تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع القضاء)

سامح عسكر في الثلاثاء ٢٥ - ديسمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

لمواجهة الباطل قواعد تنبني عليها المواجهة، أهم هذه القواعد هي قاعدة العدل، فالنصر على الباطل في ذاته نجاح ولا يوجد باحث عن النجاح إلا ويلتزم بمعيار العدل في أقواله وأفعاله..هذا إن كان باحثاً عن السعادة والراحة، أما أن يختلط النجاح لديه بالقلق والكَبَد فثمة تقصير على المستوى الشخصي والمِهني، فالشعور بالقلق يأتي بالتوجس والريبة من كل مخالف، لذلك كان أعظم الناس بُغية للإصلاح عند الله هم من أحياهم الله حياةً طيبة..قال تعالى.. "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"..وشرط العمل الصالح هو التواصي بالحق والتواصي بالصبر..قال تعالى .."وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"..فالبيان الإلهي يشير إلى أن صفات الصالحين الذين استثنائهم الله من الخُسران هم من عملوا على تذكير أنفسهم بالحق، أما من يعرض عن هذا العمل الطيب تعصباً وحُمية أو مكابرة واستكبار أو مزايدة وانتقام.. فهؤلاء هم أهل الهوى قد أضلهم الله فخسروا أنفسهم إلى ما شاء الله.

هذه المقدمة لتبيان أن أي مواجهة لا يلتزم فيها طرف من الطرفان بالعدل وبالتواصي بالحق فمصيره أولاً أن يخسر نفسه، ومن خسر نفسه ولم يُجهد نفسه بإحيائها فسيخسر الناس إلى أن ينتهي ككيان إنساني..أما عندما يكون أحد طرفي الصراع هو ممثل العدل -والذي هو قوام النجاح- فالمقاييس تختلف..فإما أن الطرف الممثل للعدل ينتهكه حينها تكون ساحة المواجهة أقرب لفرض القانون الشخصي واعتباره عاماً وتلك شريعة الغاب، وإما أن الطرف الآخر يجور على العدل ولا يبغي في ممثله أن يتعقبه أو يكشف جرائمه حينها يكون صراعاً بين الحق والباطل..وفي الحالة المصرية ترفع جماعة الإخوان شعار"تطهير القضاء"في محاولة منهم لما يصفونه بأنه تطهير لتلك المؤسسة العريقة من الفساد السياسي والمالي معاً..حقيقة تلك الاتهامات لمؤسسة العدل لابد وأن تكون لها أسباب واضحة وأدلة دامغة لا تقبل التأويل، علاوة على أن تكون صفة الاتهام لا يشوبها أي تعميم، فليس بمجرد ظهور وثبوت فساد أيٍ من القُضاة أن المؤسسة بالكامل على هذا المنوال. 

هم يقصدون برفع هذا الشعار تحديداً قُضاة.."الدستورية العليا ونادي القُضاة"..وإذا نظرنا قليلاً في هاتين المؤسستين سنجد أن الأولى هي من لها حق محاسبة وعزل الرئيس، أما الثانية فهي صانع تيار الاستقلال القضائي عن السلطة التنفيذية، وهذه الإشارة لها دلالات سنختصرها في أن الجماعة برفعها لهذا الشعار لا تريد محاسبة قضائية وتأمين تام لرئيسها في كرسي الحُكم، وكذلك السيطرة على مؤسسة العدل ألا تخالفها تلك المؤسسة الغائرة في وجدان الإنسان بأنها حِصن العدالة لكل مظلوم..إذا عُدنا قليلاً إلى الوراء وبالتحديد قبيل قيام ثورة 25 يناير سنجد تحالفاً وثيقاً بين نادي القُضاة وبين جماعة الإخوان وسائر أحزاب المعارضة "الفعلية"..والذين كانوا يُمثلون جميعاً حٍٍِِِصناً للعدالة في مواجهة تغول الدولة والسلطة الغاشمة معاً، حتى أن من بين رموز استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية-حينها- كان قُضاة الجماعة وبعض المستشارين ممن يشغلون مناصب عامة الآن في "سُلطة الإخوان" كالمستشارين أحمد ومحمود مكي، ولكن بعد تبدل الأوضاع السياسية للجماعة من المعارضة إلى الحُكم وقعوا في نفس ما كان يقع فيه النظام القديم.

يظهر لنا بأن الجماعة تحاول"تطويع"القضاء لإرادتها فترفع شعار التطهير بعملية إزاحة نفسية أصبحت هي السمة الأبرز للسلوك الإخواني في هذه الأيام، فمثلاً عندما يريد مكتب الإرشاد فض اعتصام المعارضة من أمام قصر الرئاسة فيلجأون إلى تصدير بعض الإشاعات كإشاعة"المجلس الرئاسي"أو اقتحام المعارضة للقصر، أو اختطاف الرئيس.. وما إلى ذلك من إشاعات"خيالية وتافهة" دأبت الجماعة على ترويجها داخل الصف الإخواني لتبرير هذا السلوك العدواني والذي سقط بسببه العديد من الشهداء، ولكي لا يلومهم العامي البسيط فيلجأون إلى تشويه خصومهم والادعاء بأن شباب وفتيات المعارضة المعتصمين كانوا يزنون في الخيام، وأنه لم يكن اعتصاماً حقيقياً وكأن الجماعة كانت سترضى بهذا الاعتصام فيما لو كان المعتصمون ملائكة! إنه الكذب على الذات والتبرير الدائم لسلوكيات لا أخلاقية بهدف الحشد لا غير...لا أفهم كيف يتدارس قومُ الصدق ويحضون عليه فيما بينهم ولكن تفضحهم سلوكياتهم بهذه الطريقة التي أصبحت على مرأى ومسمعٍ من الجميع.

اجمالي القراءات 7338