الإختلاف الفكري والتعدد المنهجي في مواجهة دين واحد !
في البحث عن الإسلام – مقدمة

غالب غنيم في الأحد ٣٠ - سبتمبر - ٢٠١٢ ١٢:٠٠ صباحاً

!في البحث عن الإسلام – مقدمة - الإختلاف الفكري والتعدد المنهجي في مواجهة دين واحد

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36

مقدمة :

هذه  سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والنتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.

وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.


وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

وبعد،

كتبت هذا المقال الصغير في الرد او تعليقا على مقال للأستاذ الفاضل أحمد شعبان حول مسألة الفرقة والإختلاف التي نعيشها (1)
.
وأحببت ان افصله كمقال حتى يتسنى لي لاحقا ان اتابع هذه المسألة – المسائل، وما اطرحه هنا من حلول سريعة في الوقت الحاضر – كمقدمة -  وساخوض فيها بشكل اكثر تفصيلا لاحقا إن شاء الله تعالى، وهذا ما سأعتبره دوري ومهمتي في فهم دين الله تعالى القيم

إن الفهم الصحيح العصري النقدي للإسلام هو الحل، وليس كما يظن كثيرون أن الإسلام بمفهومه الماضوي، سيكون حلا، كما تعتقد بعض الحركات الإسلامية، بدعوتهم إلى تطبيق المفهوم الماضوي للإسلام على المجتمع الحالي مع إغفالهم جميع المتغيرات الإجتماعية والتاريخية والمعرفية التي حدثت منذ آخر فهم لهم للإسلام

إن الدعوة للإصلاح والإرشاد هي من اهم الأمور التي نحتاجها اليوم كي نستطيع نشر المفهوم السليم للإسلام، فلكي نستطيع نشر إسلام صحيح لا بد من ترشيد انفسنا وان نصحوا ونفهم واقعنا والمتغيرات من حولنا وعلاقتها بالمتغيرات الدولية. فالقرآن هو مسؤولية العرب أساسا ثم من تبعهم (الزخرف : 44، الجمعة :  2-4)، وسنسأل عنه يوم القيامة امام ربنا.

من حركة الحضارات وتطورها نرى سعيها الدائم إلى رفع قيمة الفرد والحرية والسلم للإنسان بين الناس، حتى لو كانت محاولات شكلية، وحتى لو انهم لم يطبقوا ذلك حرفيا كما أرادوا أو زعموا، ولكن على مستوى التثقيف والإرشاد حاولوا ذلك ، وما زالوا يحاولون ذلك حتى اليوم، ومن الأمثلة عليها هي محاولات انظمة مثل النظام الإشتراكي او الرأسمالي المتمثل في أمريكا والمنظومة الأوروبية والتي من خلالها نرى كم يحاولون ان يرفعوا من هذه القيم الإنسانية، حتى يظن من يزورهم ان الإسلام عندهم بسبب ذلك، ولن نتعرض هنا لدرجة نجاحهم من فشلهم في هذا الأمر، وفقط أذكره لأعود إليه لاحقا

الله تعالى في القرآن الكريم المجيد ذكر أنه جعل الناس أمما ليتعارفوا ولم يجعلهم أمة واحدة، وهنا نواجه أن القرآن أو الإسلام يقبل التعددية والإختلاف الفكري او الأيديولوجي، ولكنه في نفس الوقت قال بما معناه أن الدين عند الله تعالى هو الإسلام ، وهنا تكمن المسألة:  في فهم الإختلاف بلا خلاف في المجتمع الإسلامي.
 فعلينا دراسة هذه المسألة بكل قوة وصحوة وتدبر لكي نجد فهما واضحا سليما للإسلام يقبل بهذا التناقض الشكلي الظاهري بين الآيتين، وبسبب عجزنا في فهم الإسلام بدليل الحركات المتعددة والمذاهب الكثيرة التي تنسب لنفسها اسم الإسلام استلابا لحقوق البقية ممن حولهم، لم نستطع وضع حلول كاملة منهجية علمية لهذه المسائل، وبالذات لمسألة الإختلاف الفكري والمنهجي وتعددها ضمن دولة دينها الإسلام وتتبع القرآن وحده! ولا أنكر ان هناك من طرح حلولا بديلة ولكن اغلبها يدخل ضمن إطار استيراد الحل الجاهز من الغرب او الشرق بلا دراسة تاريخية منهجية وعلمية للوضع العربي الآني والثقافة العربية وغيرها من المتعلقات بالمجتمع العربي، وأغلب هذه المحاولات جائت من حركات ليبرالية وثورية عجزت عن إثبات وجودها على الأرض بسبب عدم قدرتها إقناع الشارع – الذي لم تدرسه تاريخيا وإجتماعيا – بما استوردته من الخارج من حلول لا تنطبق وواقعنا الإجتماعي والتارخي والثقافي كعرب، وهذه الحركات الليبرالية اصبحت هدفا للحركات الإسلامية بسبب صراع البقاء بينهما لا اكثر وليس بسبب صراع الأيديولوجيات، فكلاهما لم يثبت نفسه على ارض الواقع، إلا بالقوة وفرض الذات على الآخر كما رأينا في بعض الدول التي بنيت على اسس ثورية او ليبرالية.

