يخرّون للأذقان سجّدا

آحمد صبحي منصور في السبت ١٠ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة
جاءنى سؤال عن جنوح بعض المنتسبين للقرآنيين الى السجود على الأذقان فى الصلاة بدلا من السجود العادى ، وأنهم إستنبطوا ذلك من قوله جل وعلا :( ُقلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109) الاسراء ). ولأهمية السؤال أخصص له هذا المقال .
أولا :
1 ـ حسبما أوضحنا فى كتابنا ( الصلاة فى القرآن الكريم ) فالعبادات فى الاسلام أصلها ملة ابراهيم ، وقد جاءت لنا بالتواتر ، ويبقى القرآن الكريم حكما على التواتر إذا تسرب اليه تحريف، ومن هنا فإننا نصلى بنفس الكيفية وبنفس التوقيت ، إلّا ما ثبت لنا مخالفته للقرآن ، فقد إفتروا صيغة ( التحيات ) فى عصر التابعين. ونحن لا نقولها فى الصلاة لأنّ صيغة ( التشهّد ) مذكور فى الآية 18 من سورة آل عمران ، ونحن نقول بأن القصر فى الصلاة هو عند الخوف فقط ، وليس فى عموم السفر كما إبتدع الفقهاء. ولأن العبادات فريضة فلا مجال فيها للإبتداع والهوى . ولكن الهوى أضلّ بعضهم فشغل نفسه بإختراع صلاة جديدة بإنتقاء بعض آيات القرآن الكريم متوهما أن القرآن الكريم نزل بتأصيل الصلاة ، ناسيا أن القرآن الكريم أمر خاتم النبيين بإتباع ملة ابراهيم ، ومنها العبادات من صلاة وصوم زكاة وحج ، وأن منهج القرآن هو إصلاح ما حرّفه الجاهليون فى هذه الملّة الابراهيمية ، وقد فصّلنا هذا فى كتابنا المذكور . 
2 ــ الهوى الذى أضلّ أولئك الناس جعلهم يشرّعون لأنفسهم حسبما يريدون وحسب ما يفهمون . منهم من يستثقل الصلوات الخمس المكتوبة فيبيح له هواه أن يجعلها ثلاثة فقط، ومنهم من يبالغ فيجعل الصلاة مجرد الذكر أو قراءة القرآن ، ثم ينتهى به الأمر فلا يصلى ولا يقرأ القرآن . ومنهم من يجعل كل العبادات من صوم وصلاة وحج مجرد تفكر وقراءة للقرآن ثم ينسى ولا يذكر ولا يتفكر . وفى كل الأحوال يلجأون للتأويل وإنتقاء الآيات التى يرونها تؤيد هواهم . ويجعلون دينهم هو هذا الإفك يهبون حياتهم للدفاع عنه والتبشير به والتعصّب له . وموضوع ( السجود على الأذقان ) أحد دلائل الجهل الفادح الذى يقعون فيه .
3 ـ من سمات الجهل والضلال فى موضوع (السجود على الأذقان) أنهم ينتقون ما يوافق هواهم ويكتمون الآيات التى لا تتفق معهم فيضلّون الناس بغير علم. وهذا إضلال يقع فيه أهل (الهوى) المنتسبون للعلم فى كل الأديان الأرضية التى تعبث بدين الله جل وعلا وتحرّف كتابه، وقد ضرب ربّ العزة لهم مثلا مهينا فقال عنهم فى سورة الأعراف : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) ،وقال جلّ وعلا فى سورة الفرقان: ( أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً (43) أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً (44) ،وقال رب العزّة فى سورة الجاثية (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (23) . ونتذكّر هنا قوله جلّ وعلا فى الفرق بين العالم المؤمن والعالم المضلّ : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران ).
4 ـ الراسخون فى العلم يقومون بتدبر القرآن ، وتدبر القرآن فريضة على المستطيع:(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً(82)النساء)(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)محمد). الراسخون فى العلم يؤمنون بالقرآن كله ، والتطبيق العلمى للتدبر القرآنى أو البحث القرآنى يعنى تتبع وتجميع كل الآيات الخاصة بالموضوع فى السياق الخاص والسياق العام ، وفهم مصطلحات القرآن فيها ، ثم بحثها معا دون فكرة مسبقة أو هوى قائم . لأن الهوى هنا يعنى أن صاحب الهوى يجعل القرآن تحت قدميه ينتقى منه ما يوافق هواه ويتجاهل ما يخالفه. 
5 ــ السياق الخاص للآية واضح تمام الوضوح ، فالسياق ليس عن الصلاة ولكن عن سجود التلاوة وما كان علماء أهل الكتاب يقولونه فى سجودهم عند سماعهم للقرآن، وبهذا إحتجّ رب العزة على كفّار العرب الرافضين للقرآن ، فقال جل وعلا :( ُقلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109).الاسراء).
