هل الواحات كانت وما زالت معتقل؟
.زيارة الملك فاروق للخارجة..!

محمد عبدالرحمن محمد في الجمعة ٢٣ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً


  •  
  •  في يوم السبت  11/1/1941م  الموافق 18 ذي الحجة 1359هـجرية حضر فاروق الأول ملك مصر  لبلدة الخارجة وقد أتاها عن طريق اسنا الصحراوي بالسيارات وعددها ستة عشرة سيارة، وقد حضر بباريس في الساعة الثانية عشرة ظهراً، وقد طاف بها حيث لم يعرفه أحد من سكانها.

  •  
  • وقد وجد أحد التجار وهو رجل اسمه (خروب) فسأله جلالته عن محلات لبيع الخبز فلم يجد بها  وعند مغادرته محل التجارة ظن التاجر خروب أن الذي كان يحادثه هو جلالة الملك وكان بالفعل هو جلالته ورجال الحاشية التابعة له.
  • فأخذ التاجر  مقداراً من الكعك ورأس سكر وثُمْن شاي وكبش(خروف)  وألح على الملك أن يقبل منه هديته فقبلها منه بالشكر  وبعد أن تبرع المَلِك بمبلغ عشرين جنيه للمسجد المقام في باريس لإصلاحه.
  •  وذبحوا هذه الشاة وأكلوها وغادروا ووصل بلدة بولاق الساعة الثانية بعد الظهر، وقد جهز له صاحب السعادة علي بيك علوي القوة البوليسية وقوة الهجانة، وكان يرأسها محمد بيك الميادي وحضرة العمدة نجاتي هنادي.
  • وجمع من رجال الموسيقى دار حول البلد ليجمع أهلها  وقد جمع بعضهم وانتظروه أمام منزله.

  •  
  • وقد قابل جلالة الملك المحافظ واليوزباش رئيس قوة الهجانة عند عين الشيخ حيث أدى التحية الملكية ووصل الملك إلى مبنى المحافظة الساعة 2,30 ظهراً  حيث استراح ساعة  وقد  عرضت عليه منتوجات الأهالي فأخذ من المكتب الصناعي سجادة وتوبين حرير، وأخذ من منتوجات الأهالي  بعض مراوح ومنشات وبرش منقوش بالحرير على سائر ألوانه..
  •   وبات ليلة الأحد في استراحة الحدود ورجال حاشيته باتوا في استراحة مصلحة الري، وفي هذه الليلة أمر العمدة بعمل مناداة ممنوع سروح الأهالي إلا بعد قيام جلالة الملك لإستقباله
  •   وفي الصباح انطلقت البلدة جميعها إلى المحافظة بجوار المحطة ووصل العمدة إلى المحطة أيضاً ليرسل إشارة تلغرافية، فأخبره ناظر المحطة واسمه وديع أفندي.. ممكن يا مولاي اتصال السلك إلى أي جهة وفعلاً وصلوا السلك إلى بلدة الأقصر كانت هناك من الخارجة وقد اعتمد بالسرور من هذه الفكرة وسأل عن المحطة وبساطتها وقد أمر بإصلاحها، وطلب القطار ليسافر به وقد حضر القطار فوجده الملك غير صالح لسفره فعدل عن السفر به.
  •   وقد سافر بالسيارات وقبل قيامه جلالته دخل منزل المحافظ (علوي بيك)  وقد سر سروراً عظيماً من الحديقة الغناء حيث وجد بها قسماً للدواجن المنزلية والبرية، فطلب منه زوج حمام من الصنف الموجود، وكان هذا الحمام موجود عند الشيخ محمد سيد اسماعيل ناظر شركة الواحات سابقاً.
  •  فنبه عليه المحافظ بالتليفون فجهز له خمس وعشرين زوجاً من الحمام في قفصين، ولما وصل الملك إلى منزل الشيخ محمد سيد اسماعيل  خرج الشيخ وعائلته للهتاف بحياة الملك، وأهدى الشيخ للملك هذا الحمام النادر  فقبله الملك بالشكر.
  •  وفي أثناء سيره وجد بعض الأحجار فنزل وجمع بعضاً منها ، وكان قد طار منه بعض الحمام فغضب لذلك إلا أنهم أمسكوا الحمام وأحكموا المحافظة عليه،وبعد وصوله مصر أمر بإحضار هذه الأحجار وجزءاً من الدوم كان قد جمعه في باريس.

