتترى آيات كثيرة تشرح هذا المعنى الموجز . وينطبق هذا على نوعى التواتر لدى البشر.

فى عبارة قرآنية غاية فى الايجاز والإعجاز والإحكام يقول جل وعلا يخاطب خاتم النبيين ـ عليهم جميعا السلام :( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) (43) فصلت). أى ما يقال لك يامحمد قد سبق قوله لجميع الأنبياء والرسل من قبلك . والذى قيل ويقال له ولهم نوعان : وحى برسالة سماوية ، وتكذيب واتهامات من المشركين . وهذان النوعان من الأقوال قيلت لكل الأنبياء والرسل ، من نوح الى خاتم النبيين عليهم جميعا السلام .

2 ـ فالوحى واحد لهم جميعا:(إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ )النساء). والتشريع واحد لهم جميعا فى أساساته ، وهو إقامة الدين الحق سلوكا وتطبيقا، وعدم التفرق الى مذاهب وطوائف وأديان أرضية ، يقول جلّ وعلا:( شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(13) الشورى). ويشمل هذا الوحى الواحد كل التفصيلات الأساس الخاصة بالعقيدة مثل ( لا اله إلّا الله ) وعبادة رب العزّة وحده : (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ (25) الأنبياء ) والتحذير لكل الأنبياء من الوقوع فى الشرك حتى لا يحبط عملهم ويضيع : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ (65) الزمر ). كل هذا الوحى المشترك جاء لكل نبى بلسان قومه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ )(4)( ابراهيم )، الى إن نطق القرآن باللسان العربى:(  فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً (97) مريم) (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (58)( الدخان ). هذا هو التواتر فى الحق ممثّلا فى وحدة الوحى الالهى لكل الرسل والأنبياء .

3 ـ يقابله تواتر باطل فى الوحى الشيطانى . وفى القصص القرآنى فى سور ( الأعراف ) و ( هود ) و ( المؤمنون ) مثلا ، تجد الأنبياء يقولون نفس الدعوة لأقوامهم فى ( تواتر ) أنه لا اله إلا الله ، ويقابله تواتر مضاد من الملأ المستكبر بالرفض . وفى سورة الشعراء  تفصيل لهذين النوعين من التواتر ، الى أن يقول جل وعلا فى أواخر السورة عن القرآن الكريم :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195). أى فالقرآن الكريم نزل به جبريل باللسان العربى مصدقا لما سبقه من كتب سماوية ، أو هو موجود فى ( كتب ) أو ( زبر الأولين ): ( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196) ، ولهذا كان يعلمه من قبل علماء بنى اسرائيل، وهذا كان فى حدّ ذاته كافيا لقريش لأن تؤمن بالقرآن  وتعتبره آية من الله جلّ وعلا : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) (الشعراء). ثم ، يقول رب العزة إن القرآن لم تنزل به الشياطين : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212). ثم يخبرنا عن الوحى الآخر النقيض ، وهو وحى الشياطين وأوليائهم الأفّاكين الكاذبين :( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء ). أى لدينا نوعان من الوحى : وحى الاهى بالرسالات السماوية ، وهذا قد انقطع وانتهى بانتهاء القرآن الكريم نزولا وموت خاتم النبيين عليهم السلام ، ثم هناك وحى الشيطان الذى لا يزال مستمرا . وبينما يعبر القرآن الكريم المحفوظ من لدن الله جل وعلا عن التواتر الحق فإنّ الوحى الشيطانى المستمر والمؤسس للأديان الأرضية والمنتج لها هو التواتر الشرير المناقض للتواتر الحق.

4 ـ وهذا التناقض بين التواتر الحق والتواتر الباطل يعنى (عداء) أصحاب الوحى الشيطانى للأنبياء . فأولئك الرواة للأحاديث هم الأعداء الحقيقيون لخاتم المرسلين . هم متبعون لأسلافهم من الأفّاكين من شياطين الإنس الذين يذيعون وينشرون الباطل وينسبونه وحيا لله جل وعلا ورسوله، وبهم يتم التكذيب للقرآن وهجره ، ممّا سيجعل النبى محمدا عليه السلام يأتى يوم القيامة يتبرأ من أولئك الاعداء : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ). هنا حديث عن وجود عدو لكل نبى . أى تواتر بالعداء لكل نبى الى خاتم النبيين. وأولئك الأعداء الذين يتواترون فى كل عصر حتى عصرنا يحترفون تصنيع أحاديث شيطانية ، ولكى يخدعوا الناس ينسبونها الى الوحى الالهى ، للنبى ولرب العزّة ، ومن ينكرها ـ مثلنا ـ يكون كافرا متهما بإنكار السّنة .!!.

