الخلود
موضوع "الخلود في النار" من خلال الآيات البينات!

نسيم بسالم في السبت ٢٠ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

 

آخِر الوَرقات التي يُخرِجُها أصحابُ الأَماني والشُّبُهات؛ بعدَ أن لا تَنفَع المُنجِيات  والمُكفِّرات؛ وبعدَ أن لا تُجدي الوَساطات والشَّفاعات؛ أن يقُولوا لكَ إنَّ المُوحِّد العاصِي مُمكِن وُلوجُه إلى جهنَّم؛ ولَكن على أن يمكُثَ مُدَّة مُعيَّنَة على قَدر ذُنوبِه ثُمَّ يخرُجُ مِنها ويُطهَّر ويُدخَل الجِنان بعدَ ذَلِك، ومِنهُم مَن اشتطَّ أكثَر وادَّعى فَناء النَّار تَماما وخُروج أصحابِها جَميعا إلى رحمَة الله بعدَ أن تُطهِّرَهُم نيرانُ جهنَّم!

 يتمسَّكُ القائِلُون بالخُروج في مُعتَقدِهم بأهدابِ بعض الرِّوايات وظواهِر بعض الآيات.

   مِنها ما رويَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ يَقُولُ اللَّهُ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ فَيَخْرُجُونَ قَدْ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الْحَيَاةِ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ أَوْ قَالَ حَمِيَّةِ السَّيْلِ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّهَا تَنْبُتُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً) [البخاري].

     وما روي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ حَبْوًا فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ قَالَ فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا أَوْ إِنَّ لَكَ عَشَرَةَ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي أَوْ أَتَضْحَكُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَاكَ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) [رواه مسلم].

   وعن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَمَّا أَهْلُ النَّارِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهَا فَإِنَّهُمْ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا وَلَا يَحْيَوْنَ وَلَكِنْ نَاسٌ أَصَابَتْهُمْ النَّارُ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ قَالَ بِخَطَايَاهُمْ فَأَمَاتَهُمْ إِمَاتَةً حَتَّى إِذَا كَانُوا فَحْمًا أُذِنَ بِالشَّفَاعَةِ فَجِيءَ بِهِمْ ضَبَائِرَ ضَبَائِرَ فَبُثُّوا عَلَى أَنْهَارِ الْجَنَّةِ ثُمَّ قِيلَ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ أَفِيضُوا عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ نَبَاتَ الْحِبَّةِ تَكُونُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ كَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بِالْبَادِيَةِ) [رواه مسلم].

   * وهؤلاء الذينَ يخرُجون مِن جهنَّم (على حَسب زعمِهم) يُسمَّون ب (الجهنَّميُّون) يغبطُهم أهل الجنَّة أن طُهِّرُوا مِن ذُنوبِهم ونَجوا مِن عذاب ِ الله كَما تنصُّ على ذَلِك عدَّة مَرويَّات والله المُستَعان!

   وهذا لا يَخفَى أنَّه أثَرٌ مِن آثارِ الفِكر الإسرائيلي تسلَّل إلى العَقيدَة الإسلاميَّة نتيجَة هُجران الوَحي واتِّخاذِ بَدائِل لَه؛ ولا نَستَغرب حينَ يتحدَّثُ القُرآن كثيرا عَن "بني إسرائيل" ويُطنب في تَشريح مُعتَقداتِهم؛ لأنَّ الله عَليم خَبير بِما كانَ وما سيكُون! وهُو مُطَّلِع على أنَّ هُنالِك طَوائِف مِن المُسلمين تَظهر على السَّاحَة تتبنَّى فِكرَهُم حذو القُذَّة بالقُذَّة نسأل الله العافيَة!

{وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة :80-  81].

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ. ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [آل عمران :23- 24].

   أجَل: إنَّه الافتِراء على الله عزَّ وجل لمَّا يُعرَض عَن وَحيِه وتُجعَل لَه مثنويَّة كمَثنويَّة أهل الكِتاب! ذَاكَ الذي يُوصِل الإنسان إلى أن يتبنَّى أيَّ موروث مِن غيرِ أن يُكلِّفَ نفسَه عَناء عَرضِه على قطعيَّات القُرآن! حسبُه أنَّه رَواه فُلان أو علاَّن ليكُون بِمثابَة الآيَة المُحكَمة التي لا يجُوز نَقضُها ولا مُحاكمتُها لشيء أبَدا! رَغم إقرارِه هُو نَفسُه بظنِّيَتِها في مُفارَقة عَجيبَة يحتارُ مِنها أولوا الألباب!