فاستيراد حل جاهز من الغرب او الشرق ليس هو الحل ولا يكون هكذا حل – دائما – صالح خارج "مجتمعه وبيئته" التي خرج منها، والتي كان هو نتاج تطور تاريخي فيها!


ومن ضمن من طرح حلول شبه شاملة كاتب سوداني الأصل، هو محمد ابو القاسم حاج حمد، والذي ساقوم بنشر ما توصل اليه من طرح شامل قد يحتاج بعض التعديلات إن لزم الأمر ولكنها برأيي الشخصي حلول كاملة صالحة للإستخدام والتطبيق على مستوى الفرد والدولة ووضع فيها تصوراته عن كثير من النواحي الإقتصادية والإجتماعية والإنسانية والسياسية، وقام بوضع مفهوم  "كوني" للقرآن معادل بذاته "للكون من حولنا"، وهو سيكون مرجعي الأساسي في دراساتي وبحوثي عن الإسلام.

فكيف يكون للإسلام الذي قبل التعددية في الإختلاف الفكري (شعوبا وقبائل لتعارفوا) أن يكون مجتمعا مسلما في نفس الوقت؟


برأيي أنه يجب علينا العودة للقرآن وقراءته قراءة معاصرة مبنية على المتغيرات الإجتماعية والفكرية والعلمية التي من حولنا بعد إذ تطور العلم والفكر الفلسفي والعلوم الأخرى هذا التطور !
وهذه القراءة لا بد ان تتصف بصفة النقد الجدلي العلمي لكل ما في القرآن وفهم القرآن على انه كتاب يستوعب - لا بد - لكل التطورات التاريخية والإجتماعية والعلمية التي حدثت منذ نزوله المكاني الزماني الإرتباط - ليس عبثا – وانطلاقه ليكون بلا تحديد زماني ومكاني بعد ان جمعه الله تعالى ورتبه كما شاء سبحانه وتمت كتابته تحت إشراف الرسول الكريم، وهذا ما يدل على كون القرآن الكريم كتابا كونيا وليس موضعي المكان وآني الزمان.

وعدم قدرتنا على فهم هذا الواقع الحق في القرآن الكريم لا يعني عجزه الداخلي بل عجزنا نحن عن اكتشاف وفهم ذلك منه ومن خلاله، وذلك يعود إلى الموروث الذي حاربه القرآن نفسه حين أنزل! فالقرآن الكريم نزل ليسترجع الموروث الروحي كاملا منذ آدم حتى آخر رسول قبل محمد عليه السلام وليقوم بتصحيح هذا الموروث ونفيه عن الكتب المنزلة أساسا من توراة وإنجيل، ولكن للأسف الشديد، وقع المسلمون في نفس الخطأ ونفس الإثم فعادوا إلى بناء موروث حول القرآن المصحح والمهيمن على من سبقه من الكتب التي قام بنسخها، واحتواها كاملا، فليس من سبيل التكرار – كما يدعي البعض-  ان الله تعالى قص علينا القصص في بني اسرائيل واليهود والنصارى وغيرها من القصص التصحيحي والناقد لما سبقه من تحريف وموروث فاسد، فقام من اتبع الإسلام بصنع موروث جديد للقرآن الكريم أورثونا إياه وحوى في داخله الموروث نفسه الذي حاربه القرآن الكريم - الإسرائليات - ونسبوا الى الموروث الجديد اسماء مختلفة من تراث سني أو شيعي او تواتر عملي وغيره من الأسماء التي لم يأت الله تعالى بها من سلطان، بل ونسبوا لهذا التراث صفة القدسية حتى لا ينال منه احد !

