أخبار الجرائم في ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى : ( ريّا وسكينة ) في العصر المملوكي

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ١٦ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المجتمع المصرى فى ظل تطبيق الشريعة السنية فى عصر السلطان قايتباى): دراسة فى كتاب ( إنباء الهصر بأبناء العصر ) للمؤرخ القاضى ابن الصيرفى .

الباب الثانى : أحوال الشارع المصري في ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى:       

 الفصل العاشر : أخبار الجرائم في ظل تطبيق الشريعة فى عصر السلطان قايتباى

( ريّا وسكينة ) في العصر المملوكي

1 ــ سجل ابن الصيرفي أخبار الجريمة في القاهرة وضواحيها "القاهرة الكبري الآن" أو القاهرة ومصر في تعبير العصر المملوكي، وكنا نود لو أتيحت لنا الفرصة لنتعرف على أحوال المصريين جميعاً في كل مدينة وقرية، ولكننا نضطر في النهاية لاعتبار القاهرة مؤشراً حياً لأحوال المجتمع المصري كله في ذلك العصر. 2  ــ والجرائم في أى زمان ومكان سلوك بشرى لا يخلو منه أى مجتمع، وفي مجتمع كالعصر المملوكي كان الحكام وقضاة الشرع فيه أكثر الناس إجراماً وكانت جرائمهم تتحصّن بالدين السّائد لابد أن تهتز كثير من القيم والموازين، فربما كان من بين المجرمين من ثار لأجل رفع الظلم عن نفسه فاعتبره السلطان وقضاة السلطان أعتى المجرمين. وكنا نود أن يذكر إبن الصيرفي قضية كهذه ، أو حتى تبدو فيها ملامح الثورة على الظلم المملوكي، ولكننا لم نجد في كتاباته إلّا عمليات إجرامية بحته من السرقة والقتل. وقد يقال أن الأعراب كانوا يمثلون تلك النوعية من الثورة التى اعتبرها السلطان وأتباعه عصياناً وفساداً، ولكننا لا نرى في حركات الأعراب إلا صراعاً من أجل الحكم بنفس السلوك المملوكي وأسوأ، لذا كانت حركات الأعراب العسكرية خراباً للريف المصري وأدخل في باب التدمير والفساد، وربما لو كان هناك قطاع طرق في الريف المصري وغفل عنهم مؤرخنا القاهرى ابن الصيرفي فإننا نتوقع من أولئك اللصوص أن يسيروا على نسق الأعراب وفسادهم، وإيذائهم للفلاحين وتسلطهم عليهم وفرارهم أمام القوة المملوكية المنظمة القوية. ولذلك يظل عثورنا على (روبين هود) المصرى في العصر المملوكي مجرد حلم وأسطورة تماثل أسطورة أدهم الشرقاوى . وأحداث التاريخ لا مجال فيها لأحلام اليقظة والتمنيات، لذا نضطر إلى قراءة  صحيفة الحالة الجنائية للقاهرة في عصر قايتباى كما هى ، بعد أن عرفنا صحيفة الأحوال الجنائية لقايتباى نفسه وطبقته العسكرية وأعوانه من الموظفين الكبار وقضاة الشّرع السّنى.

جريمة السرقة:

1 ـــ وبرغم وجود عقوبة قطع اليد للسارقِ، وبرغم التطرف في تنفيذها إلى درجة قطع الأطراف والتوسيط وقطع يد طفل صغير فإن جريمة السرقة استمرت، لأنها تستند إلى وجود خلل في المجتمع ذاته، وتشعب هذا الخلل إلى النواحى السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية.والغريب أن يمارس السرقة بعض المستورين مثل ذلك الشيخ الصيرفي ابن الخليلي الذى كان يدرس في خانقاه "سعيد السعداء" المشهورة ويحصل على مرتبات وخلافه ومع ذلك اختلس القمح من الخانقاه، يقول ابن الصيرفي في حوادث يوم الأحد 16 ربيع الثاني 875 حيث قُبض على صوفي من خانقاه سعيد السعداء يعرف بابن الخليلي بسبب ( أنه فتح حاصل قمح المدرسة واختلس منه، فقام الصوفية عليه ورفعوا أمرهم لعظيم الدنيا، وداودارها. وذكروا أنهم وجدوا هذا فتح الحاصل المرصد لخبز الفقهاء، وأراد يأخذ منه فقبضنا عليه، وفي العام الماضي عجز الحاصل سبعين أردباً، وهذا الخرج الذى فيه القمح معه، فأمر بضربه بالمقارع وأشهر على حمار في الأسواق، وانتهى أمره بأن توسط أبوه له فأطلق الداودار الكبير سراحه.). أما الطفل الصغير الجائع فلم يجد من يتوسّط له فقطعوا يده .!.ذلك السارق الذى ثبتت عليه الجريمة لم يسرق لأنه جائع، فقد كان يعيش في الخانقاه يأكل من خيراتها ويأخذ المرتبات، ومع ذلك سرق سبعين أردباً وهم لم يقطعوا يده، وفي نفس الوقت الذى قطعوا فيه يد صبي فقير سرق، وقتلوا مسكيناً مقطوع اليد والرجلين لأنه اضطر للسرقة لكى يأكل. ونسترجع ما قاله ( القاضى) ابن الصيرفي في حوادث أول صفر 874:( وفيه رسم السلطان ــ نصره الله ــ بشنق حرامى ، وهو مستحق لذلك ، فإنه سرق فقطعوا يده وأطلقوه فسرق ثانياً فقطعوا أرجله وأطلقوه، فسرق ثالثاً فرسم فشنق. وقطعت يد صغير سرق وهو غير مكلف.). وهى عادة سيئة فى كل مجتمع ظالم فاسد ، إذا سرق فيهم الشيخ الشريف تركوه وإذا سرق فيها الضعيف أقاموا عليه الحد.

2 ـــ ووقعت حوادث سرقة متتابعة قام بهام الخدم والغلمان، كانوا يسرقون بيوت أسيادهم، إذ حدث يوم الخميس 29 ذى القعدة 876 أن هرب ثلاثة من مماليك الأمير قانصوه الأحمدى الخسيف ومعهم كما يقول مؤرخنا:( طرز ذهب وثلاثة حوائص وثلاثة سيوف ذهب قيمة ما أخذوه ألف دينار.) وقال عن الأمير قانصوه الخسيف:( وهو في غاية التشويش بسبب فقدهم ، وأرسل خلفهم إلى البلاد جماعات بمراسيم.). أى أرسل أوامر بالقبض عليهم . وبعدها بعدة أيام أو ثالث ذ الحجة حدث أن: (سُرق القاضى يحي الصفطي من بيته مبلغ جملته ألف دينار وسبعة وثلاثون ديناراً . )، ويقول ابن الصيرفي عن ذلك القاضى إنّه كان يكنز الذهب : ( هذا رجل له سنون عديدة يخدم ويكتب ويشهد ويوقع ويقضى،( أى يعمل فى درجات السلك القضائى ) حتى حصّل هذا المال ويفقد منه بغير رضاه، واستكثر عليه غالب الناس هذا المال، وبعضهم ما هان عليه ذلك ووقف السلطان ، وشكى له حاله ، فرسم للأمير الداودار الثاني بالتوجه إليه والنظر في أمره. وأسفر الحال أن عبده نقيب البيت وأخذ الذهب الذى ذكرنا ، وأخفاه عند جماعة من العبيد وجارية بالحسينية، فتوجهوا إليه ووجدوا المال قد عجز شيئاً يسير جداً ، فأطلقوا من كان قبضوا عليه من غلمان جيرانهم وسجنوا العبيد.).ويبدو أن السلطة المملوكية اعتقلت أيضاً غلمان الجيران وتحت قسوة (المعاملة) وصلوا للجاني الحقيقي والمسروقات، وبعدها أطلقوا الغلمان الأبرياء بعد أن عذبوهم. نفس الطريقة المصرية الخالدة.