5 ـ ويقول جل وعلا  أيضا عن أولئك الاعداء للأنبياء ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114) الأنعام ). التعبير هنا بالماضى فى جعل أعداء لكل نبى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً )، ثم يأتى التعبير بالمضارع فى استمرار تواترهم بصناعة الكذب وترويج الوحى الشيطانى (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ)، والتعبير بالمضارع فى أستجابة العوام الذين لا يؤمنون بالآخرة ، وعلى أساس هذا الوحى الكاذب يقترفون الاثام (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113).

والله جل وعلا يسمح بوجود هذا الوحى الشيطانى وترويجه إختبارا للناس ، وبدأ هذا منذ أن طرد ابليس : (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنْ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنْ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (17) قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُوماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18) ( الأعراف )، لذا فإن ابليس وذريته من الشياطين يجدون الأعوان من شياطين الانس والجن ، ويتعاونون معا فى تصنيع الأحاديث الكاذبة وينسبونها للوحى الالهى ويؤسسون على أساسها أديانا أرضية تصبح بالتواترـ  أيضا ـ نقيضا للقرآن الكريم الذى حوى فى داخله أسس كل ما قيل للأنبياء السابقين من عقائد وتشريعات.

ولأنه باطل متواتر قد تسلح كذبا ياسم الله جل وعلا ، وتسلّح كذبا بدين الله فإن أمنية كل نبى فى هداية كل قومه لا تتحقّق بسبب هذا التلاعب الشيطانى ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ )، ويسمح الله جل وعلا بنسخ أى تسجيل وكتابة هذا الزيف وأحاديثه الشيطانية ، وفى نفس الوقت ( يُحكم ) الله جل وعلا آياته ، ليظل نوعا التواتر ، تواتر الحق مقابل تواتر الزيف : (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52). وهنا يكون الاختبار، فكتب الأحاديث الضالة تملأ الآفاق ، يضل بها الناس ، وأيضا يمكن لمن أراد الهدى أن يتعظ فيزداد هدى ، فالمؤمن يزداد إيمانا والظالم الذى فى قلبه مرض يزداد كفرا : (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) الحج ).

5 ـ ولهذا يؤكّد رب العزّة أنّ أظلم الناس هم محترفو الكذب على الله جل وعلا المكذّبون لآياته ، يقول جل وعلا :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ(68)) وفى المقابل هناك المهتدون الباحثون عن الحق باخلاص (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)العنكبوت ). وهنا ـ  أيضا ـ تواتر فى وجود الفريقين النقيضين .

6 ـ  والتواتر الكاذب هو الأكثر رواجا والأكثر انتشارا وجاذبية لأن أكثرية البشر ضالة مضلة لا تؤمن بالآخرة ولا تعمل لها ، لذا ترى فى الأحاديث الضالة راحة لها فى أن تعصى وتدخل الجنة بالشفاعات ، وتبرر جرائمها وموبقاتها . يقول جل وعلا لخاتم النبيين عليهم السلام : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) الأنعام )، وجاء هذا تعليقا على الوحى الكاذب لشياطين الإنس والجن :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الأنعام ).

ولا يوجد فى الاسلام رجال دين على الاطلاق . ولكن هذه النوعية تتكاثر وتتسلّط على أكثرية المجتمع من الأغلبية الصامتة و العوام، يستعين المترفون المستبدون برجال الدين ، ليصبحوا معا ( أكابر المجرمين) الذين يستخدمون الدين الأرضى فى تدعيم سلطانهم. هى عادة سيئة للبشر فى كل زمان ومكان ، حيث ينتشر وباء التقديس لرجال الدين الأرضى وكهنته، بدءا من الساحر فى أدغال أفريقيا إلى بابوات الكنائس وشيوخ الصوفية وأئمة الشيعة والسّنة . وبالتحالف  بين أكابر المجرمين السياسيين والدينيين تتكون أقلية حاكمة فى كل مجتمع ، أو (كل قرية ) بالتعبير القرآنى ، وتتواتر هذه العادة السيئة لتصبح عارا فى تاريخنا البشرى الماضى والحاضر ، يقول جل وعلا يقرّر هذه الحقيقة :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123) الانعام). تراهم يحترفون المكر حتى ببعضهم البعض ، ويزايد بعضهم على بعض تنافسا فيكون بأسهم بينهم شديدا،أى يمكرون بأنفسهم وما يشعرون. وسبحان الله جل وعلا ، كأن هذه الآية الكريمة نزلت تعلّق على الاخوان والسلفيين والوهابيين فى عصرنا .!. هؤلاء المجرمون هم ايضا أعداء للأنبياء فى عصور الأنبياء ، يقول جل وعلا عنهم فى الآية التالية: (وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) الأنعام ).

