الزينة والشهوات
في البحث عن الإسلام – الزينة والشهوات في القرآن الكريم - مفردات

غالب غنيم في الثلاثاء ٠٦ - نوفمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

بسم الله

قال تعالى :
(
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ
ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ
وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ  *
 قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ
لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ  * 
الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ  *  الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ  *  شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  *  إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
)آل عمران،3 - 14:19

الله تعالى لم يقل " زينا للناس "  بل قال بصيغة الفعل المجهول فاعله ( زُيِّنَ )
فهل الله عز وعلا من زين لهم ذلك ؟
فإن كان هو .... فلم عقب بقوله (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ ) ؟!
الا يعني تعقيبه ان من زين للناس ليس هو ؟!! بل من نبأهم بغير ما نبأ الله تعالى به؟!

فمن هو الذي زين للناس كل ذلك؟
لننظر إلى قول الله تعالى في الشهوات:
(
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ
 وَيُرِيدُ ((الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ))
 أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا
 ) النساء،4 - 27

وقال:
(
فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ
 وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ
فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا
) مريم،19 - 59

فهل نفهم ان الشهوات شيء فيه خير؟ من المؤكد النفي، وإلا ما نبأ الله تعالى بخير من ذلكم في مورد البحث أعلاه!

فمن زين للناس؟ وأي
أناس هنا من يتحدث عنهم ربنا تعالى؟
(
زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
 وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا
 وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
)البقرة ،2 – 212

هنا بدأت الصورة تتضح لنا شيئا فشيئا، فالذين يتبعون الشهوات هم من الذين كفروا، وهم من زُيِّنَ لهم الشهوات في الحياة الدنيا، وهم من يسخرون من الذين آمنوا ...

ويأتي الجواب أخيرا :
(
قَالَ
 رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي
  لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ *
 إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ  *  قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ  *  إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ  *  وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ
 ) الحجر،15 - 39:43

ومنه، يتبع الشهوات من يتبع إبليس، الذي زين لهم من خلق الله تعالى في الأرض، فجعله من الشهوات، وهو زينة يجب عليهم أن لا يسرفوا في التمتع بها، قما هي إلا متاع إلى حين:

(
إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا
 لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا
) الكهف،18 - 7

فما على الأرض زينة فقط، وليس إلى حد الشهوة العمياء كالأنعام ! فهي بلاء لنا ، فهل يتبع الخلق منا شهواته فيها أم زينتها فقط كمتاع له إلى حين ؟!

وحتى المال والبنون للمؤمن ليست شهوات ابدا بل زينة مؤقتة وابتلاء من الله تعالى، لنشكر الله تعالى على ما فضل عليه منها وأنعم :
(
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ
وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
) الكهف،18 - 46

(
وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ
وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ
أَفَلَا تَعْقِلُونَ  * 
أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ
كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ
 ) القصص،28 - 60:61

الله تعالى جعل بين الرجل وزوجته سكن ومودة ورحمة وليس شهوة وغريزة :
(
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم، 30 – 21

وهذا بيان لمن يتبع الشهوات من النساء بدلا من السكن إليهن والود والرحمة التي جعلها الله بين الرجل وزوجه، فاتبع الشيطان فكان الود والرحمة شهوة دواب وأنعام، وحتى نساء النبي وعظهن الله تعالى بعدم اتباع الحياة الدنيا وزينتها فتكون شهوة اكثر منها متاعا مؤقتا:

(
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الأحزاب،33 - 28

فيكونوا ممن حق عليهم القول ممن زين لهم حب الشهوات :
(
وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ
 فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ
 وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ
) فصلت،41 - 25

أو يكونوا ممن قال تعالى فيهم:
(
أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ
فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۖ
فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
) فاطر،35 - 8

أو يكونوا ممن هم أسوأ مصيرا :

(
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا  * 
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا  * 
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ
 وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا  * 
ذَٰلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ
 بِمَا كَفَرُوا
 وَاتَّخَذُوا آيَاتِي
 وَرُسُلِي
 هُزُوًا) الكهف،18 – 103:106

والله تعالى فصل الشهوة على انها الرغبة القوية المنحرفة عن المعروف، أي المنكرة من الرغبة، حيث قال تعالى في شهوة الرجال للرجال:
(إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ) الأعراف،7 – 81

فوصف الإسراف في الرغبة بالشهوة، حيث تعمى الأبصار عن الحق، باتباع ما زين الشيطان، وقوله تعالى (مِّن دُونِ النِّسَاءِ) يدل على تدني الدرجة في الشهوة وليس على الإستثناء للنساء كما نجد في القرآن لمدلول كلمة "من دون"، أي انهم اشتهوا ما هو ادنى واقل درجة، ولهذا كانت شهوة بحد ذاتها.


سبحان من فصل القرآن الكريم وجعله آيات بينات تفصل بعضها البعض وتظهر الحق وتنير الدرب وتهدي للتي هي أقوم

اجمالي القراءات 19612