ومن خلال هذه القرآءة يجب إعادة تحديد المفاهيم الأساسية - الركائز والأسس - للدين الإسلامي الذي اعتبره انا دين كوني شامل عام لا يبلى ولا يكف عن العطاء الكريم كما قال تعالى عن القرآن انه مجيد لا يبلى وكريم معطاء في كل وقت وزمن وعصر

ومن خلال ما توصلت اليه خلال الفترة الأخيرة من حقبتي الثقافية والمعرفية وصلت إلى بعض القناعات الجديدة، وفي اللحظة هذه لن أدعم ما توصلت اليه بآيات القرآن الكريم ، وربما لاحقا بإذن الله تعالى، ومنها :

1. إن جوهر الإسلام المتمثل في القرآن الكريم هو الفرد والحرية الفكرية والسلم على مستوى العائلة والمجتمع والأمة والكون الأرضي.

2. إن الإختلاف الفكري والأيديولوجي بين الناس في المجتمع الإسلامي يمكن حله عبر الأهداف الإنسانية الكونية الآنفة الذكر.

3. بإعادة فهم "التشريعات الإسلامية في القرآن" ودراستها على أنها أطر وليست من العبادات يمكننا أن نحل مسألة الدستور لأي مجتمع إسلامي مختلف الثقافات ومتنوع الإتجاهات الفكرية.

4. إعادة فهم العلاقة بين الفرد - المجتمع - الله تعالى ، من أساس الهدف والغاية الإلهية للخلق وخلق آدم وفك الإبهام عن العبادات بربطها بالأفراد بديلا عن ربطها بالمجتمعات، أي ان العبادات في الأصل مسألة فردية اكثر منها جماعية او اجتماعية، واقصد هنا بالعبادات التي اصلها لنا التراث على انها الدين الإسلامي كله

إعادة فهم الحاكمية في الإسلام من حيث فهم الإسلام جوهرا وعدم قبوله وتجاوزه لحل يعتمد على حرية الفرد المكبوتة و الصراع الطبقي في الحكم - الإشتراكية - أو حل يعتمد على حرية الفرد الغوغائية وحكم الأغلبية - الرأسمالية - بطرح مبدأ الشورى في الحكم وحرية الفرد المبنية على الوعي الشخصي النابع من فهم مراد الله تعالى في تفعيل مقومات الإدراك والوعي من سمع وإبصار وفؤاد ، وإضافة العامل المهم في الوعي الإجتماعي والفردي وهو الروح، والذي لم تستطع النظم الأخرى إيجاده في أفرادهم، وهو عامل ينبع من القرآن الكريم والديانات السابقة نفسها
5.
6. إعادة فهم تركيبة الفرد - الإنسان بكونها مجموع تراكيب الكون من حولنا مضافا إليه الروح - الروحانية :
- جماد - مادة - صخر وتراب وماء ... الخ.
- إحساس - نبات ، فالنبات مادة وإحساس.
- نفس - بهيمة وإنسان ، فالدواب والبهيمة والإنسان مادة وإحساس ونفس (ملهمة التقوى والفجور عند الإنسان فقط)، ولكن المكونات هي نفسها، والله تعالى يسمي بعض الناس دوابا (الأنفال - 22، 55).
- روح - وهي تخص الإنسان فقط ، فالإنسان مادة وإحساس ونفس وروح تسيطر على حركة ورغبة النفس - عامل التقوى المستقى من القرآن الكريم.

ومن خلال هذا المفهوم للإنسان نرى أن الإنسان يبدأ بالتميز عن البهيمة والدواب ، من مرحلة الغريزة إلى مرحلة الروحانية.