6 ــ ولأن القرآن ( مثانىّ ) يفسّر بعضه بعضا فإنّ السياق العام لسجود التلاوة فى القرآن الكريم كله يؤكّد ما جاء فى سورة الاسراء،ففى سورة ( مريم ) يقول جلّ وعلا عن سجود التلاوة: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً (58)،وفى سورة آل عمران:(لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113).وكل هذا عن أهل الكتاب وأنبيائهم.ونفس الموضوع عن أهل القرآن وما ينبغى عليهم من السجود عند تلاوة القرآن إعلانا لإيمانهم به:(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة). أما من يكفر بالقرآن فهم لا يسجدون عند تلاوته، وهكذا كان يفعل كفار العرب المكذّبين بالقرآن، فقال جلّ وعلا فيهم :( فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ (21) بَلْ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) الانشقاق).لذا قال جل وعلا يحتجّ عليهم بمؤمنى أهل الكتاب:( ُقلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109)الاسراء).
ثانيا :
أمّا السجود للتلاوة على الأذقان فيمكن فهمه أيضا من خلال القرآن الكريم . ونبدأ القصة من أوّلها :
1 ـ فى سورة الأعراف من آية 142 الى آية 170 ، يخبرنا رب العزة عن ميقات موسى الذى استمر أربعين يوما ، وفيه سأل موسى أن يرى ربّه جل وعلا فأصابه الصعق ،ثم أفاق وتسلّم الألواح ، وعاد الى قومه فوجدهم يعبدون العجل ، فغضب عليهم وعلى أخيه هارون ،واختار موسى من قومه سبعين رجلا لأخذ العهد الالهى عليهم ، فأخذتهم الرجفة ، وطلب موسى من ربّه جلّ وعلا أن يكتب لهم حسنة فنزل الوحى يخبر بمجىء النبى خاتم النبيين عليه وعليهم السلام : (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (157). 
2 ـ أخذ العهد على بنى إسرائيل إرتبط برفع جبل الطور فوقهم :(وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (171)الاعراف). فسجدوا وهم ينظرون فى هلع للجبل المرفوع فوق رءوسهم كأنّه (كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ ). أى سجدوا على الأذقان . ومن وقتها عرفوا بالبشارة بخاتم النبيين . ومن هنا فإن أحفادهم عندما سمعوا القرآن الكريم سجدوا نفس السجود الذى سجده أسلافهم من قبل حين رفع الله جل وعلا الجبل فوقهم كأنه ظُلّة . أى خروا للأذقان سجدا .
3 ـ وتوارث علماء أهل الكتاب العلم بقرب مبعث النبى العربى من ذرية إسماعيل . وعرفوا به قبل العرب الأميين ، وعرفوا بمهجره الى المدينة ( يثرب ) قبل أن ينزل الوحى على خاتم النبيين ، فهاجر بعضهم الى يثرب ليكونا ضمن أصحابه ، وعاشوا مع الأوس والخزرج يترقبون هجرة النبى ، ويتوعّدون الأوس والخزرج بأن يناصروا النبى القادم من مكة والذى سيهاجر الى يثرب ، وكانوا يتوعّدون ألوس والخزرج بأن ينتصروا به عليهم ، فلما هاجر البنى الى المدينة كفروا به بغيا وحسدا، يقول جل وعلا:( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْياً أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)البقرة).
الطريف أن موقفهم هذا جعل بعض أهل يثرب يؤمنون بالنبى الخاتم قبل أن يعرف محمد عليه السلام أنه سيكون نبيا ، لذا كان الأنصار هم الأسبق فى الايمان من المهاجرين ، فتفانوا فى رعاية المهاجرين طبقا لهذا ، أو بتعبير رب العزّة جل وعلا :( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر ). أى قال جلّ وعلا عن الأنصار إنهم تبوءوا الدار والايمان قبل المهاجرين .
4 ـ والواقع أن أهل الكتاب مع علمهم المسبق بالنبى الخاتم فقد كانوا نوعين : منهم من آمن ومنهم من كفر وكتم الحق . يقول جل وعلا عن المنكرين : ( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) البقرة)( الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (20) الانعام). ومنهم من آمن وصدّق وبكى عندما سمع القرآن:( وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ (84) فَأَثَابَهُمْ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (85) المائدة ).
5 ـ لذا فقد أخذ رب العزة من موقف أولئك المؤمنين حجة على الكافرين العرب فقال عن القرآن الكريم : إنّ العلم به موجود فى الكتب السماوية السابقة:( وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ (196)ثم يقول جلّ وعلا عن معرفة علماء بنى إسرائيل به : ( أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) الشعراء). ونعيد قراءة الآية الكريمة : (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (197) ونرجع الى سورة الاسراء وفيها نفس المعنى :( ُقلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً (108) وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (109). 
أخيرا 
ليس هذا المقال لمجرد الرد على من يجعل الصلاة سجودا على الأذقان ، ولكن أيضا لتعليم كيفية البحث القرآنى والتدبر القرآنى بطريقة عملية .

اجمالي القراءات 27651