وتعرّض للسرقة إثنان من الظلمة، يقول صاحبنا:( وسُرق أيضاً لشخصين من الظلمة، أحدهما على بن قمتي رأس نوبة الداودار الكبير، والآخر محمد ابن أزبك رأس نوبة حاجب الحجاب بيتهما، أما الأول فسُرق له أمتعة من بيته، الذى ببركة الرطلى ، ولم يوجد له فيها ذهب ولا فضة . وأما الثانى فسُرق لزوجته له أمتعة من ذهب ولؤلؤ مما جملته ألف دينار ولم يعثروا على الجناة.).وفي عام 875 ( كثُر المفسدون واللصوص وتسلطوا على بيوت المسلمين بواسطة عدم عرفان الوالى بالصناعة)، أى بسبب جهل مدير الأمن بوظيفته.

سرقة وقتل:

1 ــ وارتبطت بعض السرقات بجرائم القتل، وعوقب بعضهم بالتسمير والتوسيط. يوم الاثنين 20 شعبان 875 تم تسمير اثنين من البزادرة، أى الذين يحملون طائر الباز للصيد وتم توسيطهما بقنطرة الحاجب خارج القاهرة بعد إشهارهما والسبب أنهما قتلا شخصاً حلبياً كان يسكن بالجنينة وأخذا ماله، يقول عنهما ابن الصيرفي : (وكانا من الأشرار المفسدين ، فأزالهما الله على المسلمين.). وكالعادة لا يرى إبن الصيرفى فى مصر إلّا المسلمين . أما النّصارى فلا وجود لهم فى بؤرة شعوره.

2 ــ وفي اليوم التالي الثلاثاء 21 شعبان 875 ضربوا الشيخ زين الدين بن عبد الرحمن قريب الشيخ ابن النحال وسجنوه في المقشرة، وذلك لأنه زوّر مراسيم سلطانية وسافر بها إلى الشام يعزل بها ويولّى، فعلم السلطان بأمره، فأمر بضربه بالمقارع وحبسه، ولكن توسط له الأمير تنبك الداودار الثاني كالعادة عندما يسرق أحد الكبار.يقول مؤرخنا ابن الصيرفي عن ذلك الرجل: ( ولولا مساعدة الأمير تنبك الداودار الثاني ــــــ حفظه الله ــــ ما حصل له خير، فإن المذكور سيرته قبيحة، وسيما أنه قبض عليه لأنّه سرق سرجاً مفضضاً ببيت الوالى وخلصوه منه، بعد بذل مال) أى دفعوا له مالا (حلوان ) حتى استردوا منه المسروق. ولم يقطعوا يده.! يا حسرة عليك أيها الطفل الصغير الذين قطعوا يدك .!!.

3 ــ وكالعادة يكون التسمير والتشهير والتوسيط هو جزاء المفسدين ممن لا نصير لهم بين أصحاب السلطان. في يوم السبت 13 ذى القعدة875 ( سمّروا ستة من مفسدى القليوبية ووسّطوهم بقليوب، وقام على إشهارهم الأمير يشبك بن حيدر صاحب الشرطة، وقد ذكر عنهم أفعالاً قبيحة ..منها أنهم قتلوا رجلاً لأخذ ماله بقليوب وحرّقوه بمستوقد الحمام ، وأمثال ذلك من التهجم والقتل وقطع الطريق، وذاك ذنب عقابه فيه، ووسّطوا بقليوب أو قربها ، وعُلّقت جثثهم ليرتدع أمثالهم من هذه الأفعال المنكرة... ربّ سلم.)..!

