معاناة أهل الواحات في الأسفار
من حـــفر العــــيون والآبار إلى معاناة الأسفار

محمد عبدالرحمن محمد في الثلاثاء ٢٠ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

                     

   يوجد اختلاف عظيم بين حفر العيون وحفر الآبار.

أما طريقة حفر العيون المائية فيجتمع  لفيف من الأهالي بعد عملية تقسيم العين بينهم  ويزيلون الرمال الموجودة بباطن العين بواسطة الشادوف والجرافة حتى إذا زالوا تلك الرمال وأصبحت العين مجوفة ولا يمكن النزول فيها، لأنه في أثناء عملية النهميمة ينزل رجل في جوف العين ويملأ الشادوف من الطين الموجود في بطن العين، والآخرون يرفعونه بواسطة الأحبال.

حتى يعثروا من مكان في جوف العين على حلقها وهو المكان الذي لايمكن لأي شخص أن ينزل فيه، فيجمعون الأخشاب ويضعونها على مسافة معروفة حيث تكون العين في الوسط.!؟

 ويستمر وضع الأطواق إلى أن يتم إلى سطح الأرض، وبعد ذلك يردمون وراء هذا البناء بواسطة حشوة بغصون الأشجار!

 وخصوصاً  فروع أشجار "الفيل" ويهيلون عليه التراب فتصبح العين ظاهرة واضحة فيقيمون عليها الدولاب:

الدولاب: هو عبارة عن كتل من الخشب الضخم.

توضع بأعلاه بكرة تدور وتوضع بالتوازي على وسط العين بالضبط وراء هذا الدولاب ونسبة من الحديد الزهر به جنزير متين وسلك لعمل اللازم.

 

  أما عملية حفر الآبار:

 فهى وضع الدولاب والونش فوق جهة ما وتجري عملية الحفر داخل مواسير لصيانة البئر ولعدم سقوط الطين بالبئر حتى يتم حفره ،  وعند العملية يكون منهدس العمل موجود ومباشر ويسمى "الأسطى" ، وهذا المهندس من الواجب عليه أن يكون ملماً بمعرفة طبقات الأرض ليتيسر معه  حفر البئر أو العين.

  كان أهل بلدة الخارجة في ذلك العصر لايفقهون شيئاً عن الدين الاسلامي وعندما حضر رجل من بني ركاب واسمه الشيخ عبدالرحيم وأراد أن يدخل هذه البلدة فلم يمكنه ذلك لشدة خشونة أهلها ومعاملتهم للأجانب بالقسوة، فاختار له مكان خارج البلد، وكان كلما حضر إليه أحد الناس يرشده ويعلمه قسطا من تعاليم الاسلام التي يعتقد فيها أنها من الاسلام.، فكانت تهواه الناس!

 وأرادوا أن يدخلوه معهم البلدة ويزوجوه منهم فأجاب طلبهم ومنذ ذلك الحين سُمى شارع بالخارجة بهذا الاسم حتى الآن ، وهو شارع الركابية نسبة إلى عبدالرحيم الركابي معلمهم  في الدين وظل هذا الشارع حتى يومنا هذا لأنه أول بقعة في الواحات كانت تتلقى فيه الناس العلم.

 وفعلاً مكث هذا الرجل وتزوج منهم  ومن هنا نشأت عائلة الركابية التي لازالت تسيطر على الواحات بالحكم حتى الآن في وظيفة "العُمد"  .

 

وتقادم العهد وتطايرت السنين... فكان في الحالة الأولى عندما حكمت عائلة الركابية وأمسكت زمام الخارجة كانت لهم سلطة عظيمة وكانوا يستعملون الضرب مع من حل أمامهم في قضية ولم ينفذ أوامر العمدة، فيأمرون الصبية "الرقيق"  بمسكه في عدة اسمها (الفلقة) ويضربونه  ولا مجيب ولامفيد ولذلك فكانت الأهالي تهاب عائلة الركابية التي منها العمدة وربما ترك الرجل المظلوم حقه خوفاً من الضرب والتعليق في (الفلقة).!.

 

 السلطة الحكومية:

 كانت سلطة الحاكم تابعة لمعاون الإدارة ولم يكن سواه ومعه السبيط من الجند وكاتب واحد، هذه هى كانت الهيئة الحاكمة بالخارجة وقتها وكانوا يقومون في جهة ميدان البوستة القديمة بمكان اسمه "الدار" ومكثوا بها مدة طويلة من الزمن وبعد ذلك نُقل الحكم بجوار عين القلعة.

  وبعد ذلك أقامت الحكومة هناك  المركز والسجن أما المستشفى فكان في منزل البرادعي وبه طبيب واحد ويساعده حلاق الصحة.