والقرآن الكريم - من وجهة نظري - كتاب أتى به الله تعالى إلينا وأورثنا إياه بلا أي معجزات محسوسة مادية - كما من سبقنا من أديان ورسالات - بهدف النهوض الفكري ورفع قيمة الوعي الإنساني بفهم النص من خلال التطور المتغير من حولنا، حسب المعطيات الإجتماعية والفكرية والعلمية في الأرض ، وليس فهمها من خلال النص، ولهذا لا نجد فيه من النكال الإلهي في التشريع كما في دين الإصر والأغلال.

فالنص الأخير الذي ورثناه هو نص فكري نهضوي وليس ساكنا متحجرا ، والوصول إلى الله تعالى ، من خلال عظمة النص - كما اهل شعيب - وليس من خلال فرض النص على الواقع - كما الحركات الإسلامية من حولنا، وهو دين التخفيف عن الإصر والأغلال وليس دين يزيدها.

فالنص لا يجب ان نفرضه على الواقع بل يجب فهم النص من الواقع.

مثال بسيط جدا

الفهم السلفي للذرة والفهم الآني لها!
نحن وجدنا من خلال العلم ان النص حق ولم يخطيء في الذرة مثلا، وليس العكس وإلا قلنا ان النص غير سليم نسبيا لفهم السلف له! ولكن من خلال فهم النص من الخارج يكون التعليل بسيط ، وهو ان معطياتهم التاريخية ( الفكرية والعلمية والثقافية) اوصلتهم إلى مفهوم الذرة على أنها ذرة من رمل أو جزيء أو حبة خرل.
ولو التزمنا بالفهم السلفي لبقينا متحجرين نقول ان الذرة هي تلك التي قالوها !

وأحب أن اضيف هنا شيئا تعلمته من الأخ حاج حمد ربي ارحمه ، ان القرآن هو الكتاب المكتوب في الأرض المحرمة – وليست المقدسة -  وهو الرسالة الأخيرة العلمية – هو علم -  التي في ذاتها تحتوي كل ما يحدث من حولنا من سنن كونية وقوانين حركة نجوم وشمس وقمر وحساب وفلك وجبال وانهر ونبات ودواب وضوء ونور وانفجارات كونية ونهاية الكون نفسه، كلها احتواها الكتاب المكتوب، فهو كتاب احتوى الإنجيل والتوراة وصحف ابراهيم وشرع من سبقنا وحكمة ، وهو احتوى الكتاب المنشور آنفا - الكون - ، ومنه هو كتاب لا بد ان يكون احتوى كل التغيرات التي حدثت وستحدث منذ نزوله بجميع أشكالها، واستيعابه لكل هذه المتغيرات التاريخية والكونية يدل على انه كتاب سبق الزمان والمكان بل احتواهما داخله، وحافظ على جدلية التطور التاريخي للبشرية والإنسانية، وذلك بكونه قول عزيز حكيم، وخبير عليم

فاسترجاع الموروث الروحي السابق للقرآن في القرآن كان سببه هو التجهيز لانطلاقة عالمية علمية قام خلالها القرآن بمعالجة التحريف للحدث كحدث، ومعالجة هدف الحدث نفسه كذلك (مثل الإفتراء بأن ابراهيم اراد ذبح ابنه ).

فالله تعالى خلق الإنسان واستخلفه ليس عبثا، فلقد اعطى ذلك الإنسان مقومات الوعي اللازمة له لكي يكمل طريقه في الأرض، وسخر له ما في الأرض جميعا وما حوله من الكون !
ونحن جميعا مسؤولين امام الله تعالى عن مقومات وعينا وإدراكنا التي ميزتنا عن الدواب، من سمع وإبصار وفؤاد، كما قال تعالى، وان لا نجعل من السمع أذن بلا وعي (الحاقة - 12) ومن الإبصار نظر بلا بصيرة ومن الفؤاد فراغ بلا علم

وهذه فقط رؤوس أقلام لنظرتي الآنية لمعنى الإختلاف الفكري والتعدد المنهجي ضمن مجتمع مسلم في بحثي عن الإسلام.

 


 

والله المستعان

 

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة.

 

مراجع :

* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم

* كتب ومؤلفات الكاتب محمد ابو القاسم حاج حمد

(1)
هل الإسلام يقر الفرقة والاختلاف مثلما نعيش -  احمد شعبان في السبت 22 سبتمبر 2012

http://www.ahl-alquran.com/arabic/show_article.php?main_id=10164

اجمالي القراءات 30296