4 ــ وحين انتشر الطاعون لم يرد ذكر لحوادث القتل، وبعد أن انقشع وباء الطاعون قام بعضهم عنه بمهمة القتل، بعد أن وجد المناخ المناسب للانحلال وما يؤدي إليه الانحلال من أثار جانبية كالتنازع وسفك الدماء.

في حوادث شهر جمادى الآخرة 875 يقول ابن الصيرفي: ( ذُبح شخص من المسلمين كان بلاناً بأرض الطبالة بالجنينة وبيفحصوا عن قاتله. )، وأرض الطبالة وهى العباسية الآن كانت بؤرة للانحلال الخلقى ووظيفة المقتول ( البلّان ) تنبئ عن صلة الانحلال الخلقى بمقتله. وفي يوم السبت 25 ربيع الأول 875 يقول ابن الصيرفي:( واتفقت حادثة غريبة هى أن رجلاً من الحجّارين بالجبل أخذ زوجته وتوجه بها إلى الجبل فذبحها في عدة مواضع في رقبتها وضربها بالسيف في عدة مواضع.. وهرب الزوج ولم يعلم له خبر ، وماتت وذهب دمها هدراً .).وفي يوم الخميس 3 ذى الحجة 875 حدث أن قُتل شخص ورُمى شاب أمرد بلا لحية بالصحراء بجوار سيدى الشيخ المقانعي، وكان له رفيقان من بلاده ، فوجداه مذبوحاً ، ولا يعلم له قاتل، هذا بعد أن وجدوا فيه عدة ضربات بالسكاكين.).وحوادث القتل السابقة مرتبطة بالانحلال الخلقي.

5 ــــ وبعض حوادث القتل الأخرى كان الانحلال الخلقي هو السبب المعلن. ففي يوم الأحد 9 رجب 876 حدث أن أحد المماليك شكى مطلقته وادعى عليهات أنها أخذت منه مالاً ، وطُلب منه البينة ، وكان يتهمها بخيانته مع غلام، واتفق معها على أن تحلف بأنه ما أخذت ذلك المال أمام ضريح الشيخ خلف بالقرب من سويقة السباعين، فلما دخلت الضريح ضربها بسكين في خاصرتها فسقطت ميته. يقول ابن الصيرفي: ( وتوجه والسكين في يده ملطخة بالدم . وذهب دمها هدراً . فلا حول ولا قوة إلا بالله. ). ولم يذكر مؤرخنا أن الجانب عوقب على جريمته ، بل ذكر أن دمها ذهب هدراً. والسبب معروف. إنه من المماليك.

6 ـــ وفي يوم الثلاثاء 27 جمادى الآخرة 876 حدثت جريمة فظيعة حكاها ابن الصيرفي بالتفصل:( وقعت حادثة غريبة بحارة بهاء الدين قراقوش وهو أن بالقرب من دار شيخنا شيخ الاسلام إبن حجر، قاعة مظلمة طويلة ، سكن فيها شخص حلبي أعزب غريب، والقاعة ملك لشخص من أولاد عرب القديم، فاستمال الحلبي بامرأة من بنات الخطا وأمها، ودفع لهما شُقة حرير وذهب، وحضر بها إليه عجوز قوادة، وعليهما أقمشة مزركشة وحرير وأساور ذهب وحلق بيلخش وفيروز ومرسلة ذهب بمسك وأمثال ذلك، فأوسعهم شراباً من الخمر، وصنع فيهم ما لا يحل ، وخنقهم وأخذ ما عليهم وهرب ،وتركهم في القاعدة المذكورة قتلى، فاستمروا نحو ثمانية أيام فشاع وذاع نتنهم، فهرع الناس إليهم فوجدوهم مخنوقين وآلات الخمر وبعضه باق، والنسوة عرايا، فركب الوالي ونائبه فدفنوهم، ورسموا على من عرفوا قتلاهم،) أى قبضوا على أبرياء كما هى العادة فى الدولة العميقة فى مصر، ومنهم مالك العقار:( وكذا قبضوا على صاحب المُلك، فأخذوا منه شيئاً من الحطام وهرب الجاني. واستفاد الوالي ما أخذه من صاحب العقار كي يطلقه. وانتهت القضية.).أى بالتهديد والابتزاز أخذ مدير الأمن مالا من صاحب العقار كى يطلقه . وهرب الجانى ..