  •  
  •   وكان حضور الملك هذا في يوم الأحد 12/1/1941م.

 

  •   في هذا اليوم حضرت السيدة/ قوت القلوب الدمرداشية بالسيارة من عمرة حيث أنها زارت البلاد الواحية ووزعت على أهاليها بعض القماش والبطاطين للفقراء وهذا في يوم 16/ 2/ 1941م، وسافرت إلى الداخلة في يوم 18 منه.
  •   في هذا اليوم حضر صاحب السعادة اللواء مدير مصلحة الحدود أقسام الحدود / أحمد زكي الحكيم باشا.. ومعه / علي بيك موسى مدير الهجانة وأقام يومين وسافر إلى الداخلة وهذا في يوم 20/1/1941م.

  •          هل الواحــــــــــــــات معتــــــقــل؟
  •    في العهد الروماني كانت الواحات تستعمل كمنفى للساسة وقواد الجيش ورجال الدين المغضوب عليهم..!
  •  ففي أوائل القرن الثاني الميلادي نُفيّ إليها الشاعر الناقد "جوفينال"، ثم في عهد الإمبراطور قسطنين 337 ـ 361م  نُفي إليها الأنبا (إثناسيوس)  بطريرك الاسكندرية.
  •   وفي سنة 434 ميلادية  نُفي إلى الواحات أيضاً الأنبا (نسطورس) أسقف القسطنطينة بعد أن جرد من وظائفه الكهنوتية لاختلافات مذهبية.
  •  ثم في عهد أنوبروس قيصر  وأركاديوس قيصر  نُفى إليها كثير من الساسة والقواد مثل القائد "طيماسبوس" .
  •   وقد كانت الخارجة مكاناً للنفي والإبعاد في عهد قدماء المصريين بالمثل إذ يذكر التاريخ أن بعضاً من أفراد العائلة الرعمسيسية نُفُوا إليها في عصر الأسرة الحادية والعشرين.
  •  والواحات لم تفقد بعد صفتها هذه في أنها منفى في العصر الحديث والمعاصر!
  • فنُفِيّ إليها في العصر الحديث بعض الساسة المصريين.. على ما هو ماثل في الأذهان.
  •   ولعل الحكمة في اتخاذها مكاناً للنفي في الأزمنة الغابرة  أنها كانت أقرب الواحات المعروفة، ومركز الحكومة القائمة في كل الأوقات.

  •  
  •   ويحكي / محمد عباس ..مدير العلاقات العامة السابق بالمحافظة عن بعض الأدباء الذين اعتقلوا  وكانوا ضيوف هذا المعتقل بالخارجة.. فيقول:
  •  "رافقت الشاعر الراحل / محسن الخياط.. في إحدى زيارته للوادي وكان معه الشاعر الكبير/ أحمد سويلم.. وزوجته الاعلامية المشهورة رباب البدراوي.. وطلبوا مني زيارة معتقل الواحات وكان ذلك في عام 1988م .