* تمسَّك أربابُ "فِكر الخُروج مِن النَّار" أيضا بِظواهِر بعض الآيات القُرآنيَّة أشهرُها آيَات سُورة هُود التي يقُول الله فيها: { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ.خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود :105-  108].

   فالآيات تُشير (حَسبهُم) إلى إمكانيَّة أن يشاءَ الله أن يُخرِج صِنفا مُعيَّنا مِن النَّاس مِن النَّار؛ فلا دَليل إذَن على التَّأبيد المُطلَق لكُلِّ مَن دَخل جهنَّم! بل المشيئَة هُنا تُعطي بَصيصَ أمَل في النَّجاة فلَم تَحجير الواسِع؟!

   يُجابُ عليهم بكُلِّ بساطَة أنَّ الله استَعمَل نفس التَّعبير بِشأن أصحابِ الجنَّة كَما هُو ظاهِر في الآيَة الكَريمَة؛ فأيُّ شَيء أثبتُّموه بالنِّسبَة لأصحابِ النَّار فأثبتُوه لأصحابِ الجنَّة! وإن فرَّقتُم فتفريقُكم تحكُّم لا دَليلَ عليه؛ فبطُل استِدلالُكم بالآيَة؛ فلَم تَبقَ إذَن إلاَّ الروايات التي ستُدحَض دَحضا بجُملَة مِن الآيات المُحكَمة التي لا يَختَلف في فَهمها اثنان.

   وأقصِدُ بالرويات تِلك التي أورَدنا طَرفا مِنها في البِدايَة والتي تنصُّ على الخُروج مِن النَّار صَراحَة؛ أو تِلك التي تثبتُ دُخول الجنَّة نتيجَة عَمل مُعيَّن مِن أعمال البر جَزما وقَطعا وما أكثَرَها! فيقُولون لَك: إنَّ مَن حُظِيَ بِفعلِ شَيء مِن تِلك الرَّغائِب فهُو داخِل الجنَّة لا مَحالَة عاجِلا أو آجِلا؛ وإلاَّ فأينَ نضَع تِلك الوعُود وَما محلُّها مِن الإعراب؟! مُتناسين أنَّ الله قرَّر بِوُضوح أنَّه لا يَقبَل العَمل إلا مِن المُتَّقين؛ فمَن لَم يكُن مُتَّقيا فلَن يَنفعه عمله ولَو أتى بمَثاقيلِ الأَرض حَسنات!

   نَعم إنَّ الحَسنات والقُربات والنَّوافِل تَنفَع في إعلاءِ درجَة الإنسان ومقامه عِند ربِّه لا نُنكِر! ولَكن بَعد التَّوبة النَّصُوح، والإقلاع عَن الخَطايا والسِّيئات قَبل المَمات! فالحَسنات (تقريبا للصُّورَة) كعُملَة صَعبَة لإحدَى البُلدان؛ لا يُمكِن الاستِفادَة مِنها في التَّمتُّع بخيراتِ ذَلك البَلد إلا بعد الحُصول على التَّأشيرة (الفيزا)؛ وتأشيرَة دُخول الجنَّة هيَ التَّقوى والتَّقوى فقَط! مَع التَّنبيه (ولابُدّ) إلى أنَّ كثيرا مِن أحاديثِ فضائل الأَعمال لا يُمكِن نسبتُها إلى الرَّسُول الكَريم الذي لا يَنطِق عَن الهَوى لعدَّة قوادِح، وبعدَّة اعتِبارات!

    يقُولون إنَّ أقل ما يَنفَع الإنسان في الدَّار الآخِر كلمَة التَّوحيد؛ ولو لَم يَعمل في حياتِه خَيرا قط، ولَو كانَ في قَلبِه مثقال حبَّة مِن خردَل من إيمان! نَعم! بمِثلِ هذه العِبارَاتِ يُعبِّرُون! ومَن أرادَ أن يستَوثِق فعليه ببعض كُتب العَقائِد فلينظُر!

