إعجـاز المعـاني في اللـفـظ القـرآني ...3 (سبّحَ ـ يُسبِّحُ)

رضا عبد الرحمن على في الأربعاء ٠٣ - أكتوبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

إعجـاز المعـاني في اللـفـظ القـرآني ...3 (سبّحَ ـ يُسبِّحُ)

نجح السلفيون الوهابيون في إقناع معظم المسلمين أن العبادة غاية يؤديها الإنسان كحركات بدنية وانتهى الأمر ، وتناسوا انها وسيلة لإصلاح عيبوهم السلوكية والخُلُـقية وتقويم وعلاج انحرافاتهم وأخطائهم في حياتهم اليومية ، ويعتقد معظمهم أيضا أنه حين يصل لدرجة إيمانية معينة ــ مثل أداء فريضة الحج ــ أنه أصبح معصوما من الخطأ وأنه لا يحتاج لمزيد من العبادة والاستغفار والتسبيح على مدار اليوم والساعة لأنهم أقنعوه أنه عاد من الحج كما ولدته أمه ، ولأن الإنسان بنفسه البشرية الأمّارة بالسوء ــ كما وصفها ربنا جل وعلا ــ قد يقترف إثما أو ذنبا ــ كبيرا كان أو صغيرا ــ في أي وقت ، وقد يظلم الإنسان نفسه أو غيره ، وقد يكتسب سيئة في أي لحظة ، فهذا الإنسان في حاجة ماسة ومستمرة لمواصلة العبادة والاستغفار وذكر وتسبيح الله في كل وقت وحين مادام حيا لأنه غير معصوم من الوقوع في الخطأ ، وأعتقد أن حكمة الله جل وعلا في جعل الصلوات الخمس موزعة على مدار اليوم لكي تكون سببا في نهي الإنسان عن الفحشاء والمنكر في الأوقات بين الصلوات على مدار الساعة كما قال ربنا جل وعلا في آية جامعة تبين أهمية قراءة القرآن والصلاة وذكر الله(اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)العنكبوت:45، ولأن الشيطان لم ولن يتوقف عن إضلال وإغواء البشر ، فتكرر في القرآن الكريم الأمر بذكر الله والاستغفار والتسبيح بين الصلوات في معظم الأوقات ، وهذا هو موضوعنا اليوم تدبر بعض معانى التسبيح في القرآن الكريم ، لأن معظم المسلمين يضيعون صلواتهم حين يشغلون وقتهم بتوافه الأمور ، يضيعون فيها ساعات طويلة في كلام لا طائل من ورائه في جدال لا يسمن ولا يغني من جوع ، وكالعادة تجاهلوا اوامر الله سبحانه وتعالى لهم أن يسبحوه في كل وقت وحين ، لحكمة يعلمها ربنا جل وعلا لأن الإنسان ضعيف أمام النزوات والشهوات ولا منقذ له من الشيطان إلا بذكر الله في معظم الأوقات لأن بذكر الله تطمئن القلوب.

ونبدأ بتدبر بعض معاني التسبيح في القرآن الكريم

ــ كل ما في الكون من مخلوقات مرئية وغير مرئية حية وغير حية تسبح بحمد الله

 الملائكة يسبحون الله جل وعلا ويقدسونه ورغم ذلك جعل الله الإنسان خليفة في الأرض (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ)البقرة:30 ، الملائكة حين اعترضوا على جعل آدم خليفة في الأرض وشعروا بالندم والخطأ قالوا(قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)البقرة:32 ، وهو اعتراف بالخطأ من الملائكة حين قالوا (سبحانك) وهو اعتراف بقدرة الله وعلمه بكل شيء

الملائكة يسبحون الله يوم الحساب (وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلاَّ)الزمر:75 ، (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)غافر:7

ــ الرعد يسبح و الملائكة (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ)الرعد:13

ــ كل ما في هذا الكون يسبح لله ، ولكل مخلوق لغة وأسلوب يسبح به لله جل وعلا ولكن لا نفقه ــ نحن البشر ــ ولا نفهم لغتهم وتسبيحهم (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً  تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)الإسراء:43 ، 44 ، لأن كل مخلوق ألهمه الله وعلمه صلاته وتسبيحه(أَلَمْ تَرَى أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ)النور:41