  •  
  •   وقتها كان المعتقل خالياً و عبارة عن مبنى متهالك، وتم بناءه ثانية في عهد الملعون مبارك كصرح من الخراسانة المسلحة في الجدران والأسقف والأرضيات وغرف ضيقة لاترى نور الشمس مطلقاً وهناك زنازين بمساحة متر ونصف وارتفاع متر فقط.! وملأه ميارك بالمعتقلين السياسيين والدينيين..
  •   وعندما طافت عينا محسن الخياط في المعتقل القديم الذي طلب زيارته ودون إرادة منه اغرورقت عيناه بالدمع وسرح لبرهة، ثم سار ونحن خلفه، وهو يكاد يحتضن بعينه الجدران، وفي أحد الممرات توقف عند أحد العنابر قائلاً: وراء هذا الباب لوحة رسمها الفنان التشكيلي / حسن فؤاد ..  كان قد رسمها وقت الاعتقال، وكان معنا المطرب / محمد حمام..  صاحب أغنية يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي..
  • وكان معنا في هذا المعتقل الدكتور / علي الحسيني والكاتب الصحفي / نبيل زكي.
  •   في هذا المعتقل كان أسلوب التعامل مع المعتقلين  هو الضرب القاسي، وهو الوسيلة الوحيدة للعقاب،.. ثم جلس محسن الخياط على الأرض، في أحد أركان العنبر، وقال: هنا كان مجلسي على البرش، وأسند ظهره للحائط وقال: كان معنا أحد الأطباء وكانت إدارة المعتقل قد ضبطت معه خطاب قد كتبه..فأخذوه للعقوبة التي كانت تتم عن طريق أربع عساكر.. يمسك كل واحد منهم بطرف من أطراف المذكور يجذبونه ، وأربعة آخرون يبدأون في ضربه ضرباً عنيفاً..
  •  حتى أصيب ذلك الدكتور بإعياء شديد من شدة ووحشية الضرب، وكان مأمور المعتقل يعيش مع أسرته في استراحة ملحقة بالمعتقل، وبعدها أصيبت ابنة المأمور بمغص شديد، فأخذها وذهب بها إلى المستشفى العام،  فوجد الطبيب في اجازة.
  •  فحار ماذا يفعل وابنته تقترب من الهلاك.. ولا تحتمل التأخير.. فأخبره الصول المرافق له بأن في المعتقل طبيب.. فطلب أن يحضروه على الفور إلى المستشفى وأقر هذا الطبيب المعتقل أن حالة البنت تحتاج لجراحة لإستئصال الزائدة الملتهبة جداً.
  •  ورغم إعياء الطبيب الشديد من شدة ووحشية التعذيب الذي تعرض له على أيدي المأمور وجنوده.. طلب منهم الطبيب  فتح غرفة العمليات.. وقام بإجراء العملية للبنت.!.
  •    هذه الحادثة كانت سبباً في تغيير المأمور لمعاملته مع المعتقلين، وبدأ يعطي لهم وقت مفتوح للفسحة،  ويستمعون لمشكلاتهم..ونهض محسن الخياط وأصابته حمى الشعر فظل لمدة نصف الساعة يلقي قصائده السياسية التي كتبها في المعتقل.

  •  
  •    ويضيف الأستاذ / محمد عباس ؟؟ فسألته ولكن كيف كنتم تخفون هذه الأشعار وهذه الابداعات عن تلك الفترة وكيف كانت تجئ لكم الأدوات  من أوراق وأقلام.؟
  •  فأجاب محسن الخياط:
  •  كانت هذه الأدوات تصلنا في أرغفة الخبز الذي يوزع علينا بالاتفاق مع متعهد الأغذية فكان يضع الأوارق والأقلام داخل كل رغيف وتمر إلينا من خلال بعض الحراس.

  •  
  •  ثم نزع  محسن الخياط بلاطة كانت مخلخلة، وأخرج صفيحة قديمة صدأة فارغة إلا من بعض قصاقيص ورق مهترأة وأشار إليها قائلاً: "وهذه كانت خزانة أسرارنا"..وبعدها انخرط في نوبة بكاء.
  • وبعد أن هدأ قال:
  • (إنه أبدع  أفضل مسرحياته وأشعاره في السجن..  وأنه بعد الوُد مع إدارة السجن سُمح لنا أن نقيم مسرحاً بسيطاً في فناء السجن ونمثل عليه المسرحيات.
  •   ونظر محسن الخياط وهو يخرج من السجن نظر إلى المواشي وكانت الحكومة قد حولته إلى زريبة وقتها وهو يتنهد : وقال: (المكان لم يتغير فيه شئ سوى البشر)!!
  • إلى أن شيد مبارك المعتقل كثكنة عسكرية لتعذيب معارضيه بعد عام 1988م وحتى قيام انتفاضات يناير 2010م. ومازال المعتقل ساري المفعول حتى الآن.
اجمالي القراءات 15548