   ومستَندهُم الرَّئيس في هذا حديثُ أبي ذر الذي نُسِبَ إليه فيه قَولُه: {أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدْ اسْتَيْقَظَ فَقَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قُلْتُ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ قَالَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ) [رواه البخاري].

* والآنَ نأتي إلى استِعراض أدلَّة الخُلود الواضِحَة، بادئين بالآيات التي تَحمِل لفظَة "الخُلود" مُعرِّجين بعد ذَلك على ما يُثبِّتُ مَعناها مِن آيِ الذِّكر الحَكيم؛ والآيات طَبعا كَثيرَة نَقتَصِر على بَعضِها:

قال تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (29)} [النحل].

ويقول: (وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [يونس : 27].

وقالَ عزَّ مِن قائِل: { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف : 74- 75].

وفي يُونس: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ} [يونس : 52].

وفي الأَعراف: { وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف : 36].

وحتَّى لا يُماري أحدٌ بأنَّ هذه الآيات لا تشمُل عُصاة المُوحِّدين لِغبشٍ عِندَه في مفاهيم؛ الظُّلم والتَّكذيب والإجرام والتَّكبُّر وعَدم ضَبطِها ضَبطا قُرآنيا دَقيقا، وادِّعائِه أنَّها تتكلَّم فقَط مَع الخارِجين عَن الملَّة؛ نقُول أنَّ هُنالِك آيات أُخرَى واضِحَة الدَّلالَة في شُمولِها لكُلِّ العُصاة بِلا استِثناء!

مِنها مَثلا قَوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة63].فكُلُّ مَن شاقَقَ سبيلَ الله ورَسُولِه والمُؤمنين؛ ووَقفَ في الحدِّ الآخَر في أيَّة مسألَة مِن مَسائِل الدِّين مُعرِضا صادِفا؛ فمآلُه جهنَّم والعياذُ بالله خالِدا مُخلَّدا لا يُقبَل مِنه صَرف ولا عَدل!

نَظير هذه الآية قولُه تعالى: { وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} [الجن : 23].

   وحتَّى يَزدادَ الأَمر جَلاء؛ نقُول أنَّ هُنالِك بعضا مِن الآيات تُهدِّدُ بالخُلود لمَن اقتَرَف معاصٍ بِعينِها، بل وإنَّها أتَت في سياقِ مُخاطَبَة أُناس مُوحِّدين لا مُشرِكين (بمَفهُوم الشِّرك السَّائِد طَبعا)!

   مِنها مَثلا قولُه تعالى في سياقِ تَحريم الرِّبا: { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة : 275].

   أين صلاةُ المُرابي وزكاتُه وحجُّه وحَسناتُه لَم تَشفَع لَهُ عِند ربِّه؟! فكيفَ يشفع لَه بعد ذَلك مخلوقٌ مِن مَخلُوقات الله ويُخرجُه من النَّار كما تُصوِّره الرِّوايات؟!!

   آيَة أُخرى في سياقِ قَتل المُؤمن عَمدا؛ يقُول تعالى فيها: { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} [النساء : 93].

   لماذا لا نَجدُ استثناء؛ إلاَّ أن تكُون حسناتُه أكثَر مِن سيِّئاتِه؟! إلاَّ أن يشفَع فيه الرَّسُول صلى الله عليه وسلَّم؟! إلاَّ أن يستَوفي عذابَه مِن النَّار ثُمَّ يخرُج؟! نتساءَل مِن أين تسلَّل هذا الفِكر الدَّخيل إلى المِخيال الإسلامي إلاَّ أن يكُون مِن دسائِس اليهُود والنَّصارى؟!

   وفي سياقِ الميراث وأحكامِه في سُورة النِّساء يختِم الله  المَقطَع بقولِه: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء : 14].

   وفي سُورةَ الفُرقان في سياقِ تِعداد صِفات "عباد الرَّحمن" نَجدُ تَهديدا بالخُلود في النَّار لَمن لَم يكُن مثلَهُم في التَّحقق بتلكَ الشَّمائل إلاَّ مَن تابَ وأقلع. يقُول تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً. وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً}[الفرقان :68- 71].

