فيلم "عرس الدم" بطولة الطاغية صدام وعصابة " الحشاشين الجدد"

مسعد حجازى في الخميس ٠١ - فبراير - ٢٠٠٧ ١٢:٠٠ صباحاً

شاهدت تصويرا وتجسيدا حيا غاية فى الإيجاز وبوضوح أضواء آشعة تحت الحمراء للجانب المظلم السوداوى لتاريخ العرب خلال أربعة عشر قرنا من الزمان،.. رأيت أقصر فيلم لأطول رواية مأساوية فى تاريخ البشرية لم تنتهى فصولها بعد، ويعجز أعظم كاتب سيناريو فى العالم أن يكتبها.!!

 

 

- رأيت دكتاتورا وطاغية مستبد تجبر واستكبر طوال حياته، يساق عنوة إلى حتفه ومصيره المحتوم شأنه شأن كل الطواغيت عبر التاريخ، منهم من لقى حتفه ومنهم من ينتظر، ومنهم من أصبح يتحسس رقبته قبل أن يلتف حولها حبل المشنقة السميك.

 

- كنت أظن أننى سأشاهد مشهدا لتنفيذ حكم إعدام مماثلا لمشهد إعدام الإرهابى الأمريكى " تيموثى ماكفييه" الذى بثته شبكات ومحطات التلفزة على الهواء فى عام 2001، أو حتى مشهدا آخر خيالى فى نهاية الفيلم الأمريكى Dead Man Walking الذى ظهر فى عام 1996 بطولة النجم شون بن والرائعة سوزان سوراندون ومن إخراج وإنتاج زوجها النجم تيم روبنز، كلا المشهدين – الحقيقى والخيالى السينمائى أبرزا لحظة الإعدام الرهيبة بما لها من جلال وقدسية تنفيذا لحكم القانون وباسم ونيابة عن المجتمع ككل، وعلى الرغم من حضور عدد من أهالى الضحايا وقفوا جميعا خلف ساتر من الزجاج السميك لم يتفوه أحدهم بكلمة نابية ضد المجرم الإرهابى، ولم يسمع صوت سوى صوت ممثل الإدعاء وهو يتلو حيثيات حكم الإعدام .. كنت أظن أننى سوف أرى صورة شبيهة أو حتى قريبة الشبه من هذا فى مشهد إعدام صدام، ولكن خابت ظنونى فلم أرى سوى بربرية وهمجية وإنحطاط عصور الظلام فى أوروبا القرون الوسطى، وجاهلية عصر ما قبل ظهور الإسلام، باسم الإسلام والإسلام منها براء.!

 

- كنت أنتظر رغم شكوكى أن أرى ممثلين لحكومة تدعى أنها منتخبة وشرعية مع أن زعمائها جاءوا مع الإحتلال ومهدوا الطريق إلى جنوده ودباباته لدخول العراق، وتدعى أنها جاءت من أجل كل العراق الموحد لتضميد الجراح وإجراء مصالحات وطنية، تحركها رغبة مخلصة وصادقة فى إعلاء قيم الحق والعدل وبناء دولة القانون، ولكن خابت ظنونى فلم أشاهد مشهد تنفيذ دولة لحكم إعدام وإنما شاهدت ثأر إنتقامى وحفل " عرس إرهابى " رخيص تحييه عصابة وجماعة ملثمة من " الإسماعيليين الجدد" أو " الحشاشين الجدد" وقد هبطوا تحت جنح الظلام فى الفجر مع زعيم العصابة الحسن بن الصباح إلى مبنى المخابرات العسكرية القديم من على إرتفاع عشرة آلاف ومائتى قدم عن سطح البحر، من قلعة " الأموت " Alamut الجبلية الإيرانية – شمال غرب قزوين للفتك بالخصم والعدو اللدود صدام حسين التكريتى، يستقبلهم جورج بوش الأب وجورج بوش الإبن زعيم " المحافظين الجدد" وتابعه " تونى قفة بلير " الذين لم تظهر وجوههم الغابرة فى شريط الفيديو لكنهم كانوا حاضرين وبقوة، وكيف لا وهم أصحاب " عرس الدم" الذى كلفهم مئات المليارات من الدولارات، وحياة وأرواح أكثر من مائة ألف قتيل عراقى، وأضعاف هذاالعدد من المصابين والمعوقين، وعشرات الآلاف من الأمريكيين والغربيين بين قتيل وجريح كلها جرائم حرب ضد الإنسانية يستحق كل من تسبب فى إرتكابها أن يقف فى نفس مكان صدام تحت الحبل السميك وبدون قناع.