ــ ربنا جل وعلا سخّر الجبال مع سليمان عليه السلام يُسبحن ليلا ونهارا (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ)ص:18

ــ الأنبياء وهم أفضل الخلق يسبحون الله ، وجاء الأمر لهم بذكر الله كثيرا والتسبيح بالعشي والإبكار (قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)آل عمران:41 ، وربنا جل وعلا يقول لنبيه زكريا (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) وهنا إعجاز قرآني يجعل الإنسان يحدد ويقدر بنفسه كيف يذكر الله كثيرا وباختلاف تقديرات البشر في فهم وتطبيق قوله تعالى (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) حسب ظروفهم سيكون اختلاف الدرجات بينهم في الدنيا والآخرة حسب الإخلاص في العبادة ، موسى عليه السلام حين طلب رؤية الله وتأكد أن هذا مستحيل ، وكذلك أحسّ بأنه وقع في ذنب أو وقع في خطأ ، لأن الإنسان كمخلوق لا يتحمل رؤية الله جل وعلا فقال موسى عليه السلام (وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)الأعراف:143 ، التسبيح فريضة أساسية واجبة على كل مخلوق يؤديها في أي وقت لأن فيها تنزيه لله جل وعلا وتبرئة له سبحانه وتعالى من كل سوء ومن كل صفة من صفات البشر(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ)النحل:57

 ، وتكون واجبة حين يخطئ الإنسان ، يمكن القول بأنها (معنىً مرادفاً للتوبة أو صيغة قرآنية للتوبة) ، كما حدث في قصة الملائكة واعتراضهم على جعل آدم خليفة في الأرض ، وفي قصة موسى وطلبه رؤية الله ، قصة صاحب الحوت (يونس عليه السلام) (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ)الأنبياء:87 ، موسى ويونس والملائكة استخدموا نفس الكلمة حرفيا حين اعترفوا بالخطأ وقرروا الإسراع بالتوبة بقولهم ( سبحانك ).

ــ يونس عليه السلام حين ابتلعه الحوت لولا أنه كان من المسبحين لظل في بطن الحوت إلى يوم البعث (فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)الصافات:143 ، 144

ــ يتحدث ربنا جل وعلا عن أهل الجنة وأنهم كانوا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، والأكثر من هذا كانوا يتفكرون في خلق السموات والأرض لكي يزدادوا إيمانا(الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)آل عمران:191، حين يقول أهل الجنة (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ) لابد أن نربط بين هذا وبين قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)هود:7.

ــ تأت للتعبير عن قدرة الله جل وعلا وإظهار مدى عظمة هذه القدرة كما جاءت في آية الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)الإسراء:1، كما جاءت في سياق يبين قدرة الله في خلقهم ورزقهم وموتهم وإحيائهم مرة أخرى ، وهذا ما يستحيل ان يفعله الشركاء الذين يتبرك بهم البشر ويعبدونهم مع الله (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)الروم:40 ، (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ)يس:36

ــ الاعتراف بقدرة الله يتطلب أن يسبحه البشر حين يستفيدون من المخلوقات التي خلقها وسخرها لهم لخدمتهم في كل مرة يستعملونها (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)الزخرف:13

ــ تأت لتوضيح الفارق بين البشر وبين خالقهم جل وعلا في سياق اعتراف النبي عليه السلام ببشريته (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُه قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً)الإسراء:93