7 ــــ وفي يوم الثلاثاء 10 شعبان 876 حدثت جريمة قتل أخرى.إشترك فى القتل جارية حسناء وغلام، وكان القتيل سيدهما من مماليك السلطان السابق الظاهرجقمق واسمه جانم، يقول ابن الصيرفي:(واتفق أمر غريب هو أن مملوكاً من المماليك الظاهرية جقمق كان ساكناً بالقاهرة بباب سر بيت الأمير تمر الحاجب...كان له جارية بيضاء وجارية سوداء وغلام شيخ وعبد أسود، ومعه مال له صورة نحو ألفي دينار وخمسمائة دينار، فاتفقوا على قتله وأخذ ماله،)،وبسبب غياب المملوك قبضوا على الغلام وسألوه عن سيده المملوك فقال لهم: ( إنه خرج من يومين وصحبته خنجر وعليه قرصنه ولم يعرف له مكان وأنه يغوى المطالب ) والمطالب هى البحث عن دفائن الكنوز والحصول عليها بالطرق السحرية، وذلك ما كانوا يعتقدون بجدواه في ذلك العصر، وسألوا الغلام عن العبد الأسود فأنكر أنه يعرف عنه شيئاً، فاستعمل الأمير تمر الحاجب الحيلة مع ذلك الغلام، فوعد بإطلاقه وقال له :(هذا الجندي المملوك له قتلى كثير من الجوارى والعبيد والأحرار، ولو قتل ما يقتل به أحد، وتودد إليه فاعترف له وأحضر له العبد الذى هربه، وأخبره بأنهم قتلوا سيدهم ودفنوه بالاسطبل، فقام الأمير تمر الحاجب ومن معه وحفروا عليه فوجدوه مدفوناً مخنوقاً، ). واعتقلواً الغلام والجارية.ــ وفي يوم السبت 25 شوال عرضوا على السلطان قايتباى الغلام والجارية الذين قتلاً سيدهماُ جانم فأمر السلطان بتسميرهما وشنقهما على باب المملوك المقتول، يقول ابن الصيرفي : ( ففُعل ذلك بعد ما أشهرا بالبلد، ولم نعهد امرأة مسمرة على جمل كهيئة هذه الجارية البيضاء، وقد أخبرت بأنها جميلة إلى الغاية ولكن بئس الجمال لما ارتكبته من قبح الفعال.).

8 ــــ وفي شهر صفر 877 وجدوا امرأة وبنتاً بكراً مقتولين في الأزبكية ولم يعلم لهما قاتل.. وذهبت دماؤهما هدراً على حد قول ابن الصيرفي.والأزبكية كانت من أماكن المجون.وكان الأمير أزبك بن ططخ هو الذى أنشأها عمرها. والأمير أزبك كان قائد الجيش المملوكي في ذلك الوقت.

9 ـــ وحدثت جرائم قتل غامضة: في 17 أو 18 ربيع الأول 874 حدث أن شخصاً من الذين يقومون بالشهادة أو "من العدول الجالسين" يتبع القاضى الحنبلى، وجدوه مقتولاً برحبة الأيدمرى وقد ألقاه القتلة في بئر، وقد قبضوا على غلام له ومملوك اتهموهما بقتله وأمر السلطان ببحث الموضوع، ولم يظهر فيه جديد. وفي يوم 28 جمادى الثانية 875 وجدوا نصرانياً مذبوحاً بطاحونة بباب البحر ولم يعرف له قاتل. وفي يوم الثلاثاء أو الأربعاء 10 أو 11 شعبان 876 وجدوا شخصاً مسلوخ الوجه مقطوع الأنف بالقرب من باب الفتوح ولم يعرف له أقارب ولا قاتل وذهب دمه هدراً. ووجدوا قتيلاً بالصحراء فاعتقلوا الخفير المسئول عن "الدرك" وضربه ضرباً مبرحاً بالمقارع وذلك يوم السبت 16 ذى القعدة 876.