   أَأدرَكنا الآن بما لا مَزيدَ عليه أنَّ الخُلود في النَّارِ يكُون بمُجرَّد الإصرار على مَعصيَة واحِدَة مِن معاصي الله عزَّ وجل دُون التَّوبَة النَّصُوح  مِنها؟! لماذا نَلوي أقلامَنا بالكِتاب ليَحسبَه الضُّعفاءُ مِن الكِتاب وما هُو مِن الكِتاب؟! ونقُول هُو من عِند الله وما هُو مِن عِند الله، ونقُول على الله الكَذب ونَحن نَعلم؟!

هذا المَهيَع الواضح نَجدُه بيِّنا في السُّنَّة الصَّحيحَة (المُطابِقة للقُرآن) على صاحِبها أفضَل صَلاة وأَزكى سَلام في عدَّة أحاديث...

مِنها ما رُويَ عن ابن عمر أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر)، وفي رواية : (ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة ، مدمن الخمر ، والعاق لوالديه والدَّيُّوث ، وهو الذي يقر السوء في أهله).

وعَنه أنه قال : (من استرعاه الله رعية ثم لم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة).

   وعن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (من اقتطع حق مسلم بيمينه حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار) فقال رجل : وإن كان قليلاً يسيراً يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وإن كان قضيباً من أراك).

و عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل الجنة نمَّام ـ وفي رواية قتَّات).

وعن سعد وأبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام).

وعنه صلى الله عليه وسلَّم: (لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه).

ونُصوص السَّنَة كثيرَة أيضا في تَقريرِ هذا المَعنَى العَظيم، ومَع ذَلك لَم تعجَز آليات التَّأويل وليّ أعناق النُّصوص في أن تُخرِج مِن جُعبتِها جَديدا غريبا لتقُول أنَّ كُلَّ تِلك الآيات إنَّما هي في "المُستَحلّ" الذي يَفعَل ما يَفعَل وهُو يَعتَقِد حلِّيتَه مُصادِما لنُصوص القرآن والسُّنَّة الصَّحيحَة المُوافِقَة للقُرآن!! ولَعمري هَل يُوجَد هذا الافتِراض أصلا في الواقِع؟!

   حتَّى "القِط" لمَّا يَسرِق قِطعَة لَحم سُرعان ما يَفر ويَختفي عَن الأنظار؛ ولَكن لمَّا تُقدَّم لَه مِن صاحِب الدَّار بِطواعية؛ فإنَّه لا يبرَح مكانَه ويأكُل بكُلِّ طُمأنينَة ووَداعَة! هَل يُوجدُ في العُصاة مَن يستَطيع أن يَعتَقِد حلِّية مَعاصي الله الظَّاهِر مُخالَفتُها للفِطرة؟!

   إن هُو إلاَّ التمحُّل والتَّهرُّب مِن الحَقيقَة الثَّقيلَة يلُزَّانِ المَرء لاتِّباع ما تشابَه مِن الكِتاب ابتِغاءَ تأويلِه؛ على سياسَة النَّعامَة التي تتخفَّى مِن الأخطارِ المُحدِقَة بِها بتَوريَة رأسِها في تلافيفِ ريشِها! ناهيكَ عَن الذين يقُولون إنَّ الله جائِز أن يُخلِف وَعيدَه كما يَفعَل الآباءُ مَع أبنائِهم؛ ولكنَّه برَحمَته ولُطفِه لا يُخلِفُ وَعدَه؛ كأنَّ القُرآن قَول هَزل وليسَ بالفَصل!

   ماذا نَفعَل بآيات قارِعَة تَقشعر مِنها الأَبدان كتلك التي نقرؤها في سورة مَريم: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً [مريم : 68]. ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً [مريم : 69]. ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً} [مريم : 70]... هَل نقُول مَع كُلِّ هذه النَّبرة الإلهيَّة المُتعاليَة الشَّديدَة الوَطء إنَّ الخالِق فقَط يُهدِّدُنا ويُخوِّفُنا؛ فإذا وَصل إلى التَّنفيذِ تراجَع وتغاضَى وتسامَح؟!

   وهُنالِك منهُم مَن لجَأ إلى اللُّغَة ونقَّب في بطُون الكُتب ليخرُجَ فيقُول إنَّ الخُلود لا يدُلُّ على التَّأبيد؛ غايَة ما في الأَمر أنَّه يدُلُّ على مُكوثٍ طَويل لَه نِهايَة!