 

- شاهدت صور عبثية سريالية جنونية لقبائل بدو عراقية، وحشاشين فرس يغمدون خناجرهم المسمومة بفيروس الكراهية والتعصب القبلى ، والمصلية بنار الحقد الطائفى والمذهبى فى جسد بدوى عراقى آخر، ... صورة لثأر عائلى بين صعيدى أمريكى من " تكساس" ضد صعيدى آخر عراقى بدوى قبلى من تكريت،... مشهد إعدام عبثى لا يعرف المشاهد فيه من الجانى ؟ ومن " عشماوى" The Executioner؟!! ، فالكل أياديهم مخضبة بالدماء يحترفون القتل والإرهاب، لا فرق بين عربى أو أعجمى أو أمريكى أو إنجليزى إلا فى وسائل وأدوات القتل والقمع والإرهاب، ... ما الفرق بين إرهابى يذبح ضحيته بنصل حاد أو خنجر مسموم كما تذبح الشاة، وبين إرهابى يمتلك سلاح طيران وقنابل " سمارت – الغبية " ؟ لا فرق على الإطلاق إلا فى الوسيلة وعدد الضحايا، .. الأول يستخدم السكين لأنه لا يمتلك سلاح طيران وتعود على منظر سفك الدماء ويتلذذ بمشهد الضحية الذبيحة ذلك لأن فكره المعوج المغلوط قد صور له أنه على حق وضحيته على باطل، والثانى يعتبر نفسه متحضرا لا يطيق منظر الدم المراق فتفنن فى إختراع كل أسلحة القتل والدمار من على بعد – بالريموت كونترول – أسلحة تشبه إلى حد ما ألعاب الـ " نينتيندوا" Nentendo Games التى أدمن لعبها منذ الصغر ، .. الأول يتوهم أنه يقوم بجهاد مقدس دون أن يعرف معناه الحقيقى أو يدرك الفرق بين الجهاد الأصغر والجهاد الأكبر، والثانى يطلق على جرائمه " ضربات جراحية" Surgical Strikes لا يرى ما تحدثه من دمار وأهوال على الأرض أو صور ضحاياه، كى لا يشعر بوخز ضميره وينام هادئ البال قرير العين.!!،

ولقد تنبه إلى هذه الحقيقة بعض المفكرين والفلاسفة فى الغرب مثل الفيلسوف البريطانى برتراند راسل حين قال :

 " حينما ترتفع المدنية الغربية إلى عنان السماء تهبط الإنسانية إلى الحضيض على الأرض" ، ومثل مارتن لوثر كنج الذى قال:

- شاهدت فى شريط إعدام صدام كل من عاصروه من زعماء إسرائيل من بيجن وشامير ورابين وبيريز و" نتن-ياهو"، وحتى باراك وشارون وأولمرت وهم يتبادلون الأنخاب ويقولون فى نشوة وإبتهاج : " شكرا لكم جميعا أيها الحمقى الأغبياء على كل ما قدمتموه لنا من خدمات جليلة ساهمت فى تقوية أمن دولتنا وتعزيز قوتها، ودون أن نزهق روح جندى إسرائيلى واحد أو ندفع سنتا واحدا من جيوبنا. إن كلا منكم يستحق أن نقيم له تمثالا فى أكبر مياديننا. هلا فهمتم بعد أن أمننا الكامل يتحقق فقط على حساب أمنكم!!!