10 ــــ وبعض الجرائم يسفر البحث عن العثور عن مرتكبيها.ففي يوم الأربعاء 7 ربيع الأونل 877 قبضوا على ثلاثة أنفار من الذين قتلوا القاضى أبا السعادات قاضى العباسية، وأودعوهم السجن.

11 ــــــــ والطريف أن هناك نوعاً من التشابه بين جرائم القتل في عهد قايتباى وبين ما كان يحدث قبله، فالجارية البيضاء التى قتلت سيدها المملوكي جانم بالتعاون مع غلام لنفس الجندي المملوكي، نجد شبيهاً لحكايتهما فيما حدث يوم الأربعاء 22 صفر 750 هـ. فقد شنقت جارية رومية الجنس لأنها قتلت سيدتها أم الأمير يلبغا اليحياوى، وذلك في مسكنها خارج باب النصر بالقرب من مصلى الأموات، وكانت تلك الجارية قد اتفقت مع زميلات لها من الجوارى على تنفيذ الجريمة بقصد السرقة، وقُتلت السيدة ليلاً بأن وضعت على وجهها مخدة وحبست أنفاسها حتى ماتت. وأقمن من الغد عزاءها على أنها ماتت ميتة طبيعية. يقول المقريزي: ( فمشت حيلتهم على الناس أياماً إلى أن تنافسن على قسمة المال الذى سرقته ، وتحدثن بما كان ، واعترفن على الجارية التى تولت القتل ، فأُخذت وشُنقت وهى بازارها ونقابها ، وأُخذ من الجوارى ما معهن من مال، وكان جملة كثيرة، ولم يعهد بمصر امرأة شنقت سوى هذه.).

ريا وسكينة في العصر المملوكي:

1 ــ لقد إنتشر وساد مناخ الانحلال الخلقى فى العصر المملوكى برعاية الشريعة السنية والنقاب والتدين الظاهرى ، فشجّع على هذه النوعية من القتل ، فالمرأة كانت تخرج تبحث عن المتعة الحرام فتقع فريسة للقتل ، والقوّادات يستملن الرجال للفاحشة فينتهى الرجل الباحث عن المتعة للقتل. ــوفي عصرنا اشتهرت حكاية ريّا وسكينة فى الاسكندرية ، وهى على عكس الجريمة التى وقعت في عهد قايتباى، من ذلك الحلبي الغريب الذى استمال عاهرة والعجوزة القوادة وقتلهما وسرق ما عليهما، وقد كانت ريا وسكينة تستقدمان النساء وتسرقان مصوغاتهن بعد القتل، أى يمكن القول أن ريا وسكينة قد قامتا بالرد على ذلك الحلبي الذى خدع المرأتين، فقامتا بالنيابة عنه بنفس العمل.

2 ـــــ ولكن عرف العصر المملوكي- قبل قايتباى- أخوات ريا وسكينة، في القاهرة وليس في الإسكندرية.

في أول المحرم 739 قبضوا على امرأة خنّاقة، وانتهت حياتها بالقتل بعد أن كانت تخدع النساء الباحثات عن المتعة الحرام وتقتلهن خنقاً بقصد السرقة ويقول المقريزي: ( وقد وقع في أيام المنصور قلاوون أن امرأة كانت تستميل النساء وترغّبهن حتى تمضى بهن إلى موضع توهمهنّ أن به من يعاشرهنّ بفاحشة، فإذا صارت المرأة إليها قبضها رجال قد أعدتهم وقتلوها وأخذوا ثيابها، فاشتهر بالقاهرة خبرها وعرفت بالخنّاقة فما زال بها الأمير علم الدين سنجر الخياط والى القاهرة حتى قبض عليها وسمّرها.).