إلى هُؤلاء نُورِد آيات أُخرَى تَقرِن الخُلود بالتَّأبيد؛ فإذا سلَّمنا جَدلا أنَّ الخُلود ليسَ فيه دَلالَة التَّأبيد؛ فماذا نَفعَل بكلِمَة "أبدا" النَّاطِقَة بالحَقيقَة النَّاصِعة؟!

   يقُول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (168) إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء].

   ويقُول أيضا: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65)} [الأحزاب].

   وفي سُورة الجِن: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن : 23].

وماذا نَفعَل بآيات تَنفي الغيابَ عَن جهنَّم لكُلِّ داخِليها؟!

   مِنها قولُه تَعالى: {وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)} [الانفطار].

وآيات أُخرَى تُهدِّدُ بالمُكث والعَذابِ المُقيم وعَدم المَوت؟!

   قال تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (76) وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ (77)} [الزخرف].

   وَقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ} [فاطر: 36].

ويقُول عزَّ شأنُه: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [المائدة : 37].

وفي التَّوبَة: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) [التوبة : 68].

   وآيَة الشُّورى مِن الوُضوح بمَكان: {وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ}[الشورى: 45].

* ولا نَنسَى الآيات التي تنصُّ صراحَة على عَدم الخُروج لتَقطَع أيَّة شُبهَة تُخالِجُ الإنسان، وتَنفيَ أيَّ وَهم يُساوِرُ ضَميرَه ويُشِّجعُه على الإقامَة على المَعصيَة مِن غيرِ تَوبَة وإنابَة!

يقُول تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [البقرة : 167].

ويقُول: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36)يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37)} [المائدة].

وفي الحج في سياق الفسَقة والظَّالمين: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22)} [الحج].

وكذا في السَّجدَة: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}  [السجدة : 20].

وفي الجاثية أيضا خطابا للأشقياء: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (34) ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35)} [الجاثية].

* هَل يبقَى لإنسان بَعدَ هذا البيان الشَّافي طَمعا في مَشيئَة أو مَغفِرَة مجَّانيَّة، أو حُظوَة مَزعُومَة؟! على الأَقل ألا تكُون هذه الآيَات رادِعا عَن المَعاصِي والآثام لاحتِمال أن تكُون حقيقَة، وأن تكُون تِلك الروايات المُتشبَّث بِها زائِفة؟!

غريبٌ هذا الأَمن المُطلَق مِن مَكر الله، والبُرودَة العَجيبَة في تلقِّي آياتِ الوَعيد؛ لأنَّ المُسلِمين يعتَقدُون أنَّ تِلك الآيات لا تَعنيهِم في قبيل أو دَبير! فلمَ الخَوف ولمَ التَّوبَة ولَم "تَصفيَة التَّبعات" وعشَرات المُنجيات في الانتِظار؟!

لا شكَّ أنَّ كُلَّ مُنصِف عاقِل سيُدرِكُ بوُضوح (بعدَ هذه الحَلقات الخَمس التي وفَّقنا الله إليها) أنَّ أزمَتنا في الأساس "أزمَة عقديَّة تصوُّريَّة" سببُها –كما أسلَفت- هُجران القُرآن واتِّخاذ بدائِل لَه تُساويه في المَنزِلة (وأبرزُها كُتب الرِّوايات)، واتِّباع الفِكر الإسرائيلي الذي أطنَب القُرآن في تَحذيرِنا مِنه؛ وبدُون تصحيح جِذري لمَحامِلنا العَقديَّة على ضَوء كِتاب الله؛ فإنَّ أزمَتنا ستَزداد سوءا، وسيَزيدُنا الله ذِلَّة ومَسكَنة كما فَعل بأقوام قبلَنا؛ فلسَنا بِدعا مِن البَشر، ولسَنا أبناءُ الله وأحبَّاؤه؛ بل نَحن بشرٌ ممَّن خَلق! ينصُرنا وِفق قانُون طريس ويخذُلنا وِفقَ قانُون كذَلك! فاللَّهم أعِدنا إلى مَنهَجِك وكِتابِك عَودا جَميلا، ووفقنا لتسبيحك وتمجيدك بكرة وأصيلا!

{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ [النمل : 83].حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْماً أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}؟؟؟؟ [النمل : 84].

اجمالي القراءات 43398