ــ كفار قريش كانوا يجادلون في آيات الله ، فجاء الأمر من الله جل وعلا  للرسول (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ)غافر:55 ، حين تعرض خاتم النبيين عليه السلام للأذى من كفار قريش ، جاءه الأمر مكررا بالصبر ، وبأن يسبح الله (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى)طه:130، وهنا دعوة لكل البشر أن يصبروا على الأعداء مهما تطاولوا عليهم بالقول ، وأن يسبحوا الله ، إذا كان هؤلاء البشر يؤمنون فعلا بآيات الله وإذا كان هؤلاء البشر فعلا يحبون خاتم النبيين ويعتبرونه قدوتهم الحسنة ، يتكرر الأمر لخاتم النبيين دائما بأن يصبر ويسبح بحمد ربه جل وعلا حين يتعرض للأذى القولي أو العملي من كفار قريش ومن أعداء الإسلام (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ  وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ)ق:39 ، 40 ، ولم تأت آية واحدة للرسول عليه الصلاة والسلام أن ينتقم من المخالفين له في الدين والعقيدة ، أو حتى من يعتدون عليه بالقول ويحاربون دعوته ، ولكن كان يأتيه الأمر بالاستغفار والصبر وتسبيح الله جل وعلا ، وهنا لابد أن نفهم أن حرية الدعوة لأي دين أو أي فكر مهما كان مخالفا لدين الله هي حق مشروع لكل البشر ، ولو كان بيننا اليوم رسول لامتثل لأوامر الله جل وعلا واستعان بالصبر والاستغفار والتسبيح ، وترك المخالفين أحراراً ، وإضافة إلى هذا إخلاء ساحة النبي وتبرأته من ذنوب البشر (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً)الفرقان:58

 

ــ الذين أمنوا بالله جل وعلا وبآياته حين يذكر القرآن أمامهم ويستنبطون ويفهمون بعض معانيه بعد أن ينصتوا لآياته ويتدبروا مفرداته يقولون سبحان الله ، وهو اعتراف يسجله كل مؤمن بالقرآن(إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ)السجدة:15

ــ جاءت في سياق التنبيه والإشارة إلى قدرة الله جل وعلا  وأن السموات والأرض في قبضته ومطويات بيمينه رغم كبر حجمهما واتساع مساحتهما ، لكن رغم ذلك هناك من يشرك بالله آلهة أخرى(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)الزمر:67

ــ التسبيح مرتبط بالصلاة (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ)الحجر:98، (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ)النور:36 ، (إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ)الأعراف:206 ، (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ)الروم:17

أخيرا :

وتعليقا على رد فعل المسلمين الذي أظهرهم في صورة لا علاقة لها بالإسلام كدين يدعو للتسامح والصبر والعفو والصفح ، وكان هذا هو منهج القرآن الكريم وأوامره لخاتم النبيين مع كل مخلوق يتهمه بالجنون ، أو يكذب بالقرآن ويقولون أنه من تأليف خاتم النبيين ، أو يدعى أن هناك آلهة أخرى أو يدعي أن لله بناتا ، أو يدعي علم الغيب ، أو يكيدون للرسول وللمؤمنين ، يقول ربنا جل وعلا (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34) أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمْ الْمَكِيدُونَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنْ السَّمَاءِ سَاقِطاً يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)

وبعد كل هذه الإساءات لرب العزة جل وعلا ولكتابه القرآن الكريم ، ورسوله الخاتم والتشكيك في كل شيء كان الأمر للرسول عليه الصلاة والسلام أن يتركهم حتى يلاقوا يومهم وحسابهم يوم لا ينفعهم كيدهم لأنهم ظلموا (فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمْ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (47)  ، و كان الأمر لخاتم النبيين بأن يصبر حتى يأت حكم الله فيهم ويتفرغ للتسبيح حين يقوم ، وحين تدبر النجوم (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) الطور ، ولم تأت آية واحدة تأمر خاتم النبيين أن يحرق سفارتهم (بيوتهم) أو يتظاهر ضدهم أو يرد عليهم الإساءة ليكون مثلهم ، ولكن السمو الأخلاقي للرسول كقدوة وأسوة حسنة للعالمين لابد ان يترفع ويبتعد عن هذا كله وينشغل بالصلاة والتسبيح والصبر ، والسؤال هنا : هل ما فعله السلفيون و المسلمون ــ رغم أنهم يدعون أن الرسول قدوتهم وأسوتهم ــ له علاقة بالقرآن والإسلام أو بصفات الرسول عليه الصلاة والسلام.؟. 

اجمالي القراءات 15681