ويقول: ( ووقع أيضاً في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون أن امرأة بأرض الطبالة كانت عند طائفة من البزادرية (أى من يحملون طائر الباز للتصيد به)، كانت تفعل ذلك بالنساء فقبضن عليها وسُمّروا و سُمّرت معهم، فكانت تقول وهى مسمرة يطاف بها على الجمل في القاهرة إذا رأت النساء وهن يتفرجن عليها: آه يا قحاب لو عشت لكن لافنيتكن، لكن ما عشت.).!! وأرض الطبّالة كانت من مواضع الفجور المعروفة .

ومثلها منطقة الخليج  على النيل . وفي سنة 662 كثر حوادث قتل الناس بالخليج، واختفي كثير من الرجال، وكان السبب ظهور غازية المرأة الجميلة ووصيفتها العجوز القوادة التى تستجلب لها الزبائن من الرجال فيذهبون إلى غازية فيكون آخر العهد بهم. يقول المقريزى: ( كثُر في هذه السنة قتل الناس في الخليج وفُقد جماعة والتبس الأمر في ذلك، ثم ظهر بعد شهر أن امرأة جميلة يقال لها غازية كانت تخرج بزينتها ومعها عجوز، فإذا تعرّض لها أحد قالت له العجوز: لا يمكنها المسير إلى أحد ولكن من أرادها فليأت منزلها، فإذا وافي الرجل إليها خرج إليه رجال فقتلوه وأخذوا ما معه، وكانت المرأة في كل قليل تنتقل من منزل إلى منزل ، حتى سكنت خارج باب الشعرية على الخليج، فأتت العجوز إلى ماشطة مشهورة بالقاهرة واستدعتها إلى فرح، فسارت الماشطة معها بالحلى على العادة ومعها جاريتها. ودخلت الماشطة وانصرفت جاريتها، فقتل الجماعة الماشطة وأخذوا ما كان معها، وجاءت جاريتها إلى الدار تطلب مولاتها فأنكروها، فمضت إلى الوالى وعرّفته الخبر، فركب إلى الدار وهجمها ، فإذا بالصبية والعجوز فقبض عليهما وعرضهما على العذاب فأقرتها فحبسهما، واتفق أن رجلا جاءهما لتفقد أحوالهما فقبض عليه وعوقب فدلّ على رفيقه، فإذا هو صاحب أقمنه طوب فعوقب أيضاَ، فوُجد أنهم كانوا إذا قتلوا أحداً ألقوه في القمين حتى تحترق عظامه، وأظهروا من الدار حفائر قد ملئت بالقتلى . فسمّروا جميعاً، ثم أطلقت المرأة بعد يومين فأقامت قليلاً ثم ماتت، ربما بسبب ما تعرضت له من تعذيب، ثم عملت الدار التى كانوا بها مسجداً وهو المعروف بمسجد الخنّاقة.).

كانت أكثر حوادث القتل ــ ولا تزال ـــ مرتبطة بالزنا وارتكاب الفاحشة. ومسيرة الانحلال الخلقى من القتل والفواحش تزدهر لو وجدت مسوّغا دينيا ، ويكون المنبع هو ذلك الدين الأرضى وشريعته التى ساءت سبيلاً.

  1.  الهصر: 222، 127، 435، 437، 438.
  2. الهصر: 238، 247، 248، 276، 287.
  3. الهصر: 238، 215، 290، 279، 269، 370، 401، 425، 475.
  4. الهصر: 149، 238، 402، 432، 482.
  5. المقريزي: السلوك 2/3/ 799: 800- 2/2/457- 2/3/800/1/2/531.
اجمالي القراءات 15851