 

- شاهدت وسمعت الشاعر بيرم التونسى المصرى السكندرى وهو يصرخ قائلا:

يا شرق فيك جو منور

والفكر ضلام

 وفيك حراره يا خساره

وبرود اجسام

فيك تسعميت مليون زلمه

لكن اغنام

لا بالمسيح عرفوا مقامهم

ولا بالاسلام

هي الشموس بتخلي الروس

كدا هو بدنجان

*****

يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

" ان أغني الغني العقل .. وأكبر الفقر الحمق .. وأوحش الوحشة العجب .. وأكرم الكرم حسن الخلق. "

 لقد قال الإمام على هذه الكلمات الحكيمة البليغة قبل أن نغيب العقل ونسحقه بقرون من الزمان، حين نفينا الطبيب والقاضى والفيلسوف المسلم الأسبانى العربى أبو الوليد محمد بن أحمد إبن رشد - “ Averroes “ – ( 1126 – 1198 م، وأحرقنا كتبه ومؤلفاته الموسوعية والتى نهل الأوروبيون الغربيون منها واستفادوا أعظم فائدة طوال أربعة قرون كاملة، كانت خلالها فلسفة إبن رشد ومنهجة العقلانى وشروحاته النقدية للتراث الأرسطى هى مدرسة الفكر النظرى السائدة والمسيطرة على الفكر الأوروبى رغم ردود فعل الكنيسة وسطوتها وحتى إعتماد المنهج العلمى التجريبى البيكونى.

 منذ ذلك التاريخ ونحن نحرص على وأد الفكر والإجتهاد والتفكير والذى هو الفريضة التى تجتمع حولها كل الفرائض...

منذ ذلك التاريخ ونحن يتسلط علينا أصحاب فقه البداوة والسلاطين وثقافة الإستبداد والسلفيين/النصوصيين الذين يريدون أن يقودوا بنا إلى الأبد عربة التقدم والرقى وهم ينظرون إلى المرآة الخلفية.!!!


منذ أكثر من أربعين عاما تنبأ المفكر الكندى العالمى هربرت مارشال مكلوهان بالثورة التكنولوجية الهائلة التى نحياها الآن، وصك تعبير " القرية الكونية" ... حينئذ قال كلمته الشهيرة :

" إن أخشى ما أخشاه أن ندخل القرن الحادى والعشرين بينما نحن نجر فى أرجلنا وأيدينا قيود وأغلال القرن التاسع عشر".


فما بالنا نحن العرب والمسلمين نجر قيود وأغلال قرون طويلة من التخلف والفرقة والإنقسام وحب السلطة وثقافة الإستبداد وتكميم الأفواة!!

وعجبى على أمة تقيم الدنيا وتقعدها من أجل الحجاب والنقاب، ولا تثور ثورتها أو تهتز لها شعرة ضد من يقطعون الرقاب ويكفرون المجتهدين من أولى الألباب.!!!


ولكنى ألمح فى الأفق سحب ورياح التغيير وهى تهب ناحية الشرق، وتزداد قوة وسرعة، ويوما بعد يوم سوف يقترب الإعصار ليكنس معه عروش الطغاة وممالك الفساد ودويلات الطوائف والتعصب والهوس الدينى، ويعود الوجه الحضارى المشرق للعراق – البلد الذى قدم للبشرية الكتابة التى صنعت التاريخ- وتعود للفلسطينيين حقوقهم المسلوبة.

 إعصار يخلق شرق أوسط جديد خال من أسلحة الدمار الشامل ، ومن عصابات " الحشاشين الجدد" و" المحافظين الجدد".


مسعد حجازى

كاتب وصحفى مصرى – كندى

Mossad_Hegazy@hotmail.com

 

 

 

 

 

  

اجمالي القراءات 19012