 وبعد عصر الأنبياء يظلون يسخرون من أتباع الحق فى تواتر مستمر ، يقول جل وعلا عن هؤلاء المجرمين : (إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30))، ولأنه تواتر سيظل مستمرا الى نهاية العالم فسيكون مصر أولئك المجرمين شائنا يوم القيامة ( فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (34) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ (35) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) المطففين). يقول جل وعلا عنهم يوم القيامة:( تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104) أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107) قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ(110 ).الى أن يقول لهم رب العزّة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115)( المؤمنون).

7 ـ ويتواتر تكذيبهم للرسالة السماوية فى كل زمان ومكان فى عصور الأنبياء ، وهذا نقرؤه فى قصص الأنبياء فى القرآن ، ومثلا كانوا يتهمون الأنبياء بالسحر والجنون ، كأنما تواصوا على ذلك ، يقول جل وعلا يعلّق على اتهام مشركى قريش لخاتم النبيين بالسحر والجنون :( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) الذاريات ). وكلهم طلب من النبى معجزة حسية ، فقال جلّ وعلا : ( وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ ) (118) البقرة). وكلهم إحترف تكذيب الحق لأنه يتبع ( المتواتر الباطل ) الذى توارثه من الآباء والأسلاف:( وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23)الزخرف).

8 ـ ما سبق هو بعض التفصيلات القرآنية التى تشرح قوله جل وعلا :( مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ) (43) فصلت). وهى تأكيد على وجود نوعين من التواتر ، تواتر بالباطل وتواتر بالحق .

ثالثا : التحاكم الى القرآن الكريم لنعرف التواتر الحق من التواتر الباطل :

1ـ تراثنا خليط من تواتر بالحق وتواتر بالباطل ، أى فيه لقرآن ( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا )(32)( فاطر) وفيه من العبادات ما يتفق  مع القرآن ولا يعارضه، وفيه المناقض المخالف المعادى للقرآن . وبالتحاكم للقرآن الكريم نعرف هذا من ذاك، فالقرآن الكريم هو الحكم على التواتر ، بل هو الحكم على كل ما عداه . والتحاكم للقرآن الكريم فريضة أساسية مستمرة الى الاصلاح . وهذا ما أمرنا به رب العزّة جل وعلا ، فقال عن تلك الأحاديث الشيطانية ونسبتها كذبا للوحى الالهى:( أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ) (114)الأنعام ). كان هذا تعقيبا على قوله جل وعلا:( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) الانعام ). ويقول جل وعلا عن الهدى القرآنى: (وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان).جاء هذا تعقيبا على أعداء النبى الذين اتخذوا القرآن مهجورا ، أى موجودا ولكن ( تنسخه) أى تبطله وتلغيه سنتهم الكاذبة: ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ).

2 ـ وعموما يقول جل وعلا فى الاحتكام للقرآن الكريم (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ  (10) الشورى ) . والتحاكم الى الله جل وعلا يعنى التحاكم الى الرسالة الالهية ، وهى الرسول بعد موت رسول الله محمد عليه السلام : (  فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) ( النساء ). أى إنّ الشرط هو أن يكون هذا التحاكم ناشئا عن إيمان حقيقى بالله جل وعلا وباليوم الآخر لدى الطرفين معا ، وإلّا كان إستخداما لدين الله جل وعلا فى الخداع ، كما فعل عمرو بن العاص فى التحكيم .

3 ـ بالاحتكام للقرآن نعرف إن الحديث الوحيد الذى نؤمن به هو القرآن الكريم فقط ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (50)( المرسلات 50)،( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) الأعراف ) (تلك آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) ( الجاثية ).ونعرف أن النبى محمدا عليه السلام لم يتقوّل على الله جل وعلا شيئا فى الدين وينسبه لله تعالى (تَنزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ (44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) ( الحاقة ) ، ونعرف أن الاسلام قد اكتمل وتمّ بانتهاء الوحى القرآنى نزولا ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً (3)( المائدة ) .وبالتالى نعرف أنّ كتب الأحاديث لدى السنيين والشيعة والصوفية هى أساطير شيطانية تناقض الاسلام . بل ونعرف إن حديث القرآن الكريم على تواتر قريش ينطبق على عصرنا لأنّ التواتر الباطل الأفاك الأفاّق لا يزال مستمرا قبل وبعد نزول القرآن الكريم مناقضا للتواتر الحق الذى جاء محفوظا فى القرآن الكريم .

اجمالي القراءات 10116