 

 ومن ضمن المعاناة لأهل الواحات:

 أنه من كانت له قضية مدنية يلزمه أن ذلك أن يسافر إلى أسيوط للمثول أمام المحاكم،  وكان السفر في ذلك العصر بواسطة الجمال والابل، فكثير ما لاقى المسافرون الصعوبات والاهانات من  قطاع الطرق في هذا الدرب العسير كإطلاق الرصاص ونهب الأموال والأمتعة وكان  المسافرون  من الخارجة يصلون إلى أسيوط  على مسافة مائتين وأربعين كيلو متر في مدى زمنية لاتقل عن عشرين يوماً.!.

  وكان أصحاب الإبل يأخذون على  الراكب أجوراً فاحشة حتى إذا ما قل منهم الماء في الطريق فيستعمل أصحاب الإبل الخشونة والقسوة مع الراكب أو الركاب  حتى يأخذوا منهم زيادة عن الأجر المتفق عليه، وإلا ترك صاحب الإبل الراكب  بغير ماء ولا راحلة في صحراء النقب وأسيوط .!.

   وظلت الواحات منذ ظهورها تكابد المصائب والأهوال في السفر خارجها  حتى فاض الله تعالى عليها بنعمائه

  ففي سنة 1903م تقريباً  حضرت بأرض الواحات شركة انجليزية كانت تريد استخراج بترول وقد استحضرت آلات الحفر، من دواليب إلى ماكينات لعمل اللازم.

 ولكن وبكل أسف لم ينجح مسعاها في اكتشاف البترول  بل تفجرت المياة وكانت الأراضي غير صالحة للزراعة، إلا بعد جهد طويل، فصرفت هذه الشركة الانجليزية أموال جمة  على تلك المحاولات ومن بين هذه الأموال  180كيلو متر من الإنشاء وذلك بمد خط سكة حديد  ما بين وادي النيل إلى الخارجة، كلف هذه الشركة الانجليزية فوق العشرين ألف جنيه مصري وقتها.

 

 وعند انتهاء عمل الشركة وأرادوا الرحيل باعت الشركة  خط السكة الحديد الذي أنشأته، للحكومة المصرية  ولولا ذلك لكانت الواحات الخارجة كغيرها من الواحات ومما يدل على وجود هذه الشركة أثر خالد  حتى الآن. وهو بناء قرية المحاريق  على بعد خمسة عشرة كيلو من الخارجة تلك القرية المنفى التي بنتها الحكومة المصرية لنفي جماعة من الأثرياء السياسيين بالقاهرة كانوا معارضين للحكومة وقتها وكان لهم شأن في المجتمع وقتها ومن عائلات كبيرة عريقة.. مما دعا الحكومة لنفيهم إلى مكان بعيد جداً ووقع الاختيار على الواحات الخارجة خصوصاً بعد أن أنشئ فيها خط السكة الحديد الذي شيدته تلك الشركة الانجليزية.

 

  ومما يذكر أن هناك رجل اسمه الحاج  سعيد من كبار رجال الخارجة وقتها قد اشترى نصيباً من أسهم خط السكة الحديد هذا..  وقد قامت الحكومة المصرية ولها  غالبية أسهم خط السكة الحديد هذا بنفي المعارضيين  السابق ذكرهم للخارجة في موقع أو قرية أسموها المحاريق بجوار السكة الحديد.

 

 كانت هذه القرية بها مسجد كبير جداً مفروش بالسجاد الفاخر في ذلك الوقت وبها أسواق  وحدائق وبساتين ورشاشات للمياة بالشوارع، ليس هذا فحسب بل كانت الفواكه الطازجة والخضار يأتي يوماً بعد يوم من القاهرة لأهل هذه القرية  ومن أسيوط  لرواد المنفى الأرستقراطي. وعاشت الخارجة مجاورة  لبلدة أو مدينة المحاريق عصراً ذهبيا مزدهرا طوال منفى هذه الطبقة الأرستقراطية..!! حدث هذا في عصر الملك فؤاد.

 

 وعرف عن الواحات  منذ لك الحين أنها مكان مثالي لإنشاء سجن للحكومات المستبدة  بمصر في العصر الحديث، يكون هذا السجن المنفى وأحياناً كثيرة  يكون المنية التي  تحتوي معارضي مصر ومفكريها عند مواجهتهم للحكومات المستبدة.

 في المقال القادم نكمل  عن زيارة الملك فاروق ابن الملك فؤاد  للخارجة. وعن معتقل الخارجة السياسي.

                    

اجمالي القراءات 15656